الجمعة، 3 يونيو 2022

القاسية قلوبهم

 

خاطرة الجمعة /346


الجمعة 3 يونيو 2022م

(القاسية قلوبهم)

 

‏حكت قصتها، وهي تبكي، قالت: "نشأتُ في أسرةٍ ميسورةٍ، بنتٌ وحيدةٌ وثلاثة إخوةٍ ذكورٍ أشقاء. سافرتُ للعمل بالخارج، وبقيتُ هناك سبع سنواتٍ، عانيتُ خلالها من كثيرٍ من المشاكل والصعوبات، حتى أُصبتُ بمرضٍ عُضال. كانت أمي تُرسل لي على سبيل المساعدة مبالغ بسيطةً وبعض الحُلي الذهبية التي كنتُ أبيعها لسداد تكاليف علاجي. كان أبي يمتلك بيتاً، أقنعته أمي أن يهبه لأخي الأكبر الذي قام بمراضاة إخواني الذكور، ولأني كنتُ مُغتربةً فلم يتذكروني بشيء. تُوفي أبي وتنفيذاً لوصيته تم بناء مسجدٍ باسمه. عُدتُ من بلاد الغُربة إلى وطني لأجد جميع إخوتي قد تحسنت أوضاعهم المادية؛ حيث اشتروا أراضي واستثمروا ما نالوه من هبة أبي قبل موته ومن ميراثه بعد وفاته، بل ووجدتهم يتقاسمون معاشاً شهرياً كبيراً عن والدي المُتوفى. وفوجئتُ بأن أمي وهبت هي الأخرى كل ما تملك لأخي الصغير كي يتصدق على الفقراء ويقوم ببناء مسجدٍ باسمها بعد وفاتها. حين طلبتُ حقي في إرث أبي من أخي الأكبر الذي صار مليونيراً، قال لي إن أمي أخبرتهم أنها أعطتك حقك وأكثر بما كانت تُرسله لك في الغُربة، وعندما طلبتُ منه مساعدةً ماليةً تُعينني على مصاريف الدراسة لأبنائي، قال لي أنت غير مضطرةٍ أن تُدخلي ابنتك الجامعة، ولا أن يدرس ابنك في مدرسةٍ خاصة. أنا الآن مريضةٌ، أعاني نفسياً ومادياً، لا أجد ما يسد احتياجاتي أنا وأبنائي، يتملكني الخوف كلما اقترب موعد دفع الإيجار الشهري لشقتي المتواضعة، أدعو الله كل يومٍ أن يُؤَّمِن لي قوتي وقوت أولادي، وأحمده وأشكره على تمام الستر ونعمة الذِكر، أدعو لنفسي ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إلا أبي وأمي وإخوتي، لا تطاوعني نفسي في الدعاء لهم؛ لظُلمهم لي فهُم من (القاسية قلوبهم)، ثم تغلب علىّ طيبتي فأدعو لهم لوجه الله".

وهذه امرأةٌ أخرى تحكي عن غدر شقيقها بها بعد وفاة والديها: "كان أخي يُعايرني لأني وصلتُ إلى سن 36 سنةً ولم أتزوج، رغم أني كنتُ أصرف عليه وعلى أولاده، ولم أُقصِّر معه يوماً، ولا طالبته بحقي في أموال أبي الذي كان يستحوذ عليها ويُخفيها في حسابه البنكي، لكني اكتشفتُ أن أهل زوجي قايضوا شقيقي مقابل مبلغٍ لتزويجي لابنهم المريض نفسياً والعاجز، بالإضافة للاتفاق معه على التحايل عليّ للتنازل عن حقي في ميراثي من والدي أثناء عقد القران".

