الجمعة، 2 أبريل 2021

يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق

 

خاطرة الجمعة /285


الجمعة 2 إبريل 2021م

(يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق)

 

سيدةٌ تعمل لدي شركةٍ لتنسيق وتجميل الحفلات في «المملكة العربية السعودية»، تقول إنها ذات يومٍ كان لديها طلب تجهيز صينيتين شوكولاتة من محل راقٍ جداً بمناسبة عقد قران عروس، وكان سعر الصينية الواحدة 800 ريال، في الساعة الثانية ظهراً تسلمت الصينيتين من المحل، وفي الساعة الرابعة عصراً أرسلتهما مع السائق لبيت العروس. تقول السيدة: انتهت المهمة بنجاحٍ، وعند الساعة السادسة مساءً اتصلت أم العروس وسألتني عن الصينيتين، أخبرتها بأني أرسلتهما قبل ساعتين، قالت أم العروس إنه لم يصلهم شيءٌ، والضيوف على وصول! تقول السيدة: جزعتُ واتصلتُ بالسائق وطلبتُ منه الحضور فوراً، ولما حضر ذهبتُ معه إلى البيت الذي وصَّل إليه الصينيتين. عندما وصلنا إلى البيت فإذا هو لعائلةٍ فقيرةٍ جداً عندهم 9 أطفال، اعتدتُ أن أرسل لهم بواقي البوفيهات. تقول السيدة: خرجتُ من السيارة وبابهم مفتوحٌ على مصراعيه، وأمامه الأطفال يلعبون حفاةً في الشارع، ودخلتُ منزلهم فإذا الصينيتين مفتوحتين وفارغتين تماماً وملقتين في حوش البيت، والأطفال أفواههم وثيابهم كلها ملطخة بالشوكولاتة، استعنتُ بالله ولم أنطق ببنت شفة، فهذا رزقهم ساقه الله إليهم، خرجتُ مسرعةً واشتريتُ صينيتي شوكولاتة وجملتهما بالورد الطبيعي وأوصلتهما بنفسي إلى بيت أهل العروس، وأعدتُ لأم العروس باقي الثمن؛ حيث أن الصينيتين الجديدتين لم تكونا بنفس ما طلبت؛ فطلبها يحتاج إلى حجزٍ مسبقٍ ولا يتوفر بديلٌ له. في اليوم التالي اتصلتُ بأم العروس لأعتذر عما حدث، وأحكي لها قصة البيت الذي وصلت إليه الصينيتان بالخطأ؛ فأصرت أن تزور البيت بنفسها وتشتري لهم مؤونةً، ولازالت تتذكرهم بالصدقات حتى اليوم.

فسبحان الله الرازق، (يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق) ويُسَخِّرُ الناس بعضهم لبعض، ويرزق بغير حساب.

 

أحبتي في الله .. ذكرتني هذه القصة بقصةٍ مشابهةٍ نقلتها وكالات الأنباء العالمية منذ عدة شهور، وكانت عن مواطنٍ بسيطٍ في دولة «غانا»، يعيش في المناطق الفقيرة، سقطت بجواره طائرة الدرون التابعة لقناة أخبار «ناشونال جيوجرافيك»، بحث أفراد الفريق الصحفي عنها ليتفاجأوا أنها بيده. سلمها لهم وهو يضحك ويقول بكل براءةٍ: "هل لديكم حجمٌ أكبرٌ منها تستطيع أن تأخذني إلى مكة لأحج"؟! قالها ضاحكًا ثم سلمها لهم، ومضوا في حال سبيلهم. قام صّحفيٌ من أعضاء الفريق بالتغريد بالصورة ومعها القصة؛ فوصل الخبر إلى الحكومة السعودية فقررت على الفور تلبية رغبة هذا المواطن البسيط وتحقيق أمنيته، وتواصلت معه السفارة السعودية، ورتبت له جميع الأمور حتى وصل إلى «مكة المكرمة» وأدى فريضة الحج على نفقة المملكة.

فالرزق ليس دوماً مالاً، الرزق أوسع من ذلك كثيراً؛ فسبحان من (يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق)، وسبحانه ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

 

