الجمعة، 24 يونيو 2022

الله غالبٌ على أمره

 

خاطرة الجمعة /349


الجمعة 24 يونيو 2022م

(الله غالبٌ على أمره)

كانت تريد تنصير إحدى المُسلمات فأسلمت؛ قصة إسلام "جميلة جولي". وُلدت جميلة في قريةٍ شمال نورثامبتون بإنجلترا، لأبٍ مُلحدٍ وأُمٍ مُلحدةٍ، تحكي قصتها فتقول: بسبب مرض أخي أرسلني والدي للعيش مع جدتي النصرانية؛ لذا ترعرعتُ نصرانيةً. عشتُ حياةً مُرفهةً وهادئةً بدون مشاكلٍ، درستُ الطب وتخرجتُ أخصائيةً في مُعالجة الأقدام. وكنتُ ناشطةً جداً في الكنيسة أحضر كل الصلوات وكل الدروس. وذات مرةٍ أرسلتني الكنيسة للعمل التطوعي في مُنظمةٍ اسمها «مُساعدة النساء»، وفي هذه المُنظمة تعرفتُ على امرأةٍ اسمها "حميدة"، تعمل بهذه المُنظمة، كانت علاقتنا جيدةً، وكنتُ دائماً أتحدث عن الدين مع فتاتين واحدةٍ كاثوليكية والأُخرى بروتستانتية، وكانت حميدة تجلس معنا دائماً ولكن لا تتحدث في هذه الأمور. وذات يومٍ سألتُ حميدة عن ديانتها؛ لأنها كانت امرأةً رائعةً وكانت أكثرنا صبراً وتحملاً وهدوءً ولا شيء يُغضبها، فقالت حميدة: "أنا مُسلمة"؛ فأصابني الهلع والذُهول، وقلتُ: "كيف لامرأةٍ مُتعلمةٍ مثلك أن تتبع ديناً بربرياً مثل الإسلام؟!".

وكل يومٍ أتحدث معها لإقناعها بالنصرانية، وبعد مُحاولاتٍ كثيرةٍ فاشلةٍ، قالت لي حميدة: "إذا وجدتِ أي خطأٍ في الإسلام -وليس في المسلمين- سأعتنق النصرانية"، قلتُ لها: "قبلتُ التحدي"، وسألتها: "كيف أعرف عن الإسلام؟"؛ فأعطتني كتاباً عن المساواة بين الجنسين في الإسلام؛ فلما قرأته وجدتُ أنه رائعٌ ويختلف عما أعرفه؛ فاعتقدتُ أنها أعطتني كتاباً مُنحازاً لتُضللني، فلم أكتفِ بهذا الكتاب، وذهبتُ إلى محلٍ في مدينة "لوتن" اسمه "زمزم"، وكان صاحب المحل بلحيةٍ طويلةٍ، بدا لي مُخيفاً جداً، ولكنه كان رائعاً في تعامله وأخلاقه فقلتُ له: "أبحث عن كُتبٍ تُعلِّم الإسلام"، فعرض عليّ بعض الكتب اشتريتُ منها ثلاثة، وقلتُ في نفسي: "سأجد خطأً في هذه الكُتب لأجعل حميدة نصرانيةً"، ثم ذهبتُ أنا وأولادي لتناول طعامنا في مطعم، وأثناء الأكل فتحتُ كيس الكُتب فوجدتُ سبعة كُتبٍ وليس ثلاثةً؛ فطلبتُ من ابني الأكبر إرجاع أربعة كُتب، لكن صاحب المحل قال لابني: "هذه الكُتب هديةٌ لكم"؛ فتفاجأتُ كثيراً لأن هذا لا يحدث عادةً في محلٍ إنجليزي. بدأتُ في قراءة الكُتب، وبعد الانتهاء منها لم أجد خطأً أو تناقضاً؛ فقلتُ في نفسي: "لا بد من التعمق أكثر حتى أجد أخطاء". درستُ الإسلام سنةً كاملةً، وكلما ألتقي حميدة أقول لها: "سوف أجد خطأً في الإسلام". وذات مرةٍ قالت لي حميدة مازحةً: "لم تجدي شيئاً مُتناقضاً في الإسلام، لكنك لا تريدين الاعتراف بذلك"، فأجبتها: "هل يُمكنك أن تجدي شيئاً مُتناقضاً في النصرانية؟"، فأعطتني كتاباً عن الإنجيل لأحمد ديدات وقالت: "اقرأي هذا"؛ قرأتُ الكتاب ولم أدرك يوماً حجم الأخطاء والتناقضات الموجودة في النصرانية، فعلمتُ أن الإنجيل الذي بين أيدينا ليس كلام الله، أما القرآن فلم يتغير منذ نزوله، وأن الإسلام هو دين الحق فأسلمتُ. وكل يومٍ أتعمق في تعلم الإسلام، وأندم على ما ضاع من عُمري ولم أكن مُسلمةً، والحمد لله علي نعمة الإسلام.

