الجمعة، 5 أغسطس 2016

عميلنا العزيز

الجمعة 5 أغسطس 2016م
خاطرة الجمعة /٤٣

(عميلنا العزيز)

بيب .. بيب .. بيب .. "(عميلنا العزيز) تم خصم نقطة واحدة من رصيدكم"، رسالة sms وصلتني على هاتفي المحمول لم أعرف لها سبباً، قابلت جاري صدفةً فسألته عنها، رد على سؤالي بسؤال: "هل فعلت اليوم سيئة؟"، قلت مندهشاً: "وما علاقة ذلك برصيدي حيث أُخطرت بالخصم منه؟!"، سألني مرة أخرى: "ألم يخبرك مصرف الأخلاق بسياسته الجديدة؟"، قلت: "لا"، قال: "راجع رسائل المصرف السابقة، بالتأكيد وصلتك رسالتهم وأهملت قراءتها"، قلت: "ربما، لكن اسمح لي أن أعود لردك الأول، سألتني إن كنت قد فعلت اليوم سيئة، لا أذكر سوى أني كنت أتحدث مع زوجتي عن قريب لنا لا تتذكره فكنت أصفه لها فقلت ذلك الأعرج وو ...بيب .. بيب .. بيب .. "(عميلنا العزيز) تم خصم نقطة واحدة من رصيدكم"، رسالة أخرى وصلتني على الهاتف مقاطعةً حديثي مع جاري وأنا أصف له ما حدث، هكذا الأمر إذن، كلما فعلنا سيئة (غيبة، نميمة، سب، قذف، سوء ظن، ...) يقوم نظام المصرف بالخصم الفوري من رصيدنا لديه. سألت جاري سؤالاً أخيراً: "متى تم تفعيل هذا النظام؟"، رد: "من أول هذا الشهر، انتبه يا عزيزي لكلامك وسلوكك".
فهمت الآن السر وراء ما أشاهده مع بداية هذا الشهر من تحسن في معاملات الناس، ومن ابتساماتهم في وجوه غيرهم، ومن مسارعتهم إلى معاونة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وإماطتهم الأذى عن الطريق. فهمت الآن لماذا كل تلك الاتصالات الهاتفية من أقاربي وأصدقائي تسأل عني وعن أحوالي وترتب معي لعيادة المرضى من الأقارب والأصدقاء. وفهمت لماذا تحسنت معاملات الموظفين مع المراجعين في المصالح الحكومية والمدارس والمستشفيات وأقسام الشرطة وغيرها من مؤسسات. كما تذكرت ذلك التقرير الغريب الذي شاهدته  في التلفاز عن الانخفاض الملحوظ في معدلات الجريمة كالقتل العمد والسرقة والاغتصاب والتحرش من أول الشهر وحتى اليوم، وتناقص أعداد القضايا في المحاكم وانتهاء معظمها بالصلح والتراضي بين الخصوم. فهمت الآن فقط أن ذلك كله كان بسبب تفعيل آليات  مصرف الأخلاق .. بل وتذكرت الإعلانات التي ملأت شوارع المدينة ووسائل المواصلات العامة وشاهدناها في قنوات التلفاز وفي الصحف والمجلات تطل علينا بخط عريض: "(عميلنا العزيز) انتبه لنقاطك، زدها ولا تنقصها، نعاملك بالعدل فلا تظلم نفسك! مع تحيات مصرف الأخلاق". لم أكن أتصور أنهم سوف يقومون بتطبيق هذه الفكرة الرائعة بالسرعة التي طبقوها بها، حمدت الله بيني وبين نفسي على أن هناك أناساً طيبين جديرين بالاحترام والتقديرررررر بيب .. بيب .. بيب .. "(عميلنا العزيز) تم إضافة عشر نقاط إلى رصيدكم" .. تبسمت حين وصلتني الآن هذه الرسالة؛ وفهمت أن هذه النقاط أضيفت لرصيدي لاحترامي وتقديري لمن فكر وخطط لهذا العمل المفيد!.
فجأة ظهر أمامي قريبنا الذي كنت أصفه لزوجتي، فاجأني بقوله: "شكراً لك لتحويلك نقطتين لي من حسابك اليوم، النقطة الأولى ربما بسبب السهو عن الآليات الجديدة للمصرف، لكن ماذا وراء تحويل النقطة الثانية؟"، قلت مازحاً: "لن أخبرك، لو أخبرتك لصارت النقطتان ثلاثاً"!.