 

أما هذه فإن أهلها أجبروها على إقامة دعوى خُلعٍ من زوجها بعد زواجٍ استمر لمدة 14 عاماً نتج عنه ثلاثةٌ من الأبناء، لمجرد أنه تجرأ وطلب من أهلها الإقرار بميراث زوجته من أبيها الذي تُوفي منذ عامين تاركاً لها ولأشقائها ميراثاً كبيراً، ومطالبته بإعطائها حقها في هذا الإرث. وقالت إن عادات وتقاليد القرية التي تعيش بها تمنع الإناث من الحصول على حقهن في الميراث، وتُعتبر مطالبة المرأة بحقها فيه بمثابة خروجٍ عن طاعة العائلة، مما دفع أهلها إلى اتهام زوجها بالنصب وبالتحريض على مخالفة العادات والتقاليد، وطالبوها بترك الزوج وإقامة دعوى خُلع.

 

وهذه وقفت أمام المحكمة تُطالب بحقها الشرعي في الميراث من زوجها بعد زواجٍ دام لأكثر من عشر سنوات كانت له خلالها ممرضةً وزوجةً وأماً لأولاده، سهرت على تربيتهم، وفي النهاية غدر بها وألقى عليها يمين الطلاق وهو يحتضر؛ حتى لا تُشارك أولاده في الميراث.

 

وهذه تستغيث مما حدث لها بعد وفاة زوجها وطرد أولاده لها، بعد علمهم بحملها بالولد، خوفاً من أن يُشاركهم وإياها مال والدهم. تحكي قصتها قائلةً: "أجبرني أهلي على الزواج بعد بلوغ سن الثلاثين دون زواجٍ، بحُكم إقامتنا بقريةٍ تتهكم على العوانس، بعدها عشتُ معه خمس سنواتٍ أرعاه وأرعى أولاده، ولكن عندما اشتد المرض به وعلم أولاده بحملي بولدٍ صاروا من (القاسية قلوبهم) فطردوني حتى لا يكتب زوجي لي مالاً يؤَّمِن به مستقبل صغيره، وبعد وفاته رفضوا دخولي المنزل وإعطائي حقوقي الشرعية".

 

وهذه زوجةٌ تقص مأساتها؛ تشكو ظلم أولاد شقيقتها وزوجها المتوفى قائلةً: "ضحيتُ بحياتي من أجل أولاد شقيقتي المُتوفاة، وتركتُ خطيبي الذي أُحبه قبل زواجنا بعشرة أيامٍ، وتزوجتُ والدهم حتى أسهر على رعايتهم حفاظاً على وعدي لشقيقتي الوحيدة، وتلبيةً لرغبة والدتي المريضة، وعشتُ برفقتهم سنواتٍ إلى أن تُوفي زوجي، بعدها رفض أبناؤه رد المعروف لي وعاملوني بشكلٍ سيئ؛ اغتصبوا حقي في الميراث، رغم ما فعلتُ من أجلهم وما تحملته من إهانةٍ ومعاملةٍ سيئةٍ من والدهم، وكيف ضحيتُ بحياتي وسعادتي من أجل تربيتهم".

 

أحبتي في الله.. يقول تعالى في ذم آكلي الإرث: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا﴾، يقول المفسرون إن المعنى هو: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلاً لمًّا، يعني: أكلاً شديداً لا تتركون منه شيئاً؛ ذلك أن أهل الجاهلية كانوا من (القاسية قلوبهم) الذين يظلمون الضعيف ويأكلون ماله، فلا يورثون النساء ولا الصبيان، ويأكلون نصيبهم.

 

يقول علماء الشريعة إن قضية الحرمان من الإرث أو التحايل على أكله هي من المواضيع الهامة التي تُعاني منها مجتمعاتنا الإسلامية؛ فكم من امرأةٍ حُرمت من ميراثها، وكم من يتامى أُكلت حقوقهم، وكم من ضُعفاء لم يجدوا لهم ناصراً، ومما يزيد من الألم ويفجع الفؤاد أن يكون الظلم من الآباء والأمهات والإخوة؛ ولله در الشاعر إذ يقول:

وظلمُ ذوي القربى أشدُ مضاضةً

على النفسِ من وقعِ الحسامِ المُهندِ

إن أكل الإرث ظلمٌ فادحٌ، وقد حرّم الله عزَّ وجلَّ الظلم على نفسه، وحرّمه على عباده؛ كما في الحديث القدسي: {يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا}، وتوعد الظالمين بالعذاب؛ يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾، ويقول سبحانه: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.

