الجمعة، 13 مايو 2022

فضل القرآن

 

خاطرة الجمعة /343


الجمعة 13 مايو 2022م

(فضل القرآن)

 

هذه قصةٌ واقعيةٌ، حدثت في المملكة العربية السعودية، وبطلة القصة امرأةٌ اسمها «أمينة» كانت تصارع ورماً في المخ. تقول «أمينة»: أنا إنسانةٌ أحسب نفسي وُئدتُ قبل أن أُولد لما عانيته من مصاعب في حياتي، مصاعب لا تخطر على بال الكثيرين، لكن -والحمد لله- لم تتأثر ثقتي بالله أبداً، كنتُ مصابةً بورمٍ في المخ، ولم يكن خبيثاً إلا أن ألمه كان فظيعاً، ورغم أنّ العلاج لم يُحدث أي تحسنٍ على مدار أربع سنوات، لكن كان بداخلي يقينٌ بأن الله لم يبتليني ألا ليهبني شيئاً عظيماً، ويغفر لي ذنوبي. مع آخر مرةٍ زرتُ فيها الطبيب أظلمت الدنيا في عينيّ؛ إذ لم يكن آخر تقرير علاجٍ يبشر بالخير. قررتُ أن أحفظ القرآن، لم يكن ذلك في البداية بنية الشفاء، ولكن كان بنية أن أحفظ القرآن قبل أن أموت؛ فبدأتُ أحفظ أجزاء متفرقةً، وكنتُ أحمد الله ليل نهار، إلى أن حفظتُ سورة البقرة كاملةً، شعرتُ وقتها بفرحةٍ أنستني ألمي. كنتُ أخاف أن يضيع مني الوقت وأموت قبل إتمام الحفظ.

كان للنوم هجماتٌ كنتُ أستعين عليها بالوضوء، وكنتُ أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى لا يغلبني، وكنتُ أتحرك كثيراً حتى لا أستسلم للمرض، كما كنتُ أستعين بالصلاة وكثرة الاستغفار، كل هذا وأنا أسارع في الحفظ، وأصارع المرض في نفس الوقت؛ فقد كان ألم الصداع يزداد يوماً بعد يومٍ فالورم يكبر ويكبر. أذكر عندما كنتُ أقرأ في سورة طه قوله تعالى: ﴿قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ وجدتُ نفسي أنفجر في البكاء لإحساسي أني سأموت قريباً، فبدأتُ أُسرِع في الحفظ حتى ألقى الله وأنا حافظةٌ لكتابه الكريم؛ عسى أن يغفر لي. وأنا في صراعي مع المرض كان الشيطان يوسوس لي ويقول إني -مهما فعلتُ- لن أحفظ القرآن، فلماذا أُضيّع ما تبقى من عُمري في شيءٍ لن أُتمه؟ كان يُحاول بكل طريقةٍ أن يُثنيني عن عزمي ويجعل الملل يتسرب إلى قلبي، ويفت من عزمي، لكني كنتُ أقاوم وأقول بيني وبين نفسي: "أنا سأموت، وكل الناس ستموت، لكن بماذا ألقى ربي؟ أريد شفيعاً لي عنده سبحانه، وأريد مؤنساً لي في قبري؛ فإن للقبر وحشةً". واستمر صراعي مع المرض، وصراعي مع الشيطان، حتى جاء اليوم الذي وفقني فيه ربي لإتمام حفظ القرآن الكريم كاملاً؛ فقررتُ ألا أنام قبل أن أتوضأ وأختم القرآن، وحينما وصلتُ إلى سورة الناس أحسستُ أني وُلدت من جديد؛ إنه (فضل القرآن).

بعدها بأيامٍ قليلةٍ ذهبتُ لمتابعة التحاليل الدورية على الورم، وكنتُ على أتم الاستعداد لتلقي الخبر الكارثة، أقصد معرفة نتائج التحاليل. حدث اضطرابٌ في غرفة المُختبر، وتنادى الأطباء واجتمعوا لمتابعة الأمر، وأنا أقول في نفسي: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها"، لكني صُدمت صدمة عُمري كله عندما قال الطبيب: "لقد تم شفاؤك بنسبه 70 %!"، الله أكبر، وأنا التي كنتُ أطمع في تحسن 1% فقط؛ صدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ لقد شفاني الله ب(فضل القرآن)؛ فلا تقنطوا أبداً من رحمة الله ﴿وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾.

 

أحبتي في الله.. إنه (فضل القرآن)، فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء، ولا ينال فضله سبحانه وتعالى إلا كل مجتهدٍ يعمل بإخلاصٍ فتكون الإعانة ويكون التيسير من الله عزَّ وجلَّ، ومع الإخلاص والمثابرة ومجاهدة النفس يكون عطاء الله مُدهشاً إلى أبعد الحدود.

