خاطرة الجمعة /485
الجمعة 7
فبراير 2025م
(لا تفريط ولا إفراط)
حدث إعصارٌ في «ليبيا» قبل نحو سنتين، كان كارثةً وصفتها إحدى الصحف بأنها
حوّلت «درنة» من مدينةٍ تغسل قدميها في «البحر الأبيض المتوسط»، إلى عالَمٍ من
الجثث والرُكام والثكل العابر للشوارع والبيوت، وصار يوم حدوث ذلك الإعصار يؤرخ
للموج الغاضب، ولقنبلة الماء التي حوّلت المدينة الشاطئية إلى بحرٍ من الآلام غرقت
فيه الشوارع والمنازل؛ إذ أن عماراتٍ كاملةً ألقى بها الفيضان في مياه البحر، وطغى
ماء السدود والفيضانات على البنايات العالية، والتقى مع مياه الأمطار وأمواج البحر
على أمرٍ قد قُدِر، ولم يكن من جاريةٍ ولا ذات ألواحٍ ودُسر لإنقاذ الغارقين. كانت
أصوات الفيضانات مُخيفةً جداً، يشقها صوت الصُراخ، وخصوصاً أصوات النساء اللواتي
تقاذفهن الموج مع أطفالهن وأُسرهن كما يطفو الزبد فوق الموج الهادر. جَرَف الماء
كل ما في طريقه، وارتقى إلى المنازل الشاهقة، بعد أن ارتفعت أمواج البحر إلى أكثر
من ثلاثين متراً، وقضت على أحياء وعائلاتٍ، قبل أن تعود القهقرى، تاركةً علامات
الموت في طُرقات «درنة» الدامية، فضلاً عن مئات السيارات التي تحولت إلى قبورٍ
مُغلقةٍ على أصحابها، بسبب محاولات أعدادٍ هائلةٍ من الأُسر الفرار في سياراتهم
خلال اللحظات الأولى للكارثة، مما أربك حركة المرور، وقلَّل فرص النجاة، حيث شاءت
الأقدار أن تجرفهم السيول جميعهم وهُم في سياراتهم نحو حوض الميناء البحري، وإلى
أعماق المياه. حوالي ٨% من سكان المدينة باتوا في عِداد الموتى والمفقودين، أما النازحون
من المنازل المهدمة فقد فاقوا أربعين ألف شخصٍ، يُعبِّر كل واحدٍ منهم عن قصةٍ من
الرُعب والحُزن واليُتم والثكل؛ فَيَدُ الموج الغاضب ضربت بعنفٍ كل بيتٍ بالمدينة،
ومزقت جدار كل صبرٍ منيع.
وهذه قصَّةٌ روتها واحدةٌ من الفتيات الناجيات من الإعصار، أنقلها
باختصارٍ، كتبت تقول:
في ذلك اليوم استيقظتُ فجراً كما أُحب دائماً، صليتُ وقرأتُ أذكاري ووِردي،
إلى أن حان موعد صلاة الضُحى فقمتُ وصليتُ. ومضى يومنا جميلاً هادئاً حتى وقت
الغروب؛ حين لاحظتُ -بعد أن صليتُ- أن السماء بدأت تُمطر بغزارةٍ، وهذا أمرٌ غير
مُعتادٍ في هذا الوقت من السنة. انتابني شعورٌ بأن ثمة شيءٍ غريبٍ سيحدث! صليتُ
العشاء وقلتُ في نفسي أنام ثم استيقظ الرابعة فجراً لقيام الليل. قرأتُ أذكاري ونمتُ
ساعتين، وصوت المطر يعلو، والرياح أصبحت شديدةً جداً لدرجةٍ لا توصف! الرعد والبرق
في تزايد؛ استيقظتُ بقلبٍ يرتجف، قلتُ: "يا ويح نفسي؛ أأنام وآيات الله أراها
عياناً حولي؟!". توضأتُ وقضيتُ ساعةً بين صلاةٍ واستغفارٍ وتلاوةٍ للقرآن.
