الجمعة، 2 أغسطس 2024

نعمة الإسلام

 

خاطرة الجمعة /458

الجمعة 2 أغسطس 2024م

(نعمة الإسلام)

 

يقول أحدهم: زارني أحد أقربائي في المنزل وهو يعمل في السنترال الخاص بإحدى المُستشفيات في مدينة «جدة»، وعمله هو الرد على المُكالمات، وتشغيل صوت الأذان وقت الصلاة. قلتُ له: "لماذا لا تستغل الوقت من بعد صلاة الفجر إلى الساعة الثامنة صباحاً بتشغيل القرآن بالمستشفى بصوتٍ هادئ"، فرحب بالفكرة وأعطيته مجموعة تلاوات قرآنٍ متنوعةٍ لعددٍ من القُراء، وقلتُ له: "استعن بالله واخدم دينك وأنت في عملك". بالفعل بدأ بتشغيل مقاطع من القرآن الكريم. حكى لي بعدها أنه في أحد الأيام، وكان من ضمن المقاطع التي يُشغلها تلاوةٌ لسورة «ق» لشيخٍ صوته مؤثرٌ جداً، فجأةً وإذا بصوت باب السنترال يُطرَق بشدةٍ، فتحتُ الباب وإذا بالطبيبة الأجنبية التي تعمل في الدور الثاني نزلت إليّ وهي تبكي، فتعجبتُ من ذلك، ومن حُسن الحظ أني أستطيع الحديث باللغة الإنجليزية، سألتني: "ما هذا الصوت؟!"، قلتُ لها: "هذا صوت القرآن"، قالت: "وما هو القرآن؟!"، قلتُ: "هذا كلام الله ونحن المسلمون نفهمه ونتعبد به"، قالت: "وما هو الإسلام؟!"، فطلبتُ منها أن تجلس، وذهبتُ لأتصل بطبيبٍ مناوبٍ أعرفه، ملتزمٌ مُحبٌ للخير ولغته الإنجليزية أفضل مني؛ فحضر إليّ وقابل الطبيبة وحدّثها بنبذةٍ بسيطةٍ عن الإسلام، ثم قال لها: "هناك مواقع على الإنترنت تُخبركِ أكثر عن الإسلام سأزودكِ بقائمةٍ بها، وسأحضر لكِ بعض الكُتيبات التي تُعرِّف بالإسلام باللغة الإنجليزية". وأحضر لها في اليوم التالي قائمةً بروابط لمواقع إنترنت موثوقةٍ، ومجموعةً من الكُتيبات الصغيرة.

دخلت الطبيبة الأجنبية إلى مواقع الإنترنت، وقرأت الكُتيبات. بعد أسبوع قابلني ذلك الطبيب الذي أخبرها عن الإسلام وقال لي: "أُبشرك؛ الطبيبة اعتنقت الإسلام بسبب صوت القرآن". وبعد قُرابة شهرٍ تقريباً، رأيتها وهي لابسةٌ العباءة السوداء والطرحة، ووجهها يُشع نوراً.

 

أحبتي في الله.. مجرد الاستماع إلى تلاوةٍ للقرآن الكريم كان سبباً في اعتناق أختنا الطبيبة الأجنبية للإسلام، رغم عدم معرفتها للغة العربية، وعدم إدراكها لمعاني الآيات التي استمعت إليها! لقد حرَّك القرآن شيئاً بداخلها، فسألت فعرفت وقرأت فعلمت فالتزمت.

