الجمعة، 7 يوليو 2017

عقيقة يس طه

الجمعة 7 يوليو 2017م

خاطرة الجمعة /٩١
(عقيقة يس طه)

دعانا صديقنا طه إلى عقيقة ابنه فلبينا الدعوة، توجهنا إلى المكان الذي حدده في الزمان الذي أخبرنا به. لم يُقَصِّر صاحبنا في إعداد العقيقة؛ اختار لها قاعةً فخمةً بمكانٍ معروفٍ واتفق مع مطعمٍ متخصصٍ لإعداد وطبخ لحم الذبيحة مع الأرز البسمتي بتحويجةٍ متميزةٍ من المكسرات والتوابل، إلى جانب السلطات والعصائر والحلويات والفواكه والمياه الغازية. كان يوم عيدٍ لصاحبنا طه، كنا حريصين على أن نشاركه فرحته بالمولود الذكر الذي مَنَّ الله به عليه.
انتهت الوليمة، وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث، فسأل واحدٌ منا صديقنا طه عن الاسم الذي اختاره لمولوده، قال: "يبدو أنها عادةٌ متوارثةٌ في العائلة، نتسمى كلنا ونُسمي أبناءنا بأسماء الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فاسمي كما تعلمون طه محمد أحمد مصطفى، وسميت ابني يس". بارك له الحاضرون، وأشاد بعضهم بحسن اختياره لاسم الولد، ولأنه من أسماء النبي الكريم، ففي هذا بشرى بصلاح هذا الابن بإذن الله.
حتى هذا الوقت كنت أعرف، ككثيرين غيري، أن اسم طه واسم يس من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، إلى أن تحدث أحد الحاضرين، وهو شيخٌ جليلٌ لا أعلم من هو، ربما كان من أقارب زوجة صديقنا طه، تحدث بهدوءٍ وثقةٍ فقال: "أخي طه، بارك الله لك في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورُزقت بره. أما بعد، فاسمح لي أخي الفاضل أن أصحح معلومةً متداولةً بين كثيرٍ منا دون أن ندري أنها ليست صحيحة"، سكت لحظةً حتى تأكد من أن الأحاديث الجانبية قد توقفت وأن الحاضرين يُصغون إليه فاستطرد قائلاً: "البعض يعتقد أن طه ويس هما من أسماء نبينا الكريم، لكنهما في الواقع ليستا كذلك"، وأكمل وسط دهشة الحاضرين: "يقول أهل العلم أن طه ويس هما من الحروف المقطعة التي اُفتتحت بها بعض سور القرآن الكريم؛ ويدل على ذلك كما يقول العلماء أن الطاء والهاء المذكورتين في فاتحة سورة طه، جاءتا في مواضع أخرى لا نزاع فيها في أنهما من الحروف المقطعة، أما الطاء ففي فاتحة سورة الشعراء ﴿طسم﴾، وفاتحة سورة النمل ﴿طس﴾. وفاتحة سورة القصص ﴿طسم﴾. وأما الهاء ففي فاتحة سورة مريم في قوله تعالى ﴿كهيعص﴾". 
انتهى الشيخ من كلامه، ثم قام فعانق صديقنا طه وكرر التهنئة له وسلم على الحضور وانصرف.
علق البعض ممن حضر (عقيقة يس طه) بأنهم يسمعون هذا الكلام لأول مرة، لكن أحد الحاضرين، وقد شجعته كلمات الشيخ الوقور، قال: "أنا قرأت عن هذا الموضوع بالفعل وقت أن كنا نبحث عن اسمٍ لحفيدنا قبل ولادته وأردنا أن يكون اسمه موافقاً للشريعة، فاطلعت على ما قاله الشيخ، بل وعلمت أن بعض العلماء لم يُجز التسمية بهذين الاسمين؛ فقد قال الإمام ابن القيم في {تحفة المودود بأحكام المولود}: ومما يُمنع منه: التسمية بأسماء القرآن وسوره، مثل: طه، ويس، وحم".
يبدو أن الحاضرين وجدوا أنفسهم في حرجٍ، فبدأوا ينصرفون، أما صاحب العقيقة فقد اختار عدم التعليق واحتفظ بابتسامته على شفتيه يودع بها ضيوفه ومهنئيه.

