الجمعة، 21 يوليو 2017

شقائق الرجال

الجمعة 21 يوليو 2017م

خاطرة الجمعة /٩٣
(شقائق الرجال)

سمعته يقول لرفيقه: "لو كنا في عالمٍ بلا نساءٍ لارتحنا". كانا شخصان يسيران أمامي في الطريق، لم أسمع إلا هذه العبارة التي من الواضح أن قائلها كان يشكو لرفيقه من إحداهن. كانت خطواتي أسرع من خطواتهما فتجاوزتهما ومضيت إلى حال سبيلي.
ظلت تلك العبارة تتردد في سمعي، أعلم بالتأكيد أنها تعبر عن تصورٍ افتراضيٍ بحتٍ ليس له أساسٌ من الواقع، وأعلم أن البعض يقولها على سبيل الدعابة لا أكثر، ومع ذلك لا أدري لماذا شغلتني؟
خطر لي أن أكتب عبارة "عالم بلا نساء" في محرك البحث الشهير "جوجل" وأرى ما يعرضه عالم الإنترنت حول هذا الموضوع،
فهالني ما وجدت من نتائج، منها أن  إرنست همنجواى الروائي المشهور له قصة بعنوان "رجال بلا نساء"، ومنها أني وجدت الأمر مطروحاً للنقاش في كثيرٍ من المنتديات؛ على سبيل المثال كتب أحدهم: "تخيل الدنيا بدون نساء إذن: الأسواق هادئة، حالة كساد اقتصادي، الشوارع خالية، محلات الذهب ومحلات العطورات مغلقة، شركات الاتصالات تحقق خسائر كبيرة، المصابون بارتفاع ضغط الدم عددهم في تناقص، كما أن مناهج النحو تصبح أخف لإلغاء كل ما يتعلق بتاء التأنيث وجمع المؤنث السالم ونون النسوة!". ردت عليه إحداهن بقصفٍ مضاد؛ كتبت: "تخيل الدنيا بدون رجال، ماذا ستكون النتيجة؟ أسواقٌ تتميز بأجمل الروائح والعطور، شوارع منظمة، مقاهٍ خالية، بيوتٌ هادئةٌ ليس بها أصواتٌ عالية، شركات السجائر تعلن إفلاسها، العيادات النفسية مغلقة، الألوان زاهيةٌ ومفرحة، النساء متحابة، انتهاء الحروب والنزاعات بين الدول، عالمٌ يسوده الهدوء مليءٌ بالعاطفة والحب والرومانسية!".
ومما وجدت حول الموضوع أيضاً هذا الحوار الذكي بين رجلٍ وامرأة، انظروا كيف بدأ ثم كيف تطور ثم انظروا كيف انتهى:
قال لها: ألا تلاحظين أن الكون ذكر؟
فقالت له: بلى لاحظت أن الكينونة أنثي!
قال لها: ألم تدركي بأن النور ذكر؟
فقالت له: بلى أدركت أن الشمس أنثى!
قال لها: أوليس الكرم ذكراً؟
فقالت له: بلى ولكن الكرامة أنثى!
قال لها: ألا يعجبك أن يكون الشِعر ذكراً؟
فقالت له: وأعجبني أكثر أن المشاعر أنثى!
قال لها: هل تعلمين أن العِلم ذكر؟
فقالت له: إنني أعرف أن المعرفة أنثى!
فأخذ نفساً عميقاً وهو مغمضٌ عينيه، ثم عاد ونظر إليها بصمتٍ للحظات، وبعد ذلك
قال لها: سمعت أحدهم يقول إن الخيانة أنثى!
فقالت له: ورأيت أحدهم يكتب أن الغدر ذكر!
قال لها: ولكنهم يقولون أن الخديعة أنثى!
فقالت له: بل هن يقلن إن الكذب ذكر!
قال لها: هنالك من أكد لي أن الحماقة أنثى!
فقالت له: وهناك من أثبت أن الغباء ذكر!
قال لها: لا شك أن الجريمة أنثى!
فقالت له: أنا أجزم أن الإثم ذكر!
قال لها: أنا تعلمت أن البشاعة أنثى!
فقالت له: وأنا أدركت أن القبح ذكر!
تنحنح ثم أخذ كأس الماء فشربه كله دفعةً واحدةً أما هي فخافـت عند إمساكه بالكأس مما جعله يبتسم فابتسمت ما أن رأته يشرب وعندما رآها تبتسم له
قال لها: يبدو أنك محقةٌ؛ فالطبيعة أنثى!
فقالت له: وأنت قد أصبت؛ فالجمال ذكر!
قال لها: بل السعادة أنثى!
فقالت له: ربما، ولكن الحب ذكر!
قال لها: وأنا أعترف بأن التضحية أنثى!
فقالت له: وأنا أقر بأن الصفح ذكر!
قال لها: ولكنني على ثقةٍ بأن الدنيا أنثى!
فقالت له: وأنا على يقين بأن العالَم ذكر!
وسيبقي الحوار مستمراً طالما أن السؤال ذكر والإجابة أنثى!
ذكرني هذا ببيتي شعرٍ للمتنبي يصف فيهما حبيبته التي فقدها؛ حيث قال:
ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا
لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ
ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ

