الجمعة، 23 ديسمبر 2016

حقوق الحيوانات!


الجمعة 23 ديسمبر 2016م

خاطرة الجمعة /٦٣
(حقوق الحيوانات)!

فوجئنا، أنا وصديقي، عندما رأينا حوذياً يعمل على عربةٍ يجرها حِمار هزيل، يلهب ظهر حِماره بعصا غليظة، غير آبهٍ لصراخ الحِمار، ذلك المسكين الذي ليس أمامه إلا أن يجر عربة تحمل أثقالاً نحو نهاية طريق يرتفع متراً أو أكثر عن المكان الذي كنا فيه.
طلبنا من الحوذي على استحياء أن يوقف ضربه للحِمار، أو أن يخفف من حدة الضرب، نظر إلينا ببلاهة ولم يرد، ولسان حاله يقول: "ما دخلكما أنتما؟ هذا حِماري أعرف كيف أتعامل معه". حمدنا الله أنه لم يرد علينا بوقاحة، واكتفينا بأن بلغناه رأينا، مسبوقاً بعبارة "حرامٌ عليك".
استكملنا أنا وصديقي سيرنا، لكن الحديث بيننا تحول إلى ذلك المشهد الذي ظل مؤثراً فينا نحن الاثنين.
سألني صديقي: "هل كان من المناسب أن نقول له 'حرامٌ عليك'، هذه عبارة لا تُقال إلا إذا كان ما يفعله حراماً بالفعل، فهل لديك دليلٌ على حرمة ذلك"؟، أجبته: "ما يفعله ذلك الحوذي حرامٌ بلا شك؛ فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من عاقبة سوء معاملة الحيوان؛ بقوله: [دخلت امرأة النار في هرةٍ {قطة} ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض]، مجرد عدم إطعام الحيوان سببٌ كافٍ لدخول النار، فما بالك بمن يعذب الحيوان ويقسو عليه ويعامله بهذه الوحشية التي رأيناها؟ إن هذا حرامٌ بالتأكيد".