 

وإنْ تعجب فاعجب على هؤلاء الأشخاص، الذين هُم منا، دينهم الإسلام، يعيشون معنا بأجسادهم، أما أرواحهم فقد خطفها الشيطان، يتجرأون على ثوابت الدين، ويقومون بالإساءة إلى القرآن الكريم، لا تهزهم قصصٌ مثل قصة «أمينة» عن (فضل القرآن) ولا يصدقونها، يحسبونها من أساطير الأولين، رغم أن من السهل التأكد من مدى صدقها، تجدهم يرفضونها بغير سبب، بل وتجد بعضهم يسخرون من الدين، ومن رجال الدين، ومن القرآن الكريم وممن يحفظه، لكن الله سبحانه وتعالى يُقيض لهم من يكبتهم ويُخرس ألسنتهم؛ فهذه -على سبيل المثال- واحدةٌ من هؤلاء؛ دكتورةٌ علمانيةٌ ظنت أنها بشهادتها قد وصلت إلى قمة العِلم، كتبت على موقع التدوين المصغر «تويتر» تغريدةً تقول فيها: "مسکین الطفل الذي يُدخله أبوه مركز تحفيظ قرآن ولا يعلمه اللغة الإنجليزية؛ يكبر الطفل ويُصدم عندما يجد أن كل الوظائف شرطها إجادة اللغة الإنجليزية، ولا توجد أية وظيفة تشترط حفظ القرآن"، فإذا بأحد الشباب -حفظه الله وبارك فيه- يرد عليها بتغريدةٍ يقول فيها: "حفظتُ القرآن الكريم كاملاً وأنا في سن 14 عاماً، كنتُ من الأوائل دائماً، أجيد ثلاث لغات. حفظي للقرآن لم يُعيقني لأتخرج الأول على دفعتي بأمريكا، وبلغةٍ ليست لُغتي الأم، وكنتُ من القلائل الذين يحرزون العلامة الكاملة 100 من 100؛ فتعلم القرآن واللغة العربية يُضيئان العقل والروح، ولا يُنكر ذلك إلا جاهل".

 

وعن (فضل القرآن) بيَّنَ أهل العلم أنّ تعلُّم القرآن الكريم وقراءته، من أشرف العلوم، وأعظم الأعمال؛ فلا يوجد ما هو أعظم من كلام الله؛ يقول تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾. وقد أمر الله عباده المؤمنين بقراءة آيات القرآن آناء الليل وأطراف النهار؛ يقول تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، ووصف التالين له بالإيمان؛ يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾. كما أن من (فضل القرآن) أنه حرزٌ وحمايةٌ؛ يقول تعالى: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾. ومن فضائله أيضاً نيل الأجر والثواب؛ يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾.

 

وعن (فضل القرآن) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ]. وقال صلّى الله عليه وسلّم: [ما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ]. كما قال صلّى الله عليه وسلّم: [اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، ليسَ لها رِيحٌ وطَعْمُها مُرٌّ]. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها]. وقال صلّى الله عليه وسلّم: [أَفلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ له مِن ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له مِن أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ]. وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ]. وقال صلّى الله عليه وسلّم: [لا حسدَ إلا على اثنتينِ؛ رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو ينفقُ منه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ]. وقال عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ للهِ أهلِينَ مِنَ الناسِ] قالوا: من هُمْ يا رسولَ اللهِ؟ قال: [أهلُ القرآنِ هُمْ أهلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ]. وقال صلى الله عليه وسلم: [خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ].

 

أحبتي.. لعل قصة «أمينة» تُحرك قلوباً ابتعدت عن القرآن، وتهدي نفوساً انشغلت عن تدبر كلام الرحمن،

ولعل ما ذكرناه عن (فضل القرآن) يكون دافعاً لنا لننظر في علاقتنا بكتاب الله سبحانه وتعالى؛ هل نُداوم على تلاوته؟ هل نُجاهد النفس لحفظه؟ كله أو بعضه؟ هل نتدبر معانيه؟ هل نعمل بأحكامه؟ أم قد شغلتنا الدنيا عن كل ذلك؟ لا أظن أبداً أن يخلو بيتٌ من بيوتنا من مُصحفٍ، وليس هذا هو المهم، لكن المهم هو كيف نتعامل مع القرآن الكريم في حياتنا اليومية؟ البعض منا اكتفى بأن يترك مصحفه موضوعاً على الرفوف، يُجّله ويُقدسه ويحترمه، ويضع يده عليه ليُقسم به! وصار القرآن لدى البعض وسيلةً يُتبرك به فقط؛ فتجدهم يضعون المصحف في مكاتبهم وسياراتهم، ومنهم من يحرص على أن يُسمع الحي كله آياتٍ من القرآن تُتلى من مكبرات الصوت ليلة افتتاح متجره الجديد! وهناك منا من لا يستمع إلى القرآن إلا في المقابر وقت دفن أحد المسلمين، أو في شوادر وقاعات العزاء! والبعض يتعامل مع القرآن بشكلٍ موسميٍ؛ قبل الامتحانات وفي أوقات الشدة وفي شهر رمضان ثم تنتهي علاقته بالقرآن بانتهاء الموسم! فهل يليق هذا بكلام الله عزَّ وجلَّ؟ علينا أن نُراجع طريقة تعاملنا مع كتاب الله سبحانه وتعالى حتى لا نكون ممن اشتكى منهم الرسول صلى الله عليه وسلم لرب العزة فقال: ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾. أحبتي.. اجعلوا لأنفسكم وِرداً يومياً، وخصصوا للقرآن أفضل أوقاتكم لا فضلة وقتكم، ولا تحرموا أنفسكم من (فضل القرآن)، حفظنا وحفظكم الله بحفظه، ونفعنا به، عسى الله أن يُفرَّج لنا به كُرب الدنيا والآخرة، وأن يكون أنيساً لنا في قبورنا وشفيعاً لنا يوم الحساب.

 

https://bit.ly/39me9VK