الجمعة، 9 يونيو 2023

حيّ على الفلاح

 خاطرة الجمعة /399

الجمعة 9 يونيو 2023م

(حيّ على الفلاح)

 

لاحظتُ وقت صلاة العشاء في أحد أيام الأسبوع الماضي قلة عدد المُصلين في مسجدنا، سألتُ عن السبب؛ فقيل لي إن هناك مباراةً في كُرة القدم تُبث الآن على الهواء مباشرةً. وتأكدتُ من ذلك -بعد انتهاء صلاة العشاء وخروجنا من المسجد- عندما شاهدتُ أحد المقاهي القريب من المسجد يغص بالشباب، الأمر الذي ذكرني بمثيلٍ له يتكرر في المباريات الدولية التي يكون موعد بعضها وقت صلاة الفجر؛ فنجد عشراتٍ من الشباب الذين لا يستيقظون لصلاة الفجر أبداً جالسين في المقهى لمُشاهدة المباراة؛ نراهم ونحن ذاهبون إلى المسجد، ونراهم ونحن عائدون منه!

إنه أمرٌ مؤلمٌ بالتأكيد، لكن الأكثر إيلاماً أن يكون من بين هؤلاء بعض إخوةٍ أفاضل من الذين يُواظبون على صلاة جميع الفروض مع الجماعة في المسجد ثم تفتقدهم مساجدهم وقت مُباريات كُرة القدم!

كيف يُفوِّتون ثواباً عظيماً مُقابل عَرَضٍ زائلٍ لا قيمة له إطلاقاً يوم الحساب؟ ألهذه الدرجة يُزين الشيطان للناس أعمالهم؟ ألا يسمعون مُكبرات الصوت من المساجد حولهم من كل مكانٍ والمؤذنون يُرددون فيها (حيّ على الفلاح)؟ أليس فيهم أو من بينهم رجلٌ رشيد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

عن تأخير الصلاة عن موعدها كتبت إحداهن تقول: منذ زمنٍ وأنا اتمنى الزواج من ابن عمي، وأرى فيه الرجل المُناسب لي أو كما يقولون: "فارس الأحلام"، وبفضل الله تحقق لي ذلك الحلم؛ تقدم ابن عمي لخطبتي فوافقتُ عليه والسعادة تغمرني بشكلٍ لا يوصف. لكن بعد زواجنا انقلب الأمر وظهرت الحقيقة؛ لم يكن زوجي كما توقعتُ أبداً؛ صرتُ أرى عكس ما كنتُ أراه في أحلامي؛ مشاكلنا تزداد يوماً بعد يومٍ، لا أجد طعماً للراحة، ننسجم مع بعضنا يوماً، ونتشاجر بالأيام وقد تصل إلى أسابيع! وفي كل مرةٍ ينتهي بي الأمر غاضبةً فأذهب للنوم في منزل أُمي وأبي. شكوتُ لأُمي الكثير والكثير مما أُعاني، وأنا دوماً أتساءل: "لماذا يحدث هذا معي؟". وكانت لي أُختٌ تصغرني بسنةٍ، تحدثتُ معها يوماً، أنصحها وأنقل لها خبرتي في الحياة، فقلتُ لها: "يجب أن تنتبهي عندما تختارين زوج المستقبل؛ فبعض الرجال قد تنخدعين بظاهرهم لكنهم في الحقيقة شيءٌ آخر!". هنا كانت المفاجأة؛ فأُختي -التي أعتبرها طفلةً صغيرةً في حاجةٍ إلى النصح والتوجيه والإرشاد- ردت عليّ رداً عجزتُ عن أن أتكلم بعده، قالت لي: "أنا أُحافظ على صلواتي وألتزم بها في وقتها؛ لذلك لستُ أنا من سأختار زوجي، الله سيختاره لي".

فكرتُ بيني وبين نفسي طويلاً؛ هل حقاً كل ما يحدث لي بسبب تهاوني واستهتاري بالصلاة؟ فأنا دائماً أُطيل السهر ولا أستيقظ لصلاة الفجر إلا بعد أن تُشرق الشمس، وأتهاون في صلواتي الباقية؛ فحتى عندما أكون جالسةً وليس عندي شيءٌ وأسمع الأذان للصلاة، وأسمع (حيّ على الفلاح) فإنني أشغل نفسي بأي شيءٍ؛ أمسك بهاتفي أُحدث أي أحدٍ، أو أبقى مُستلقيةً على السرير بحُجة أن الصلاة لا يُمكن اعتبارها تأخيراً إلا عندما تُصبح قضاءً!