أصوات الرياح تزداد؛ تحولت من رياحٍ عادِيّةٍ إلى رياحٍ عاتيةٍ شديدة الهبوب، ثم
بدأ الماء يدخل إلى المنزل بالتدريج. خرج أخي ليطمئن على سيارته أنها لم تغرق؛ فهي
أغلى ما يملك! أُمي تطمئن على أن السِجاد لم يتبلل! أُختي رأت أن تذهب لتنام في
الطابق السُفلي بعيداً عن ضجيج العائلة وصوت المطر! أما أنا فبقيتُ جالسةً على
سجادة الصلاة أبكي وأتضرع: "إن كان بلاءً فيا ربِ خفِّف، وإن كان مُجرد مطرٍ
فيا ربِ أنزل السكينة والطُمأنينة على قلبي"؛ فقد كنتُ أُعاني حينها من ضربات
قلبٍ شديدةٍ زادت تخوفي! خرجتُ من غُرفتي فرأيتُ أخي يُريد النزول ليطمئن على
سيارته وعندما فتح باب المنزل كانت الصدمة؛ الماء يتدفق بغزارةٍ داخل المنزل،
وأُختي نائمةٌ في الطابق السُفلي؛ فنزل أخي مُسرعاً ليوقظها، وصرخات أُمي تُنادي
عليها! سمِعت أُختي صراخنا فأرادت الخروج من باب الشقة السفلية وإذا بباب المنزل
ينقلع من مكانه ويأتينا سيلٌ من الماء، من رحمة ربي أن انقلاع الباب لم يأتِ
بصورةٍ مُستقيمةٍ وإلا ماتت أُختي حينها، أرسل أخي يده فتشبثت أُختي بها بسرعةٍ،
وفي لمح البصر وصل الماء إلى الطابق الثاني! ذهبنا مُسرعين إلى الطابق الثالث، ثم
خرجنا إلى سطح المنزل! الماء يعلو، والأمطار تتزايد. صعِدنا لأعلى قُبةٍ في المنزل
بجوار خزان الماء. السماء فوقنا مُباشرةً، وسيول الماء تعلو تحتنا، ويعلو صراخنا:
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، الرجال
كالنساء؛ الكل يبكي وبشدةٍ، فالموت أمامنا لا محالة! حينها كنتُ أتذكر أعمالي،
وبماذا سألاقي ربي؟ ماذا أعددتُ لهذه اللحظة؟ هل ربي راضٍ عنّي؟ ماذا عن حجابي؟ هل
كان كما يُحبّ الله؟ لم أمنح في حياتي للقرآن وقت اًكثيراً؛ هل سأموت شهيدةً
ويتقبلني ربي من الشُهداء؟ وقفزت إلى ذهني الآيات التي تحكي قصة طوفان نوح عليه
السلام. ومَن كان منزله مِن طابقٍ واحدٍ انجرف تحت السيل العارم وكان من
المُغرقين! رأيتُ الأهوال كأنها أهوال يوم القيامة، وفي تلك الساعة أصبح الجميع
يلهج بالشهادتين: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله".
الجميع يستغفر ويتوب من شدة ما رأى. لم اهتم بأبي ولا أُمي ولا أخوتي، فنفسي وحدها
كانت شُغلي الشاغل! وتذكرتُ: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ
وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ
شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ وصدق الله العظيم؛ فقد كان لي شأنٌ يُغنيني، فإما جنةٌ أو نارٌ!
