خاطرة الجمعة /516
الجمعة 12 سبتمبر 2025م
(الزوجة
الصالحة)
كتب أحدهم
يقول: في هدأة الليل، وقبل بزوغ الفجر، أيقظتني زوجتي بإلحاحٍ شديدٍ، تطلب مني أن
أرد على الهاتف الذي لم يكفّ عن الرنين؛ فاستفسرتُ منها، وأنا أُكابد النعاس:
"كم الساعة الآن؟"، فأجابتني: "لم يطلع النهار بعد!"؛ فقلتُ
مُستنكراً: "ومن ذا الذي يجرؤ على إزعاج الناس في هذا الوقت؟! أيّ قلبٍ هذا
لا يعرف للراحة حُرمة؟!"، قالت لي: "رقمٌ غريبٌ، لكنه اتصل أكثر من
عشرين مرةً!"، فعلّقتُ ساخراً: "لا شك أنه أحد أولئك العابثين، ممن
يتصلون بأرقام عشوائيةٍ طمعاً في أن ترد عليهم فتاة! وإن كان كذلك، فويلٌ له مني،
والله لأُسمِعنَّه ما يكره!". فتحتُ الخط، وأنا أتهيأ للزجر، فإذا بصوتٍ أعرفه
يقول لي برقةٍ: "صباح الخير يا حبيب القلب، أعتذر لإيقاظك في هذا الوقت، لكن
الأمر الذي أحتاجك فيه لا يحتمل تأخيراً"، فقلتُ له، وأنا أتحرى الصوت:
"صباح الورد، مَن المتحدث؟ فالرقم غير مُسجلٍ لدي"؛ قال: "فلان
الفلاني"، فقلتُ مُعتذراً: "معذرةً يا عزيزي، لم أعد أحتفظ إلا برقمك
القديم. خيراً إن شاء الله"، قال بصوتٍ يعتريه الحزن: "والدتي شعرت
بتوعكٍ بالأمس، وحين أخذناها إلى المُستشفى، قرَّر الأطباء أنها بحاجةٍ إلى عمليةٍ
عاجلة، وأنت تعلم أنني أمرّ بضائقةٍ ماليةٍ هذه الأيام، فهل يُمكن أن تُقرضني
مبلغاً حتى يحين موعد الجمعية الشهر المُقبل؟"، فقلتُ له مُتأثراً: "ألف
سلامةٍ لوالدتك، ولكنك فاجأتني، واللهِ لا أملك مالاً نقدياً في البيت الآن"،
فقال مُتفهماً: "لا بأس، إن شاء الله يُفرجها الله من عنده، وأعتذر مُجدداً
لإزعاجك في هذا الوقت". ما إن أنهيتُ المُكالمة حتى سألتني زوجتي: "مَن
كان هذا؟"، فأجبتها: "فلان الفلاني"، قالت: "وماذا أراد؟"،
قلتُ: "طلب قرضاً، لكنني اعتذرتُ له؛ فهو لا يتصل بي إلا إذا كان في
حاجةٍ!"؛ فأجابتني بنبرةٍ حزينةٍ: "وما الضير في ذلك؟ الناس للناس، وهذا
أمرٌ طبيعيٌ!"، فقلتُ لها بحزمٍ: "طبيعيٌ بالنسبة لكِ، أما أنا فلا
أرتاح لمن لا يتذكرني إلا وقت المصلحة!"، فابتسمت وقالت لي: "قال أحد
الصالحين: «أربعةٌ لا أقدر على مُكافأتهم: رجلٌ بدأني بالسلام، ورجلٌ وسَّع لي في
المجلس، ورجلٌ اغبرت قدماه في حاجتي، فأما الرابع فلا يُكافئه عني إلا الله عزَّ
وجلَّ، وهو رجلٌ نزل به أمرٌ فبات يُفكر فيمن يقصده، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها
بي»". كلماتها اخترقت قلبي، فأسرعتُ بالاتصال بصديقي وقلتُ له: "وجدتُ
مع زوجتي مالاً، فخُذ ما تحتاج، وارفع عن نفسك الحرج"، فقال لي بصوتٍ
مُختنقٍ: "واللهِ، ما إن أغلقتُ الهاتف معك حتى شعرتُ أن الدنيا قد أظلمت في
وجهي، وأن كل الأبواب قد أُوصدت؛ فرفعتُ يديّ إلى السماء أُردد: «ربِّ إني مسني
الضُر وأنت أرحم الراحمين»، وإذ بك تتصل بي من جديدٍ، فعلمتُ قبل أن أفتح عليك أن الله
قد استجاب دعائي!".
