الجمعة، 23 نوفمبر 2018

هل أنا مؤمنٌ حقاً؟


الجمعة 23 نوفمبر 2018م

خاطرة الجمعة /١٦٢
(هل أنا مؤمنٌ حقاً؟)

يُروى عن الشيخ محمد متولي الشعراوي، يرحمه الله، قوله: عندما كنتُ في سان فرانسيسكو سألني أحد المستشرقين: هل كل ما في قرآنكم صحيح؟ فأجبت: بالتأكيد، نعم. فسألني: لماذا إذاً جعل الله للكافرين عليكم سبيلاً؛ رغم قوله تعالى: ﴿وَلَن يَجعَلَ اللَّهُ لِلكافِرينَ عَلَى المُؤمِنينَ سَبيلًا﴾؟ فأجبته: لأننا مسلمين ولسنا مؤمنين! فسألني: وما الفرق بين المؤمنين والمسلمين؟ قلت له: المسلمون اليوم يؤدون جميع شعائر الإسلام من صلاةٍ وزكاةٍ وحجٍ وصومِ رمضان، وغيرها من العبادات، ولكنهم في شقاءٍ تام؛ شقاءٍ علميٍ واقتصاديٍ واجتماعيٍ وعسكريٍ .. إلخ. سألني: لماذا هم في شقاء؟ قلت: لأن المسلمين لم يرتقوا بعد إلى مرتبة المؤمنين؛ فلنتدبر ما يلي: لو كانوا مؤمنين حقاً لَنَصَرَهم الله، بدليل قوله تعالى: ﴿وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنينَ﴾. لو كانوا مؤمنين لأصبحوا أكثر شأناً بين الأمم والشعوب، بدليل قوله تعالى:
﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾. ولكنهم بَقَوْا في مرتبة المسلمين ولم يرتقوا إلى مرتبة المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنينَ﴾.
فمن هم المؤمنون؟ الجواب من القرآن الكريم؛ هم: ﴿التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ وَالنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحافِظونَ لِحُدودِ اللَّهِ﴾. نلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى ربط موضوع النصر والغلبة والسيطرة ورُقي الحال بالمؤمنين وليس بالمسلمين!

أحبتي في الله .. يقول أهل العلم أن الدين ثلاث مراتبٍ: إسلامٌ ثم إيمانٌ ثم إحسانٌ، وقد دل على ذلك حديث جبريل عليه السلام حين جاء يعلم الصحابة دينهم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني عن الإسلام؛ فقال: [الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا]، قال جبريل فأخبرني عن الإيمانُ؛ فقال: [أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ]، ثم قال فأخبرني عن الإحسان؛ فقال: [أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ]. فإذا دخل الشخص في الإسلام، أو كان مُسلماً لأبوين مسلمين، ثمّ بدأ يُدرك معنى الإسلام فهو في أول مراتب الدين، ولم يصل إلى الإيمان بعد؛ ثمّ إذا ارتقى بإسلامه ليُحقّق بعض القواعد الإيمانية فإنّه يكون في المرتبة الأعلى بعد الإسلام وهي مرتبة الإيمان، ثم إذا وصل إيمانه لدرجةٍ يعبد فيها الله كأنه يراه ويطّلع عليه فقد وصل إلى أعلى مراتب الإيمان؛ وهي مرتبة الإحسان.

وجمهور أهل السُنة على أن المؤمن أعلى مرتبةً من المسلم، والمحسن أعلى منهما؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ فالظالم لنفسه صاحب الذنب، المصر عليه، وإن أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق الباطني، لكن لم يقم بما يجب عليه من متطلبات الإيمان. والمقتصد هو المؤدي للفرائض المتجنب للمحارم، وهذه مرتبة الإيمان. أما السابق بالخيرات فهو المؤدي للفرائض والنوافل، وهذه مرتبة الإحسان.
يقع اللبس عادةً في معنى كلٍ من: الإسلام، والإيمان، والقاعدة عند العلماء عن الفرق بينهما: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. فإذا ورد الإسلام والإيمان في نصٍ واحدٍ، كان معنى الإسلام الأعمال الظاهرة، ومعنى الإيمان الاعتقادات الباطنة؛ كما في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. أما إذا ذُكر الإسلام وحده دخل في معناه الإيمان؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾. وإذا ذُكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾.
فكل مؤمنٍ مسلمٌ، وليس كل مسلمٍ مؤمناً، والسؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل مسلمٍ على نفسه هو: (هل أنا مؤمنٌ حقاً؟).
يقول أهل العلم أن الإسلام هو استسلام العبد المسلم لله استِسلام خُضوعٍ وانقياد، وذلك يكون بالأعمال والعبادات الظاهرة قولاً وعملاً؛ مثل شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمَّداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحجّ لمن كان مستطيعاً. أما الإيمان فهو من أعمال القلوب غير الظاهرة التي لا يطّلعُ عليها إلا الله سبحانه وتعالى؛ مثل التصديقُ والإقرارُ ومَحبّة الله سبحانه وتعالى، ومحبّة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ومحبّة كلّ ما يُحبّه الله ورسوله، وبغض ما يبغضاه. فالإسلام يُشير إلى قول اللسان وعملِ الجوارح، بينما يُشير الإيمان إلى الاستسلام الباطن وإقرار القلب وتصديقه.
فمن هم المؤمنون؟ و(هل أنا مؤمنٌ حقاً؟)، وردت صفات المؤمنين في كثيرٍ من المواضع في القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، وفي غير ذلك من آيات.