ثلاث ساعاتٍ قضيناها تحت هذا الرُعب، يعجز اللسان عن وصف ما فيها من خوفٍ ورجاء،
وكلنا بين ساجدٍ ومُتضرعٍ يناجي ربه، وأصبحت أصواتنا تعلو نُنادي: ﴿يَا أَرْضُ
ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾، فما رفعتُ رأسي من السجود إلا وسمعتُ
جارنا الذي يعلونا بطابقٍ يقول: "منسوب المياه قلّ"؛ فحمدنا الله
وشكرناه، وسألناه أن يُسخِّر لنا من يأتي لإنقاذنا. كبَّر المؤذن لصلاة الفجر،
صلينا الفجر على سطح المنزل تحت المطر الخفيف. بكيتُ كثيراً لأنها كانت أول مرةٍ
أصعد فيها إلى سطح المنزل المكشوف دون خِمار! دعوتُ ربي بأسمائه الحُسنى وصفاته
العُلى أن يسترني دُنيا وآخرة، وأن يرفع عنا البلاء، وأن يغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا،
وأن يشملنا بعفوه ورضاه؛ وأن يُحسن خاتمتنا، ويتقبل منا أعمالنا الصالحة، ويغفر
لنا زلاتنا. ناجيتُه بكل عملٍ صالحٍ قدمتُه، وتذكرتُ ذنوبي فاستحييتُ منها ومسني
الخجل، فسألته المغفرة وأن يُعاملنا بما هو أهلٌ له، ولا يُعاملنا بما نحن أهلٌ
له. كان لديّ يقينٌ تامٌ أن الله سُبحانه وتعالى مُنجينا، وأنّ خلف هذا البلاء
حكمةً ربانيةً عظيمةً! لكني كنتُ خائفةً من نفسي التي بين جنبيّ أكثر من أي شيءٍ
آخر؛ خفتُ أن أكون ممن يذكر الله خالصاً وقت الشدة وينساه وقت الرخاء؛ فيا ويحَ
نفسي إن هي عادت للتقصير في حق الله! أتممنا صلاة الفجر وانتظرنا الشروق.. توقف
المطر، ومنسوب المياه قلَّ، وتوقفت الرياح، وأنا أُردد: "اللهم برداً
وسلاماً، اللهم شمساً مُشرقةً". وفعلاً أشرقت الأرض بنور ربها؛ وسُجّل ذلك اليوم
على أنه يومٌ لا يُنسى، ولم يُرَ مثيلاً له من قرونٍ عدة! نزلنا من القبة العالية
بجوار خزان المياه إلى سطح المنزل فنظرتُ إلى شارعنا ورأيتُ الدمار؛ وكأن آية ربّي
في قوم عادٍ تحققت فينا: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾، فلم أرَ
حينها سوى بعض المساكن، ولم يسلم بيتٌ واحدٌ من الغرق والخراب. ذهبت سيارة أخي
الفاخرة فوق الشجرة، وسيارات الجيران كل واحدةٍ في مكان، والأرض مليئةٌ بجثث
الموتى، حتى أن الطابق الأول من منزلنا وجدنا فيه جثتين لفتاتين شابتين! كل البيوت
تهدمت، كل المُمتلكات ضاعت! والسعيد الوحيد هو ذاك الذي رأى نفسه وأهله جنبه ولم يغرق
أحدٌ منهم! ذهب التعلق بالدنيا وذهب حُبها من قلبي! المدينة تهدمت، الأحياء
القريبة من الوادي الذي انفجر تهدمت بالكامل واستوت مع الأرض! كل شيءٍ تحول لونه
بنياً كلون الطين! خرجنا هاربين من منازلنا خوفاً من انهيارها فوق رؤوسنا، لم اهتم
بملابسي ومُقتنياتي ولا بجوالي الذي كان يُرافقني أينما كنت! المهم عندي كان نقابي
ولباسي الشرعي؛ أُريد الستر لا أكثر. سِرنا حُفاةً نُصارع الأرض المُبللة والطين..
مررنا بجانب بيت جارنا الذي مات كل أفراد أُسرته بالكامل. دموعٌ تُذرف وقلوبٌ
ترتجف، والحال لا يوصف! ودَّعنا كل شيءٍ، ودَّعنا الأحياء والأموات، ودَّعنا
الذكريات؛ ودَّعتُ غُرفتي ونافذتها التي تُطل على ما كانت نباتاتٍ خضراء! ودَّعتُ
كُتبي وأقلامي وذكريات الطفولة، ودَّعتُ سَكَني ومسكني وملاذي الآمن، ودَّعتُ
سجّادة صلاتي ومُصحفي! لم يتبقَ لي شيءٌ، إلا العمل الصالح وأهلي!
