الجمعة، 20 سبتمبر 2019

الطريق إلى الجنة


الجمعة 20 سبتمبر 2019م

خاطرة الجمعة /٢٠٥
(الطريق إلى الجنة)

قصةٌ حقيقيةٌ رائعةٌ، عجيبةٌ ومؤثرةٌ، حدثت في هولندا؛ ففي كل يوم جمعة، وبعد الصلاة، كان الإمام وابنه البالغ من العمر إحدى عشرة سنةً يتوجهان إلى إحدى ضواحي أمستردام ويوزعان على الناس كتيباتٍ صغيرةً بعنوان (الطريق إلى الجنة). في إحدى الجمع وكان الجو بارداً جداً وماطراً؛ ارتدى الصبي الكثير من الملابس حتى لا يشعر بالبرد، وقال: "حسنا يا أبي، أنا مستعد"، سأله والده: "مستعدٌ لماذا؟!"، قال الابن: "يا أبي، لقد حان الوقت لكي نخرج لتوزيع الكتيبات"، أجابه أبوه: "الطقس اليوم ممطرٌ وشديد البرودة في الخارج"، أدهش الصبي أباه بالإجابة حين قال: "ولكن يا أبى لا يزال هناك أناسٌ يذهبون إلى النار"، قال الأب: "لن أخرج في هذا الطقس"، قال الصبي: "هل يمكنني أن أذهب لتوزيع الكتيبات؟"، تردد والده للحظةٍ ثم قال: "يمكنك الذهاب"، وأعطاه بعض الكتيبات". مشى الصبي في شوارع المدينة في هذا الطقس البارد الممطر لكي يوزع الكتيبات على من يقابله من الناس، وظل يتردد من بابٍ إلى بابٍ حتى يوزع الكتيبات الإسلامية. بعد ساعتين من المشي تحت المطر، تبقى معه آخر كتيبٍ وظل يبحث عن أحد المارة في الشارع لكي يعطيه له، ولكن كانت الشوارع مهجورةً تماماً بسبب الطقس السيء؛ فاستدار إلى الرصيف المقابل لكي يذهب إلى أول منزلٍ يقابله حتى يعطيهم الكتيب، دق جرس الباب، فلم يُجب أحد، ظل يدق الجرس مراراً وتكراراً، بلا جدوى، كأن شيئاً ما يمنعه من ترك المنزل، مرةً أخرى، التفت إلى الباب ودق الجرس وأخذ يطرق على الباب بقبضته بقوةٍ، وهو لا يعلم ما الذي جعله ينتظر كل هذا الوقت، وظل يطرق فإذا بالباب يُفتح ببطءٍ، وكانت تقف عند الباب امرأةٌ كبيرةٌ في السن تبدو عليها علامات الحزن الشديد، فقالت له: "ماذا أستطيع أن أفعل لك يا بُني؟!"، نظر إليها الصبي بعينين متألقتين وعلى وجهه ابتسامةٌ أضاءت لها العالم وقال: "سيدتي، أنا آسف إذا كنتُ أزعجتك، ولكن فقط أريد أن أقول لك إن الله يحبك حقاً ويعتني بك، وجئتُ أعطيك آخر كتيبٍ معي والذي سوف يخبرك كل شيءٍ عن الله، والغرض الحقيقي من الخَلق، وكيفية تحقيق رضوانه". أعطاها الكتيب وأراد الانصراف، فقالت له: "شكرا لك يا بني!". بعد أسبوعٍ، وبعد صلاة الجمعة، حيث كان الإمام قد أنهى درساً له في المركز الإسلامي، وقفت سيدةٌ عجوزٌ تقول: "لا أحد في هذا الجمع يعرفني، ولم آتِ إلى هنا من قبل، وحتى يوم الجمعة الماضي لم أكن مسلمةً، ولم أفكر أن أكون كذلك. لقد تُوفي زوجي منذ أشهرٍ قليلةٍ، وتركني وحيدةً تماماً في هذا العالم. ويوم الجمعة الماضية كان الجو بارداً جداً وكانت السماء تمطر، وقد قررتُ أن أنتحر لأنني لم يبقَ لدي أي أملٍ في الحياة؛ لذا أحضرتُ حبلاً وكرسياً وصعدتُ إلى الغرفة العلوية في بيتي، ثم قمتُ بتثبيت الحبل جيداً في إحدى عوارض السقف ووقفتُ فوق الكرسي وثَبَّتُ طرف الحبل الآخر حول عنقي، وقد كنتُ وحيدةً يملؤني الحزن، وكنتُ على وشك أن أقفز، وفجأةً سمعتُ صوت جرس الباب في الطابق السفلي، فقلتُ سوف أنتظر لحظاتٍ ولن أجيب، وأياً كان من يطرق الباب فسوف يذهب بعد قليل، انتظرتُ ثم انتظرتُ حتى ينصرف مَنْ بالباب، ولكن كان صوت الطرق على الباب ورنين الجرس يرتفع ويزداد. قلتُ لنفسي مرةً أخرى: مَن يكون؟! رفعتُ الحبل مِن حول رقبتي وذهبتُ لأرى مَنْ يطرق الباب بكل هذا الإصرار، عندما فتحتُ الباب لم أصدق عيني فقد كان صبياً صغيراً وعيناه تتألقان وعلى وجهه ابتسامةٌ لم أرَ مثلها من قبل، حتى لا يمكنني أن أصفها لكم. الكلمات التي جاءت من فمه مست قلبي الذي كان ميتاً فقفز إلى الحياة مرةً أخرى، وقال لي بصوتٍ حانٍ: "سيدتي، لقد أتيت الآن لكي أقول لك إن الله يحبك حقيقة ويعتني بك!"، ثم أعطاني هذا الكتيب الذي أحمله (الطريق إلى الجنة)، فأغلقت بابي، وبتأنٍ شديدٍ قمتُ بقراءة الكتاب، ثم ذهبتُ إلى الأعلى وقمتُ بإزالة الحبل والكرسي لأنني لن أحتاج إليهما بعد الآن. أنا الآن سعيدةٌ جداً لأنني تعرفت إلى الإله الواحد الحقيقي. عنوان هذا المركز الإسلامي مطبوعٌ على ظهر الكتيب، جئتُ إلى هنا بنفسي لأقول: "الحمد لله وأشكركم على هذا الملاك الصغير الذي جاءني في الوقت المناسب تماماً؛ فأنقذ روحي من الخلود في الجحيم".
دمعت العيون في المسجد وتعالت صيحات التكبير "الله أكبر". نزل الإمام الأب من المنبر، وذهب إلى الصف الأمامي حيث كان يجلس ابنه واحتضنه وأُجهش في البكاء أمام الناس دون تحفظ. ربما لم يكن بين هذا الجمع أبٌ فخورٌ بابنه مثل هذا الأب.

