الجمعة، 29 سبتمبر 2023

وراء كل بلاءٍ حكمة ربانية

 خاطرة الجمعة /414

الجمعة 29 سبتمبر 2023م

(وراء كل بلاءٍ حكمة ربانية)

خلّف إعصار «دانيال» الذي ضرب «ليبيا» قبل عدة أيامٍ مئات القتلى والمفقودين في أكبر كارثةٍ من نوعها تشهدها «ليبيا» منذ 40 عاماً. وصل عدد قتلى الفيضانات التي نجمت عن الإعصار المدمر في «درنة» وحدها إلى 20 ألف شخصٍ، واختفت أحياءٌ بأكملها في البحر عندما اجتاحت سيولٌ من المياه فيما يشبه التسونامي المدينة الساحلية في شرق «ليبيا». ووصف الناجون الوضع بأنه يتجاوز الكارثة.

فتاةٌ من مدينة «درنة» نجت من أهوال الإعصار كتبت تصف ما حدث:

بسم الله وحده وبعد: في يوم الأحد العاشر من سبتمبر الجاري استيقظتُ فجراً كما أحب دائماً، صليتُ وقرأتُ أذكاري ووِردي، لنقُل إن هذا اليوم حاز الترتيب الأول في كونه مُرتباً عن سائر أيام هذا العام؛ قُمتُ بالرياضة لمدة ثلاثين دقيقةً، سعادةٌ ونشاطٌ مع أنغام أنشودة "ماضٍ كالسيف"، أعددتُ الشوفان، وأخذتُ ساعةً من دراسة محاضرة "نساء وولادة" التي تغيبنا عنها يوم السبت نتيجة إعلاناتٍ سابقةٍ عن إعصارٍ شديدٍ قادمٍ، لم يأبه لأمره أحد! حان موعد صلاة الضُحى فصليتُ

ثم قمتُ بأعمال المنزل من تنظيفٍ وترتيبٍ وتنسيقٍ بروحٍ مبهجةٍ سعيدةٍ بإنجازات يومها اللطيف، وقلبٍ مليئٍ بالحَمْد والشُّكر على نِعمة الإيواء والمنزل والأهل. جاءت الرابعة عصراً، وبعد صلاة العصر جلستُ أنا والعائلة، واحتسينا القهوة مع أصوات الضحكات والمزاح اللطيف. بعد المغرب قمتُ أنا وصديقتي على التليجرام بتكرار ما تيسر من سورة يونس لمدة ساعةٍ كاملة.

بدأت شبكة الإنترنت تضعف تدريجياً بسبب الأمطار الغزيرة غير المعتادة؛ فهي أمطارٌ غزيرةٌ في شهر سبتمبر، ومع ذلك فقد اعتدنا على صوتها. أحب المطر وأحب أن أتبلل بقطراته، لكن هذه المرة لم أُرد رؤيته أبداً، ولم أخرج لتمسني قطرةٌ واحدةٌ منه؛ كنتُ أشعر أنه ثمة شيءٍ غريبٍ سيحدث! صليتُ العشاء وقلتُ في نفسي أنام ثم استيقظ الرابعة فجراً لقيام الليل. كتبتُ قبل نومي إنجازات اليوم، ثم وضعتُ مذكرتي جانباً، قرأتُ أذكاري ونمت! ساعتان وصوت المطر يعلو، الرياح أصبحت شديدةً شديدةً لا كلام يصفها! الرعد والبرق في تزايد، استيقظتُ بقلبٍ مرتجفٍ، قلتُ: "يا ويح نفسي؛ أأنام وآياتُ الله أراها عياناً حولي؟". توضأتُ وطرحتُ سجادة الصلاة أمامي، ثم أتيتُ بمصحفي. قُضيت ساعةً بين صلاةٍ واستغفارٍ وتلاوة القرآن. كنتُ قد تلوتُ آيات سورة الأحقاف: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾ وتأملتُ كيف عذبهم الله بالرياح والأمطار ﴿قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، ثم آتيتُ على كلمة ﴿تُدَمِّرُ﴾ فناديتُ: "أتراكَ يا ربِّ تدمرنا؟! أترانا نرى ما رأى قوم عادٍ ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ أترانا نحنُ مُجرمين؟!".

