الجمعة، 2 فبراير 2018

السرور والابتسام

الجمعة 2 فبراير 2018م

خاطرة الجمعة /١٢٠
(السرور والابتسام)

"بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورُزقت بره"، كانت هذه تهنئتي لصديقٍ عزيزٍ أنعم الله سبحانه وتعالى عليه ورزقه بأول مولودٍ له، سألته: "ولدٌ أم بنت؟"، أجابني بزهوٍ: "بنت مثل القمر"، سألته: "بما سميتها؟"، رد مُحاكياً السياق القرآني: "سَمَّيْتُهَا {سارة} وَإِنِّي أُعِيذُهَا {بالله} وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، سألته مداعباً: "سارة من الإسرار؟ كما في قول نوحٍ عليه السلام: ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ وكما في الآية الكريمة: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ بمعنى حدّث به سِرًّا أي أفضى به على أنّه سِرٌّ. أو أسرَّ الحديثَ ولم يعلنه، أي كتَمه وأخفاه كما في الآية الكريمة: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾؟"، تبسم ورد بالقول: "بل من السرور؛ وهو الفرح والبهجة؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾، وكما في قوله سبحانه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾. عسى سارة أن تَسُر وتُفْرِح وتُبهج كل من حولها". أعدت تهنئتي له بسلامة المولودة سارة وسلامة الوالدة. قبل أن نفترق طلب مني أن أرسل له بمختصر قصة السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ ففعلت وأرسلت له ما يلي نقلاً عن كتاب {المرأة في الإسلام ـ حقوقٌ وحريات} بتصرفٍ محدود:

تروى لنا كتب التاريخ والسيرة قصة سارة بأنها كانت ابنة عم النبي إبراهيم عليه السلام، وكانت ذات حُسنٍ وجمالٍ نادرين، وقد رُوي بأنها كانت أجمل نساء العالمين بعد حواء، فتزوجها إبراهيم عليه السلام ورحل بها من فلسطين نحو مصر، وعاش هناك فترةً من الزمن، وكان في مصر ملكٌ ظالمٌ جبارٌ، وصلته الأخبار بقدوم هذه المرأة الجميلة إلى أرضه فأرسل أتباعه يطلبونها له، وقال لهم إن كان يرافقها زوجٌ لها فاقتلوه! ثم إن أعوان الملك ما لبثوا أن وصلوا إلى إبراهيم عليه السلام، فسألوه: مَن تلك التي معك؟ فأدرك قصدهم، وعرف خطرهم فقال لهم: هي أختي! وقصد في الله، فأخذوها إلى الملك الظالم، فلما أراد هذا الملك مد يده نحوها قالت بدعاء الشريفة العفيفة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبنبيك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فاكفني هذا الفاجر؛ فتجمدت يد الملك التي امتدت إليها في مكانها، ولم يعد يستطيع الحراك، فأصابه خوفٌ وذعرٌ شديدان، وقال لها ماذا فعلت بي؟ اطلقيني ولن أَمَسَكِ بسوء؛ فخافت سارة أن يأمر بقتلها وقد تجمع حرسه وجنوده من حولها، فدعت الله تعالى أن يطلقه فأطلقه. لكنه للمرة الثانية عاد فكرر محاولته الدنيئة ظناً منه أن ذلك كان من عمل الشياطين، ولكنها سارعت فدعت الله تعالى فتجمد مكانه مرةً أخرى، وعاد فطلب منها أن تطلقه ففعلت. ولكن الظالم كررها مرةً ثالثةً، وحصل ما كان في المرتين السابقتين. ولما رأى أنه لا سبيل له عليها وأدرك أنها ذات عفافٍ لا يمكن أن يُمس، وأن الله حافظها ومانعها منه، أمر حراسه أن يخرجوها وأن يعيدوها إلى بيتها محملةً بالهدايا، فقد أصابه الهلع والخوف مما رأى من أمرها، وأراد أن يجتنب دعاءها عليه مرةً أخرى، وأعطاها مع الهدايا جاريةً اسمها هاجر. وهكذا عادت سارة الشريفة بكامل عفافها وكرامتها إلى زوجها إبراهيم عليه السلام، تزف له البشرى بتوفيق الله. ولكن إبراهيم عليه السلام أوجس خيفةً من البقاء بمصر فقرر العودة من جديد إلى فلسطين. وعندما عاد إلى فلسطين كانت نفسه تتوق للولد، ولم يكن الله قد رزقه أي أولادٍ من زوجته سارة، ومن منطلق حرص المرأة على مشاعر زوجها وحسن تفهمها وإدراكها للأمور، وحكمتها البالغة، وإخلاصها لزوجها، رأت أن تختار له زوجةً أخرى ينجب منها ما تحبه نفسه من الولد والذرية، فاختارت له أن يتزوج هاجر فتزوجها، وأنجب منها ابنه إسماعيل عليهما السلام، ثم إن الله تعالى أمره بأن يتركهما في وادي مكة، وذلك وحيٌ ألقاه عليه في المنام؛ فاستجاب الخليل لربه، وسافر بزوجته وفلذة كبده الذي عاش عمره يحلم به، وتركهما في وادٍ جافٍ قاحلٍ لا كلأ فيه ولا ماء، كما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾. وترك إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل في هذا الوادي، وعينه تكاد تدمع من الحزن، وتناديه زوجته: كيف تتركنا في هذا الوادي وحدنا؟ ولكنها تستدرك كلامها لأنها تثق بزوجها ثقةً كبيرةً؛ فسألته: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت: إذاً لا يضيعنا".

