الجمعة، 14 ديسمبر 2018

أمة اقرأ


الجمعة 14 ديسمبر 2018م

خاطرة الجمعة / ١٦٥
(أمة اقرأ)

كتب أحدهم يقول: أنت لا تقرأ؛ إذن أنت لا تفكر إلا في حاجاتك الضرورية من طعامٍ وشرابٍ ونومٍ وغيرها من مطامحك الدنيا. أنت لا تقرأ؛ إذن لن تتمكن من إنتاج أية فكرةٍ ذات قيمةٍ، وربما سيتساوى وجودك في الحياة مع عدمه. أنت لا تقرأ؛ إذن فحياتك روتينٌ مملٌ مقيتٌ لا جديد فيه ولا إثارة. أنت لا تقرأ؛ إذن أنت تحرم نفسك من أكثر متع الحياة بهجةً، متعة الخوض في بحار الأفكار والغوص في أعماقها والتقاط لآلئها. أنت لا تقرأ؛ إذن أنت كجهازٍ فائق الإمكانات تُرك ليأكله الغبار وينخره الصدأ. أنت لا تقرأ؛ أنت إذن كبيتٍ أُغلقت نوافذه ومنافذه منذ أن بُني إلى أن يُهدَم، غارقٌ في الظلام لا يعرف الضياء ويسكنه العفن. أنت لا تقرأ؛ إذن فأنت اكتفيت بعقلٍ واحدٍ بينما آلاف العقول وأنفَسهَا مفتوحةٌ ومتاحةٌ لك بين طيات الكتب. أنت لا تقرأ؛ إذن فقد اكتفيت بحياةٍ واحدةٍ بينما حيواتٌ وحيواتٌ مبثوثةٌ لك على أجنحة الحروف ومناكب الكلمات. أنت لا تقرأ؛ إذن هل أنت حقاً تعيش؟!

أحبتي في الله .. هذا ما كتبه أحدهم عن القراءة لكل الناس، وهو محقٌ فيما كتب، فما بالنا نحن المسلمين لا نقرأ؟ ما بالنا إذا واظب أحدنا على قراءة صحيفةٍ يوميةٍ يعتبر نفسه قارئاً! ما بالنا قد خاصمنا الكتب وكأنها عدوٌ لدود؟ لماذا لا نقرأ ونحن (أمة اقرأ)؟ حمل أجدادنا مشاعل العلم ونشروا المعارف في العالم كله شرقه وغربه؛ وعلَّموا الشعوب كيف تقرأ، فما الذي حدث لنا؟ هل استقلنا من دورنا في صنع الحضارة؟ هل سلمنا الراية لغيرنا طواعيةً؟ أم خنوعاً وخضوعاً واستسلاماً؟ كيف نرى الناس في معظم دول العالم لا يكاد الكتاب يفارق أيديهم في المواصلات العامة، وكأن بهم نهمٌ أو شرهٌ للقراءة، ونحن نكتفي بالنظر إليهم والتعجب مما يفعلون؟

