الجمعة، 10 يونيو 2016

رؤية هلال رمضان

10 يونيو، 2016م
خاطرة الجمعة/ ٣٥

(رؤية هلال رمضان)

في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، يكون محور الحديث بين معظم المسلمين عن موعد بداية شهر الصوم، شهر رمضان المبارك.
في الأسبوع الماضي جمع بيننا لقاء بعد صلاة العشاء، كنا أربعة، بدأ أولنا الحديث بالأمنية التي يحلم بها كل مسلم قائلاً: "أتمنى أن يتفق المسلمون على بداية موحدة لشهر رمضان؛ وأن نبدأ جميعاً صيامنا هذا العام في يوم واحد".
ما إن انتهى من حديثه حتى بدأ حوار حول مسألة الرؤية الخاصة بتحديد بدايات الشهور الهجرية خاصة (رؤية هلال رمضان):
عرض واحد منا وجهة نظره فقال: "مع تطور العلم الحديث، واختراع أدوات وأجهزة للرصد والرؤية، وتطور الحسابات الفلكية وما تتسم به من دقة متناهية أوصلت البشرية إلى سطح القمر، فلا مجال للاعتماد على العين المجردة لرؤية الهلال وفيها ما فيها من ظن واحتمال وتوهم. توجد الآن النظارات العادية، العدسات المكبرة، المناظير المقربة، المجاهر (الميكروسكوبات)، والتليسكوبات الفضائية، وكلها أدوات لا تنشئ رؤية من عدم وإنما تساعد على تحسين رؤية شيء إذا كان موجوداً بالفعل، تقرب صورته وتكبرها؛ فكيف لا نستخدمها ونعتمدها أساساً للرؤية بدلاً من العين المجردة؟ ثم كيف لا نأخذ بالحسابات الفلكية والمسلمون في شتى بقاع الأرض يعتمدون عليها في معرفة أوقات الصلوات الخمس يومياً ولمدة عام قادم، وهي حسابات ذات دقة متناهية، تحظى باتفاق لا خلاف عليه". واختتم عرض وجهة نظره بقوله: "أنا مع اعتماد الحساب الفلكي؛ فإذا دلت الحسابات الفلكية على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته كهلال؛ فإنه يؤخذ بالحسابات الفلكية، ويكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة".
قال آخر: "اسمح لي عزيزي أن أختلف معك في الرأي تماماً؛ فأنا مع الرؤية بالعين المجردة لما ورد بذلك من أمر صريح في القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿‌فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، وفي السنة المشرفة؛ قال عليه الصلاة والسلام: [صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته]، وقال صلى الله عليه وسلم: [إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا]. فهل بعد ذلك نترك الرؤية ونأخذ بالحسابات الفلكية؟ علماً بأن الفلك هو علم من العلوم، ويغلب على معظم العلوم أنها ظنية تتغير بتغير الزمان، فهل نترك المطلق ونأخذ بما يغلب عليه الظن؟ وأخيراً، هل يجوز إذا قال أحدنا قال الله وقال الرسول أن يُقال قال العلم الحديث؟".
قال الثالث: "ولماذا لا نأخذ بالرؤية بالعين، فلا جدال أننا مأمورون بها، لكن مع وجود ضابط نضمن معه صحة الرؤية؛ فإذا أثبتت الحسابات الفلكية أن القمر لن يكون موجوداً في السماء في ذلك الوقت، سواءً لم يولد بعد أو أنه وُلد ولكن تستحيل رؤيته، وقتها لا يمكننا الأخذ برأي شاهد يدعي رؤية الهلال، وعلى القاضي الشرعي أو المفتي رد شهادته"، واستطرد يقول: "لا أرى تصادماً بين الدين والعلم، بل إننا كلما زاد علمنا زاد إيماننا؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾".
سألني ثلاثتهم، "ما رأيك أنت في هذه المسألة؟"، قلت لهم: "أنا أضع نفسي موضع الإنسان المسلم البسيط غير المتخصص؛ واجبٌ عليّ أن أتبع ولي الأمر، وأن ألتزم بما تعلنه السلطات المعنية في بلدي عن ثبوت أو عدم ثبوت الرؤية وما يترتب على ذلك من أحكام فقهية وشرعية"، وأردفت: "ومع ذلك، فأنا أرى أن ما يجمع بين وجهات نظركم رغم ما يبدو بينها من تباين، هو حرصكم على تحقيق مصلحة المسلمين، وإن اختلفت زاوية رؤية كلٍ منكم".
أحبتي في الله .. نتمنى كلنا أن تكون رؤية هلال شهر رمضان الكريم مناسبة لتوحيد الأمة الإسلامية، بدلاً من أن تكون مظهراً من مظاهر تفرقها.
أحبتي .. ما عرضته مختصراً وملخصاً لآراء متباينة فيما يتعلق بموضوع (رؤية هلال رمضان) ليس الهدف منه إحداث فتنة - لا قدر الله - وإنما الهدف هو لفت نظر الجهات المعنية بشئون المسلمين للاتفاق على رأي واحد في هذا الموضوع المهم الذي يشغل بالنا جميعاً مع اقتراب شهر رمضان كل عام.
الحمد لله أن بلغنا رمضان، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.