الآن انتهت الحكاية، وأُسْدِل الستار على المدينة والحيّ الذي كنتُ أسكن
فيه! ورحم الله تعالى الأموات، وربط على قلوب ذويهم، والحمد لله رب العالمين،
اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه، واخلف لنا خيراً منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أحبتي في الله.. القصة مليئةٌ بالدروس والعِبر، لكن أكثر ما لفت انتباهي
قول الراوية: "ذهب التعلق بالدنيا وذهب حُبها من قلبي"، وأثار هذا القول
فكرة الاعتدال، والوسطية، والموازنة بين الدنيا والآخرة، وتذكرتُ العبارة المشهورة
(لا تفريط ولا إفراط)، كما تذكرت قول الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ
اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، وقوله
سُبحانه: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. تذكرتُ أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: [مَنْ
كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، جَمَعَ اللهُ لَهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا
هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ
يُؤْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ]. وهذه جميعها نصوصٌ توضح
وبجلاء أن ديننا الحنيف لا يدعو المؤمن إلى ترك الدنيا بالكُلية وراء ظهره ويتفرغ
لأعمال الآخرة، كما أنه لا يُجيز أبداً إهمال ما يُفيد المُسلم في آخرته الأبدية
واهتمامه فقط بأمور دنياه الزائلة، بل ومع فكرة الموازنة بين الدنيا والآخرة،
ومقولة (لا تفريط ولا إفراط) فإن المُفلحين والفائزين هُم مَن يُقدِّمون حرث
الآخرة على حرث الدنيا؛ يقول تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا
وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾، ويقول سُبحانه: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا .
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا
قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
[مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ
وَتَرَكَهَا]. ونهياً عن التعلق بحُب الدنيا ونسيان الآخرة؛ يقول الله عزَّ وجلَّ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ﴾.
يرى أهل العلم أن على المسلم أن يأخذ بالأسباب ويبذل الوِسعَ في تحصيل
الرزق الحلال، ويُعمِّر الأرض بما يُرضي الله جلَّ وعلا، يستمتع بدنياه استمتاعاً
لا يضر بدينه ولا بآخرته بغير تفريطٍ ولا إفراط؛ ومَنْ جعَل همَّه الأكبر الآخرة
والعمل لها كفاه اللهُ هَمَّ دنياه، ومن استولت عليه الدنيا واستولت على قلبه
وجعلها همَّه عاش عبداً أسيراً لها مُشتتَ البالِ، لا يقنع بقليلٍ ولا يسعد بكثير؛
فالإسلام يمزُج في تعاليمه بين دعوته إلى تحقيق مصالح الدين وتحقيق مصالح الدنيا،
ويجعل هاتين المصلحتين مُتلازمتين لزوم الروح للجسد، غير أنه وضع ضوابط لطلب
الدنيا، تتلخص هذه الضوابط في طلبها لغاياتٍ ساميةٍ نبيلةٍ، منها: أن يصون الإنسان
نفسه عن الحاجة، وينأى بنفسه عن المسألة، ويوفر لعياله ما يحتاجون إليه، ويتوفر عنده
ما يُمكِّنه مِن مَدِّ يد العون والمُساعدة إلى مَن كان في حاجةٍ إلى معونته ومُساعدته،
وأن يكون طلبها من طريقٍ حلالٍ مشروعٍ، وألا يكون للتفاخر والتكاثر فحسب، فإن
توافرت تلك الضوابط كان طلب الدنيا حينئذٍ عبادةً يُثاب عليها المرء أحسن مثوبةً
عند الله عزَّ وجلَّ.
أحبتي.. المُتبصِّر في حال البعض اليوم يجد منهم تفريطاً في أعمال الآخرة،
وإفراطاً شديداً في حب الدنيا والانشغال بها، هواهُم في نَيْلِها، وغايةُ مُناهم
في السعي لها، فلا هَمَّ عندهم إلا هذه الدنيا، لكن العاقل هو مَن كان شعاره (لا
تفريط ولا إفراط)؛ فيتخذ مِن حياته مزرعةً لآخرته، لا يُغلِّب عليها دنيا، ولا يُقدِّم
عليها شهوةً ولا هوى؛ مُتدبراً قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ
بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾، مُنتبهاً إلى ما ينفعه في آخرته وإلى قوله عزَّ وجلَّ:
﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ﴾، وقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: [كُنْ فِي الدُّنْيَا
كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ]؛ فلا يكون مُفرِّطاً تُلهه دنياه عن
آخرته، ولا يكون مُهملاً شئون دنياه إهمالاً تاماً فيكون قد خالف شريعة ربه وسُنة
نبيه. إن ديننا دين الوسطية والاعتدال، ونهجنا هو (لا تفريط ولا إفراط).
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ،
واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق