الجمعة، 27 سبتمبر 2019

خيانة الأمانة


الجمعة 27 سبتمبر 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٦
(خيانة الأمانة)

تقول القصة أن أحمد وأنس، صديقان اجتمعا -والعياذ بالله- على معصية الله سبحانه وتعالى وارتكاب الفواحش بشتّى أنواعها. ذات يومٍ قال أنسٌ لأحمد: "لقد تعرّفتُ على زوجة إمام المسجد القريب منّا، فَقَبِلَت أن أحضر عندها للبيت، لكنني أخاف أن يأتي زوجها ويجدني معها، فما رأيك أن تساعدني بأن تجلس مع الإمام بعد الصّلاة وتشغله بالأسئلة لأطول فترةٍ ممكنةٍ، وعند انتهائك من ذلك، وقبل رجوع الإمام إلى بيته تقوم بالاتصال بي لأخرج قبل مجيئه؟". نفذ أحمد ما طلبه منه صديقه أنس. وظلّ أحمد على هذا الحال لمُدّةٍ طويلةٍ، يجلس مع الإمام بعد الصّلاة يسأله عن أمورٍ ومسائل فقهيةٍ وشرعيةٍ، ثم بعد أن يتلقى الإجابة يتصل بصديقه ليعلمه بأن إمام المسجد عائدٌ إلى بيته. ومع مرور الأيام وكثرة جلوس أحمد مع الإمام، تغير أحمد وهداه الله إلى الصّراط المستقيم، وبدأ ضميره يُؤنّبه؛ فقرّر أن يُخبر الإمام عن كل شيء، وفعلاً ذهب إليه وأخبره بأن زوجته تخونه مع رجلٍ آخر، وبأنه كان يساعد ذلك الرجل ويتعمد إطالة الجلوس مع الإمام ليلهيه عن العودة إلى بيته، فردّ عليه الإمام قائلاً: "لكني لستُ مُتزوّجاً!!".

هل عرفتم أين كان يذهب أنس صديق أحمد؟! لم يكن أنس يذهب عند زوجة الإمام بل إلى كان يذهب إلى زوجة صديقه أحمد!

أحبتي في الله .. (خيانة الأمانة) نوعٌ من الغدر يتسم بالخسة، يُخلِّف إحساساً بالمرارة خاصةً إذا كان من شخصٍ قريبٍ أو من حبيبٍ أو صديقٍ.
هكذا هم الخائنون دائماً لا تحركهم إلا نفوسهم الضعيفة وشهواتهم ورغباتهم في تملك ما في أيدي الغير، حتى لو كانوا من أقرب الناس إليهم؛ فيخسرون أنفسهم كما يخسرون أقاربهم وأصدقاءهم وأحبابهم.
الغريب أنك تجد خائن الأمانة أكثر اقتراباً ممن يخونه وقت خيانته؛ يتعمد بأن يثبت -بشكل مبالغٍ فيه- كم هو أمينٌ وشريفٌ وصديقٌ صدوق! وإذا تمت مواجهته بما قد يُقال عن خيانته تراه يقسم بالله بأنه برئٌ وأن ما يُقال هو مجرد إشاعاتٍ وكذبٍ وافتراء!

تمتد (خيانة الأمانة) لمجالاتٍ أبعد من الاستيلاء على المال أو الممتلكات أو الزوجة لتصل إلى خيانة العهد، والحنث بالقسم، وعدم الوفاء بالوعد، والتزوير، والتدليس، والكذب المتعمد، والافتراء على الغير. كما تتجاوز (خيانة الأمانة) المستوى الشخصي كخيانة الابن أو الصديق أو الزوج إلى المستوى العام كخيانة صحفيٍ أو إعلاميٍ لأمانة الكلمة، أو خيانة موظفٍ لجهة عمله، أو خيانة شخصٍ لوطنه خيانةً تصل إلى مستوى الخيانة العظمى.
في كل الأحوال يكون خائن الأمانة بعيداً عن الطريق المستقيم، لا يستحضر مخافة الله في قلبه، ولا يفكر في يوم الحساب، نظرته ضيقةٌ، تسيطر عليه أهواؤه الشخصية، ولا يقيم وزناً لأي اعتبار سوى مصلحته الشخصية.
وعندما يجتمع أكثر من خائنٍ للأمانة في موقفٍ واحدٍ تتفق فيه مصالحهم، فسيأتي اليوم -لا محالة- الذي يخونون فيه بعضهم بعضاً، فهذه سُنةٌ من السنن التي نشاهدها في حياتنا الدنيا، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، وكما ورد في الأثر: [مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ].

(خيانة الأمانة) أمرٌ مذمومٌ ومنهيٌ عنه شرعاً؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لا تَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ﴾، ويقول تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، وعدم الوفاء بالوعود.
ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: [أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ]، كما أنّ الرسول-عليه الصلاة والسلام- ذمّ خائن الأمانة وعدّه من المنافقين، وذلك في قوله -عليه الصلاة والسلام-: [آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ]؛ لهذا فإنّ خائن الأمانة يُعد من المنافقين الذين ينالهم الإثم وغضب الله سبحانه وتعالى.

أحبتي .. ما أجمل أن نعيش جميعنا في مجتمعٍ يتسم أفراده بالأمانة بكل أشكالها، فليتق الله كلٌ منا فيما هو مؤتمنٌ عليه؛ فلا نخون الأمانة ولا نفرط فيها أبداً. إذا كان من بيننا من قد فرط في أمانةٍ فليسارع إلى تصحيح وضعه، ويعيد الحقوق المغتصبة إلى أهلها، ويعزم ألا يعود إلى (خيانة الأمانة) مرةً أخرى، وليعلم ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾. ولو أن بيننا من توسوس له نفسه ويزين له شيطانه أن يخون الأمانة فليكن حازماً مع نفسه وليتوقف فوراً عما يفكر فيه. وإن كان ممن نعرفهم من غلبه شيطانه فوقع في هذه المعصية فلننصحه ونأخذ بيده إلى طريق الخير وجادة الصواب. وفي كل الأحوال علينا أننغرس في نفوس أبنائنا خلق الأمانة وننفرهم من خيانتها ونحكي لهم قصص النهايات المخزية لخائني الأمانة.
اللهم اجعلنا ممن يبتعدون عن (خيانة الأمانة)، وممن يؤدون ﴿الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، ولا يخونوا ولا يغدروا ولا يحنثوا.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

http://bit.ly/2n80N7j