الجمعة، 18 ديسمبر 2020

بركة اتباع السُنة

 

خاطرة الجمعة /270


الجمعة 18 ديسمبر 2020م

(بركة اتباع السُنة)

 

كتب يقول: قبل أن أشتري سيارة كان يقابلني أحد جيراني في المنطقة بسيارته فيوصلني بالرغم من عدم وجود علاقةٍ بيننا، وفي كل مرةٍ يقول لي: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ، فَلْيعُدْ بِهِ عَلَى منْ لا ظَهر لَهُ، ومَنْ كانَ لَهُ فَضلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا زَادَ لَهُ]». وفي مرةٍ سألته: «هل تفعل ذلك دائماً؟»، فقال: «منذ سمعتُ هذا الحديث قلتُ سأجعله باباً لي من أبواب الخير»، ثم قال: «وسأخبرك ببركة هذا الأمر؛ نجاني الله من حوادث موتٍ محققٍ، وأنا أعتقد أن ذلك بفضل العمل بهذا الحديث. وفي مرةٍ مررتُ بأزمةٍ شديدةٍ كادت تدمر حياتي، لم تقدر كل علاقاتي على مساعدتي فيها. مرت عليّ الأيام لا آكل ولا أنام ولا أتحدث إلى أهل بيتي، وفي يومٍ كنتُ عائداً من المزرعة، وكنت دائماً وأنا راجعٌ أوصل امرأةً عجوزاً تبيع الجبن على الطريق، في وقت خروجي تكون قد انتهت وتتأهب للعودة إلى منزلها، فآخذ منها الطبق الذي تبيع فيه وأضعه في شنطة السيارة، وأوصلها إلى مبتغاها. في ذلك اليوم لاحظتْ العجوز أنني كئيبٌ على غير العادة، ودار هذا الحوار:

-مالك يا ابني؟

-عندي كربٌ شديدٌ يا أمي، ما لم ينتهِ اليوم سأضيع.

فتحركتْ العجوز إلى الأمام، ونظرتْ من زجاج السيارة الأمامي إلى السماء وقالت: "يارب تفكله كربه اليوم .. واللهِ لتفكله كربه"! هزني الموقف، وكدتُ أقول لها: "كيف تتكلمين مع الله هكذا؟!"، ثم تذكرتُ سريعاً حديث [رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ]، من ساعتها انشرح صدري وكأن شيئاً لم يكن؛ عدتُ إلى البيت أضحك وأمزح وأكلتُ مع أسرتي فسألتني زوجتي: "هل من جديد؟"، فقلتُ: "لا، لكني متأكدٌ من أن الله لن يضيعني"، وبعد منتصف الليل اتصل بي أحد الأصدقاء الذين كانوا يسعون في حل المشكلة بلا فائدة، وأخبرني أنه قضى لي حاجتي وحُلت المشكلة».

 

 

‏ أحبتي في الله .. هذه (بركة اتباع السُنة) المشرفة؛ رجلٌ تَعلَّم حديثاً واحداً، وعَمِل به بإخلاصٍ فلم يتأخر ثوابه، فيالها من بركةٍ، ويا له من ثوابٍ في الدنيا، ثم الأجر في الآخرة بإذن الله. وما زال بعض المسلمين -للأسف- بعيدين عن سُنن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، رغم أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ﴾، ويقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾، ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، ويقول تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، كما يقول: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، ويقول تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، ويقول تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  [لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي؛ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ لاَ نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ]، وقال عليه الصلاة والسلام:[أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ]، وقال صلى الله عليه وسلم: [أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلاَّ مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، أَلاَ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ؛ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ ..]، وقال عليه الصلاة والسلام: [ .. فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ ..].

 

يقول أهل العلم إن السُنة هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، وهي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم. وتأتي السنة موافقةً لما في القرآن، وتأتي مُقيدةً لمطلقه، ومُخصصةً لعمومه، ومُفسرةً لمجمله، وناسخةً لحكمه، ومُنشئةً لحكمٍ جديد؛ ومن ذلك بيان المجمل في الكتاب العزيز، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام، وزيادة حكمٍ على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.