أحبتي في الله .. يقول الله سبحانه وتعالى موضحاً لنا أن جميع مخلوقاته، ومنها هذه الحيوانات، أممٌ مثلنا نحن البشر: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾، ويقول موضحاً التشابه بين الإنسان والحيوان: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا﴾، والأنعام {الإبل والبقر والغنم والمعز} نوعٌ من تلك الحيوانات التي خلقها لنا المولى سبحانه وجعل لنا فيها منافع كثيرة؛ يقول عز من قائل: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾، ويقول تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾، ويقول عز وجل: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ*وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا﴾، ويقول تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾.
وقد وردت بالقرآن الكريم أسماء العديد من الحيوانات والطيور والحشرات التي هي أممٌ أمثالنا؛ فمن الحيوانات: البقرة، القرد، الذئب، الحمار، الناقة، النعجة، الغنم، الفيل، الحوت، الحية، الثعبان، الخنزير، الجياد، الخيل، الكلب، البغال، السبع، الضأن، الماعز، والإبل. ومن الطيور: الهدهد، والغراب. ومن الحشرات: العنكبوت، النحل، النمل، البعوضة، الذبابة، الجراد، القمل، الضفادع، والفراش. وردت كلها في مواضع مختلفة أمثلةً وآياتٍ لأولي النهى الذين يتفكرون في خلق الله سبحانه وتعالى.
ومن تلك الحيوانات والحشرات ما كُرِّم بأن سميت باسمه سورٌ من القرآن الكريم كالبقرة، الأنعام، النحل، العنكبوت، والفيل.
وقد أوجب علينا ديننا الحنيف أن نتعامل بالرحمة والرفق مع كل مخلوقات الله: الإنسان والحيوان والطيور والحشرات، وحتى الشجر والجماد؛ فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء]، ويقول: [من أُعطي الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة]، ويقول: [الراحمون يرحمهم الرحمن]".
والرحمة بالحيوان عنوانُ حضارتنا الإسلامية التي كان لها قدم السبق في هذا المجال؛ فلدينا نحن المسلمين تراثٌ زاخرٌ عظيم ينطق رحمةً ورفقًا بالحيوانات، فلا توجد أمةٌ من الأمم بلغت هذا المستوى  الذي بلغته أمة الإسلام من الحفاظ على (حقوق الحيوانات) والرحمة والرفق بها، خاصةً في ذلك الزمن البعيد؛ فقد حَرَّم الإسلام تعذيب الحيوان أو الإساءة إليه أو استخدامه في غير منفعة، وجعل ذلك موجباً لعذاب الله تعالى، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى قريةَ نملٍ قد أحرقها بعض الصحابة، قال مستنكراً: [من أحرق هذه؟]، قال الصحابة: "نحن"، قال: [إنه لا ينبغي أن يُعَذِب بالنار إلا ربُ النار]، ويوصينا عليه الصلاة والسلام بالحيوان خيراً حتى ونحن نستعد لذبحه؛ حين قال: [إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته]، ويبين لنا أن إضجاع الحيوان للذبح قبل أن يُعِد المرءُ شفرته قسوةٌ لا تجوز؛ فقد قام رجل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضجع شاته للذبح وشرع يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟]. إنها لمشاعر إنسانية تفيض نبلاً ورحمة، ما عرف التاريخ مثيلاً لها؛ انظر حينما دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام بستانًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبيَّ حَنَّ الجملُ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح دموعه ثم قال: [من صاحب هذا الجمل؟] فقال صاحبه: "أنا يا رسول الله"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي مَلَّكَك الله إياها، فإنه شكا إليَّ أنك تُجيعه وتدئبه {أي تُتعبه}]. ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببهيمةٍ قد لصق ظهرها ببطنها {أي ظهر عليها الهزال من قلة الأكل}، فهاله ما رأى، فانتفض غاضبًا وقال: [اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحةً وكلوها صالحةً]. وعن حق آخر من حقوق الحيوان؛ مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوفٌ على دوابَّ لهم ورواحِلَ، فقال لهم: [ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً، وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لِأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالأَسْوَاقِ، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا، وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ]؛ فالجلوس طويلاً على ظهر الحيوان وهو واقفٌ حرامٌ في دين الله تعالى، لأنه اعتداءٌ على بهيمةٍ تُحس لكنها لا تنطق. كما يَحْرم التلهي بالبهيمةِ والطيرِ في الصيدِ عبثًا، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من قتل عصفورًا عبثًا عج {اشتكى} إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني منفعة]. ومن (حقوق الحيوانات) الإحسان إليها؛ جاء في الحديث: [بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلبٍ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له]، قالوا يا رسول الله: "وإن لنا في البهائم أجراً؟"، قال: [في كلِ كبدٍ رطبةٍ أجر]. وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: [بينما كلبٌ يطيف بركية {بئر} كاد يقتله العطش إذ رأته بغيٌ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها {خفها} فسقته فغُفر لها به].
 وهذا هو الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: "لو أن بغلةً عثرت بشطِ العراق لخشيتُ أن يسألني اللهُ عنها لِمَ لَمْ تُصلح لها الطريقَ يا عُمر؟".
إن البشر في بعض أنحاء العالم، ممن تعرفوا على (حقوق الحيوانات) في الإسلام، يتمنون أن يحصلوا على مثل هذه الحقوق أو حتى بعضها! رغم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرمه وفضله على غيره من مخلوقاته؛ يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.
إن اهتمام ديننا الإسلامي الحنيف بالحيوان وصيانة حقوقه سبقٌ حضاريٌ رفيعٌ بدأ قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الحيوان(Universal Declaration of Animal Rights) بخمسة عشر قرنًا؛ حيث لم يبدأ الاهتمام العالمي بهذه الحقوق إلا بعد أن اُعتمد نص الإعلان العالمي لحقوق الحيوان من الجمعية الدولية لحقوق الحيوان في الاجتماع الدولي الذي عقد في لندن في الفترة من 21 إلى 23 أيلول/سبتمبر 1977، وأُعلن رسمياً عن هذا الإعلان في مقر اليونسكو بباريس في 15 أكتوبر 1978، وقُدم النص المنقح من قبل الجمعية الدولية لحقوق الحيوان في العام 1989م إلى المدير العام لليونسكو في العام 1990م، وتم الإعلان عنه في العام ذاته! ومع ذلك فإن (حقوق الحيوانات) في الإسلام تظل أفضل بكثير مما ورد في نصوص ذلك الإعلان العالمي الذي لا يعلم عن وجوده أصلاً إلا القليل!

أحبتي .. لنتواصى بالرحمة بالحيوانات، بكل أنواعها، والترفق بها، وتعهُّدها أثناء حياتها بالطعام والشراب والعلاج وعدم العبث بها أو ترويعها، أو تحميلها فوق طاقتها، فضلاً عن قَوْدها إلى الذبح قَوْدًا جميلاً، لا لأن هذا من الأخلاق والتحضر والمدنية فحسب وإنما لأن كل ذلك هو من (حقوق الحيوانات) التي أمرنا بها الإسلام، نُثاب إن حافظنا عليها، ونُعاقب إن نحن أهملناها.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.


https://goo.gl/to0Q1C