أحبتي في الله .. قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [ .. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ]. يقول أهل العلم: معنى الشقائق أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهنّ شُققن من الرجال. قال ابن الأثير: "أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شُققن منهم؛ ولأن حواء خُلقت من آدم عليه السلام، وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه؛ لأنه شُق نسبه من نسبه". ويُفهم من هذا تبعاً أنهن مستوياتٌ مع الرجال في الكرامة الإنسانية، أما الحقوق والواجبات فموزعةٌ بحسب فطرة الله التي فطر كلاً من الرجال والنساء عليها لتتم عِمارة الكون. لقد اهتم الإسلام بالمرأة اهتماماً بالغاً وعظيماً فأحاطها بكل سبل التربية والرعاية وشرع لها من الحقوق ما يلائم تكوينها وفطرتها ما لم تعهده أمةٌ من الأمم علي مر العصور والدهور، وبهذا الاهتمام العظيم كانت المرأة المسلمة وراء هؤلاء الأفذاذ العظام الذين تحملوا عبء الدعوة الإسلامية ونشروها في كل بقاع الأرض. تُشكل المرأة نصف المجتمع من حيث العدد فإذا وضعنا في اعتبارنا أنها تلد النصف الآخر علمنا أهميتها البالغة ودورها العظيم في بناء المجتمع المسلم.
جعل الإسلام النساء (شقائق الرجال) وساوى بينهما في إخوة النسب البشري؛ قال تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. وساوى بينهما في وحدة الوجود الإنساني؛ قال جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. كما كانت المساواة في العمل وفي الجزاء عليه؛ قال تعالي: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾. وقد ضرب الله تعالى ببعض النساء التقيات العابدات المثل وجعلهن قدواتٍ للرجال والنساء معاً في الصلاح والتقوى؛ قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.
وعن دعاوى العلمانيين بضرورة مساواة المرأة بالرجل يقول العلماء أن المساواة تعني رفع أحد الطرفين حتى يساوي الآخر، أما العدل فهو إعطاء كل ذي حقٍ حقه، وهناك من يخلط بين هذين المصطلحين ويظن أن معنى المساواة مرادفٌ لمعنى العدل، وهذا ليس صحيحاً إلا في حالة تماثل المتساويين من كل وجه - وهذا لا يكاد يوجد - أما مع وجود الفروق؛ سواءً كانت هذه الفروق دينية أو خِلقية بيولوجية فإن المساواة بينهما تكون ضرباً من ضروب الظلم. ولو نظرنا إلى قضية مساواة المرأة بالرجل لوجدنا أنه من الظلم أن تُساوى بالرجل من كل الجوانب؛ لأن هناك فروقاً واضحةً بين الذكر والأنثى؛ ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾، فالإسلام لا يدعو إلى مساواة الرجل والمرأة من كل الجوانب، ومن يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة ويتجاهل الفروق بينهما في الخِلقة والتكوين ويغض الطرف عنها، يوقع المرأة في ظلمٍ من حيث أراد إنصافها، لأنه بذلك يكلفها بما لا يناسب طبيعتها وخلقتها التي خُلقت عليها. فالعدل أن يكون لكل جنسٍ خصائصه التي تليق به ويُكلَف بما يناسبه، ومن الظلم أن يحمل فوق ما تحتمله خلقته التي خُلق عليها؛ قال تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، ولهذا نهى الله عز وجل عن مطالب المساواة فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾، فالسُنة الإلهية ليست المساواة وإنما هي المفاضَلة بين المخلوقات وفقًا لطبيعة الخلق لئلا يُظلم أحدٌ لحساب أحد؛ لأن المساواة في غير مكانها ظلم.

أحبتي .. خلق الله سبحانه وتعالى الجنس البشري من نوعين، يكمل أحدهما الآخر، وكلٌ منهما يتجه في الحياة اتجاهاً يسير جنباً إلى جنبٍ مع اتجاه الجنس المقابل؛ ليؤدي كل واحدٍ منهما الوظيفة التي تؤهله صفاته للقيام بها نحو المجتمع الإنساني، ولا شك أنّ رقي الإنسانية الحقيقي لا يكون إلا بتوزيع الأعمال، وملاءمة كل جنسٍ للوظيفة التي يقوم بتأديتها في هذه الحياة. إن المرأة تماثل الرجل في أمورٍ وتفارقه في أخرى، وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواءً بسواء، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلمٌ للمرأة!
يقول أحد الخبراء، على لسان الرجال، عن (شقائق الرجال): "أكثر ما يجعلنا لا نستمتع ولا نستثمر هذا الكنز الذي بين أيدينا، هو طريقة تعاملنا مع المرأة، فنحن نتعامل معها تعامل ينقصه الكثير من الدراية والفهم بطبيعتها وخصوصيتها؛ فنحن نتعامل مع المرأة كما نتعامل مع أصدقائنا، وهذا مصدر التصادم في الواقع، فالمرأة من كوكبٍ ونحن من كوكبٍ آخر". والعبارة الأخيرة ذكرتني بالكتاب المشهور لجون جراي الذي تُرجم إلى عدة لغات وبيعت منه ملايين النسخ وعنوانه {الرجال من المريخ، النساء من الزهرة}.

أحبتي فلنكن أكثر فهماً لطبيعة وخصائص الرجال والنساء، وأوسع إدراكاً للحكمة من وراء وجود فروقٍ بينهما، وأعلى قدرةً على توظيف تلك الفروق في إطارٍ من التكامل وليس التصادم. ثم إن علينا نحن الرجال أن نحسن التعامل مع نسائنا؛ وهل هن إلا أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، وخالاتنا وعماتنا وجداتنا؟ إنهن بحقٍ (شقائق الرجال) وأرحامهم. على أن يكون تعاملنا معهن، وتعاملهن معنا، خاصةً بين الأزواج، وفق مقتضيات وضوابط ديننا الحنيف، وأن يكون علي أساسٍ متينٍ من المودة والرحمة لقوله عز وجل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدة، إنْ أَذِنَ الله وأمَّد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.

http://goo.gl/bq12Bf