ومن حكمة الله سُبحانه وتعالى أنه لم يجعل لدخول الإسلام إلى قلوب الناس سبباً واحداً، بل يكاد يكون لكل معتنقٍ جديدٍ للإسلام سببٌ خاصٌ يختلف عن غيره! فهذه طبيبةٌ أخرى اعتنقت الإسلام لسببٍ مُختلفٍ تماماً؛ تروي الطبيبة قصتها فتقول: أنا طبيبة نساءٍ وولادةٍ، أعمل بإحدى المُستشفيات في «الولايات المتحدة الأمريكية» منذ ثمانية أعوام، في العام الماضي أتت امرأةٌ مُسلمةٌ عربيةٌ لتضع مولودها بالمُستشفى، فكانت تتألم وتتوجع قُبيل الولادة، ولكن لم أرَ أية دمعةٍ تسقط من عينيها، وحينما اقترب موعد انتهاء دوامي أخبرتها أنني سأعود إلى المنزل وسيتولى أمر توليدها طبيبٌ غيري زميلٌ لنا؛ فبدأت تبكي وتصيح بحرارةٍ وبلا تردد: "لا، لا أريد طبيباً رجلاً"، تعجبتُ من شأنها؛ فأخبرني زوجها أنها لا تريد أن يدخل عليها رجلٌ ليراها؛ فهي طيلة عمرها لم يرَ وجهها سوى محارمها: والدها وإخوانها وأعمامها وأخوالها. ضحكتُ وقلتُ له باستغرابٍ شديدٍ: "أنا لا أظن أن هناك رجلاً في «أمريكا» لم يرَ وجهي بعد! المهم، استجبتُ لطلبها، وقررتُ أن أجلس معها حتى تضع؛ فقامت هي وزوجها بشكري، وجلستُ ساعتين إلى حين وضعت. في اليوم التالي حضرتُ للاطمئنان عليها بعد الوضع وأخبرتها أن هناك الكثير من النساء يُعانين من الأمراض والالتهابات بسبب إهمالهن لفترة النِفاس؛ فأخذت تشرح لي الوضع بالنسبة للنِفاس عندهم في الإسلام، وتعجبتُ جداً لما ذكرته. وبينما كنتُ في انسجامٍ في الحديث معها؛ دخلت طبيبة الأطفال لتطمئن على المولود وكان مما قالته للأُم: "من الأفضل أن ينام المولود على جنبه الأيمن لتنتظم دقات قلبه"، فقال الأب: "إننا نضعه على جنبه الأيمن تطبيقاً لسُنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"؛ فتعجبتُ لهذا الأمر أيضاً؛ انقضى عمرنا لنصل لهذا العلم، وهُم يعرفونه من دينهم! فقررتُ أن أتعرف على هذا الدين؛ فأخذتُ إجازةً لمدة شهرٍ، وذهبتُ إلى مدينةٍ أُخرى فيها مركزٌ إسلاميٌ كبيرٌ حيث قضيتُ أغلب الوقت فيه للسؤال والاستفسار والالتقاء بالمسلمين العرب والأمريكيين، وحينما هممتُ بالرحيل؛ حملتُ معي بعض النشرات التعريفية بالإسلام، فأصبحتُ أقرأ فيها، وكنتُ على اتصالٍ مستمرٍ ببعض أعضاء ذلك المركز. والحمد لله أنني أعلنتُ إسلامي بعد عدة أشهر.

 

الحمد لله على (نعمة الإسلام)، وما أعظمها من نعمةٍ، ولأننا وُلدنا مُسلمين، ونشأنا في أُسَرٍ مُسلمةٍ، وعشنا في مُجتمعاتٍ دينها الإسلام؛ فنكاد لا نشعر بما يشعر به الأجانب عندما يتعرفون على الإسلام لأول مرة.. فكم نستمع إلى آيات القرآن الكريم تتُلى؛ في صلواتنا بالمساجد، في مُناسبات العزاء، في إذاعاتنا، وفي القنوات التلفزيونية، وربما لا يتحرك بداخلنا شيءٌ كما تحرك مع الطبيبة الأولى التي كانت تستمع إلى القرآن الكريم لأول مرة؛ إذ انتابها شعورٌ بالاندهاش ممزوجٌ بطمأنينة نفسٍ لم تعهدها من قبل. أما مع الطبيبة الثانية فإن ما نعرفه -نحن المُسلمين- عن فترة النِفاس أو عن النوم على الشِق الأيمن يجعلها مسألةً اعتياديةً بالنسبة لنا، لكنها لم تكن كذلك بالنسبة للطبيبة الأمريكية، بل وكانت سبباً لرحلة بحثٍ بدأت بالاتصال مع المركز الإسلامي ومقابلة عددٍ من المُسلمين والاطلاع على كُتيبات تعريفية وانتهت باعتناقها الإسلام.