وللإيمان ثوابٌ عظيمٌ في الدنيا والآخرة؛ قال عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾، يقول المفسرون أن من رحمته سبحانه وتعالى بالمؤمنين، أن جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان والتوفيق والعلم والعمل، فهذه أعظم نعمةٍ أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر اللّه، الذي رحمهم، وجعل الملائكة يستغفرون لهم فيقولون: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ فهذا ثوابه للمؤمنين في الدنيا، كما أن لهم فيها: العزة، ورفع الدرجات، والمغفرة، والرزق الكريم، ودفاع الله عنهم، ونصره لهم؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال سبحانه: ﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وقال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وثواب المؤمنين في الآخرة: الفوز بالجنة، ووراثة الفردوس الأعلى منها، ورؤية وجه الله الكريم، والتنعم برضاه سبحانه وتعالى، وتحيته، والاستماع لكلامه، وحصول الأجر الكريم؛ قال سبحانه: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا . خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾، وقال تعالى: ﴿يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾، كما قال: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقال كذلك: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، وقال أيضاً: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾، وقال سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا أَنَّ لَهُم قَدَمَ صِدقٍ عِندَ رَبِّهِم﴾.

أحبتي .. من نعمة الله سبحانه وتعالى التي لا نحصيها أن أنعم علينا بالإسلام، فهل أدينا جميع أركان مرتبة الإسلام، من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ، دون إخلالٍ أو تفريطٍ؟ أم اكتفينا بنطق الشهادتين، وبأنه مسجلٌ في شهادة الميلاد أننا مسلمون، ثم عشنا بغير صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ أو حجٍ، أو بتقصيرٍ في أدائها؟ وإذا كنا ممن وفقهم الله فالتزموا بجميع هذه الأركان وأدَوْها على وجهها الأكمل، هل اكتفينا بهذه المرتبة ورضينا بالبقاء فيها؟
أَمَا وقد عرفنا صفات المؤمنين، وعرفنا الثواب العظيم لهم في الدنيا والآخرة؛ فليسأل كلٌ منا نفسه: (هل أنا مؤمنٌ حقاً؟)، ولو كنت في مرتبة الإيمان، ألا أشتاق للارتقاء إلى مرتبة الإحسان؟ ثم، ماذا أنا فاعلٌ للارتقاء إليها فأنال الجائزة الكبرى والثواب العظيم؟
على كلٍ منا أن يعرض نفسه على القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ وينظر في أركان الإسلام، وينظر في صفات المؤمنين، ليعرف أين هو؟ فيحدد موقفه بدقةٍ وأمانةٍ وصدقٍ، ثم يحدد هدفه ببصيرةٍ ووضوحٍ وإخلاصٍ، ثم ينطلق بهمةٍ وعزمٍ وجدٍ، ليستكمل أركان المرتبة التي هو فيها على أكمل وجه، ويستشرف المرتبة الأعلى فيستوفيها، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان.
ومهما كان تقصيرنا، فإننا عندما نخلص النية، ونجاهد النفس، ونشمر سواعد الجد، يكون الله سبحانه وتعالى معنا؛ يوفقنا ويعيننا وييسر طريقنا؛ أوليس هو القائل: ﴿فَأَمّا مَن أَعطى وَاتَّقى . وَصَدَّقَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرى﴾؟

اللهم اجعلنا من المحسنين الذين ﴿اتَّقَوا وَآمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنوا ثُمَّ اتَّقَوا وَأَحسَنوا﴾، واجعلنا برحمتك نعبدك كأننا نراك، ورُدَّنا اللهم إلى دينك رداً جميلاً.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

https://goo.gl/kF6MEE