الجمعة، 20 أكتوبر 2023

كيف ينظرون إلينا؟

 خاطرة الجمعة /417

الجمعة 20 أكتوبر 2023م

(كيف ينظرون إلينا؟)

صاحب هذه القصة داعيةٌ إسلاميٌ مشهور، كتب يقول:

كنتُ في مطار «بانكوك» في «تايلاند»، ودخلتُ أحد المقاهي بالمطار، وطلبتُ قهوةً، وسألتُ إن كان عندهم شطيرةٌ خاليةٌ من الكحول أو دهن الخنزير؟ وأنا أسأل سمعني شابٌ كان خلفي؛ فسألني بحماسٍ: "هل أنت مسلم؟"، قلتُ له: "نعم"؛ فنصحني بنوعٍ معينٍ من الشطائر. وبعد ما أخذ كلٌ منا طلبه، استأذنني أن يجلس معي على نفس الطاولة، فقلتُ له: "بكل سرور"، وتعارفنا، وكان كلامنا باللغة الإنجليزية، إلى أن عرف أنني عربيٌ، فازداد حماسةً، وقال لي بلا ترددٍ وبعربيةٍ مكسرةٍ أكتبها كما نطقها: "السلام أليكم، أن اسمه «أومر»، وهو من «التايلاند»"، أُعجبتُ بشجاعته في محاولة التكلم بالعربية، وابتسمتُ له، وقلتُ له من باب التشجيع: "ما شاء الله لغتك العربية جيدة". عاودنا حديثنا بالإنجليزية، حيث قال لي «عمر»: "بما أنك عربيٌ فأكيدٌ أنك تعرف قراءة القرآن"، فقلتُ له: "الحمد لله، وجئتُ إلى «تايلاند» لتحكيم مسابقةٍ في القرآن"، فجأةً وقف «عمر» من مكانه وقال لي: "صحيح؟ يعني أنت عربيٌ وحافظٌ للقرآن وتُعلِّمه للناس؟"، قلتُ له: "نعم، والحمد لله"، قال لي: "هل من الممكن أن أحضنك؟"، قمتُ من مكاني وحضنته بشدةٍ، وحاول «عمر» تقبيل يدي لكني انتزعتها بصعوبة، وعاودتُ احتضانه، وقد ظهرت دموعه في عينيه.

لم أتفاجأ كثيراً من الموقف، لأني أتعامل كثيراً مع مسلمين من غير العرب، وأعرف حبهم واحترامهم وبراءتهم، لكن الذي فاجأني في «عمر» إنه دخل الإسلام منذ ثلاثة أعوامٍ فقط، ولأجل ظروف شغله، وسكنه البعيد، فإنه يتعلم اللغة العربية من «اليوتيوب» بمفرده، وكان يدعو الله في كل صلاةٍ أن يتعرف على عربيٍ يُساعده في التعلم وحفظ القرآن. طلب مني «عمر» أن أُصحح له سورة الفاتحة، إن كان عندي وقتٌ، وكم كانت سعادته عندما رحبتُ بذلك؛ فقرأ عليّ سورة الفاتحة وصححتها له. ولما اقترب موعد طائرتي أعطيته بطاقةً فيها رقم هاتفي وبريدي الإلكتروني وطرق التواصل، وقلتُ له: أعطني رقم هاتفك، ودعنا نكون على تواصلٍ مستمر، ومع طيبته لم يكن مصدقاً إنني سأسجل رقم هاتفه عندي. بعدها بدأت مع «عمر» دروساً مباشرةً في القرآن، واللغة العربية، بالصوت والصورة بواسطة شبكة الإنترنت. اليوم أتم «عمر» حفظ جزئين تقريباً بحمد الله، ويستطيع أن يقرأ باللغة العربية.

هذه قصتي مع «عمر التايلاندي» رويتها لكم لتعلموا عن المسلمين من غير العرب (كيف ينظرون إلينا). إنهم أناسٌ من أهم أُمنيات حياتهم أن يصاحبوا عربياً، حتى يتعلموا اللغة العربية، وحتى يقرأوا القرآن، نحن في نظرهم من أحفاد الصحابة، ولنا مكانةٌ كبيرةٌ في نفوسهم، وينظرون إلينا بمنظر القدوة. هؤلاء يجاهدون ليل نهار ولسنين طويلةٍ حتى يتعلموا قراءة اللغة العربية بطريقةٍ صحيحةٍ، ونحن الذين لساننا عربيٌ مقصرون في ذلك أشد التقصير إلا من رحم الله.