ثم راودني سؤالٌ طرحته على أُختي قلتُ لها: "ماذا قلتِ؟ إن الله سيختار زوجك لأنك مُحافظةٌ على الصلاة؟ لماذا اخترتِ الصلاة دون أي شيءٍ آخر؟"، قالت لي: "لأن الصلاة وحدها هي المقرونة بالفلاح؛ فكيف يُفلح من لا يُصلي؟ وكيف يُفلح من يتهاون بصلاته؟ إن فلاح المُسلم في جميع أموره يرتبط بمقدار اهتمامه بالصلاة". كنتُ أستمع إلى كلام أُختي باهتمامٍ، وعقدتُ النية على التغيير. وسُبحان الله بمجرد أن عقدتُ النية على أن أُحافظ على صلاتي في وقتها اتصل بي زوجي يعتذر، وأخبرني أنه سيأتي ويأخذني إلى المنزل، لا أقول أن حياتي أصبحت بلا مشاكل؛ فالحياة لا بد من المشاكل فيها، ولكن أصبحت مشاكل من نوعٍ آخر؛ لم تعد تلك المشاكل التي تُرغمني على أن أذهب إلى منزل أهلي وأبقى أياماً عديدةً هناك، لم تعد تلك المشاكل التي تجعلني أُفكر في الطلاق وأندب حظي لما يحدث لي، أصبحت مشاكل تُعلمني خطأي وتُعلم زوجي خطأه، صارت خلافاتٍ نعرف أهميتها في الحياة، ونعرف كيف نتداركها، حينها أيقنتُ حقاً لماذا يُنادىَ للصلاة بعبارة (حيّ على الفلاح)؛ فالصلاة هي صلة الإنسان المُسلم بالله سُبحانه وتعالى، وبالمُحافظة عليها في وقتها يكون فلاح الإنسان في الدُنيا والآخرة.

 

أحبتي في الله.. الصلاة في أول وقتها سبيلٌ لدخول الجنة؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، ويقول سُبحانه: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾. قال المفسرون: المُحافظة على الصلاة تكون بأدائها أول وقتها خوف فَوْت فضلها.

قال أحد الصحابة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة نفرٍ، مُسندي ظهورنا إلى مسجده فقال: [ما أجلسكم؟] قلتُ: جلسنا ننتظر الصلاة، قال: فأرَمّ قليلاً "أرَمّ أي: سكت"، ثم أقبل علينا فقال: [هل تدرون ما يقول ربُّكم؟]، قلنا: لا، قال: [فإن ربكم يقول: من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها، ولم يُضيعها استخفافاً بحقها، فله عليَّ عهدٌ أن أُدخله الجنة، ومن لم يُصلها لوقتها ولم يُحافظ عليها، وضيَّعها استخفافًا بحقِّها، فلا عهد له عليَّ: إن شئتُ عذَّبتُه وإن شئتُ غفرتُ له].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله عزَّ وجلَّ: إني فرضتُ على أمَّتك خمس صلواتٍ، وعهدتُ عندي عهدًا أنه من يُحافظ عليهن لوقتهنَّ، أدخلته الجنة، ومن لم يُحافظ عليهن، فلا عهد له عندي].

وقال أحد الصحابة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [مَن حافظ على الصلوات الخمس ركوعهنَّ، وسجودهنَّ، ومواقيتهنَّ، وعلم أنهن حقٌ من عند الله دخل الجنة]، أو قال: "وجبت له الجنة"، أو قال: "حُرِّم على النار".

وسأل رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: [الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله].

وعن صحابيةٍ كانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: [الصلاة على وقتها].

قال شُرّاح الأحاديث: "لوقتها" أو "على وقتها" أي في أول الوقت. وقالوا عن فضل الصلاة في أول وقتها إنها من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وإنها تُحرِّم فاعلها على النار، وتكون سبباً -برحمةٍ من الله وفضلٍ- في دخول الجنة.

