الجمعة، 23 مارس 2018

وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ


الجمعة 23 مارس 2018م

خاطرة الجمعة /١٢٧
(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)

تروي صاحبة القصة حكايتها فتقول: حكايتي فيها مرارةٌ ما زلت أتجرع كأسها حتى اليوم؛ فأنا سيدةٌ تعديت الخامسة والستين، أنتمي إلى أسرةٍ عاديةٍ من أسر الأرياف حيث يرتبط الجَمِيع بعلاقات نسبٍ ومصاهرةٍ بين بعضهم. تعلمت في مدرسةٍ متوسطةٍ وكُنت أتمتع بقوة الشخصية والحضور والجرأة في التعامل. لاحظت أن شاباً من أسرةٍ ثريةٍ ينظُر إليّ بإعجابٍ ويحاول أن يتقرب مني، ثم جاءتنا والدته وخطبتني له؛ فظللت الفرحة بيتنا وأثنى أهلي على أسرته ووصفوهم بأنهم مثالٌ رائعٌ للطيبة والكرم وحسن الأخلاق، وعرفت أن خطيبي هو الابن الثاني لأبيه، حيث يكبره أخٌ واحدٌ بعامين، وأنه هو الذي يُدير ثروة أبيه من الأراضي الزراعية لِمَا يتمتع به من القوة والحزم، بعكس شقيقه الذي يغلب عليه الهدوء وعدم القدرة على مواجهة الآخرين. أقام والده لنا حفل زفافٍ كبيراً حضره أهل القرية والقرى المجاورة. انتقلت إلى ركنٍ خاصٍ بي في بيتهم الواسع، وتمتعت مع زوجي بكل شيءٍ ووجدت والدته سيدةً رائعةً وأباه رجلاً دمث الخلق وشقيقه شاباً سمحاً لا يتكلم كثيراً ولا يحتك بمن حوله، ولاحظت الرِّضا على الجميع بهذا الوضع، فهُم وحدةٌ واحدةٌ وقرارهُم واحدٌ. بعد مُضِي عامٍ على زواجنا أنجبت طفلاً جميلاً فانطلقت الزغاريد تُجَلجِل في أرجَاء البيت وعلت الابتسامة وجه حماي وحماتي وصار ابني هو شغلهما الشاغل. وذات يومٍ وفي أثناء تناول طعام الغداء فاتح حماي شقيق زوجي في مسألة الزواج الذي كان يؤجله باستمرار، فأطرق برأسه إلى الأرض قائلاً: «ربنا يسهل»؛ فكان رده علامةً على الموافقة، وحدثتني نفسي أن أختار له العروس التي سوف يتزوجها، وصارحت زوجي بما يدور في نفسي؛ وقلت له: «أنت الذي تدير أملاك أبيك؛ ومن حقك أن تنال في النهاية هذا الإرث، ثم يكون لأولادك من بعدك، ولو تزوج أخوك وأنجب سيحصل على نصف الميراث، وما دام أنه لا يُفكر في الإنجاب ووصلت الأمور إلى حد الضغط عليه من أجل الارتباط فسيوافق على من نختارها له»؛ اقتنع زوجي بكلامي وسألني عن الفتاة التي أرشحها له، فقلت له: «أنها ليست فتاةً؛ إنها سيدةٌ مطلقةٌ لم تمكث مع زوجها سوى عامٍ ونصف العام ثم طلقها لعدم الإنجاب، مع أنها جميلةٌ وتتمتع بالأخلاق الحميدة، علاوةً على روحها المرحة، وهي تقترب في صفاتها من صفات شقيقك، وقد اخترتها بالذات حتى لا تنجب وتكون تركة أبيك في النهاية لأولادك»؛ فوافقني على رأيي، وتوليت مسئولية إقناع حماتي بهذه العروس دون أن أفصح لها عن سبب طلاقها. ولم يتوقف شقيق زوجي عند مسألة طلاقها، إذ قال في نهاية جلستنا «توكلت على اللَّه» وخرج إلى المسجد لأداء صلاة العشاء. تم عقد القَرَان والزِّفاف في لقاءٍ عائليٍ بسيطٍ باعتبار العروس مطلقة. أحسست وقتها بنشوة الانتصار، وبأن خطتي للاستئثار بالميراث تمضي كما رسمتها، وعشنا معاً حياةً مستقرةً لم يُعَكِر صفوها شيءٌ، ومرض حماي ثم رحل عن الحياة، والتففنا حول حماتي، وازددنا ترابطاً، وأصبح شقيق زوجي هو رجل البيت باعتباره الأكبر سناً، لكن الأمور كلها ظلت بيد زوجي، ثم فوجئنا بما لم نكن نتوقعه إذ حملت زوجة شقيق زوجي؛ فأخذت أضرب كفاً بكفٍ وأسأل نفسي كيف تحمل وهي عاقِرٌ؛ لقد كان السبب في طلاقها هو عدم الإنجاب؟ ظللت أُطَمْئِن نفسي بأنه «حملٌ كاذبٌ». نعم ظَننتُ ذلك، ولكن شهور الحمل مرت بشكلٍ عاديٍ، وأنجبت ولدين في بطنٍ واحدةٍ، وعنفني زوجي على صنيعي؛ لأنه بإنجاب الولدين أصبح ما خططت له ووافقني عليه زوجي سراباً، كما أنني لم يكُن لديّ وقتها سوى ابني الوحيد الذي لم اُنجِب سِواه. كبر الوَلَدَان ابنا شقيق زوجي وكلما شاهدتهما أمامي يمر برأسي شريط الذكريات وما كنت أرتب له بعد رحيل الكبار حين تصبح الأرض كلها ملكاً لأولادي. ثم توالى إنجاب زوجة شقيق زوجي البنين والبنات، في حين توقف إنجابي تماماً، أدركت وقتها أنني أجني ثمار ما صنعت، وأن من يتخيل أنه قادرٌ على أن يفعل ما يريد واهمٌ؛ فالقادر هو اللَّه وحده، ونحن البشر مهما فعلنا فلن نُغَـير قدره سبحانه وتعالى. دارت السنون وصار الأولاد شباباً، وأصبحت أخاف على ابني من كل خطوةٍ يخطوها فأتتبعه وأسأل عنه، وكان لدينا جرارٌ زراعيٌ، يعمل عليه في أيام الإجازات الدراسية، وذات يومٍ أخذ ابني الجرار وذهب في طريقه إلى الحقل فصدمته سيارة نقلٍ مسرعةٍ، وجاءنا الخبر المُفجِع فأسرعنا به إلى المستشفى المركزي القريب منا، ثم إلى مستشفى شهيرٍ بالقاهرة، وظل في العناية المركزة ثلاثة أيامٍ ثم صعدت روحه إلى بارئها. دارت بي الأرض وغبت عن الوعي، وشخصُوا حالتي بأنها صدمةٌ عصبيةٌ شديدةٌ؛ فتلقيت علاجاً استمر مدةً طويلةً، ولما أفَقت وجدت زوجي قعيداً بعد إصابته بجلطةٍ في المُخ، ورأيت شقِيقه إلى جواره يبكي بمرارةٍ، أما أبناؤه فلم يغادروا حجرتنا، ولازمونا ليلاً ونهاراً، ولم أسمع منهم سوى كلمتي: «أبي» و«أمي» وهم ينادوننا أنا وزوجي. بعد أسابيع قليلةٍ مات زوجي ولم أجد بجواري سوى أبناء شقيقه الذين حاولت أن أمنع وجودهم في الحياة بالحيلة الدنيئة التي دبرتها لوالدهم للزواج من عاقر، فإذا باللَّه عز وجل يُخلف ظني، ويحدث ما حدث وأفقد ابني الوحيد ليؤول كل شيءٍ إلى أولاد شقيق زوجي الذين صاروا أولادي بالفعل بعد كل ما صنعُوه لي. ولقد أرَاد اللَّه أن أعيِش لأرى كل من حولي يرحلون من الدنيا واحداً بعد الآخر لكي أنَال العقاب الذي أستحقه في الدنيا؛ فلقد رحل شقيق زوجي، ثم رحلت زوجته. إنه سبحانه وتعالى علام الغيوب، وقد أراد لي أن أتعلم الدَّرس البليغ؛ بأنه سبحانه يفعل ما يشاء، وأن المَكرَ السَّيئ لا يحِيق إلا بأهلِه.