وكون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله تعالى، يقتضي تصديقه في كل ما يُخبر به، وطاعته في كل ما يأمر به. ولا بد من التنبه إلى أن الفرق بين الأحاديث الشريفة وبين آيات القرآن الكريم يكمن في أن القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأحاديث الشريفة فقد لا تكون من كلام الله تعالى، بل من وحيه فقط، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها، بل بالمعنى والمضمون. إن التمسك بالسنة النبوية أمرٌ حثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وأمرنا بالتمسك به وعدم التفريط فيه؛ فهو سفينة النجاة وبر الأمان، وحين يكثر الشر والفساد، وتظهر البدع والفتن، يكون أجر التمسك بالسنة أعظم، ومنزلة أصحاب السُنة أعلى وأكرم، وتعمنا جميعاً وتشملنا (بركة اتباع السُنة).

وبعض السنن من الواجبات، وبعضها من المستحبات، وقد تكون من الآداب والأخلاق، فعلى المسلم أن يعمل بكل سُنةٍ يستطيعها؛ احتساباً للأجر وطلباً للثواب، وكلما سمع حديثاً فإنه يسارع إلى تطبيقه، ويحرص على العمل به، ويحرص أن يكون في جميع أعماله وعباداته متبعاً السُنة حتى تكون أعماله مقبولةً عند الله تعالى.

 

أحبتي .. ليبدأ كل واحدٍ منا، ولو بحديثٍ شريفٍ واحدٍ من أحاديث المعاملات؛ فيتبسم في وجه أخيه، أو يُفشي السلام على من يعرف ومن لا يعرف، أو يُميط الأذى عن الطريق، أو يصل رحمه ولو قطعوه، أو يربت على رأس يتيم، أو يتصدق على فقير، أو يمشي في حاجة غيره، أو غير ذلك من الأمور، ينوي بذلك التمسك بسُنة النبي عليه الصلاة والسلام، مع الحرص على عدم المراءاة أو التفاخر أو المن أو العُجب بالنفس. إذا فعل كل واحدٍ منا ذلك، واستمر على الالتزام بما ورد في حديثٍ شريفٍ واحدٍ سهل عليه أن يزيد من مساحة التزامه بتطبيق حديثٍ آخر ثم حديثٍ آخر وهكذا حتى يصل إلى أقصى حدود استطاعته؛ فيُثاب ثواباً عظيماً، ويُضاعَف له أجره، ويحظى برضا الله سبحانه وتعالى، وينال (بركة اتباع السُنة).

تخيلوا معي أحبتي لو أن كل مسلمٍ طبق حديثاً نبوياً واحداً، ماذا سيكون حال أمتنا الإسلامية؟ ولو طبق أكثر من حديث ألن نكون أفضل؟ وماذا لو طبقنا جميعاً أحاديث رسولنا الكريم كلها؟ ثم ماذا لو أن كلاً منا طبق آيةً قرآنيةً أو عدة آيات؟ كيف سيكون وضع المسلمين لو التزموا جميعاً بتطبيق الشريعة والأحكام والتوجيهات الواردة بالقرآن والسُنة؟ سيعود المسلمون مرةً أخرى إلى مراكز الصدارة، وتعود حضارتهم التي بُنيت على التمسك بالشريعة السمحاء وتطبيق أحكامها، والتي جعلتهم خير أمةٍ أُخرجت للناس، لن تنالنا فقط (بركة اتباع السُنة) بل بركاتٍ لا تنتهي من الله سبحانه؛ يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾.

فليكن القرآن الكريم هادينا ومرشدنا، والسُنة الشريفة منهجنا، ورسولنا المصطفى قدوتنا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون أعمالنا مقبولةً عنده، إنه سميعٌ مجيب.

 

https://bit.ly/2IZOy83