 

وأرسلت إحدى النساء بسؤالٍ إلى شيخٍ جليلٍ؛ قالت: أحياناً أؤخر الصلاة عن وقتها، ليس عن تهاونٍ ولكن لكثرة أعمالي المنزلية، فهل عليّ ذنب؟ فكان جواب الشيخ: "نعم، عليك ذنبٌ، ولا يجوز أن تؤخري الصلاة عن وقتها أبداً، فهي ركنٌ من أركان الإسلام، والله تعالى قال: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾؛ فلا بد أن تؤديها في وقتها. وأقول لكِ: إذا أديتِ الصلاة كان ذلك معونةً لكِ على أعمالك؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾.

ورداً على سؤالٍ آخر عن تأخير صلاة الفجر؛ قال صاحبه: ما حُكم تأخير صلاة الفجر حتى تطلع الشمس دائماً، وفي بعض الأوقات عمداً؟ كانت الإجابة: ذلك مُحرمٌ، حتى إن بعض أهل العلم يقول: "من ترك صلاةً مفروضةً عمداً حتى خرج وقتها فهو كافرٌ والعياذ بالله، وإذا أخرَّها عمداً حتى خرج وقتها لم تُقبل منه ولو صلى ألف مرةٍ"؛ لقول النبي ﷺ: [من عملَ عملاً ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ] أي مردودٌ عليه؛ فعلى المرء أن يتقي الله عزَّ وجلَّ في نفسه، وأن لا يُضيِّع الصلاة فيدخل في قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾.

 

قال أحدهم يصف عبارة (حيّ على الفلاح): هي دعوةٌ إلى الفوز والفرج والنجاح، ما ألطفها وما أحنّها وما أصدقها وما أرقّها من دعوةٍ لا خُسران فيها، إلا لمن تجاهلها ولم يستجب لها.

وقال الشاعر:

ألا فَلْنُصَلِّ لِنَلْقَ الصَّلاح

وحَيَّ نُصَلِّي نُجِبْ لِلْفَلاح

لنُرضِي إلَهي فَذاكَ الرَّباح

ورَحمَةُ رَبِّي فَثَمَّ النَّجاح

أُرِيدُ النَّجاةَ أُرِيدُ السَّماح

وجَنَّاتِ خُلْدٍ ورَوْحٍ وراح

 

أحبتي.. المُحافظة على أداء الصلاة في وقتها من الأعمال التي ينال بها المُسلم محبة الله، وهي سببٌ في مُضاعفة الحسنات، وسبيلٌ للفوز بالجنة؛ فلنعوِّد أنفسنا وأهلنا وأبناءنا على سرعة الاستجابة عندما نسمع المُؤذن يقول: حيّ على الصلاة (حيّ على الفلاح)، فنترك كل ما يشغلنا عن تلبية النداء، مَهما بدا لنا مُهمّاً، ونستعد للصلاة ونؤديها على وجهها الأكمل، ولنتذكر أن من سِمات الصالحين أنهم لا ينتظرون الاستماع إلى الأذان؛ بل يُبادرون فيذهبون إلى المسجد قبل رفع الأذان؛ قال أحد التابعين: "ما أذّن المُؤذن منذ ثلاثين سنةً إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضاً أو مُسافراً".

أحبتي.. إن لم يكن الفلاح في الصلاة ففيمَ يكون؟ وإن لم يكن من يَعِد المُحافظين على الصلاة في أوقاتها، الخاشعين فيها، بالجنة هو الله عزَّ وجلَّ فمن يكون؟ وهو سُبحانه وتعالى القائل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.

وصدق من قال: "من خان حيّ على الصلاة، تخونه (حيّ على الفلاح)؛ فميزان الله عدل".

لقد بات من المُهم أن نُعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نُحسِن تنظيم أوقاتنا، نحتاج فقط إلى نيةٍ مُخلصةٍ وعزيمةٍ صادقةٍ فيكون التوفيق بعد ذلك من الله سُبحانه وتعالى.

اللهم لا تجعلنا من الغافلين، واجعلنا من عبادك الصالحين، ويسّر لنا أن نؤدي الصلاة على وقتها فنكون من المُفلحين.

https://bit.ly/3WWEX3m