 

أحبتي في الله.. عن موضوع إخواننا المسلمين من غير العرب و(كيف ينظرون إلينا)، اطلعتُ على قصةٍ حدثت بالفعل، بدايتها صادمةٌ جداً بل ومؤسفةٌ، أما نهايتها فكانت على العكس تماماً، مُبشِّرةً ومطمئنةً، إليكم القصة:

شابان من «المدينة المنورة» ذهبا إلى «تركيا» من أجل أخذ راحتهما بشرب الخمر هناك، فلما وصلا «إسطنبول» قاما بشراء زجاجات الخمر وركبا سيارة أجرةٍ ذهبا بها إلى قريةٍ ريفيةٍ، وسكنا في فندقٍ هناك حتى لا يراهما أحد، وأثناء تسجيل بياناتهما سألهما موظف الاستقبال بالفندق: "من أين انتما؟"، فقال أحدهما: "من «المدينة المنورة»"؛ ففرح موظف الاستقبال وأعطاهما جناحاً بدلاً من غرفةٍ إكراماً للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وإكباراً لهما لأنهما من أهل «المدينة المنورة». سعد الشابان بذلك وسهرا طوال الليل يشربان الخمر حتى سكر أحدهما، أما الثاني فقد سكر نصف سكرةٍ، وناما. في الساعة الرابعة والنصف صباحاً، فُوجئا بمن يطرق بابهما؛ استيقظ أحدهما وفتح الباب وهو شبه نائمٍ فإذا بموظف الاستقبال يقول له: "إن إمام مسجدنا رفض أن يصلي الفجر لما علم أنكما من «المدينة المنورة» فنحن ننتظركما بالمسجد تحت". صُدم الشاب بالخبر وأيقظ صاحبه سريعاً وأخبره بما حدث وسأله: "هل تحفظ شيئاً من القرآن؟"، فرد عليه أنه لا يمكن أن يصلي إماماً، وجلسا يفكران كيف يخرجان من هذا المأزق، وإذا بالباب يُطرَق مرةً أخرى، ويقول لهما الموظف: "نحن ننتظركما بالمسجد، انزلا بسرعةٍ قبل بزوغ الفجر". يقول صاحبنا: "فدخلنا الحمام واغتسلنا ثم نزلنا إلى المسجد، وإذا به ممتلئٌ وكأن الصلاة صلاة جمعة، وكان المصلون يسلمون علينا؛ فتقدم صديقي للإمامة فكبَّر ثم بدأ يتلو سورة الفاتحة، وحين وقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ بكى المصلون بالمسجد وهم يتذكرون مسجد رسول الله". يقول الشاب الذي أَم المصلين: "بكيتُ معهم وأنهيتُ تلاوة سورة الفاتحة ثم سورة الإخلاص في الركعتين؛ فأنا لا أحفظ غيرهما! وإذا بالمصلين -بعد انتهاء الصلاة- يتدافعون نحوي يسلمون عليّ؛ فكان هذا الموقف سبباً في هدايتي أنا وصديقي، بل وأنعم الله علىَّ؛ فصرتُ برحمته واعظاً".

 

هذا يوضح لنا بجلاءٍ (كيف ينظرون إلينا)؛ فالمسلمون من غير العرب ينظرون إلينا -كمسلمين عرب- نظرة تقديرٍ وإجلالٍ، بل نظرة قداسةٍ كما لو كان كل واحدٍ منا هو خليفةٌ من الخلفاء الراشدين أو من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين!

فما بالنا بغير المسلمين، وكيف ينظرون إلينا؟ هؤلاء يحكمون على الإسلام كدينٍ من خلال ما يرونه منا من تصرفاتٍ وأفعالٍ؛ يقول أحد العلماء: أنت يا أخي على ثغرةٍ من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك؛ فإياكَ أن تكونَ أنت سبباً في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين. إن الناس لا يحبون الإسلام لأنه دينٌ سماويٌ ينسجم مع الفطرة والعقل بقدر ما يحبونه لأنه مطبقٌ في الحياة اليومية، مُجسدٌ في سلوك المسلمين. والناس لا يتعلمون بآذانهم، بل بعيونهم، والإسلام قد انتشر في جنوبي آسيا وشرقها، وفي غرب أفريقيا وشمالها، عن طريق المعاملة الحسنة والسلوك القويم؛ فالتجار المسلمون ضربوا لهذه الشعوب مثلاً أعلى في النزاهة والاستقامة والأمانة. والناس لا يُنفرهم من الدين أو الإسلام شيءٌ مثلُ أن يروا المسلم يُكثر من الصلاة والصيام والأدعية والأوراد, ويسيء إلى الناس في معاملته وبيعه وشرائه ودَيْنه وقضائه.

 

أحبتي.. لا شك في أن كل واحدٍ منا هو سفيرٌ للإسلام، داخل بلده وخارجه؛ فلنكن خير السفراء في أقوالنا وأفعالنا، ولنتذكر دائماً هذا السؤال: (كيف ينظرون إلينا)؟ فنُحسن معاملة الناس بما يحثنا عليه ديننا الحنيف، ونعاملهم بما نحن أهله وليس بما هُم أهله؛ فقد ورد في الأثر: "لا تَكُونُوا ‌إِمَّعَةً، تَقولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تحْسِنُوا، وَإنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا". فلتكن أخلاقنا فاضلةً، وأفعالنا راقيةً، ومعاملاتنا ساميةً، محافظين على قيمنا الإسلامية، متخذين نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قدوةً لنا وأسوةً حسنةً؛ يقول تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.

هدانا الله جميعاً لنكون خير السفراء لدينهم، وخير من يرون فيهم الناس قرآناً يمشي على الأرض، وسيرة نبيٍ كريمٍ حيةً تتحرك بين الناس بكل ما هو جميلٌ ونقيٌ وطاهرٌ ونافعٌ ومفيد.

https://bit.ly/46EQRD2