الجمعة، 4 فبراير 2022

بين الأخ وأخته

 

خاطرة الجمعة /329


الجمعة 4 فبراير 2022م

(بين الأخ وأخته)

 

قصةٌ مؤثرةٌ ذكرتها إحدى الأخوات الداعيات؛ تقول: أُصيبت فتاةٌ سعوديةٌ بالثانوية العامة بمرض السرطان، ولها 17 أخاً، أحدهم من أمها المتوفية، والباقي من أبيها وزوجة أبيها. نُقلت الفتاة إلى «الرياض» للعلاج، وعلمت أنّ للمرض علاجاً في أمريكا، فطلبت من أبيها وإخوتها سفرها للعلاج بالخارج، رفض الجميع طلبها بحجة عدم جدوى العلاج! ورفضت الدولة رحلة العلاج لأنها غير مجدية!

تشبثت الفتاة بأخيها من أمها، وكان الشاب متوسط الحال، لا يملك سوى راتبه وبيتٍ تشاركه فيه زوجته؛ فقام الشاب رحمةً بأخته برهن البيت بمبلغٍ كبيرٍ وبدأ بإجراءات السفر، وعندما علمت زوجته ثارت وذهبت لبيت أهلها مهددةً إياه بعدم العودة ما لم يرجع في قراره. أكمل الشاب الإجراءات متحملاً لوم إخوانه وغضب زوجته، وسافر مع أخته، وصرف كل ما يملك على علاجها، وخسر وظيفته، وبعد ثمانية أشهر تُوفيت الفتاة وتكفلت السفارة بنقل الجثمان، وعاد الشاب بجثة أخته، وخيبة أمله بزوجته التي طلبت الطلاق وشماتة إخوته. أخذ يبحث عن عملٍ، واشتغل سائق سيارةٍ في البلدية، لحين توفر عملٍ آخر له.

بعد عدة أشهر اتصل به أحد أقرباء والدته من منطقة شمال المملكة، وبشره بأنه ورث مالاً كلالةً عبارة عن أرضٍ شاسعةٍ تُقدّر قيمتها بالملايين، ليس لمالكها وارثٌ سواه. أخذت المعاملة وقتاً طويلاً جداً، ثم بعد حينٍ استلم صك الأرض؛ فباع جزءاً منها، واستعاد بيته المرهون، وكتبه باسم زوجته، وبعث لها صك البيت وصك الطلاق معاً، حاولت زوجته بشتى الوسائل الرجوع اليه لكنه رفض، وزرع بقية الأرض واشتغل بتجارة المواشي، وفُتحت أبواب السماء له برزقٍ وفيرٍ وتوفيقٍ من رب العالمين؛ فسُئل عن سبب هذا الرزق الوفير؛ فقال: لحظة احتضار أُختي، دعت الله بأن يفتح لي باب الرزق كماءٍ منهمرٍ من السماء.

تزوج الشاب امرأةً صالحة وبدأ حياته من جديد. تقول الأخت الداعية صاحبة القصة: أنا ابنة هذا الرجل الذي أسعد قلب أخته، ووهبني اسمها المبارك، وأصبحت داعيةً إلى الله.

 

أحبتي في الله .. عقّب مَن نشر هذه القصة بقوله: هذا الذي يخدم الناس، هذا الذي يُدخل الفرح على قلوب الخَلْق بإحسانه إليهم بتخفيف آلامهم، بحمل همومهم، بقضاء حاجاتهم، له عند الله مقامٌ كبير. إذا أردتَ أن تسعَد فأسعِد الآخرين؛ وأنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً.

 

وعن العلاقة (بين الأخ وأخته) يقول العلماء إنّ للأخ على أخته، وللأخت على أخيها، حقوقاً منها:

الإحسان والتلطّف في التعامل؛ فقد استقبل النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أخته من الرضاع؛ وهي الشيماء بنت الحارث، فبسط لها رداءه حتّى تجلس عليه، وخيّرها ما بين البقاء عنده أو الرجوع إلى قومها، وأهداها جاريةً ونَعَماً.

التسامح بين الإخوة؛ فينبغي على الأخ أو الأخت أن يتسامحا فيما بينهما إذا صدر من أحدهما خطأٌ تجاه الآخر، وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما يظهر منهم من أمورٍ قد يُساء فهمها، ولهم في نبيّ الله يوسف -عليه السّلام- القدوة في ذلك، حينما تعرّض إلى المحن والفتنة والابتلاء بسبب كيد إخوته له، فلم يُقابل صنيعهم بالإساءة، وإنّما صبر على ذلك، وقال لهم في نهاية الأمر: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

الدعاء؛ فالإخوة يدعون لبعضهم بالخير في ظهر الغيب.