أصوات الرياح تزداد، تحولت من رياحٍ عادِيّةٍ إلى رياحٍ عاتيةٍ شديدة الهبوب! بدأ الماء يدخل إلى المنزل بالتدريج! يذهب أخي كل عشر دقائق ليطمئن على أن سيارته لم تغرق؛ فهي أغلى ما يملك، وفيها ماله وممتلكاته! أمي تطمئن على السجاد بأنه لم يتبلل! أختي رأت الحل أن تذهب لتنام في الطابق السفلي بعيدةً عن ضجيج العائلة وصوت المطر! أنا على سجادة الصلاة أبكي وأتضرع: "إن كان بلاءً فيا رب خفِّف، وإن كان مجرد مطرٍ فيا رب أنزل السكينة والطمأنينة على قلبي"؛ فقد كنتُ أُعاني حينها من ضربات قلبٍ شديدةٍ زادت تخوفي! خرجتُ من غرفتي وقت أن أراد أخي النزول ليطمئن على سيارته للمرة العاشرة، يفتح وميض الضوء تجاه باب المنزل، وهنا كانت الصدمة؛ الماء يتدفق بغزارةٍ داخل المنزل، وأختي نائمةٌ في الطابق السفلي، ذهب أخي مسرعاً ليوقظها، صرخات أمي تعلو تُنادي عليها، سمِعت أختي صراخنا أرادت الخروج من باب الشقة السفلية وإذا بباب المنزل ينقلع من مكانه فيتدفق سيلٌ من الماء، من رحمة ربي أن انقلاع الباب لم يأتِ بصورةٍ مستقيمةٍ وإلا ماتت أختي على الفور. أرسل أخي يده كي تتشبث أختي بيده بسرعةٍ، وفي لمح البصر وصل الماء إلى الطابق الثاني؛ فذهبنا مسرعين إلى الطابق الثالث ثم خرجنا إلى سطح المنزل! الماء يعلو والأمطار تتزايد؛ صعِدنا إلى أعلى قُبة المنزل بجوار خزان المياه. السماء فوقنا مباشرةً وسيول الماء تعلو تحتنا. احتمال أن ينهدم المنزل صارت كبيرةً جداً؛ لوقوعه في بيئةٍ ترابيةٍ رطبةٍ. صراخنا يعلو: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، الرجال كالنساء؛ الكل يبكي وبشدة، الموت أمامنا لا محالة! حينها لم أفكر في خِزانة ملابسي، ولا نوع الطعام المفضل لدي! لم آبه بإكسسواراتي المفضلة! ولا فلانةٌ لماذا لم تتصل بي، ولا حتى بهاتفي! كنتُ فقط أتذكر أعمالي وبماذا سألاقي ربي؟ ماذا أعددت لهذه اللحظة؟ هل ربي راضٍ عنّي؟ ماذا كان حجابي؟ هل كان كما يُحبّ الله؟ لم أمنح في حياتي للقرآن وقتاً كثيراً

هل سأموت شهيدةً ويتقبلني ربي من الشهداء؟ أم غير ذلك؟! ظللتُ أردد آيات قصة نوحٍ عليه السلام: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ . قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾، ومن كان منزله من طابقٍ واحدٍ انجرف تحت السيل وكان من المُغرقين!