 

أحبتي في الله.. كثيرةٌ هي قصص دخول غير المسلمين في الإسلام، والتي تُثبت لنا أن (الله غالبٌ على أمره)، ومصداقاً لوعده سبحانه؛ يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وتصديقاً لما بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: [لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأمرُ مَا بَلَغَ الليلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَر وَلَا وَبَر إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ، بعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ].

وقصتنا التالية انتهت بإسلام نصرانيٍ ثم إسلام يهوديٍ على يديه؛ إذ كان للرئيس الأمريكي الراحل "ريتشارد نيكسون" مُستشارٌ اسمه "روبرت كرين" حصل على دكتوراه في القانون العام، ثم دكتوراه في القانون الدولي، ثم أصبح رئيساً لجمعية هارفارد للقانون الدولي، ومُستشاراً للرئيس الأمريكي للشؤون الخارجية، ويتقن ست لغات. في أحد الأيام أراد الرئيس أن يقرأ عن "الأصولية الإسلامية" فطلب من المُخابرات الأمريكية أن تُعدّ له بحثاً في ذلك الموضوع، وقد كان بحثهم طويلاً بعض الشيء؛ فطلب من مُستشاره "روبرت كرين" أن يقرأ البحث، ويختصره له، وبالفعل قرأ روبرت البحث، ثم ذهب يحضر ندواتٍ ومُحاضراتٍ إسلاميةٍ؛ ليتعرّف أكثر على الموضوع، وما هي إلّا أيامٌ حتى دوى خبر إسلام "روبرت كرين" في أرجاء الولايات المُتحدة الأمريكية بالكامل؛ فقد أسلم وسمّى نفسه "فاروق عبد الحق". يقول أخونا فاروق عن سبب إسلامه: "بصفتي دارساً للقانون، فقد وجدتُ في الإسلام كلّ القوانين التي درستها، بل وأثناء دراستي في جامعة هارفارد لمدة ثلاث سنواتٍ لم أجد في قوانينهم كلمة العدالة ولو مرّةً واحدة! هذه الكلمة وجدتها في الإسلام كثيراً". سمّى نفسه "فاروق" تأسياً بالفاروق "عمر". يقول فاروق: كُنّا في حوارٍ قانونيٍ، وكان معنا أحد أساتذة القانون من اليهود، فبدأ يتكلّم، ثم بدأ يخوض في الإسلام والمسلمين، فأردتُ أن أُسكته فسألته: "هل تعلم حجم قانون المواريث في الدستور الأمريكي؟"، قال: "نعم، أكثر من ثمانية مجلدات"، فقلتُ له: "إذا جئتك بقانون المواريث في الإسلام فيما لا يزيد عن عشرة سُطورٍ، فهل تُصدّق أن الإسلام دينٌ صحيح؟"، قال: "لا يُمكن أن يكون هذا!"، فأتيتُ له بآيات المواريث من القرآن الكريم، وقدّمتها له؛ فجاءني بعد عدّة أيامٍ يقول لي: "لا يُمكن لعقلٍ بشريٍ أن يُحصي كلّ علاقات القُربى بهذا الشمول الذي لا ينسى أحداً، ثم يوزّع عليهم الميراث بهذا العدل الذي لا يظلم أحداً!"، ثم أسلم هذا الرجل أيضاً، سبحان الله، فعّال لما يشاء؛ إن (الله غالبٌ على أمره) ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