إن الميراث هو وصية الله تعالى لعباده بيّنه سبحانه بدقةٍ وإحكامٍ مدهشين، وأوصانا بتنفيذه، ووصيَّة الله في الميراث واجبة التنفيذ، قالها سبحانه بصيغة الفعل المضارع ﴿يُوصِيكُمُ﴾ للدلالة على التجدُّد والاستمرارية، وفي ذلك إشارةٌ واضحةٌ إلى الاهتمام البالغ منه سبحانه باستمرار تقسيم الميراث على التفصيل الذي أورده في كتابه الكريم، دون تبديلٍ ولا تغيير.

وآكل الميراث -إلى جانب مخالفته لما أوصى به الله سبحانه وتعالى- فهو مخالفٌ لسُنة النبي كذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: [اللهم إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ].

ومن الأسباب التي تجعل الإنسان يأكل الميراث ويتعدى حدود ما أنزل الله تعالى: ضعف الإيمان؛ فآكل الميراث ضعيف الإيمان، وإن صلى وصام وقرأ القرآن؛ لأنه تَشبهَ بأعداء الله الذين أخبر الله تعالى عنهم: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، فالله تعالى أمرهم ولكنهم قالوا سمعنا وعصينا، وآكل الميراث إن لم يقلها بلسانه فهو يقولها بأفعاله وجحوده لحقوق الورثة. كذلك فإن طمع الأقارب في ميراث المرأة سببٌ آخر؛ فكثيرٌ من أكلة المواريث هُم من (القاسية قلوبهم) الذين أصابهم الجشع والطمع فجحدوا حق الورثة، والطمع جمرةٌ لا تحرق إلا صاحبها في الدنيا والآخرة.

كما أن التقاليد والعادات القبلية الجاهلية سببٌ لحرمان النساء من الميراث؛ فبعض الناس يفعل ذلك لعاداتٍ ورثها عن آبائه وأجداده، لا يورثون البنات ويجحدون حقوقهن، وهذه من عادات أهل الجاهلية؛ يقول تعالى في ذمهم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، ويقول أيضاً: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾.

وعن عقوبة آكل الميراث يوضح علماؤنا أن أمرها ليس باليسير؛ فآكل الميراث متعدٍ لحدود الله منتهكٌ لحرماته، والله سبحانه بعد أن بين أنصبة الوارثين يقول: ﴿فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾، ويقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ لكونه غيَّر ما حكَم الله به، وضادَّ الله في حُكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسَم الله وحَكَم به؛ ولهذا يُجازيه الله سبحانه وتعالى بالخلود في النار وبالعذاب المهين. ولا شك أن مَن منعَ امرأةً -أختاً كانت أم أُماً أم جدةً أم زوجةً- ميراثها فقد ‏تعدى حدود الله، وعرَّض نفسه للعقوبة.

وآكل الميراث قاطعٌ لأرحامه، والله تعالى يُجازي أهل القطيعة بالقطيعة في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل؛ يقول تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾. وقال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا من ذَنْب أَجْدَر أَن يُعجَل لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ] يعني قاطع رحم، وبهذا فإن آكل الميراث، ولأنه قاطعٌ لرحمه، يُجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

وإن كان التعدي على المواريث بصفةٍ عامةٍ جُرماً عظيماً وإفكاً مُبيناً، فإنه إذا كان المُتعدَى عليه يتيماً كان الوزر أكبر وأشد؛ يقول تعالى: ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً﴾، والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثمٌ عظيمٌ وخطأٌ كبيرٌ فاجتنبوه. ويقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾، وهذا تصويرٌ لضرر أكل الميراث؛ فآكله يكون كمن يأكل النار ويضعها في بطنه فهو في ألمٍ دائمٍ حتى يهلك، أما العقاب الذي ينتظره في الآخرة فهو ممن ﴿سَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ أي ستوقد بهم نارٌ شديدة الأُوار، يستمرون في بلاءٍ شديدٍ منها.