ومن حقوق الأخت على أخيها العمل على حفظ حقوقها وصيانتها، والدفاع عنها إذا تعرّضت للظلم من زوجها، وعدم إجبارها على العودة إلى زوجها إلّا بعد أن تكون راضيةً مكرّمةً، والنصح لها، وصلتها، والتضحية من أجل راحتها وسعادتها، وإثبات حقّها في الميراث.

وللأخ قوامةٌ على أخته إذا غاب الوالد، أمّا إذا تزوّجت فإنّ القوامة تنتقل إلى زوجها، بينما تبقى للأخ حقوقٌ وواجباتٌ تجاه أخته؛ كالنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع مراعاة الأدب في الحديث والتعامل معها خاصّةً إذا كانت أكبر سنّاً من أخيها.

 

ومن أجمل ما قرأتُ عن العلاقة (بين الأخ وأخته) أن الأخ في عين أخته هو أمنٌ لا يشوبه خوفٌ، وسندٌ لا يميل ولا يهتز. إنه شعورٌ مختلطٌ يجمع ما بين الحب والرحمة والأمان. وجود الأخ في حياة الأخت هو حضور صدیقٍ أبديٍ، ورفيقٍ أولٍ للطفولة، وصخرةٍ تستند إليها عندما تكبر. أما الأخت في عين أخيها فهي مودةٌ وحنانٌ، إنها بمثابة أمه الثانية كأنه ولدها الأول.

إن علاقة الأخ بأخته يجب أن تسودها المحبة والعطف والإيثار فيما بينهما؛ فمن أخص العلاقات وأشدها حاجةً إلى الرعاية والعناية هي علاقة الأخوة؛ إنها من أرق العلاقات وأقواها وأقدرها على البقاء ومواجهة المصاعب، يداً بيدٍ يمضي الأخ بأخته إلى جنةٍ أخويةٍ من التفاهم والتواد والتراحم، وتمضي الأخت بأخيها إلى جنةٍ أخويةٍ من التآلف والتآخي والتناصح. علاقةٌ جديرٌ بنا أن نحرص على توثيقها في زمنٍ أصبحت العلاقات فیه مهزوزةً متصدعةً، وصار تدهور العلاقات أمراً شائعاً.

 

وهذا شاعرٌ يكتب لأخته فيقول:

قَدْرُ الأخوةِ فيكِ لا يُعلى عليه

وإنْ بَعِدتِ

فمَكانُكِ بين الحَنايا والشِغافِ

فأنتِ أختي

إنْ قدَّرَ اللهُ الّلقاءَ فأنا سَعِدتُُ

وأنتِ طِبْتِ

فيكِ عَرِفتُ القَلبَ يَطْرُبُ إنْ نَطَقتِ

أو سَكَتِ

أدْعو الإلهَ يَصونُكِ أنىَ رَحَلْتِ

أوْ أقَمْتِ

أحبتي .. أختم بما كتبه أحدهم؛ كتب يقول: أيها الأخ أختك أمانةٌ لديك؛ تقرّب منها، وأظهر لها المودة والمحبة، واجعلها تشعر بأن خوفك عليها ومعزتك لها هي دافعك الوحيد في معاملتك لها، ولا تجعل من الغِلظة والقسوة عنواناً لك، الكلمة الطيبة واهتمامك وسؤالك عنها، وإخبارها دائماً بأنك موجودٌ من أجلها دائماً، أمورٌ بالرغم من أنها بسيطةٌ إلا أن تأثيرها كبيرٌ، فلا تجعل من أختك عدواً، بل اتخذ منها صديقةً تأنس بها وتأنس هي بك. وأنتِ كذلك أيتها الأخت؛ حاولي إظهار اهتمامك بأخيك، وإظهار حنيتك عليه واشتياقك له إن غاب، حاولي إظهار حبك له كأخت، وأنه يعني لك الكثير، حاولي أن تكوني أول من يريد أن يحكي لها همومه، وشكّلي حضوراً أنيقاً؛ فأنتِ أحق بأخيك من أي شخصٍ آخر. بذلك تكون العلاقة (بين الأخ وأخته) مثاليةً، تعمر بالمحبة والإخاء.

اللهم احفظ لنا أخواتنا، واحفظ لنا إخواننا، وبارك اللهم في علاقات الحب والمودة والرحمة والتعاطف التي تجري في دمائنا وتجمع بيننا.

 

https://bit.ly/3rrfelJ