الجمعة، 11 مارس 2016

فوائد التدخين!

11 مارس، 2016م
خاطرة الجمعة / ٢٢

(فوائد التدخين!)

ذكرياتي في الإمارات لا تنتهي .. ومن ذلك أنه في كل عام دراسي كانت تُشكل لجنة في مدينة العين تضم تربوياً من المنطقة التعليمية وطبيباً من الصحة المدرسية وواعظاً من دائرة الأوقاف، كانت مهمتها عقد لقاءات مع طلاب المدارس الثانوية للبنين لتوعيتهم بأضرار التدخين .. يبدأ الطبيب اللقاء بشرح الأضرار الصحية للتدخين وعلاقته بسرطان الرئة والفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم وأمراض الجهاز التنفسي ويوضح ما تحتوي عليه السيجارة من مواد ضارة، ويعرض إحصائيات عن الوفيات الناتجة عن التدخين. أما الواعظ فيوضح للطلاب رأي الدين ولماذا يعتبر العلماء التدخين محرماً، وكان يربط بين الحكم الشرعي الخاص بالانتحار وبين التدخين باعتباره قراراً يتخذه المدخن بكامل إرادته نتيجته المؤكدة الموت البطيء. وكنت أتحدث عن الجوانب الاجتماعية والنفسية وأبين للطلاب عدم صحة الربط بين التدخين ومفاهيم كالرجولة وحل المشكلات واكتساب الأصدقاء، وكنت أبين أن الإقلاع عن التدخين مؤشر واضح على قوة الإرادة والثقة بالنفس. وقبل إحدى تلك اللقاءات أردت أن أقدم جديداً يشد انتباه الطلاب فبحثت في [جوجل] ربما أجد ضالتي، فوجدت موضوعاً بعنوان (فوائد التدخين) فعرضته في اللقاء التالي حيث فوجئ الطلاب، كما فوجئ كلٌ من الطبيب والواعظ، بأني بدأت حديثي للطلاب بالقول: أني لن أحدثكم عن أضرار التدخين، فهي معلومة لكم جميعاً، سأحدثكم اليوم عن (فوائد التدخين)، وبعد لحظة صمت وسط ترقب من الجميع، أبدأ في توضيح تلك الفوائد:
- لا يصاب المدخن بالشيخوخة، ولا يشيب شعره، ولا تعضه الكلاب، ولا يدخل اللصوص منزله، وإذا ركب وسيلة مواصلات عامة فإنه يجلس ولا يقف، وهو يتعرف دائماً على أشخاص جدد!
وأسكت لحظات وسط دهشة الجميع قبل أن أوضح لهم تفصيل ذلك، فأقول:
- لا يصاب المدخن بالشيخوخة ولا يشيب شعره؛ لأن العمر لا يمتد به حتى يشيب شعره وغالباً ما يُتوفى قبل بلوغه مرحلة الشيخوخة. ولا تعضه الكلاب؛ لأنه يمسك عصاً يتوكأ عليها فإذا رأته الكلاب على هذه الهيئة هابته وابتعدت عنه. أما اللصوص فهم لا يدخلون منزله؛ لأنه لا يملك شيئاً يستحق السرقة فهو ينفق معظم أمواله في شراء السجائر والأدوية والعلاج فلا يتبقى له مال يكون مطمعاً للصوص، كما أنه يسعل طوال الليل فيخشى اللصوص الاقتراب من منزله. ويضمن المدخن الجلوس في وسائل المواصلات العامة ولا يقف على قدميه؛ لأنه إذا رأى أحد الجالسين ضعف بنيته واعتلال صحته رق قلبه لحاله فتنازل له عن مقعده وأجلسه فيه. وهو يتعرف دائماً على أشخاص جدد؛ لأنه كل فترة عند طبيب جديد!
وكنت أقول للطلاب بأن عليهم الاختيار ما بين (فوائد التدخين) التي عرضتها وأضراره التي أوضحها الطبيب والواعظ! وكنت أقول لهم أن الاختيار بين الفوائد والأضرار يكون دائماً لصالح الفوائد إلا في هذه الحالة؛ حيث أن (فوائد التدخين) لا يقل خطرها عن أضراره. وكانت الفقرة التي أنهي بها حديثي وينتهي بها اللقاء: "الاختيار قرار، والقرار لكم، والذكي منكم من يختار ما ينفعه ولا يضره"!
أحبتي في الله .. أردت أن أوضح لكل مدخن ولكل من يفكر في التدخين (فوائد التدخين)؛ عسى أن يبتعد عن هذه العادة الضارة التي لا شك في حرمتها؛ فالتدخين محرم لأنه من الخبائث وقد قال الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾، وهو محرم لأنه ضار بالصحة وسبب للوفاة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾، فديننا الحنيف يحرم الخبائث، ويحرم كل ما يضر بصحة الإنسان ويؤدي بنفسه إلى التلف والهلاك، وكذلك يحرم تبذير المال.
أخي المدخن .. لا تكابر .. ساعد نفسك على ترك التدخين فوراً طالما علمت أنه حرام .. لا تقل سأقلع عن التدخين بالتدريج .. اطفئ السيجارة التي بين أصابعك الآن .. ارمِ آخر علبة سجائر معك في أقرب سلة مهملات .. اعلن لجميع من تعرفهم أنك قررت التوقف عن التدخين .. اصمد ولا تتراجع .. تحمل أعراض الانسحاب من التدخين .. وليكن دافعك الأساسي هو رضا الله سبحانه وتعالى وكسب ثواب الانتهاء عن معصيته .. وتمتع بعد ذلك بحياة أفضل من جميع الوجوه ..
لكن إذا كنت عزيزي المدخن ما زلت مُصِرَّاً على أن تضر نفسك في دينك وصحتك، هدانا الله وإياك وعافانا وعافاك، فعلى الأقل لا تضر غيرك في صحتهم بما يُسمى بالتدخين السلبي حيث يُضطر الآخرون إلى استنشاق ما تنفثه من دخان وسموم فيصيبهم الضرر من ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار)، فالشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.