الجمعة، 13 يناير 2017

هجر القرآن

الجمعة 13 يناير 2017م

خاطرة الجمعة /٦٦
(هجر القرآن)

اقترب بهدوء من الإمام بعد انتهاء صلاة العشاء وقال له: "أتأذن لي فضيلتك بسؤال؟"، قال الإمام: "تفضل"، سأله: "هل ما قرأت بعد الفاتحة كان من القرآن الكريم؟"، اندهش الإمام من السؤال وحاول جاهداً ألا يشي وجهه باندهاشه، حملق في السائل ليتأكد من جديته، فرأى أمامه رجلاً كبيراً في السن وقوراً سَمْتُه يدل على أنه من ذوي المكانة الرفيعة، علامات الجدية الظاهرة على وجهه لا تخطئها عين، رد عليه بسرعة وحزم: "بالتأكيد؛ ما قرأته في الركعتين كان آيات من القرآن الكريم"، سأل الرجل بهدوء: "من أي سورة؟"، أخبره الإمام باسم السورة التي كان يقرأ آيات منها، فانصرف السائل شاكراً!
هذه ليست طرفة سخيفة، وليست قصة مختلقة، بل هذا موقف حدث بالفعل منذ عدة شهور في مُصَلى واحدٍ من أندية النخبة بالقاهرة، والموقف رواه لنا من كان يؤم المصلين يومها.
تذكرت هذا الموقف وأنا أقرأ قوله تعالى في سورة الفرقان: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾.
لا أقسو على الرجل ولا أتهمه في دينه ولا أحكم عليه؛ فقد يكون عند الله سبحانه وتعالى أفضل منا، أما الموقف فقد أثار في ذهني عدة ملاحظات، ثلاث منها عن الرجل، وواحدة عن الإمام، والأخيرة عن الشأن العام:
فالرجل كان أميناً مع نفسه صادقاً مع غيره ولم يستحِ أن يسأل رغم الحرج البين في السؤال. وقد ورد في الأثر أن "الْعِلْمُ خَزَائِنُ وَمِفْتَاحُهُ السُّؤَالُ، فَسَلُوا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ: السَّائِلُ وَالْمُسْتَمِعُ، وَالْمُعَلِّمُ، وَالْمُجَابُ لَهُمْ".
ثم إن الرجل قد ترك ما يستمتع به في النادي حتى يتمكن من أداء فريضة الصلاة على وقتها مع جماعة المسلمين، رغم أن وقت صلاة العشاء متسعٌ كما هو معلوم.
فضلاً عن أن تقدم الرجل في العمر وكبر سنه لم يحولا بينه وبين أن يكون في موضع طالب علمٍ ومعرفة. وهذه كلها ملاحظات تُحسب للرجل ولا تُحسب عليه.
أما عن الإمام فقد كان رد فعله رائعاً؛ لم يُشْعِر السائل باستهجانه السؤال، وأخفى قدر إمكانه ما يمكن أن يبدو للسائل على أنه استغراب أو استنكار، ثم إن كلماته كانت حاسمة وقاطعة.
وفيما يتعلق بالشأن العام، تساءلت بيني وبين نفسي: هل يمكن لمسلمٍ أن تنقضي حياته، أو جزءٌ كبير منها، ولم يقرأ القرآن الكريم كاملاً ولو لمرة واحدة؟ كم يا تُرى عدد المصاحف في بيت كلٍ منا؟ وكم منها نفتحه ونقرأ فيه؟ وكم مسلم يقرأ في مصحف يضعه في سيارته أو على مكتبه أو في مكتبته؟ وكم من مرةٍ لا نجد أفضل من المصحف هديةً في العديد من المناسبات؟ هل منا من توقفت علاقته بالقرآن الكريم عند حدود ما درسه منه أيام الدراسة؟ وكم من المسلمين لا يستمع إلى القرآن يُتلىَ إلا عند حضوره سرادقات العزاء مجاملاً؟ هذه الأسئلة وغيرها توالت على ذهني وأرقتني وأنا أتلو الآية الكريمة في سورة الفرقان عن شكوى الرسول عليه الصلاة والسلام لرب العزة عن (هجر القرآن).