"هيا، استيقظ، ستتأخر عن عملك .. هيا لا تكن كسولاً"، إنه صوت زوجتي .. إنها توقظني .. يا إلهي .. لقد كنت نائماً .. ما هذا الذي كنت أفكر به؟ لابد أنه حُلم .. أسرعت إلى هاتفي المحمول .. أدخلت الرقم السري لفتحه .. ضغطت على أيقونة الرسائل sms .. لم أجد أية رسالة تحوي عبارة (عميلنا العزيز) .. حمدت الله أنه لم يتم خصم نقاط من رصيدي .. ثم انتبهت لنفسي .. أية نقاط؟ وأي رصيد؟ في الأساس لا يوجد مصرف للأخلاق حتى يكون هناك رصيد أو نقاط! ما كان ذاك إلا حُلماً!

قابلت جاري الذي كنت أتحدث معه في الحُلم، أخبرته عن حُلم ليلة أمس، قال لي مداعباً: "غطي نفسك جيداً قبل النوم"!

بعدها بعدة أيام .. كنت في جلسة سمر مع بعض الأصدقاء .. نتجاذب أطراف الأحاديث .. فإذا بي أتذكر ذلك الحُلم .. أخبرتهم به .. ضحكوا جميعاً إلا واحد .. أدهشنا عندما عَقَّب على ما حدثتهم به بقوله: "هذا ليس حُلماً .. إنه رؤية"، قاطعته باستنكار: "رؤية؟! عن أية رؤية تتحدث؟!"، قال: "نعم، إنها رؤية؛ إنها تذكير لك ولنا بأن هذا المصرف موجود بالفعل، لكننا لا نراه، وهل كونه غير مرئي لنا يعني أنه غير موجود؟"، ألجمت الدهشة ألسنتنا فسكتنا، لم يرد أحدٌ منا على سؤاله، فاستكمل حديثه موضحاً: "الواقع أن كثيراً مما لا نراه موجودٌ بالفعل .. فمصرف الأخلاق في رؤياك موجود ولا نراه، وما أسعد من تعامل معه واستفاد منه وزاد رصيده فيه .. إنه كنزٌ لا يقدر بثمن غفلنا عنه"، وتابع وسط اندهاشنا: "اسمعوا معي حديث النبِي عن هذا الكنز العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: "إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ"]"، ثم أنهى حديثه بسؤالي: "أهكذا كان مصرفك؟"، أجبته: "كأنه هو!".

أحبتي في الله .. ما أروع ديننا الحنيف .. وما أرحم الله سبحانه وتعالى بعبيده وإحسانه إليهم وتفضله عليهم .. وما أكرمه في معاملته لنا؛ كرماً يفوق عدله .. فلو أعطانا ما نستحق فهذا عدل .. أما أن يعطينا فوق ما نستحق فهذا كرم وفضل .. وعندما يضاعف لنا العطاء أضعافاً كثيرة فهذه رحمة وإحسان.

أحبتي .. هلا اهتممنا بزيادة أرصدتنا في مصرف الأخلاق الإسلامي الموجود ولا نراه، كما نحرص على زيادة أرصدتنا المالية في المصارف والبنوك؟ .. هلا رتبنا أولويات أعمالنا ترتيباً صحيحاً؟ 
فلتكن أحبتي الأولوية المطلقة لأن نعمل الخير بكل أشكاله وأنواعه وفي جميع مجالاته فتُكتب لنا عشر حسنات عن كل عمل إلى سبعمائة ضعف، يليها أن ننوي عمل الخير ونشرع فيه حتى إذا حال بيننا وبين فعله حائل كُتبت لنا حسنة، يليها أن نمتنع عن عمل سيئة كنا اعتزمنا عملها خشيةً من الله سبحانه وتعالى فتُكتب لنا حسنة، يليها أن نتجنب عمل السيئات قدر الإمكان حتى لا تُكتب علينا سيئات نحن في غنىً عنها، ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.

على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

https://goo.gl/1Nc8s5