ويُعد في حُكم آكل الميراث، من يُماطل في تسليمه لمن يستحقه شرعاً أياً كانت ذرائعه، ولا يُستثنى من ذلك إلا كون المستحق للإرث غير أهلٍ لاستلام إرثه والتصرف فيه.

 

أما علماء الاجتماع فيرون أن حرمان المرأة من الإرث قضيةٌ مُعقدةٌ ومُتشعبةٌ، تنتشر غالباً في المجتمعات التي تقل فيها نسبة التعليم. وهي قضيةٌ لها آثارٌ اجتماعيةٌ وخيمةٌ؛ منها: التفكك الأسري، وارتفاع نسب الطلاق. وهي قضيةٌ تحتاج إلى التوعية ومُضاعفة الجهود للقضاء على العادات والتقاليد التي ما زالت مسيطرةً على عقول البعض الذين ينظرون للمرأة نظرةً دونيةً؛ فهي الضعيفة التي يُمكن أن يُهضم ويُسلب حقها بسهولةٍ دون أي رادعٍ أخلاقيٍ أو محاسبةٍ قانونية؛ فترى مشاعر التردد والخوف والخجل تنتاب المرأة في مجتمعنا قبل المُطالبة بحقها الشرعي بالميراث، وغالباً ما تُحرم منه عنوةً تحت ذرائع واهيةٍ. إن العادات والتقاليد البعيدة عن الدين تُعرِّض المرأة لضغوطٍ خفيةٍ حيناً وجليةٍ أحياناً أخرى من أجل التخلي عن ميراثها لصالح الذكور، وعندما ترفض المرأة ذلك تُعامل كمسيئةٍ لسمعة الأسرة وخارجةٍ عن المألوف. والمُلفت للنظر أن بعض الأُمهات يكون لهن دورٌ مؤثرٌ في حرمان بناتهن من الميراث، كأنهن يستكثرن أن تنال بناتهن حقاً حُرمن هُن منه!

 

أحبتي.. نداءٌ من القلب أوجهه إلى كل آكل إرثِ امرأةٍ أو يتيمٍ، أباً كان أو أُمّاً أو أخاً أقول له: اتقِ الله، وبادر إلى إعادة الحقوق إلى أصحابها، إلا تفعل تكن في خطرٍ عظيمٍ؛ لن تُفلح أبداً في دُنياك، وعذابٌ عظيمٌ في انتظارك في الآخرة، سارع إلى توبةٍ نصوحٍ؛ فأنت لا تعرف متى يوافيك الأجل المحتوم، إذا تُبتَ قبله توبةً صادقةً مخلصةً فستكون من الفائزين وعفى الله عما سلف، وإن لم تُدرك نفسك قبل ذلك فويلٌ لك من الحسرة والندم وقت لا يفيد الندم. وأقول للإخوة الذكور الذين قد يتحججون بأنهم لم يطلبوا لأنفسهم شيئاً وأن الأمر كله راجعٌ للأب أو الأُم: إن حصولكم على إرث أخواتكم البنات لا يعطيكم الحق في الاستفادة منه، بل أنتم شركاء في الإثم إن لم تُبادروا إلى رد حقوق أخواتكم إليهن. وأقول لكل آكل ميراث: اشترِ نفسك اليوم قبل الغد؛ فما ارتكبته من جُرمٍ هو عند الله عظيم ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، واحذر أن تكون من (القاسية قلوبهم) الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.

ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

https://bit.ly/3Nj2FRM