أحبتي في
الله.. لا شك أن (الزوجة الصالحة) نعمةٌ كُبرى، وكنزٌ عظيمٌ، فهي تُعين زوجها ليس
فقط على دُنياه، بل وعلى آخرته أيضاً، تنصحه بما فيه صلاحه واستقامته.
وهذه واحدةٌ
منهن، من اللواتي يحرصن على أن تكون دُنيا زوجها مزرعةً لآخرته؛ يروي زوجها ما حدث
فيقول:
سافرتُ إلى
الخارج في مُهمة عملٍ لمدة ثلاثة أيامٍ، وفور وصولي للدولة التي سافرتُ إليها
اتصلتُ لأطمئن على زوجتي وابني؛ فأنا لم أتعود فراقهما، وهُما لم يتعودا غيابي
طوال ثلاث سنواتٍ هي عُمر زواجي. اتصلتُ ولكن للأسف لم يرد على مُكالماتي أحد! مضت
ثلاثة أيامٍ وهاتفي لم يُفارق يدي، اتصل بدون مُبالغةٍ كل ربع ساعةٍ أو نصف ساعةٍ
ولا أجد جواباً، فجُن جُنوني، واتصلتُ بأخي وأُختي ليتفقدا أحوال أُسرتي الصغيرة
فطمأناني، ولم أُصدقهما، واتصلتُ بعمتي أُم زوجتي فطمأنتني، وأخبرتها أنني أنتظر اتصالاً
من زوجتي، ولكن طال انتظاري ولم تتصل بي! مرت الأيام الثلاثة عليّ كثلاثة شهورٍ
طويلةٍ، وكنتُفي داخلي أغلي من الغضب حيناً، وأتعجب وأحاول معرفة السبب حيناً آخر،
وبين هذا وذاك كان الشيطان يوسوس لي بوساوس مُرعبةٍ. مرت الأيام الثلاثة كأنها
دهرٌ، ورجعتُ إلى بلدي، وما إن وطأت قدماي أرض المطار حتى أسرعتُ بالعودة إلى
المنزل، وحين وصلتُ -ومن شدة خوفي- أخذتُ أطرق الباب بيديّ وبالجرس معاً حتى فتحت
لي زوجتي الباب، وكم كانت دهشتي حين رأيتها في كامل زينتها وأناقتها، تستقبلني بكل
حفاوةٍ وبأبهى صورة، ومن ورائها طفلي عيناه تتراقص فرحاً بعودتي ويركض إلى حُضني،
كُنتُ مُندهشاً؛ لا أصدق ما تراه عيناي، ولا أفهم ماذا يحدث! وسرعان ما بدأ الغضب
يحل محل الدهشة؛ فسألتُ زوجتي عن سبب تجاهلها الرد على مُكالماتي حتى كدتُ أن أقطع
سفري وأُسرع بالعودة حيث كانت أسوأ الظنون تتلاعب بي يُمنةً ويُسرةً، فأجابت زوجتي
بكل هدوءٍ: "هل اتصلتَ بوالدتك؟"، أجبتها وأنا مُتعجبٌ من سؤالها:
"لا أدري، ربما لا، وإنما اتصلتُ بوالدتكِ لأطمئن عليكما، ثم لماذا هذا
السؤال؟"، قالت: "أفرأيتَ كيف كان شعورك في هذه الأيام الثلاثة؟ إنه هو
نفسه شعور والدتك حين لا تتصل بها بالأيام، ولا تسمع صوتها إلا حين تُبادر هي
بالاتصال بك، بعد أن يُلهبها الشوق، ويجرفها الحنين، وتأخذها الوساوس إن طال
الغياب، حاولتُ كثيراً تنبيهك إلى ذلك، ولكن دون فائدةٍ، إلى أن جاءت سفريتك
للخارج؛ فلم أجد أفضل من هذه الفُرصة لأُوصِّل لك هذه الرسالة يا زوجي
العزيز"، طأطأتُ رأسي خجلاً من زوجتي، الصغيرة عُمراً، الكبيرة عقلاً، وقد
فهمتُ الدرس جيداً، وجدتُها تُناولني مفتاح سيارتي، وتهمس في أُذني "جنتك
تنتظرك"؛ فانطلقتُ إلى حبيبتي الأولى أُمي، بعد أن علمتني زوجتي الحكيمة