أحبتي في الله .. كم من أناسٍ يعيشون حولنا لم تصلهم الدعوة إلى الله فلم يعرفوا (الطريق إلى الجنة) فكان مصيرهم نار جهنم والعياذ بالله، وهذا تقصيرٌ منا نحن المسلمين في مسئوليتنا وواجبنا في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى التي تفتح (الطريق إلى الجنة) أمام غير المسلمين، وترفع من درجة المسلمين في جنات النعيم، أمر الله بها في آياتٍ ورغَّب فيها سبحانه؛ يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، ويقول سبحانه: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ ثم يقول: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
يرى أهل العلم أن أحسن الناس قولاً من دعا إلى الله وأرشد إليه، وعلم العباد دينهم وفقههم فيه، وصبر على ذلك، وعمل بدعوته، ولم يخالف قوله فعله ولا فعله قوله، هؤلاء هم أحسن الناس قولاً، وهم أصلح الناس وأنفع الناس للناس؛ يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. 
وأخبر سبحانه أن الدعوة إلى الله على بصيرةٍ هي سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي سبيل أتباعه من أهل العلم؛ كما في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.
ويأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله فيقول: [بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً]، ومن لطيف ما قال العلماء عن هذا الحديث: "بلغوا": تكليف، "عني": تشريف، "ولو آية": تخفيف.
وعن الثواب العظيم للدعوة إلى الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ]؛ يوضح علماؤنا في شرح هذا الحديث أنك لو دعوتَ كافراً فأسلم يكون لك مثل أجره، ولو دعوتَ مبتدعاً فترك البدعة يكون لك مثل أجره، ولو دعوتَ إنساناً عاقاً لوالديه فأطاعك وبر والديه يكون لك مثل أجره، ولو دعوتَ إنساناً يغتاب الناس فترك الغيبة يكون لك مثل أجره، وهكذا. ويقول عليه الصلاة والسلام: [مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا] فإن دعوتَ إلى خيرٍ فلك مثل أجور المهتدين على يديك، وإن دعوتَ إلى شرٍ فعليك مثل أوزارهم وآثامهم. وقال صلى الله عليه وسلم: [فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم].
وعن أسلوب الدعوة يقول أحد العلماء: ليعلم كل من يدعو إلى الله وإلى (الطريق إلى الجنة) أن الخطاب الديني الذي يصدر عنه هو خطاب تحريرٍ وتنوير؛ تحريرٍ للعقول والقلوب من الزيغ والهوى لتستنير بنور الهُدى والتُقى. وهو خطاب تبصيرٍ وتذكيرٍ وسماحةٍ ورفقٍ ورحمةٍ ولينٍ ودفعٍ بالتي هي أحسن. هو خطاب تسامحٍ وتعايشٍ وسلامٍ وتعاونٍ على البر والتقوى. خطابٌ ينبذ التعصب والتزمت والانغلاق والتحجر، يقاوم الفُرقة والفتنة، خطابٌ يدفع إلى تحقيق الخيرية الفعلية لأمة الإسلام: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس ِتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾.
يوضح أحد العاملين في مجال الدعوة أن من الأمور التي تختلط في أذهان الكثيرين تصور أنَّ الدعوة إلى الله هي أن تعتلي المنابر وتُلقي الدروس والمحاضرات، والحقيقة أن الأمر أيسر من ذلك، يكفي أنتقول كلمةً أو تكتب عبارةً يستفيد منها غيرك، أو تفعل فعلاً طيباً يقتدي به الآخرون. ومن الشبهات قول بعضهم: إنك كمن يحرث البحر، إنك لن تغير الكون بكلامك، لن تستطيع أن تصنع شيئاً، لن تجد استجابةً من الناس والفساد يحيط بهم من كل جهة. هؤلاء أذكرهم بقول الله سبحانه: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾. وأضيف إلى ذلك أن الدعوة إلى الله لا تقتصر على تلاوة آيةٍ وقراءة حديثٍ نبويٍ شريف بعد انتهاء صلاة الجماعة في المسجد، وإنما هي منظومةٌ متكاملةٌ أهم ما فيها أن يكون الداعي قدوةً صالحةً لغيره يعمل بما يقول بغير انفصامٍ بين الأقوال والأفعال.