أحبتي في الله .. ورد ذكر المكر في القرآن الكريم في مواضع عدة، منها:
قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا﴾، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾، وقوله عز وجل: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾. وكذلك قوله: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾، وقوله عز وجل: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ﴾، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾.
وعن المكر بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ يقول تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾، ويقول عز وجل: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾، ويقول: ﴿وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾.
ومحذراً من عقابه؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾، ومبيناً مآل المكر وعاقبة الماكرين؛ يقول: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾، ويقول: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، ويقول: ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾، وموضحاً جزاء الماكرين يوم القيامة؛ يقول: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾.
والمكر السيئ ناتجٌ عن ضعف الإيمان وخبث النفس ودناءة الخلق، ويؤدي إلى انطماس البصيرة، وفساد العمل، وصاحبه عقوبته عاجلةٌ غير آجلةٍ؛ قال تعالى: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾، فهذه سنته سبحانه مع الماكرين من البشر: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).

يقول أهل العلم أن المكر المضاف إلى الله جل وعلا والمسند إليه ليس كمكر المخلوقين، لأن مكر المخلوقين مذمومٌ، وأما المكر المضاف إلى الله سبحانه وتعالى فإنه محمودٌ، لأن مكر المخلوقين معناه الخداع والتضليل، وإيصال الأذى إلى من لا يستحقه، أما المكر من الله جل وعلا فإنه محمودٌ؛ لأنه إيصالٌ للعقوبة لمن يستحقها فهو عدلٌ ورحمةٌ‏. فلا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيداً، ولا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً.
ومن الآيات التي أسند فيها المولى صفة المكر لنفسه: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، و﴿قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا﴾، و﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا﴾، ففي هذه الآيات، وغيرها، دليلٌ على أن لله مكراً.
ولا يوصف الله بالمكر على الإطلاق، فلا يجوز أن نقول: إن الله ماكرٌ، وإنما نذكر هذه الصفة في مقام المدح، مثل قوله تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾.
وأما الخداع فهو كالمكر يُوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾.
أما مكر البشر فقد عرض لنا القرآن الكريم العديد من صوره وأشكاله: مكر قوم إبراهيم عليه السلام، مكر إخوة يوسف، مكر فرعون بقوم موسى، مكر بني إسرائيل بعيسى عليه السلام، مكر الكفار والمشركين بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. كذلك المكر بمؤمن آل فرعون، ومكر أصحاب الجنة الذين أقسموا ألا يدخلها عليهم يوم الحصاد مسكين، ومكر أصحاب السبت، وغيرها من قصص المكر والماكرين.

وكما حذرنا الله سبحانه وتعالى من المكر وبيَّن لنا عاقبة الماكرين، فإن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ينهانا عن المكر؛ فيقول: [لا تَمْكُرْ، وَلا تُعِنْ مَاكِرًا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾].
الجزاء من جنس العمل، قاعدةٌ شرعيةٌ وسنةٌ كونيةٌ؛ فالمقابلة بالمثل عدلٌ، وسنةٌ يعامل الله بها خلقه، وشرع نتعامل به؛ مصداقاً لقوله عز وجل: ﴿جَزَاءً وِفَاقاً﴾، وقوله سبحانه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾.
يقول الشاعر:
لكل شيءٍ آفةٌ من جنسه
حتى الحديدَ قضىٰ عليهِ المبردُ

أحبتي .. أختم بكلماتٍ طيباتٍ نقلاً عن عالمٍ جليلٍ، كتب يقول: ما أحوجنا إلى مراقبة الله واستشعار عظمته وقوته ومكره وغضبه من أعمال السوء وأخلاق السوء حتى نبتعد عن كل مساوئ الأخلاق ونستغل قدراتنا وطاقاتنا في مواجهة أعداء الأمة ومكرهم وخططهم التي يحيكونها وينفذونها عند ضعفنا وتفرقنا.. وليقف الجميع صفاً واحداً ضد كل من يحاول الإفساد والمكر والخداع؛ ففي ذلك النجاة والحياة الطيبة للجميع.. ذلك أن عاقبة المكر وآثاره لن تستثني أحداً سواءً كانوا أصحاب المكر أو الساكتين عنهم أو الراضين بهم، ولن تُكتب النجاة إلا لأصحاب الحق والخير قال تعالى: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.
إن علينا أن نحذر مكر الله، ومن يأمن مكره وغضبه، وهو قائمٌ على المعاصي والذنوب، يكون قد ارتكب كبيرةً من الكبائر يحتاج إلى توبةٍ نصوحٍ وعليه أن يراجع إيمانه بالله؛ فلا يغتر أحدنا بعمله مهما كان، ولا يغتر بحلم الله عليه وهو مفرطٌ في غفلته ومقصرٌ في واجباته.. فبعض الناس يعطيه الله الكثير من النعم، وهو قائمٌ على المعاصي والذنوب ومقصرٌ في واجباته، فيعتقد أنها دلالةٌ على حب الله له ورضاه عنه.. كلا.. هذا استدراجٌ من الله.. فلا تأمن مكره؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
فلنتأمل سنة الله في خلقه التي لا تتبدل ولا تتحول؛ يقول تعالى: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ لنتبين أن هذه القاعدة القرآنية (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) قاعدةٌ مطردةٌ ثابتةٌ مستقرةٌ تتكرر في كل زمانٍ ومكانٍ، فهل من متعظٍ؟

اللهم احفظنا من المكر، واكفنا تدبير الماكرين، وامكر لنا لتقينا شر الطغاة الظالمين، وباعد بيننا وبين ما قد يزينه لنا الشيطان من المكر بالآخرين.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/zoKXKF