درساً لن أنساه مدى الحياة، وأنا مُمتنٌ لها أن جعلتني أتدارك نفسي، وأُصلح أمري
قبل أن أندم في يومٍ لا ينفع فيه الندم. شكراً وحمداً لله تعالى الذي رحمني
وأيقظني من غفلتي، وشكراً لأُمي التي أحسنت اختيار هذه (الزوجة الصالحة) لي،
وشكراً لهذه الزوجة الحكيمة الذكية، وشكراً لأُمها التي ربتها فأحسنت تربيتها.
أُمهاتنا جناتنا في الدُنيا، فلا تنسوا وصلهن ولو بمكالمةٍ كل يومٍ، وهذا أقل
القليل؛ فهُنَّ مشغولاتٌ بنا، تُفكرن دائماً فينا، وتحملن همنا، قلوبهن مُعلقةٌ
بنا، تدعين لنا، ورِقة قلوبهن تمنعهن من الاتصال بنا كل حينٍ خوفاً من إزعاجنا.
هاتان
الزوجتان نحسب أنهما من الزوجات الصالحات اللاتي لا يدخرن جهداً في القيام
بواجباتهن على أكمل وجهٍ، امتلكن بعض صفات وسمات (الزوجة الصالحة) التي وردت في
القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ
تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ﴾؛ يقول المُفسرون إن هذه الآية تجمع أصول الصلاح:
الإسلام، والإيمان، والقنوت "وهو دوام الطاعة"، والتوبة، والعبادة،
والصيام "وهو أحد معاني السائحات". وهذه الصفات هي التي تُشكل شخصية
المرأة المُسلمة التي تُصلح بها نفسها وبيتها.
ويقول
تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ
اللَّهُ﴾، يقول المُفسرون إن القنوت يعني دوام الطاعة لله عزَّ وجلَّ، ويعني كذلك
طاعة الزوج في غير معصية الله؛ فطاعة الزوج ليست استعباداً أو إذلالاً، إنما هي
جزءٌ من منظومة الأسرة التي جعل الإسلام للرجل فيها قوامةً تهدف إلى استقرار
الأسرة. ومن صفات الزوجات الصالحات أنهن ﴿حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ﴾، وهذا المُصطلح
القُرآني البليغ يشمل كل ما يغيب عن عين الزوج ومعرفته، وهو من أعظم مظاهر أمانة
الزوجة وإخلاصها، ويتجلى ذلك في حِفظ نفسها وعِرضها، وصيانة شرفها وعفتها،
وابتعادها عن كل مَواطن الشُبهات، حفظاً لسُمعتها وسُمعة زوجها، وهذا الحفظ ليس
نابعاً من الخوف من الزوج، بل من الخوف من الله الذي لا تخفى عليه خافيةٌ، ولهذا
خُتمت الآية بقوله سُبحانه: ﴿بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾، أي بحفظ الله لهن وتوفيقه
وتسديده. كما أن من الحفظ حفظ أسرار البيت؛ فالبيت المُسلم له حُرمته وأسراره التي
لا ينبغي أن تخرج إلى العلن، و(الزوجة الصالحة) لا تُفشي سراً لزوجها، ولا تتحدث
عن تفاصيل حياتهما الخاصة التي قد تُسبب حرجاً أو تفتح باباً للفتنة. ويشمل الحفظ
أيضاً حفظ مال الزوج؛ فالزوجة مؤتمنةٌ على مال زوجها، فلا تُنفقه إلا فيما يُرضي
الله، وبإذن زوجها، ولا تُسرف أو تُبذِّر، بل تكون مُدبِّرةً وحكيمةً في إدارة
الشؤون المالية لبيتها.