ويُحكى أنه في يومٍ من الأيام كان هنالك شيخٌ عالمٌ وطالبه يمشيان بين الحقول عندما شاهدا حذاءً قديماً؛ فاعتقدا أنه لرجلٍ فقيرٍ يعمل في أحد الحقول المجاورة، وسينهي عمله بعد قليل. التفت الطالب إلى شيخه وقال: "هيا بنا نمازح هذا العامل بأن نقوم بتخبئة حذائه، ونختبئ نحن وراء الشجيرات، وعندما يأتي ليلبسه لا يجده؛ فنرى دهشته وحيرته"، فأجابه العالم الجليل: "يا بُني يجب ألا نسلي أنفسنا على حساب الفقراء، وأنت غنيٌ يمكن أن تجلب لنفسك مزيداً من السعادة بأن تقوم بوضع قطعٍ نقديةٍ بداخل حذائه، ونختبئ نحن ونشاهد مدى تأثير ذلك عليه"، أُعجب الطالب بالاقتراح، وقام بالفعل بوضع عدة قطعٍ نقديةٍ في حذاء ذلك العامل، ثم اختبأ هو وشيخه خلف الشجيرات ليريا ردة فعل ذلك العامل الفقير. بعد دقائق معدودةٍ جاء عاملٌ فقيرٌ رث الثياب بعد أن أنهى عمله في تلك المزرعة ليأخذ حذاءه؛ فتفاجأ عندما وضع رجله اليمنى في الحذاء بأن هنالك شيئاً بداخله، وعندما أراد إخراج ذلك الشيء وجده نقوداً، ووجد نفس الشيء عندما وضع رجله اليسرى في الحذاء، نظر ملياً إلى النقود، وكرر النظر ليتأكد من أنه لا يحلم، بعدها نظر حوله بكل الاتجاهات عله يجد أحداً حوله، وضع النقود في جيبه، وخرَّ على ركبتيه ونظر إلى السماء باكياً، ثم قال بصوت عالٍ يخاطب ربه: "أشكرك يا رب، علمتَ أن زوجتي مريضةٌ، وأولادي جياعٌ لا يجدون الخبز، لقد أنقذتني وزوجتي وأولادي من الهلاك"، واستمر يبكي طويلاً ناظراً الى السماء، شاكراً لهذه المنحة من الله. إنه رزق الله ساقاه له؛ فسبحان من (يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق)، وسبحان من ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾.

 

ويُحكى أيضاً أنه كان هناك رجلان ذهب بصرهما، جلسا ذات يومٍ على طريق «أم جعفر، زبيدة العباسية» لأنهما يعلمان بكرمها وحرصها على مساعدة الفقراء والمحتاجين، فكان أحد الرجلين يدعو الله عزَّ وجلَّ قائلاً: "اللهم ارزقني من فضلك"، بينما كان الآخر يدعو قائلاً: "اللهم ارزقني من فضل أم جعفر". وكانت «أم جعفر» تعلم بدعاء الرجلين وتسمعهما؛ فكانت ترسل لمن يطلب الفضل والنعمة من الله عزَّ وجلَّ درهمين، بينما ترسل لمن يطلب الفضل منها دجاجةً مشويةً في جوفها عشرة دنانير، فكان في كل يومٍ يبيع صاحب الدجاجة دجاجته لصاحب الدرهمين مقابل درهمين فقط، دون أن يدري أن في جوف الدجاجة عشرة دنانير. واستمر الرجلان على هذا الحال لعدة أيامٍ متتاليةٍ، ثم أقبلت «أم جعفر» عليهما وقالت للرجل الذي يطلب الفضل منها: "أما أغناك فضلنا"؟ فقال الرجل: "وما هو"؟ فقالت: "مائة دينارٍ في عشرة أيام"، فأجابها الرجل متعجباً: "لا، بل دجاجةٌ كنتُ أبيعها لصاحبي بدرهمين"، فقالت «أم جعفر»: "هذا طلب من فضلنا فحرمه الله، وذاك طلب من فضل الله فأعطاه الله وأغناه".

إنه هو الله الرزاق (يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق)، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

 

سبحانه وتعالى إذا أراد لك خيراً سخّر لك الدنيا كلها جنوداً لتنفيذ ما كتبه الله لك ولتحقيق أمنياتك. هو الله يرزق النّملة السّوداء على الصّخرة الصّماء في اللَّيْلَة الظلماء، ويرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً؛ يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾.

والرزق ليس كما يتصور البعض؛ مالٌ فحسب، بل الإيمان رزق، والزوجة الصالحة رزق، والذرية البارة رزق، والعلم رزق، ومحبة الناس رزق، والصحة رزق، وكثيرٌ غير ذلك هي من نعم الله سبحانه وتعالى وهي أرزاقٌ للبشر؛ يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾.

 

صدق الشاعر حين قال:

لَوْ أَنْ في صَخْرَةٍ صَمَّا مُلَمْلَمَةٍ

في البَحْر رَاسِيَةٌ مِلْسٌ نَوَاحِيهَا

رِزْقًا لِعَبْدٍ بَرَاهَا اللهُ لانْفَلَقَتْ

حَتَّى تُؤدِّي إِلَيْهِ كُلَّ مَا فِيهَا

أَوْ كَانَ فَوْقَ طِباقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا

لَسَهَّلَ اللهُ في المَرْقَى مَرَاقِيهَا

حَتَّى يَنَال الذِي في اللَّوحِ خُطَّ لَهُ

فَإِنْ أَتَتْهُ وإِلاّ سَوْفَ يَأْتِيهَا

 

أحبتي .. كونوا مع الله، وأخلصوا النية له، وألحوا عليه في الدعاء. تعرفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة. حذارِ أن يكون من بيننا من يظن أن الرزق بيد فلانٍ أو علان، أو أن جهده وسعيه هو فقط سبب رزقه، فالرزاق هو الله ذو القوة المتين؛ يقول تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ وهو سبحانه الذي ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾.

ولنتذكر قول رسولنا الكريم ﷺ: [... ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه]. فلنطع المولى عزَّ وجلَّ، ونسعى في طلب الرزق بالحلال، موقنين بأن الرزق هو من عند الله وحده؛ يقول تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾، عسى الله أن يفتح علينا أبواب الرزق فينهمر علينا مدراراً؛ فهو وحده الذي (يُدَبِّر الأمر ويُوزِّع الأرزاق).

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.

 

https://bit.ly/3fCHso6