أحبتي في الله .. بعد عودتي من (عقيقة يس طه) أردت أن أتأكد من صحة ما سمعت من الرجلين، فوجدت جمهور أهل العلم على ما ذهب إليه الرجلان؛ فقد قال ابن القيم: "وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فغير صحيحٍ ولا حسنٍ، وإنما هذه الحروف مثل: الم، وحم، والمر، والر ونحوها".
وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره: "طه: من جملة الحروف المقطعة، المفتتح بها كثيرٌ من السور، وليست اسماً للنبي صلى الله عليه وسلم".
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "وليس طه وياسين من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في أصح قولي العلماء، بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور مثل ص وق ون ونحوها".
ومن الحُجج التي يحتج بها القائل بأن اسم طه من أسماء الرسول عليه الصلاة والسلام هي ما يُفهم من الآيات في بداية سورة طه وهي : ﴿طه . ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى﴾ فيقول المخالف أن الله خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام بعد ورود كلمة طه مما يثبت أن هذه اللفظة هي اسمٌ من أسمائه صلى الله عليه وسلم، بمعنى يا طه {اسم الرسول عليه الصلاة والسلام} ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. وهذا القول غير صحيحٍ ومردودٌ عليه؛ ورده من القرآن أيضاً حيث نرى أن سورة الأعراف بدأت ب ﴿المص . كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فهل من عاقلٍ يقول أن المص هي من أسماء الرسول عليه الصلاة والسلام! ومثل ذلك في بداية سورة إبراهيم، وكذلك في بداية سورة مريم.

أما أسماء النبي عليه الصلاة والسلام فهي كثيرةٌ، منها أسماء ‏وردت في القرآن الكريم وهي: الشاهد، والمبشر، والنذير، والمبين، والداعي إلى الله، ‏والسراج المنير، والمذكر، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشهيد، والأمين والمزمل، ‏والمدثر. ومنها ما ورد في القرآن والسنة النبوية وهما: أحمد ومحمد. ومنها ما ورد ‏في السنة وهي: الماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ‏والمتوكل.

وأما عن اسم المصطفى فقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل المصطفى من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام؟ فأجاب: "لا، بل الظاهر أنه من أوصافه، والعجيب أن بعض الناس يكرر فيقول: قال المصطفى .. قال المصطفى .. مع أن الصحابة رضي الله عنهم أشد منا تعظيماً للرسول عليه الصلاة والسلام وأعلم بمناقبه منا ولم يقولوا ذلك".
ذكرني موضوع تسمية المولود بطُرفةٍ ذكرها العلَّامةُ الشيخُ محمَّد العثَيمين رحمه الله تعالى في { الشَّرحِ الممتع على زاد المستقنع }، قال: "إن رجلًا سمَّى ولدَه نَـكْـتَـلْ فقيل له لماذا؟ قال: لأنَّ هذا أخو يوسف ﴿فَأرْسِلْ مَعَنا أخانا نَـكْـتَل﴾! وهذا مِن الجهلِ، فهم يُريدونَ أنْ يتبرَّكوا بالأسماءِ الموجودةِ في القرآنِ الكريمِ فيخْتَطفُون ولا يُفكِّرون ولا يُقدِّرون".

أحبتي .. يُسن تسمية الولد في اليوم السابع من الولادة، أو يوم الولادة نفسه وأن يكون الاسم حسناً لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: [إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم].
وأفضل الأسماء عبد الله وعبد الرحمن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: [أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله، وعبد الرحمن]. كما قال: [وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة].
فمن هذه الأحاديث وما في معناها يُستفاد الندب إلى التسمي بكل اسمٍ يكون معناه حسناً، والأفضل للإنسان أن يُسمي أولاده بأسماء الأنبياء والصالحين، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدل الاسم القبيح باسمٍ حسنٍ؛ فقد رُوى أنه، عليه الصلاة والسلام، غَيَّر اسم عاصيةٍ، وقال: [أنت جميلة].

فلنحسن تسمية أبنائنا، ولتكن أسماؤهم طيبةً ذات معانٍ سامية، موافقةً للشرع وليست مخالفةً له، ونبتعد عن الأسماء المخالفة أو تلك التي بها شبهة مخالفة.
علَّمنا الله ما ينفعنا، ونفعنا بما علمنا، وزادنا علماً.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدة، إنْ أَذِنَ الله وأمَّد في أعمارنا.

تقبل الله منا ومنكم.

http://goo.gl/dLXA26