وفي السُنة
الشريفة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها،
ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ]،
يقول شُرّاح الأحاديث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيهذا الحديث بأوصاف
المرأة التي يتعلق بها الناس في الزواج، وهي: المال، والحسب، والجمال، والدِين، ثم
نصح النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون الدِين هو المعيار الأول والأساسي في
اختيار الزوجة؛ لأن اختيار ذات الدِين يترتب عليه سعادة الدارين: الدُنيا والآخرة،
ولا مانع من اختيار المرأة ذات المال أو الحسب أو الجمال، لكن شريطة أن تكون ذات
دِين.
ووصف النبي
صلى الله عليه وسلم (الزوجة الصالحة) بأنها خير متاع الدُنيا؛ فقال: [الدُّنْيَا
مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ]، هذا الوصف
البليغ يختزل الكثير من المعاني، فالدُنيا بكل ما فيها من مُغرياتٍ ومتاعٍ زائلٍ،
لا يرقى شيءٌ منها إلى قيمة (الزوجة الصالحة) التي تكون سبباً في سعادة زوجها واستقراره
وطُمأنينته، إنها استثمارٌ حقيقيٌ في سعادة الدارين، وركيزةٌ أساسيةٌ لتحقيق
الاستقرار النفسي والاجتماعي.
ولما نزلت
الآية الكريمة ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ قالَ بعضُ
الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: أنزلَ في الذَّهبِ والفضَّةِ، لو علمنا أيُّ
المالِ خيرٌ فنتَّخذَهُ، فقالَ: [أفضلُهُ: لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ مؤمنةٌ
تعينُهُ على إيمانِه]؛ فهذا الحديث يضع الزوجة المؤمنة الصالحة في مصاف أعظم ما
يُقرِّب إلى الله، كذِكر الله وشكره، مما يدل على دورها المحوري في تعزيز الجانب
الإيماني للأسرة بأكملها.
وقال عليه
الصلاة والسلام: [أربعٌ من السعادةِ: المرأةُ الصالحةُ، والمسكنُ الواسعُ، والجارُ
الصالحُ، والمركبُ الهنيءُ]، فكما أن المسكن الواسع والمركب الهنيء من أسباب
السعادة والراحة المادية، فإن (الزوجة الصالحة) هي مصدر السعادة والراحة النفسية
والروحية التي تفوق كل راحةٍ مادية.
وقد وصف
النبي صلى الله عليه وسلم خير النساء بقوله: [الَّتي تُطيعُ زوجَها إذا أمرَ،
وتسرُّهُ إذا نظرَ، وتحفظُهُ في نفسِها ومالِهِ]؛ فطاعتها لزوجها هي طاعة محبةٍ
وتقديرٍ، تنبع من إيمانها بأن هذا جزءٌ من تحقيق مرضاة الله وحفظ استقرار بيتها،
وهذه الطاعة مُقيدةٌ بالمعروف، فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وهي السمة التي
تضمن عدم تحول القوامة إلى تسلطٍ أو قهرٍ أو إجحافٍ أو ظُلم.
