الجمعة، 11 مارس 2022

فضل الصلاة على النبي

 

خاطرة الجمعة /334


الجمعة 11 مارس 2022م

(فضل الصلاة على النبي)

 

قصةٌ واقعيةٌ عن فضل الصلاة على النبي كتبها أحد الشباب يقول فيها: صديقٌ لي قابلته في المدينة المنورة منذ فترةٍ فسألته عن حاله وعن عمله، فقال لي:

"قصة عملي هنا ووجودي في مدينة رسول الله عجيبةٌ؛ فكما تعلم أنني كنت أعمل بوظيفة فني تكييفات في إحدى مستشفيات القاهرة، وكانوا في العمل يُضايقونني كثيراً من أجل اللحية، وقد ضقتُ ذرعاً من كثرة مضايقاتهم لي بسبب التزامي، وتصادف أني حضرتُ محاضرةً بعنوان: {الصلاة على خير الأنبياء عوضاً عن الدعاء}، وسمعتُ القصص الواقعية التي قيلت فيها، كما استمعتُ فيها إلى حديث أُبي بن كعب الذي قال فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أجعل صلاتي كلها عليك؟ فقال له النبي: [إذن تُكفى همك، ويُغفر لك ذنبك]، فعلمتُ أن الصلاة على النبي سببٌ في تفريج الكربات، وأن أفضل طريقةٍ للصلاة عليه هي الصلاة الإبراهيمية كما في آخر التشهد: {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. وكان عندي في العمل وقت فراغٍ كبيرٍ؛ إذ أظل جالساً في المكتب حتى يتعطل أحد المكيفات في المستشفى فيتم استدعائي لإصلاحه، فأقوم بذلك ثم أعود فأجلس كما كنتُ في المكتب. فلما أكثروا من مضايقتي أخذتُ أُصلي على النبي كل يومٍ بكثرةٍ. ظللتُ فترةً على هذه الحال؛ أُصلي على النبي كل يومٍ في حدود ثلاث ساعاتٍ حتى يُفرّج الله كربي ويجعل لي من عملي هذا مخرجاً.

وفي أحد الأيام فوجئتُ برقمٍ غريبٍ يتصل بي من السعودية فاستغربتُ لأنني لا أعرف أحداً هناك، فأجبتُ على الهاتف فإذ برجلٍ يقول لي: هل حضرتك مهندس تكييفات؟، فقلتُ له: لا، أنا أعمل فني تكييفات ولستُ مهندساً، فقال لي: أريدك أن تعمل عندي في السعودية. اتفقنا على المرتب، وقمتُ بإنهاء أوراق السفر. كان هذا الرجل السعودي قد تعاقد مع بعض الأشخاص في مصر حتى يعملوا معه في السعودية بشركته التي لها فروعٌ في جميع أنحاء المملكة، وقبل السفر عقد اجتماعاً في أحد الفنادق بالقاهرة مع جميع الأشخاص الذين تعاقد معهم، وأخذ كل واحدٍ منهم يحكي قصته أمام الآخرين وأمام هذا السعودي؛ وكيف تعرف على هذا العمل؟ ثم التفت هذا السعودي إليّ وقال للجميع: كل هؤلاء أعرف قصصهم وكيفية مجيئهم للعمل عندي إلا أنت فلا أعرف كيف جئتَ لتعمل عندي؟، فحكيتُ قصتي له؛ وأنني كنتُ أتعرض لمضايقاتٍ في العمل بسبب لحيتي، وكيف كنتُ أُصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرةٍ حتى يُفرّج الله عني هذا الكرب. وبعدما حكيتُ قصتي أمام الجميع نظرتُ إلى صاحب الشركة السعودي وقلتُ له: وأنا أريد أن أسألك سؤالاً واحداً: كيف تعرفتَ على رقم هاتفي ومن أين جئتَ به؛ لأنني إلى الآن لا أعرف كيف توصلتَ إلىّ؟، فقال السعودي: إنني أنزل كل فترةٍ إلى مصر لبعض الأعمال، وكثيراً ما أُؤجر شقةً لأسكن فيها، ومعظم الشقق التي كنتُ أنزل فيها كان جهاز التكييف فيها يتعطل، وذات مرةٍ نزلتُ في شقةٍ ومكثتُ فيها فترةً ولم يتعطل فيها جهاز التكييف فأُعجبتُ بذلك، ووجدتُ رقم هاتفٍ للصيانة مكتوباً على جهاز التكييف؛ فكتبته واحتفظتُ به منذ ثلاث سنواتٍ، ولما احتجنا إلى متخصصٍ لتصليح التكييفات في شركتي اتصلتُ بالرقم المكتوب فرددتَ أنت عليّ، وأنا لا أعرفك!، ثم التفت الرجل إلىّ وقال: كل هؤلاء الذين أمامك الآن سيتم توزيعهم في مناطق مختلفةٍ من المملكة، ولن يجلسوا في مكة ولا المدينة، وأنت من المفروض أن تكون معهم، ولكن لكثرة حبك وصلاتك على النبي فسأعينك في شركتي في فرع المدينة المنورة بجانب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى تنعم بالصلاة في مسجده".