أحبتي في الله .. القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، المعجز المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، المُتَعَبدُ بتلاوته، المبدوءُ بسورة الفاتحة والمختتمُ بسورة الناس، والمُتَحدىَ بأقصر سورةٍ منه. هو مرشدُ الأمة ودليلها إلى خيري الدارين. نُقل إلينا متواتراً عن جبريل أمين الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صحابته الكرام عن التابعين وأئمة القراءة، حتى وصل إلينا كما أنزله الله، تصديقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾.
والقرآن الكريم مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مسموع بالآذان، له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرة وردت بنص الآيات الكريمة حتى أن الإمام الفيروزبادي ذكر للقرآن مائة اسمٍ وصفة. فمن أسمائه: القرآن، الذكر، الفرقان، التنزيل، الكتاب، وكلام الله. أما صفاته فمنها: الكريم، المجيد، العظيم، الحق، المبارك، المبين، والنور.
القرآن الكريم الذي نتحدث عنه هو معجزة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو خير الكلام وأحسنه وأصدقه وأنفعه، وهو وحي الله وتنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أفضل كتاب أنزله الله تبارك وتعالى على أفضل رسول؛ على عبده ومصطفاه وخير خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى عن القرآن الكريم: ﴿الَم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، وقال: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾.
هو كتاب الله رب العالمين، وكلام خالق الخلق أجمعين، فيه نبأُ ما قبلنا، وخبرُ ما بعدنا، وحُكْمُ ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جَبَّارٍ قَصَمَه الله، ومن ابتغى الهُدَى في غيره أضله الله، وهو حبلُ الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تَزيغُ به الأهواء، ولا تلتبسُ به الألسن، ولا يَشبعُ منه العلماء، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبُه، من قال به صَدَق، ومن عَمِلَ به أُجِر، ومن حَكَمَ به عَدَل، ومن دَعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم.
حتى أعتى أعداء الإسلام من كفار قريش، وهم أهل اللغة والبلاغة والفصاحة، لم يروا في القرآن الكريم إلا معجزةً ليست من صنع بشر؛ فهذا الوليد بن المغيرة يصف القرآن بقوله: "واللَّه إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، وما يقول هذا بشر".
نَزَّل الله القرآن الكريم وتكفل بحفظه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، يقول عنه المولى عز وجل: ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ*لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وتحدى الله سبحانه الإنس والجن أن يأتوا بمثله؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾، تتجلى عظمته في أثر مجرد السماع إليه عند نزوله حيث كان هادياً إلى الحق والطريق المستقيم؛ يقول تعالى: ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الْحَقِّ وَإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، أما الاستماع إليه فقد كان أثره عجيباً؛ يقول جل وعلا على لسان نبيه الأمين: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا﴾، ويكفي شهادةً بعظمة القرآن الكريم الصفة التي وصفه بها المولى سبحانه وتعالى حيث يقول: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ﴾. والله سبحانه ما أنزل كتابه إلا ليتدبَّره قارئوه، ويفقهه تالُوهُ، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وعن فضل القرآن الكريم قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ: ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ]، وقال: [إنَّ الَّذِي لَيْسَ في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالبَيْتِ الخَرِبِ]، وقال كذلك: [إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ]، وقال لأبي ذر: [عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء]، وقال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: [هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده]، وقال: [مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لاَ أقول: {ألم} حَرفٌ، وَلكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ].وقال: [اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ]، وقال أيضاً: [يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا] .. فهل من عاقلٍ يُضَيِّع على نفسه كل ذلك الثواب؟
أحبتي .. إذا كان الجماد الذي نفترض فيه عدم الإحساس يخشع ويتصدع من خشية الله لو أُنزل عليه القرآن؛ يقول عز وجل: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾، فما بال البعض منا لا تخشع قلوبهم له ولا تلين جلودهم لذكر الله؟ أليسوا ممن قال عنهم الله عز وجل: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه﴾؟ متى نصل لأن نكون من بين من مدحهم الله سبحانه بقوله: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾؟
وإذا كان المسلمون، من غير العرب، يبذلون الغالي والنفيس ليتعلموا لغة القرآن حتى يستطيعون قراءته وتلاوته وفهم معانيه، آملين حصول الأجر الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: [الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران]، فأولى بنا نحن العرب أن نحرص على قراءة القرآن الذي نزل بلغتنا، وتلاوته على الوجه الصحيح؛ يكفينا تشريفاً أن يقول المولى عز وجل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. لقد أمر الله رسوله بتلاوة القرآن في أول نزول القرآن، في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾، وكل أمرٍ للرسول صلى الله عليه وسلم هو أمرٌ لجميع المسلمين إلى قيام الساعة ما لم يكن أمراً خاصاً بالرسول؛ فتلاوة القرآن وقراءته عبادةٌ يُؤْجَر المسلم عليها مثل سائر العبادات، ويتضاعف أجره أكثر بتلاوته مع التدبر.