وأكملت لصديقي قصة السيدة سارة من مرجعٍ آخر فكتبت له ما يلي:
"ومضت السنوات حتى تخطت السيدة سارة التسعين من العمر وقد ارتضت بنصيبها من الدنيا ونست حلمها بالأمومة، إلا أن الله لم ينس تلك الأمنية التي استقرت طويلاً بقلبها، وبشرت رسلُ الله إبراهيمَ بأن زوجته ستنجب ولداً اسمه إسحاق، ولما سمعت السيدة سارة حديث الرسل اندهشت كيف تنجب وهى عجوزٌ عقيمٌ؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾، وقال: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾. إلا أن الله لم يحقق أمنيتها وحسب وإنما جعلها أم الأنبياء، وجعل أكثر الأنبياء فى ذرية إبراهيم منها، وبعد أن كانت عجوزاً عقيماً يئست من الأمومة والإنجاب أصبحت أماً للأنبياء إسحاق، ويعقوب الذى ينحدر من نسله أنبياء بنى إسرائيل".

أحبتي .. كانت تلك قصة السيدة سارة زوجة خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه السلام.
أما اسم سارّة، فهو اسم علمٍ مؤنثٍ معناه: الأميرة، أو السيدة النبيلة. وهو مِن الأسماء القديمة الأكثر شُيوعاً في العالم حيْث أنّه موْجودٌ تقريباً في كُلّ اللُّغات. وكُلّ المعاني الّتي يحمِلها معانٍ جميلةٌ وراقيَةٌ تدِلّ عليّ السُّموّ؛ لِذلِك فهو مِن أكثر الأسماء شهرةً. واسم سارة في المعجم العربي هو اسمٌ مشتقٌ من لفظ سُرَّ، وهو فعلٌ، وسارة هي اسم الفاعل من هذا الفعل؛ ومعناه المُبهِجة والمُفرِحة.
إن أصل اسم سارة هو عربيٌ، وأول من تسمت به هي السيدة سارة زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام، ومعناه عند العرب هو السرور والبهجة والفرحة، أو التي تسر الناظرين إليها. واسم سارة في اللغة الهندية يعني الأميرة، وفي اللغة الإسبانية يعني المرأة السعيدة، وفي اللغة الفرنسية معناه المرأة أو الفتاة الجميلة، وفي اللغتين العبرية والألمانية معناه الأميرة، وفي اللغة البرازيلية معناه الشفاء، وفي اللغة الأوردية معناه الملكة، وفي اللغة الآرامية معناه السيدة النبيلة.
والسرور الحقيقي والفرح، كما تبينه آيات القرآن الكريم، هو فرح أهل الإيمان بما بعث الله به رسوله من الهدى والحق؛ فهذا الفرح يُعد من أعمال القلوب، ومن أعظم مقامات الإيمان، يقول ابن تيمية: "أَرفع درجاتِ القلوب فرحها التام بما جاء بِهِ الرَّسولُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وابتِهَاجُهَا وَسُرُورُهَا، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، ففضلُ اللَّهِ ورحمتُهُ: القرآنُ والإِيمانُ، مَن فَرِحَ بِهِ فقد فَرِحَ بأَعظمِ مَفرُوحٍ بِهِ، ومن فَرِحَ بغيرهِ فقد ظلمَ نفسَهُ، ووضعَ الفرحَ في غير موضعهِ".