رأيتُ أهوالاً كأنها أهوال يوم القيامة

﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾. في تلك الساعة الجميع يلفظ كلمة التوحيد، الجميع يستغفر ويتوب من شدة ما يرى. لم اهتم بأبي ولا أمي ولا إخوتي؛ كانت نفسي هي شغلي الشاغل: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾، وأنا لي شأنٌ يُغنيني عن غيري؛ فإما جنةٌ أو نارٌ لا ثالث لهما! ثلاث ساعاتٍ قضيناها تحت هذا الرعب، يعجز اللسان عن وصف ما فيها من خوفٍ ورجاءٍ؛ أصبحت أصواتنا تعلو ونُنادي: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾، ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾، ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾، وكلنا بين ساجدٍ ومتضرعٍ يناجي ربه: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾؛ فما رفعتُ رأسي من السجود إلا وسمعتُ جارنا الذي يعلونا بطابقٍ يبشرنا: "منسوب المية قلّ، منسوب المية قلّ"؛ فحمدنا الله وشكرناه، وسألناه أن يُسخِّر لنا من يأتي لإنقاذنا. كبَّر المؤذن لصلاة الفجر، صلينا الفجر تحت المطر الخفيف. بكيتُ كثيراً لأنها كانت أول مرةٍ أصعد فيها إلى سطح المنزل المكشوف بدون خمار! ناديتُ الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، أن يسترني دنيا وآخرة، وأن يرفع عنا البلاء، ويغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا، وأن يشملنا بعفوه، وأن يُحسن خاتمتنا، ويتقبل منا أعمالنا الصالحة ويغفر لنا زلاتنا. ناجيته بكل عملٍ صالحٍ قدمته، وتذكرتُ ذنوبي فاستحييتُ منها ومسني الخجل؛ فسألته المغفرة وأن يُعاملنا بما هو أهلٌ له، ولا يُعاملنا بما نحن أهلٌ له؛ فهو ربٌ كريم. أخذتُ أردد: "نِعم الربّ ربّي، وبئس العبد أنا! عصيتك جاهلاً يا ذا المعالي ففرِّج ما ترى من سوء حالي!". كان لديّ يقينٌ تامٌ أنه مُنجينا بلا شكّ، وأنّ (وراء كل بلاءٍ حكمة ربانية) وخيراً كبيراً، لكني كنتُ خائفةً من نفسي التي بين جنبيّ أكثر من أي شيءٍ آخر؛ خفتُ أن أكون ممن يذكر الله خالصاً وقت الشدة وينساه وقت الرخاء، فكانت تدور في ذهني كثيراً هذه الآيات: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾، ﴿وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ . فَلَمَّآ أَنجَاهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ﴾. يا ويحَ نفسي إن هي عادت للتبذير والإسراف!

أتممنا صلاة الفجر، انتظرنا الشروق، توقف المطر، منسوب المياه قلَّ، الرياح توقفت؛ رددتُ: "اللهم دفئاً وسلاماً، اللهم لا غيم، اللهم شمساً مشرقة". أشرقت الأرض بنور ربها؛ وسُجّل ذلك اليوم على أنه يومٌ عالميٌ لم يُرَ مثله منذ قرون. نزلنا إلى السطح أسفل خزان المياه، نظرتُ للأسفل إلى شارعنا فشاهدتُ الدمار؛ فكانت آية ربّي في قوم عادٍ حقاً ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ لم أرَ حينها سوى بعض المساكن، ولم يسلم بيتٌ واحدٌ من الغرق والخراب، ذهبت سيارة أخي الفاخرة فوق الشجرة، وسيارات الجيران كل واحدةٍ في مكان، الأرض مليئةٌ بالجثث والموتى، الطابق الأول من منزلنا وجدنا فيه جثتين لفتاتين شابتين، وجثة حمار المزرعة وجثة خروف الجار، وكذلك نخيل الشارع. كل البيوت تهدمت، كل الممتلكات ضاعت، السعيد الوحيد هو ذاك الذي رأى نفسه وأهله جنبه ولم يغرق منهم أحد!