أحبتي .. إن (هجر القرآن) تقصيرٌ كبيرٌ في حق أنفسنا؛ فالله سبحانه وتعالى غنيٌ عن عبادتنا، غنيٌ عنا، وغنيٌ عن العالمين .. تَعَّبُدُنا بالقرآن لأنفسنا .. فلنتواصى بتعهد القرآن وتلاوته ولتكن البداية بعدة دقائق كل يوم، هل من الصعب أن يقرأ المسلم منا مهما كانت مشاغله صفحة واحدة أو صفحتين اثنتين يومياً من المصحف الشريف؟ كم يحتاج إلى وقتٍ لذلك؟ خمس دقائق؟ عشر دقائق؟ من أصل أكثر من ألف وأربعمائة دقيقة في اليوم الواحد؟!!! يقضي معظمنا أضعاف هذه الدقائق المعدودة فيما هو أقل شأناً بكثير: مشاهدة تلفاز، دردشات على مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك، حتى إن البعض لو اتصل به رئيسه في العمل أو مديره ساعةً كاملةً كل يوم ما اشتكى ولا مَلَّ بل تراه سعيداً مستبشراً يتفاخر ويتباهى ..أخشى أن يكون هؤلاء ممن تشير إليهم الآية الكريمة: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾. ألا يخجل أحدنا أن تمر الأيام والأسابيع والشهور دون يقرأ في مصحفه؟ ألا يستحي أن يكون أجله قد اقترب ولم يُتِم قراءة القرآن الكريم كاملاً ولو مرةً واحدةً في حياته كلها؟

يا من فاتته هذه الأوقات الثمينة، ما تزال أمامك فرصةٌ لتدارك الأمر .. هل تعلم أنك لو قرأت صفحتين اثنتين فقط من القرآن الكريم كل يوم يمكنك إتمام قراءة المصحف كاملاً في قرابة عشرة أشهر؟ أبشرك .. ستحس وقتها بالسكينة، وتلمس بنفسك بركة قراءة القرآن، ومع كثرة قراءتك للقرآن يتولد لديك حس الاستمتاع بقراءته ولذة تلاوته، وتغشاك راحةٌ نفسيةٌ واطمئنانٌ في القلب، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ .. ابدأ اليوم .. لا تُسَوِف ولا تؤجل .. انضم لركب الأتقياء ولا تتخلف عن اللحاق به؛ فوجهته رضا الله سبحانه وتعالى وجائزته الكبرى الجنة بإذن الله .. واعلم أننا كنا مثلك فَمَنَّ الله علينا، ولعل الآية الكريمة تصف لك حالنا: ﴿كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، ووفقنا لتلاوته والعمل به آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا. اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه. اللهم اجعل القرآن لنا هدى ونوراً ورحمة، ولا تجعله علينا وبالاً وحُجَّة ونقمة. اللهم اجعل القرآن العظيم لقلوبنا ضياءًَ. اللهم اجعله لأبصارنا ضياءً، ولأسقامنا دواءً، ولقلوبنا شفاءً، ولذنوبنا ممحِّصاً، وعن النار مخلِّصاً، وفي القبر مؤنساً، وعند الصراط نوراً، وإلى الجنة رفيقاً، وبيننا وبين النار حجاباً وستراً، واجعله شاهداً لنا لا علينا.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.


https://goo.gl/G2KVG2