الجمعة، 20 نوفمبر 2015

مطلوب زوجة


20 نوفمبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٧

(مطلوب زوجة)

شاب من أقاربنا أراد الزواج؛ فطلب من والدته أن تبحث له عن عروس، ووضع قائمة طويلة بالمواصفات التي يتمناها في عروسه. وبدأت رحلة البحث، طويلة وشاقة، مكالمات واتصالات ومواعيد وترتيب لقاءات ومقابلات وزيارات وجلسات تعارف مع أكثر من عروس انتهت كلها نفس النهاية "ليست هذه من أتمناها شريكة لحياتي"، أما الأسباب فتختلف في كل مرة.
كانت القائمة التي وضعها تتضمن مواصفات عروس مثالية .. أما هو نفسه، وكما نراه نحن القريبين منه، فإن بينه وبين المثالية بون شاسع.
جاءني يستشيرني، قلت له: ارجع إلى المصحف ففيه ما تريد .. تعجب وسألني: وما علاقة المصحف بما أنا فيه؟ أجبته بأنه سيجد فيه مواصفات عروسه محددة بشكل قاطع. وحيث رأيته مندهشاً قلت له: اقرأ معي في سورة النور قوله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ  وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾، إنه مقياس متدرج ما بين أعلى مستوى من "الطيبة" إلى أدنى مستوى من "الخبث"؛ فإذا كنت تريد عروساً "طيبة" فلتكن أنت "طيباً" بذات المستوى. بادرني بالتساؤل: أولست طيباً؟ قلت له أن العدل في تطبيق هذه القاعدة العامة يقتضي أن تكون الطيبة لدى الطرفين بنفس المستوى، وكما قلت لك بين "الطيبة" المطلقة و"الخبث" المطلق درجات متعددة، اختر المستوى الذي ترغب فيه لعروسك، ثم كن أنت على نفس المستوى، إنه اختيارك. وثق أنك ستجد عروساً في نفس مستواك، بلا زيادة أو نقصان. قال لي: لكن الواقع به ما يخالف هذه القاعدة. قلت معقباً: كلامك صحيح؛ فالقاعدة عامة لكن لله سبحانه وتعالى المشيئة المطلقة يستثنى من يشاء من أية قاعدة عامة لحكمة قد نفهمها وقد تغيب عنا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾.
سألني: وما الحل الآن؟ قلت له أرى أن ترجئ عملية البحث عدة أشهر حتى ترفع مستوى "الطيبة" في نفسك، وهي جماع الصفات الحسنة، حتى تصل إلى أعلى مستوى ممكن منها في مجالات: العبادات والمعاملات والأخلاق، حينها ثق أن الله سبحانه وتعالى سيهيئ لك سبيل التعرف على شريكة حياة بنفس المستوى الذي وصلت إليه. قال: وماذا علي أن أفعل تحديداً؟ قلت له: بداية اعقد النية بينك وبين نفسك أنك تريد من زواجك "العفاف" لتضمن أن يكون الله سبحانه وتعالى في عونك؛ فقد ورد في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام [ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم] منهم [الناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ]، ثم انظر إلى نفسك، ما هو "طيب" فيك ابقِ عليه وزدْ منه؛ فإن كنت محافظاً على الصلاة مثلاً فهذا عمل "طيب"، والزيادة عليه أن تصلي الصلاة على وقتها فهذا أفضل، ثم أن تصلي مع جماعة المسلمين في المسجد فهذا أفضل وأفضل، أما قيام الليل فهذا هو الفضل الكبير، وهكذا في باقي العبادات والمعاملات والأخلاق. ليكن سعيك نحو المستوى الأعلى دائماً، وليكن هدفك المتجدد الحفاظ على أعلى مستوى ممكن والزيادة عليه ما استطعت، ليس فقط لتتمكن من اختيار شريكة حياتك المثالية بل لتتمكن من أن تكسب نفسك ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
سألني: "هل من علامات تبين لي أني على الطريق الصحيح؟"، قلت: "أول علامة عندما تبدأ في تغيير أولويات لائحة مواصفات العروس فتكون الأولوية بالظفر بذات الدين، ثاني علامة عندما تحس أن الدافع الأهم للزواج ليس مجرد إشباع غريزة فطرية وإنما هو تكوين أسرة مسلمة صالحة، وثالث هذه العلامات هو وصولك لمرحلة الإحساس بلذة الإيمان والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى والتوكل عليه، عندها ستجد فتاة أحلامك في انتظارك لتشاركك رحلة الحياة وتعينك عليها". شكرني وانصرف.
قبل حوالي شهرين قابلته، معه زوجته وابنه، وتبدو السعادة عليهم جميعاً.
أحبتي في الله هذا هو طريق السلام والانسجام والتوافق، يبدأ بمصالحة مع النفس، وتصويب نظرتنا إلى الحياة، وضبط مسارنا فيها، فنصل بإذن الله إلى سعادة الدارين: الدنيا والآخرة.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.

https://goo.gl/iKqei6