أحبتي .. الدعوة إلى الله ليست وظيفة واعظٍ، ولا واجب إمامٍ فقط، وإنما هي مسئولية كل مسلمٍ، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، فقيراً أو غنياً، كلٌ حسب قدرته واستطاعته؛ فلا ينبغي أن يتخلف أحدٌ من المسلمين عن هذا الواجب. ليسأل كلٌ منا نفسه ماذا قدَّم للدعوة إلى الله؟ وليحاسب نفسه حتى لا يُفَوِّت على نفسه ثواباً عظيماً لا يُحسب له حساباً بسيطاً وإنما حساباً مركباً يتضاعف كل حين، ينتفع به في حياته وبعد مماته. وهذه دعوةٌ مني، خاصةً للشباب وغيرهم ممن يجيد استخدام التقنيات الحديثة، استخدموا هذه التقنيات من إنترنت وبرامج تواصل اجتماعي وهواتف ذكية في الدعوة إلى الله بنشر آية، أو شرحٍ أو تفسيرٍ لها، أو حديثٍ نبويٍ شريف، أو قصةٍ من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو من سير الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين أو الصحابة أو التابعين، أو من قصص الحضارة الإسلامية العظيمة وعلماء المسلمين. كذلك فإن المسارعة إلى تصحيح ما يُنشر من أخطاء أو مزاعم أو افتراءاتٍ أو أحاديث موضوعةٍ وباطلةٍ لا يقل في أهميته عن الاهتمام بنشر ما يفيد، بل قد يكون هو الأولىٰ في كثيرٍ من الحالات.   
وفقنا الله جميعاً إلى الإخلاص في الدعوة إلى سبيله القويم وطريقه المستقيم عسى أن يكون في عملنا إنقاذٌ للبعض من النار، وإرشادٌ لآخرين بتعريفهم (الطريق إلى الجنة) فنكون نحن وهم رفقاء فيها بإذن الله.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://bit.ly/2msSv9X