بعد أن ذكر قصته العجيبة هذه قال لي: "وها أنا الآن يا أخي أعمل هنا في مدينة رسول الله، وآتي للصلاة في مسجده دوماً، وأتشرف بالسلام عليه عندما أدخل مسجده، وهذا كله ببركة و(فضل الصلاة على النبي)؛ فهي التي جعلها الله سبباً في الإتيان بي إلى هنا!".

 

أحبتي في الله .. يقول المولى عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وعن هذه الآية يقول العلماء إنّ فيها شرفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وبياناً لمنزلته عند الله؛ فالصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وذِكره بأوصافه الجميلة عند الملائكة؛ فصلاتهم على النبي دعاؤهم له، عليه الصلاة والسلام.

 

ومما ورد من أحاديث نبوية شريفة عن (فضل الصلاة على النبي)؛ قوله عليه الصلاة والسلام: [أولى الناسِ بي يومَ القيامةِ أكثرُهم عليّ صلاةً]. وقوله: [البخيلُ مَن ذُكرتُ عندَه ثم لم يصلِّ عليّ]. وقوله: [إنَّ من أفضلِ أيَّامكم يوم الجمعةِ، فيه خُلق آدمُ وفيه قُبض وفيه النَّفخة وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاة فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ]، قالوا: يا رسول الله وكيف تُعرض صلاتُنا عليك وقد أرمت؟ فقال: [إن الله عزَّ وجلَّ حرَّمَ على الأرضِ أجسادَ الأنبياء]. وقوله: [من ذُكرتُ عِندَه فليُصلِّ عليَّ، فإنَّهُ من صلَّى عليَّ مرةً صلَّى اللهِ عزَّ وجلَّ عليْهِ عشرًا]. وقوله: [من صلَّى عليَّ صلاةً لم تزلِ الملائكةُ تصلِّي عليه ما صلَّى عليَّ، فليُقِلَّ عبدٌ منكم أو ليُكثِرْ]. وقوله: [من صلى عليَّ حين يُصبح عشرًا، وحين يُمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة]. وقوله: [ما جَلَس قومٌ مجلسًا لم يذكروا اللهَ فيه ولم يُصلُّوا على نبيِّهم إلَّا كان عليهم تِرةٌ فإن شاءَ عذَّبَهم وإن شاءَ غفَر لهم]. وقوله: [إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ]. وقوله: [مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ]. وقوله: [أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين].

 

وعن (فضل الصلاة على النبي) قال أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: [مَا شِئْتَ]. قَالَ قُلْتُ: الرُبُعَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قَالَ قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: [إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ].

 

وقد ذكر أحد العلماء أربعين فائدة في (فضل الصلاة على النبي) صلى الله عليه وسلم منها: أنها امتثالٌ لأمر الله سبحانه وتعالى، وموافقةٌ لله سبحانه وتعالى وملائكته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سببٌ لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه، وهي متضمنةٌ لذِكر الله تعالى وشكره ومعرفة إنعامه على عباده بإرساله صلى الله عليه وسلم، وهي دعاءٌ يسأل فيه العبد ربه تبارك وتعالى أن يُثني على خليله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثار ذِكره ورفعه.

 

إن الصلاة على النبي كنزٌ لا يعرف قدرها إلا من ذاق حلاوتها، وصدق الشاعر إذ قال:

إذا كنتَ في ضيقٍ وهمٍ وفاقةٍ

وأمسيتَ مكروباً وأصبحتَ في حرجْ

فصّلِ على المختارِ من آل هاشمٍ

كثيراً فإن اللهَ يأتيكَ بالفرجْ

وقال آخر:

أتيتَ إلى الحياةِ بخيرِ ذكرٍ

كشمسِ النورِ من بعدِ الظلامْ

رسولَ الله يا خيرَ البَرايا

عليكَ صلاةُ رَبّي والسّلامْ

سُبْحانَ مَنْ بَعَثَ الرَسولَ مُحَمّدا

وهَدى لِدَرْبِ الحَقِ بالقُرْآنِ

صلّوا على الهادي البشيرِ

فَإنّهُ نورٌ يُضيء بِسائرِ الأزْمانِ

أهْداكَ رَبي للأنامِ رَحيما

ونَشَرتَ دِيناً كالجِبالِ قويما

يا مَنْ قَرَأتُمْ أحْرُفي

صَلوّا عَلَيهِ وسَلّموا تَسْليما

وقال ثالث:

يا بائعاً في أرض طيبة عنبرا

بجوار أحمد لا تبيع العنبرا

إن الصلاة على النبي وآله

يشدو بها من شاء أن يتعطرا

صلوا على خير البرية تغنموا

عشرًا يُصلّيها المليك الأعظمُ

مَن زادها ربي يُفرّج همهُ

والذنب يُعفى والنفوس تُنَعمُ

 

أحبتي .. ينبغي على كل مُسلمٍ الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله؛ في الليل والنهار، في الحضر والسفر، في الصحة والمرض، وفي كل حال. وأن يُكثر من ذلك يوم الجمعة وليلتها، وكلما سمع ذِكره عليه الصلاة والسلام في أذانٍ وفي إقامةٍ وفي غيرهما، فإن في ذلك استزادةً من (فضل الصلاة على النبي) جعلنا الله من أهل هذا الفضل.

 

https://bit.ly/3w2WYSf