الجمعة، 4 ديسمبر 2015

أدعو ولا يُستجاب لي


4 ديسمبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٩

(أدعو ولا يُستجاب لي)

سألني وعلامات الضيق تبدو على وجهه يحاول جاهداً إخفاءها "لماذا لا يستجيب الله سبحانه وتعالى لدعائي؟"، قلت متجاوزاً الحديث عن شروط وأوقات الاستجابة للدعاء: "ربما في ذلك رحمة من الله عز وجل"، قال متعجباً: "أقول لك أدعو الله كثيراً في أمرٍ ما مهم بالنسبة لي ولا أحس بأية استجابة وتقول لي قد يكون في ذلك رحمة!"، قلت له: "أولم تقرأ حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: [ما من مسلم يدعو، ليس بإثمٍ ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها] وفي زيادة [أو يغفر له بها ذنباً قد سلف]"، رد بسرعة: "بلى قرأته، لكني في موقف لا يحتمل التأجيل"، قلت: "صدق الله حين قال: ﴿خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءَايَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾، ومع لحظة صمت منه أكملت: "وما يدريك أنه لو استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائك لكان في ذلك هلاكٌ لك أو شرٌ لم تكن تتوقعه؟ أو ليس هذا ما تشير إليه الآية: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَان عَجُولًا﴾؟، هذه العجلة تجعل الإنسان يلح في الدعاء لنفسه بشرٍ لا يعلمه كما لو كان يدعو بخير". أطرق قليلاً ثم سألني: "وكيف ذلك؟"، قلت له أروي لك قصة حقيقية حدثت بالفعل في إحدى مدارس العين بدولة الإمارات حيث كنت أعمل، كان لنا زميل معلم تربية رياضية، رشيق القوام، يأتي إلى المدرسة مبكراً يبدل ملابسه في غرفة الرياضة ويلبس بدلة التدريب ويخرج من المدرسة التي تقع في وسط المدينة فيجري حول سور المدرسة عدة مرات ثم يعود مرة أخرى للاستعداد لطابور الصباح، كان مثالاً في كمال الجسم وفي الحيوية والنشاط. اشتكى يوماً من خمول لا يعرف سببه، فذهب للمركز الصحي وأخذ علاجاً لم يأت بنتيجة فكرر العلاج ولم يحدث تحسن، فكتب له الطبيب جرعة أقوى، ولم يحدث تحسن أيضاً؛ فحوله الطبيب العام إلى اختصاصي بالمستشفى العام، أجرى عدة فحوصات اكتشفوا بعدها إصابته بمرض خبيث في الدم. بدأ رحلة علاج تكللت بالنجاح رحمةً من الله سبحانه وتعالى"، قاطعني متسائلاً: "وما علاقة ذلك بموضوعنا؟" قلت له: "الشاهد أنه في رياضته الصباحية اليومية كان يشاهده عدد كبير من سكان العمارات المجاورة للمدرسة، فكم منهم يا ترى كان يدعو الله أن يعطيه صحة كصحة زميلنا، وكم منهم كان يلح في هذا الدعاء ظناً منه أن فيه خيرٌ له، وهو لا يعلم أنه لو استجاب الله لدعواته لكان الآن ممن يعانون من ذلك المرض الخبيث. صدق الله إذ يقول: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾"، رد بتأثر واضح: "صدق الله العظيم، وهو حقاً الرحمن الرحيم .. ومن رحمته أنه لا يستجيب لكل دعواتنا".
قلت له قبل أن أودعه: "ولا تنس يا صديقي أهم شرط للاستجابة للدعاء [أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة]، ولستُ في حاجة إلى تذكيرك بالأوقات التي يُستجاب الدعاء فيها"، التقط مني خيط الحديث وأضاف بلهجة الواثق مما يقول: "ما بين الأذان والإقامة، جوف الليل والثلث الأخير منه، السجود، حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر للخطبة إلى أن تُقضى الصلاة، آخر كل صلاة قبل السلام، وآخر نهار الجمعة من بعد العصر إلى غروب الشمس". ودعته قائلاً: "شكراً لك؛ فواحدٌ من تلك الأوقات لم أكن أتذكره، جزاك الله خيراً".
أحبتي في الله .. نستعجل الاستجابة للدعاء ونحن لا ندري أشرٌ أُريد بنا أم أراد بنا ربنا رشداً .. ماذا لو أخذنا بالأسباب، ثم دعونا الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا الخير أينما كان وحيثما كان .. ماذا لو أحسنا الظن بالله وسلمنا بما كُتب لنا على أنه كله خير، مصداقاً لقول الرسول الكريم: [عَجَبًا لأَمْرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، ليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمنِ؛ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ].
ولأننا لا نعلم ما ينفعنا مما يضرنا فلنسلم بقوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ..
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.

https://goo.gl/hyGwWf