يقول أهل العلم أن القراءة تُعد من المهارات المهمة المُكتسبة التي يتم من خلالها تحقيق المتعة والنجاح في الحياة فهي جزءٌ من حياة الإنسان، وبالقراءة تتطور العلوم وتزدهر الأمم، فهي ضرورةٌ من ضرورات الحياة، كما أنّها قد لاقت أهمية كبيرة في الإسلام، وذلك لأنّ بها يرتقي العقل ويتفكر في خلق الله.
وللقراءة مكانةٌ عاليةٌ في الإسلام؛ فكانت أول كلمة بدأ بها جبريل عليه السلام كلامه مع النبي صلى الله عليه وسلم هي كلمة اقرأ؛ قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾. هكذا تتجلى أهمية القِراءة في الإِسلام بِشكلٍ واضِحٍ في أولى الآيات الّتي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق الوحي؛ قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، إنه أمرٌ واضحٌ يتبين منه أن القِراءة للمسلم ليست هوايةً، ولا هي ترفٌ، وإنّما هي منهج حياةٍ حدّد الله سبحانه وتعالى لنا فيه ضابطَين أساسيَّين؛ الأول أن القِراءة يجب أن تكون باسم الله، فلا يجوز قِراءة ما ينهى عنه الله أو ما يُغضِب الله عز وجل. والثاني أنّه يجب ألّا يتكبّر الإنسان بما يَحصُل عليه من علمٍ بسبب القِراءة؛ فمهما وصل الإنسان من درجاتٍ عُليا في العلم عليه أن يتذكّر أن الله سبحانه وتعالى هو الّذي علّمه؛ قال تعالى: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مواقف تدل على أهمية القراءة؛ منها فداء الأسرى بعد معركة بدر، حيث كان النبي يطلب ممن يُريد تحرير نفسه من أسرى المشركين أن يُعلم عشرة أشخاصٍ من المسلمين القراءة والكتابة، رغم أن المسلمين كانوا وقتئذٍ بحاجةٍ إلى المال، كما أن استبقاء هؤلاء الأسرى كان مهماً من أجل الضغط على قريش لإبدالهم مع أسرى المسلمين، ومع ذلك فقد رأى النبي أنّ تعليم المسلمين القراءة والكتابة أهم من الأمور الأخرى. ونلاحظ أن الصحابة الذين كانوا يُجيدون القراءة والكتابة هم الذين تقدموا على غيرهم؛ ومنهم زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي تم تقديمه على غيره، وكان مُصاحباً للنبي، فكان كاتباً للوحي، وكاتباً للرسائل -مع أنّ عمره لم يتعدَ الثلاثة عشر عاماً- وهو نفسه الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بتعلم لغة اليهود، فتعلمها في خمسة عشر يوماً فقط! كيف فعل ذلك؟ فعل ذلك لأنه حمل هَم أمةٍ كاملةٍ، وحمل هم دين الله فكانت هذه هي النتيجة.

أحبتي .. قال أحد العلماء إن مفتاح قيام هذه الأمة هو كلمة: ﴿اقْرَأْ﴾؛ فلا يمكن أن تقوم لأمة الإسلام قائمةٌ من غير قراءة؛ فهذا أحد أعداء الإسلام يقول: "نحن لا نخشى أمة العرب، لأن أمة العرب أمةٌ لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم، وإذا فهمت لا تعمل بما فهمت!"؛ فالأمة التي لا يقرأ أبناؤها ويستفيدون مما يقرأون تظل أمةً غير مهيبةٍ ولا مرهوبة.
وحتى تزدهر أمتنا الإسلامية وتُصبح قويةً، فلا سبيل أمامنا إلا العلم الذي أساسه القراءة، وإذا أردنا اليوم اللحاق بركب التقدم -الذي كنا نحن المسلمين قادته فيما مضى- فعلينا البدء، كما بدأ أسلافنا العظام، بالقراءة والتدبر فيما نقرأ!
وأختم بما قاله أحد الفضلاء: "إذا كنت مسلماً حقاً، تريد نصرة الدين وتريد التصدي لمن يعادي المسلمين ويشوه صورة الإسلام، لا بد من الاستعداد الصحيح على بصيرةٍ، لا بد أن ترجع إلى كتاب الله أولاً وتتدبر معانيه وتفهمه جيداً، ثم تخوض في حفظه، ثم تبدأ بالسنة النبوية، ثم التفقه في الدين بصفةٍ عامةٍ وفي التاريخ الإسلامي بصفةٍ خاصةٍ حتى تكون مستعداً جيداً، واعلم أن طلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ومسلمة، واعلم أن الله يسهل طريق الجنة لمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً".

اللهم اجعلنا من (أمة اقرأ) حقاً وصدقاً، واجعلنا ممن يحرصون على القراءة، وممن يتدبرون ما يقرأون، ويستوعبون علوم الدين وعلوم الدنيا؛ فنعيد بناء الحضارة وصنع التاريخ.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/Q6Ah1H