الجمعة، 6 نوفمبر 2015

رجلٌ بأمةٍ

6 نوفمبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٥

(رجلٌ بأمةٍ)

عملت محكماً في جائزة الشارقة للعمل التطوعي لسبعة أعوام متتالية من عام ٢٠٠٤م إلى عام ٢٠١٠م. كنا نحكم الأعمال المقدمة للجائزة من دولة الإمارات والدول العربية ونختار الفائزين وفق شروط ومعايير محددة. أما اختيار الشخصيات العامة للتكريم فكان من اختصاص مجلس أمناء الجائزة. وفي الدورة السادسة للجائزة عام ٢٠٠٩م اختار مجلس الأمناء الدكتور/ عبد الرحمن السميط لتكريمه لما له من إسهامات ملموسة في مجال العمل التطوعي في العالم العربي.
لم أكن أعرف شيئاً عنه، فقمت ببحث سريع لأتعرف على تلك المساهمات التي استحق التكريم من أجلها، وهنا كانت المفاجأة بالنسبة لي، إذا أردتم أن تشاركوني المفاجأة فإليكم بعضاً من إنجازات هذا الرجل في أرقام:
• كفل 15،000 يتيماً
• موّْل دراسة 95،000 طالباً
• قدم أكثر من 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الدول الغربية
• بنى 5،700 مسجداً
• أنشأ 204 مركزاً إسلامياً
• أنشأ 200 مركزاً لتدريب النساء
• أنشأ 860 مدرسة
• أنشأ 4 جامعات
• حفر 9،500 بئراً
• بنى 124 مستشفىً ومستوصفاً
• نفذ مشاريع زراعية على مساحة 10 مليون متراً مربعاً
• أفطر 2 مليون صائم في حوالي 40 دولة مختلفة
• نظم 1450 دورة تدريبية للمعلمين وأئمة المساجد
• طبع 6 ملايين نسخة من المصحف ووزعها على المسلمين الجدد
• وزع 51 مليون مصحف على الدول الإفريقية المختلفة
• وزع 160 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس
• طبع ووزع 605 مليون كتيب إسلامي بلغات أفريقية مختلفة
• تكفل بإقامة عدد من المخيمات الطبية ومخيمات العيون للمحتاجين مجاناً ضمن إطار برنامج مكافحة العمى
• أسلم على يديه قرابة 11 مليون شخص في أفريقيا (ما يقرب من 972 مسلماً يومياً في المعدل!).
إنه الدكتور عبد الرحمن حمود السميط، الإنسان الذي كرس حياته لعمل الخير، مؤسس جمعية العون المباشر، وُلد في الكويت 15 أكتوبر 1947م، وكان طبيباً متخصصاً في أمراض الجهاز الهضمي تخرج في جامعة بغداد وحصل على بكالوريوس الطب في الجراحة، ودبلومة في أمراض المناطق المدارية من جامعة ليفربول، ثم أكمل دراساته العليا المتخصصة في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي في جامعة ماكجيل في كندا. زار أفريقيا وعمره 35 عاماً، شعر بحزن عميق من مشاهد الجوع والمرض، فقرر أن يضحي بمهنته ويكرس نفسه لصالح المحتاجين، وللمساهمة في مساعدة ملايين الأطفال في الحصول على التعليم والمأوى والعلاج. قضى ثلاثين عاماً من حياته في القيام بالأعمال الخيرية في أفريقيا، ضحى بوقته، وكل ما يملك من أجل تزويد الناس الأقل حظاً للحصول على حياة كريمة.
نال عدداً من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية ومن أرفع هذه الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والتي تبرع بمكافأتها - 750 ألف ريال سعودي - لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا ومن عائد هذا الوقف تلقت أعداد كبيرة من أبناء أفريقيا تعليمها في الجامعات المختلفة. تعرض في أفريقيا لمحاولات قتل مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، كما حاصرته أفعى الكوبرا في موزمبيق وكينيا وملاوي غير مرة لكنه نجا، بالإضافة إلى لسع البعوض في تلك القرى وشح الماء وانقطاع الكهرباء.
التقيته شخصياً في منزل أحد شيوخ القواسم بالشارقة لدى زيارته للإمارات لتسلم وسام جائزة الشارقة للعمل التطوعي من صاحب السمو الشيخ الدكتور/ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة عضو المجلس الأعلى للاتحاد بدولة الإمارات العربية المتحدة. تحدث الرجل في أمسية رمضانية بمجلس الشيخ/ صقر بن راشد القاسمي ببساطة وتواضع شديدين وحكى لنا بعض المواقف التي واجهته في إفريقيا. دمعت عيناي مما كنت أسمع، وأحسست بقلة وضآلة ما نقدمه لخدمة ديننا ونظن أنه كثير.
يا الله، كم كانت جهودك عظيمة يا عبد الرحمن ..
يا الله، هل كان هذا شخصاً واحداً أم إنه كان أمة؟!
توفي عبد الرحمن السميط يوم 15 أغسطس 2013م، عن عمر يناهز 66 عاماً، بعد حياة حافلة بالإنجازات.
رحمك الله يا عبد الرحمن، وجزاك عن الإسلام وعنا وعن جميع المسلمين كل خير.
أحبتي في الله .. ذكرتني هذه السيرة العطرة بقول الله تعالى في وصفه لخليله إبراهيم عليه السلام: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ ولله المثل الأعلى.
كم نحن مقصرون في حق مثل هؤلاء الأبطال الذين يعملون بصمت وإخلاص؟ أين أجهزة إعلامنا التي صورت لنا الراقصات والممثلات والفنانين والفنانات وكثيراً من الفاسدين نجوماً في المجتمع يتأسى بهم الشباب؟ كم من الناس في مصر أو تونس أو المغرب أو باكستان (وغيرها من الدول) يعرفون اسم هذا الإنسان وإنجازاته؟ أين مناهجنا الدراسية من تعليم أبنائنا سير مثل هذا الإنسان المسلم الفذ؟
أحبتي .. كلما تذكرت هذا الرجل تغلبني دموعي، وتذكرت قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ فأحسبه منهم، ولا أزكي على الله أحداً.
إنه بحق رجلٌ بأمةٍ، أدعو الله أن يكون أسوةً حسنةً لشباب المسلمين وأن يكثر من أمثاله.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.