ذهب التعلق بالدنيا، ذهب حب الدنيا وزينتها من قلبي ومن كل شيء. المدينة تهدمت، الأحياء القريبة من الوادي الذي انفجر تهدمت بالكامل واستوت مع الأرض، كل شيءٍ صار لونه بُنياً بلون الطين! خرجنا هاربين من منازلنا، لم أهتم بملابسي، المهم نقابي ولباسي الشرعي، أريد الستر لا أكثر. سِرنا حُفاةً نصارع الأرض المبللة والطين، مررنا بجانب بيت جارنا الذي مات كل أفراده بالكامل عدا الابن الأكبر، دموع تُذرف، قلبٌ يرتجف. الحال لا يوصف. ودعنا كل شيءٍ؛ ودعنا الأحياء والأموات، ودعنا الذكريات، ودعتُ غرفتي، ونافذة غرفتي التي تطل على النباتات الخضراء، ودعتُ كتبي وأقلامي وذكريات الطفولة، ودعتُ سَكَنِي ومسكني وملاذي الآمن، ودعتُ سجّادتي ومُصحفي. الآن لم يتبقَ لي شيءٌ! تبقى لي القليل فقط، ولم تنته الحكاية بعد.. من مات نجا ومن نجا مات.. والحمد لله رب العالمين. اللهم أجرنا في مصيبتنا هذه، واخلف لنا خيراً منها، والحمد لله رب العالمين.

 

أحبتي في الله.. يقول أهل العلم إن الكوارث الطبيعية التي وقعت في الآونة الأخيرة -مثل زلزال تركيا وزلزال المغرب وإعصار وفيضانات ليبيا- حملت آلاماً كثيرةً، لكنها كانت تحمل في طياتها آمالاً أيضاً؛ فهي أقدار الله الجارية؛ يقول تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا ‌تَخْوِيفًا﴾ أي تنبيهاً للناس وتحذيراً من معصية الله وتحريضاً على التوبة؛ فإذا اقتضت سنة الله في كونه أن تحدث هذه الكوارث، فالواجب على المؤمن أخذ العبرة والإسراع إلى الطاعة.

إنّ (وراء كل بلاءٍ حكمة ربانية)، ومن البلاء ما هو اصطفاءٌ؛ مثل البلاء الذي يُسلَط على الأنبياء وأتباعهم؛ فعندما سأل أحد الصحابة: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثَلُ، فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه، فإن كانَ في دينهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ على حسْبِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي على الأرضِ ما عليْهِ خطيئةٌ]. ومن البلاء ما هو ابتلاءٌ وامتحانٌ، وهو عموم ما يقع للمؤمن من البلاء مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾. فأحداث الحياة وتحدياتها وتقلباتها، وما يتعرض له المؤمن من مصائب وأمراضٍ وكوارث وأزماتٍ هي امتحانٌ له، فإن أحسن التصرف إيماناً وعملاً كانت له الحُسنى وحاز الثواب من الله. والبلاء تطهيرٌ للمؤمن من ذنوبه؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: [ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ حتَّى يَلقى اللَّهَ وما عليْهِ خطيئةٌ]. وكان يرى في مثل هذه النوازل خيراً؛ قال صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ».

 

أحبتي.. الكوارث الطبيعية التي يتعرض لها الإنسان ابتلاءٌ من المولى عزَّ وجلَّ، ولأن (وراء كل بلاءٍ حكمة ربانية) أدركناها أم لم ندركها؛ فإن علينا أن نثق بالله سبحانه وتعالى، ونرضى بقضائه وقدره، ونستثمر فرصة وقوع البلاء لنتذكر عظمة الله وقدرته، ومدى تقصيرنا في حقه، فنُحاسب أنفسنا، ونقترب منه سبحانه أكثر وأكثر، ونزيد من الذِكر والدعاء والعمل الصالح.

أما ضحايا الزلازل والأعاصير والفيضانات فهم شهداء؛ قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: [الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِيقُ، وصَاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ]، ندعو لهم بالرحمة والمغفرة، وندعو لأنفسنا ولجميع المسلمين: اللهم بواسع رحمتك، ارحم ضعفنا، وفرِّج همنا، واجبر كسرنا، وآمن خوفنا. اللهم إنا نستودعك أنفسنا وجميع المسلمين، فاحفظنا بحفظك، واكلأنا بعنايتك، وابعد عنا كل شرٍ وأذى. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا.

https://bit.ly/3PBNQw3