ويقول أهل
العِلم إنه إلى جانب هذه السمات الأساسية، هناك مجموعةٌ من الأخلاق والسلوكيات
العملية التي ترتقي بالزوجة إلى مصاف الصالحات، وتجعل منها شريكة حياةٍ مثاليةً؛
من ذلك: أن تكون مُعينةً لزوجها وأبنائها على أمر الآخرة؛ تُشجعهم على طاعة الله،
وتحثهم على المُحافظة على الصلاة، وتُذكرهم بالصدقات، وتُشاركهم في مجالس العِلم،
وتصبر معهم على مشاق الطريق إلى الله. وأن تكون صابرةً وشاكرةً؛ فالحياة الزوجية
لا تخلو من مُنغصاتٍ وصعوباتٍ، سواءً كانت ماديةً أو اجتماعيةً؛ فتتحلى (الزوجة
الصالحة) بالصبر عند الشدة، فلا تتسخط ولا تتذمر، وتتحلى بالشكر عند الرخاء،
فتُقدر نعمة الله وجُهد زوجها. وأن تكون قانعةً وتُحسن التدبير؛ فلا تُكلِّف زوجها
فوق طاقته، ولا تُقارن حالها بأحوال الأُخريات، بل ترضى بما قسم الله لها، وتكون
في ذات الوقت مُدبِّرةً حكيمةً، تُحسن إدارة موارد البيت، وتتجنب الإسراف، وتعرف
أولويات الإنفاق، مما يُسهم في الاستقرار المادي للأسرة. وأن تتصف بالحكمة وحُسن
الخُلق؛ تعرف كيف تتعامل مع المُشكلات، ومتى تتكلم، ومتى تصمت، وكيف تمتص غضب
زوجها، وكيف تُحوِّل الموقف المتأزم إلى حوارٍ هادئٍ، ويشمل حُسن خُلُقها تعاملها
مع أهل زوجها وجيرانها، فتكون سفيرة خيرٍ لبيتها وأُسرتها.
يقول أحد
الصالحين: إن (الزوجة الصالحة) ليست مُجرد شريكة حياةٍ، بل هي أعظم نعمةٍ يُمكن أن
يُرزَق بها الزوج بعد نعمة الإيمان والتقوى. وهي التي تتحلى بالخُلُق الحسن،
والأدب الرفيع، فلا يُعرف منها بذاءة لسانٍ ولا خبث طويةٍ ولا سوء عشرةٍ، بل تتحلى
بالنقاء والصفاء، وتتزين بحُسن الخطاب ولُطف المُعاملة، وأهم من ذلك كله أن تتقبل
النصيحة وتستمع إليها بقلبها وعقلها، ولا تكون من اللواتي اعتدن الجِدال والمِراء
والعِند والكِبْر. وهي المُربية الصادقة للأبناء، تُعلمهم الإسلام والقرآن، وتغرس
فيهم حُب الله وحُب رسوله وحُب الخير للناس، والخُلُق الحسن، ولا يكون همُّها من
دُنياهم فقط أن يبلغوا مراتب الجاه والمال، بل مراتب الدِين والتقوى والخُلق
الرفيع والعِلم النافع.
أحبتي.. لا
شك في أن الصلاح الديني للزوجة وتقواها هو أساس كل خيرٍ، وهو الصفة الجامعة للفلاح
الحقيقي، والأساس الذي تُبنى عليه سعادة الأُسرة كلها؛ فمن كانت زوجته تتصف بتلك
الصفات، أو مُعظمها، أو حتى بعضها، فليحمد الله على أن حباه بهذه النعمة العظيمة،
وليُعاهده عزَّ وجلَّ أن يكون هو الآخر زوجاً صالحاً لتكتمل سعادة الأُسرة، ولتكون
هذه الأُسرة السعيدة لبنةً في بناء مجتمعٍ إسلامي ٍقوي. وندعو الله سُبحانه وتعالى
أن يجعل (الزوجة الصالحة) من نصيب كل مُسلمٍ، كما ندعوه تبارك وتعالى أن يُيسِّر
على نساء المُسلمين لزوم سبيل الفلاح، فتحرصن على اكتساب صفات التقوى والصلاح، اقتداءً
بأُمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وليكن دعاؤنا دائماً بالآية الكريمة: ﴿رَبَّنَا
هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ عسى أن يستجيب
الله دعاءنا.
https://bit.ly/4pzmA2C