ومما يدخل في هذا الفرح فرح المؤمن بالطاعة إذا عملها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمنٌ]. والمتأمل في الشريعة يرى أنها ربطت الفرح بالطاعات، فكان عيد الفطر بعد الفراغ من صيام رمضان وقيامه، وكان عيد الأضحى عقب أداء مناسك الحج.
يقول ابن تيمية: هذا السرور وهذا الفرح متى ما رسخت في القلب جذوره فإن عواصف البأساء ورياح الضراء لا تقوَ على اقتلاعه من القلب مهما اشتدت؛ كما في قول ابن تيمية: "ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".
وعن الابتسام وأثره في نشر السرور يقول العلماء أن رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الناس قدراً، وأعلاهم شرفاً، وأشرحهم صدراً، كان يملك قلوب أصحابه رضي الله عنهم  بوجهه البسَّام، وابتسامته المشرقة، وكلماته الطيبة، وقد قال الله تعالى عن حاله مع أصحابه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، وتصف السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: "كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكاً بسّاماً".
وقال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب".
ويقول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً أكثر تبسّماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وبالحديث عن (السرور والابتسام) فإن البعض تراه عابساً دائماً، يظن أن التبسم فيه إنزالٌ من مكانته، ونقصٌ من هيبته أمام الآخرين، فهؤلاء واهمون يُنَفِّرون أكثر مما يُقَرِّبون، لأن التبسم في وجه أخيك مع كونه مفتاحاً للقلوب، وتأليفاً للنفوس فهو سنةٌ نبويةٌ؛ فعن جريرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قال: "ما حجبني {ما منعني الدخول عليه في وقتٍ من الأوقات} رسول الله صلى الله عليه وسلم منذُ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسمَ في وجهي".
ولم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون قدوةً عمليةً في الابتسامة، بل إنه دعا إليها وحثَّ عليها بقوله صلى الله عليه وسلم: [تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة]، يعني: إظهارك له البَشَاشَة، والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة.
إن إشاعة (السرور والابتسام) عملٌ بسيطٌ ويسيرٌ، غير مكلفٍ ولا مجهدٍ، ولكن له الأثر الكبير في نشر الألفة والمحبة بين الناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كلُّ معروفٍ صدقةٌ، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق]. وقال صلى الله عليه وسلم: [لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْـمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ]، قيل أي بوجهٍ ضاحكٍ مستبشرٍ، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين. وقيل أي: متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام، لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعره بمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، والمطلوب من المؤمنين التوادُّ والتحابُّ.
ومما ثبت أيضاً في استحباب البشاشة وطلاقة الوجه عند اللقاء قوله صلى الله عليه وسلم: [إِنَّكُمْ لا تَسَعون النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْط الْوَجْه، وَحُسْنُ الْخُلُق]. وعن جابر بن سليم الْهُجَيْمِىُّ رضي الله عنه قال: قلت: "يا رسول الله إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَة، فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا الله تبارك وتعالى بِه"، قال: [لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوف شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إناء الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاك ووجْهُك إليه مُنْبَسِط] أي: منطلقٌ بالسرور والانشراح.
قال الغزالي عن هذا الحديث: "فيه ردٌ على كل عالمٍ أو عابدٍ عَبَس وجهه، وقَطَّب جبينه كأنه مستقذرٌ للناس، أو غضبانٌ عليهم، أو منزهٌ عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تُقطَّب، ولا في الخد حتى يُصَعَّر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تُطاطأ، ولا في الذيل حتى يُضم، إنما الورع في القلب".
لا شك في أن (السرور والابتسام) من وسائل غرس الألفة والمحبة بين الناس؛ فالتبسم سنةٌ نبويةٌ ووسيلةٌ دعويةٌ، ومفتاحٌ للقلوب، وكنزٌ تنفق منه مع أهلك وإخوانك وجيرانك وكل من تقابله وتدعوه، وصدقةٌ لا تكلف ديناراً ولا درهماً.
يقول الشاعر:
أخو البِشْرِ محبوبٌ على حُسْنِ بِشْرِهِ
ولن يعـدم البـغضـاءَ منْ كان عابسـا

أحبتي .. ما أجمل أن يكون الإنسان سبباً في سعادة غيره، فهكذا تحلو الحياة وتصفو الأيام وتزداد نقاءً وهناءً .. وما أسهل أن نسعد غيرنا بوجهٍ طلقٍ وبتبسمٍ في وجوههم، ببساطةٍ دون تكلفٍ أو افتعالٍ .. وما أكرم الله عز وجل أن جعل على مثل هذه الأمور السهلة الميسورة ثواباً كثواب الصدقة .. فهلا جربنا أحبتي أن نزيد رصيدنا من الصدقات دون أن ندفع أي مقابلٍ ماديٍ لذلك؟ فلنحاول .. فقط تذكروا أن تبتسموا في وجوه الآخرين، ابتسامةً صادقةً بغير مبالغة.
جعلنا الله من السعداء في الدنيا والآخرة، وممن ينشرون السرور والفرح والبهجة بين الناس.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.


http://goo.gl/hLdFeR