 

يقول أهل العلم إن نِعم الله على العبد كثيرةٌ من أجَلِّها (نعمة الإسلام)، ودلائل القرآن والسُنة تثبت أن أفضل نعمةٍ على الإنسان هي هدايته للإسلام، وهي منبع كل خيرٍ، وأصل كل سعادةٍ في الدُنيا والآخرة، وهي النِعمة العُظمى التي رضيها الله لنا وأكملها وأحسنها وامتّن بها علينا؛ يقول تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمِ دِينًا﴾ يقول المُفسرون لهذه الآية: هذه أكبر نِعم الله عزَّ وجلَّ على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍ غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحلّه، ولا حرام إلا ما حرّمه، ولا دين إلا ما شرّعه. يقول سُبحانه في نهاية الآية: ﴿رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبّه، وبعث به أفضل رُسُلِه الكرام، وأنزل به أشرف كُتُبِه، وكل شيءٍ أخبر به فهو حقٌ وصدقٌ لا كذب فيه؛ يقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً﴾ أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي، فلما أكمل الدين لنا تمت النِعمة علينا. كما يقول: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ يعني بالنِعمة الإسلام، وما فرض من شرائع دينه. ويقول أيضاً: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ أي صرتم بنِعمة الإسلام إخواناً في الدين. ويقول كذلك: ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ أي: يكفرون بما أنعم الله عليهم من دين الإسلام.

إن نِعمة الإسلام نِعمةٌ من أجَّل النِعم وأوفاها وأعلاها، ويجب على المُسلم أن يحمد الله تعالى ليل نهار على هذه النِعمة الكُبرى والمِنة العُظمى، إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق؛ فهو دائم الشُكر على (نعمة الإسلام) لما لهذا الدين من خصائص وفضائل منها: أن الإسلام هو الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده، دين الفطرة، دين التوحيد الخالص، دين العِلم والمعرفة، دين العدل والمساواة بين البشر، دين السماحة وعدم الإكراه، دين اليُسر ورفع الحرج، دين الوسطية والتوزان، دين العزة والقوة، وهو دين الفضيلة ومكارم الأخلاق. وحمدُ الله تعالى على (نعمة الإسلام) يستوجب الفهم العميق لمبادئ الإسلام ولتشريعاته الخالدة، والتطبيق العملي لتلك التعاليم والتشريعات حتى تُصبح واقعاً ملموساً وسلوكاً مشاهداً، وحتى يُدرك الناس أن عالمية الإسلام ليست شعاراً يُرفع ولا كلماتٍ تُقال بل هي أثرٌ يُدرَك وأملٌ ينُشَد.

 

قال الشاعر:

الحَمدُ لِلَّهِ عَلى الإِسلامِ

إِنعامُهُ مِن أَفضَلِ الإِنعامِ

 

أحبتي.. الحمد لله على (نعمة الإسلام) وما أعظمها من نِعمة. ولما كانت بالشكر تدوم النِعم؛ فلنُلزم أنفسنا بألا يمر يومٌ إلا ونُصبح ونُمسي فيه شاكرين لله سُبحانه وتعالى جميع نِعمه وآلائه، ونخص بالشكر أن أنعم علينا بأكمل وأتم نِعمةٍ (نعمة الإسلام)، وأن هدانا عزَّ وجلَّ للإيمان، ولسان حالنا يُردد: ﴿الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدانَا اللَّهُ﴾.

https://bit.ly/4c9NYMv