الجمعة، 25 ديسمبر 2015

موعد مهم


25 ديسمبر، 2015م
خاطرة الجمعة / ١١

(موعد مهم)

رأيته يسير مسرعاً متجهاً إلى سيارته يكاد يجري، حسبت أنه قد يحتاج مساعدة، فقلت له: "خير إن شاء الله، تحتاج شيئاً؟"، رد وهو يفتح باب السيارة ويقفز بداخلها ويدير محركها: "أبداً، تأخرت على موعد مهم"، وفتح زجاج سيارته وهي تمرق بجانبي وقال: "شكراً لك"، بنهاية هذه الجملة كان قد وصل إلى منعطف الطريق وانطلق يسابق الزمن.
"موعد مهم" .. استوقفتني هذه العبارة .. فكرت فيها فتذكرت كم مرة شاهدته يقف أمام العمارة يتحدث مع أصدقاء له أحيهم وأنا في طريقي للصلاة بمسجد قريب لا يبعد عنا سوى خطوات قليلة، ثم أحيهم مرة أخرى وأنا راجع من المسجد وهم مازالوا واقفين، أقول في نفسي "ألم يسمعوا الأذان؟ ألم يسمعوا الإقامة؟". أتركهم لشأنهم وأنا أدعو لهم بالهداية. أذكر مرة واحدة قلت لهم: "هيا يا شباب إلى الصلاة"، فرد هو بأدب جم: "اسبقنا حضرتك، سنلحق بك"، ولما لم يلحقوا بي لا في هذه المرة ولا في غيرها توقفت عن دعوتهم لكني لم أنقطع عن الدعاء لهم.
عندما سمعته يقول وهو مسرع "موعد مهم"، قلت في نفسي ربما كان على موعد مع صديق أو قريب .. وتساءلت في نفسي "وهل أهم من موعد مع الله؟"، ثم قلت قد يكون الموعد لمصلحة أو رزق يسعى إليه .. وتساءلت "هل نهتم بالرزق ولا نهتم بالرزاق؟"، وإذا بي أتذكر الآية الكريمة: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾، فالله سبحانه وتعالى ينهانا عن التجارة والبيع وقت ذكر الله ووقت الصلاة رغم ما في البيع والتجارة من مصالح للناس، فما بالنا لا نلبي نداء الصلاة وما يلهينا عنها إلا أعمال لا نفع فيها كمشاهدة مباراة أو فيلم في التلفزيون أو دردشة مع أصدقاء على الهاتف أو من خلال مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي .. ألا نخاف ﴿يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾؟.
ويمر على ذهني خاطر أن "الموعد المهم" قد يكون مع مسئول أو مدير أو وزير فتكون السرعة للحاق بالموعد خشية غضب أحدهم إذا تأخر، فأستحضر الآية الكريمة: ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾، وقوله تعالى: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وقوله عز وجل: ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾.
اللهم اجعلنا من المؤمنين، ولا تجعلنا ممن لا يفقهون.
أحبتي في الله .. أنا لا أحكم على أحد فيكفيني ما أنا عليه من تقصير، إنما أردت فقط أن أنبه نفسي والغافلين إلى معنى لم يفارقني وأنا أكتب هذه الخاطرة ألا وهو "أنخشى الناس أكثر من خشية الله؟"، "ألا نستحي من أنفسنا؟"، أيهتم أحدنا بأن يربي أبناءه على تجنب "العيب" ولا يهتم بأن يعلمهم اجتناب "الحرام"؟ .. أما آن الأوان لأن نسارع إلى تلبية النداء للصلاة على وقتها مع الجماعة على الأقل كما نسارع إلى اللحاق ب"موعد مهم"؟!
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.
https://goo.gl/G83Mga