يُرجع العلماء انجذاب الأفراد والشعوب إلى اعتناق الإسلام إلى الأمان والصفاء الروحي الذي يشعرون به منذ اللحظة الأولى لدخولهم الإسلام، وتأثرهم بما لمسوه من الأخلاق الحميدة والأمانة التي يتصف بها عامة المسلمين في تعاملاتهم في حياتهم الاجتماعية والعملية، إضافةً إلى القيم الاجتماعية السامية التي يتميز بها المُجتمع المُسلم والتي تدعو إلى التسامح والتعايش على أساسٍ من التآخي ومشاعر المحبة؛ فقد كان التاجر يذهب إلى إندونيسيا وهو تاجرٌ لا يحفظ إلا فاتحة الكتاب وسورة الإخلاص والمعوذتين، ينظرون إلى وجهه فإذا عليه النور، ويرون مُعاملته فإذا هي الصدق والوفاء، ويختبرون أخلاقه فإذا هو قرآنٌ يمشي فوق الأرض، فيدخلون في دين الله أفواجاً؛ سبحان الله، إن (الله غالبٌ على أمره) وهو على كل شيءٍ قدير.

 

ومما قرأتُ -تعقيباً على فرحتنا باعتناق البعض من غير المسلمين للإسلام- مقالاً قالت فيه كاتبته: ننظر أحياناً لكثيرٍ من النعم التي رزقنا الله إياها على كونها أموراً مُسلَّماً بها، وعلى رأسها إسلامنا، ما يلبث أن يتذكر بعضنا هذه النعمة ويشكرها حين يسمع قصة أحد المسلمين الجُدد، ويحمد الله عليها؛ فالواقع أننا: ﴿مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾. بيد أنه من المُثير للأسى، أن نجد مُسلمين يشنون الهجوم على ذات الأمور التي أدت إلى إسلام غيرهم من غير المسلمين حول العالم! ومن ذلك:

"البحث عن النفس": من أكثر الأسباب شيوعاً لاعتناق غير المسلمين للإسلام رغبة مُعظمهم في معرفة الهدف وراء الحياة، فأسلوب حياتهم المادي في الغرب، والغرق في ملذات الدُنيا، يبعث في نفوسهم شعوراً بالتعاسة والحيرة، والرغبة في عيش حياةٍ لها معنىً وهدفٌ ورسالة. ومع بحثٍ دؤوبٍ ومُستمرٍ، يجد معظمهم هذا في الإسلام. وفي المقابل، نجد كثيراً من المسلمين، بلا هويةٍ ولا هدفٍ، وحين يلجأ بعضهم للبحث، نراهم يلجأون لفلسفات ومراجع الغرب في النفس والحياة، والتي دحضها الإسلام بدليلٍ مُقنعٍ وجاء بخيرٍ منها!

"الطُمأنينة إلى القُرآن قراءةً واستماعاً": وهذا سببٌ لدخول البعض في الإسلام؛ فبعضهم يقرأ القُرآن خصيصاً ليُهاجم به المسلمين، ولكن سرعان ما ينقلب السحر على الساحر، وتكون النتيجة أن يعتنق هذا الشخص الإسلام. والبعض يتأثر بالاستماع إلى القُرآن، ويجد فيه راحةً نفسيةً وسكينة لا يجدها في غيره، وهو لا يفهم معانيه. والمؤسف أن نجد في المقابل من المُسلمين من يحرصون على سماع الأغاني من باب إراحة النفس والبال وتجديد النشاط والفكر!

"الصلاة": تجد فتاةً أسلمت حين رأت مُسلمةً تُصلي، مُبررةً ذلك بأنها رغبت هي الأُخرى في الصلاة لتتمكن من الحديث مع الله جلَّ وعلا بصورةٍ مُباشرةٍ. كما تلقى أحد المُسلمين الجُدد وقد علَّق على صلاة الجماعة بكونها "أمراً خارقاً"؛ فما إنْ يُكبِّر الإمام للصلاة حتى يُصبح جميع المُصلين مُصطفين جنباً إلى جنبٍ في ثوانٍ معدودةٍ بصورةٍ تلقائيةٍ شديدة التنظيم؛ فيتيقن أنّ هذا الدين الذي يجمع الناس من الطبقات الاجتماعية كافةً، ومن مُختلف الأجناس والأعراق والألوان، لا ريب هو دينٌ مميزٌ ورائعٌ؛ فيُبادر إلى إعلان إسلامه. والسؤال المؤلم الذي يطرح نفسه هو: تُرى كم مِن المُسلمين الآن مَن يحرصون على الصلاة بصفةٍ عامة وعلى صلاة الجماعة بالمسجد على وجه الخصوص؟!

أرى أنه من الواجب علينا كمُسلمين، حين نسمع إحدى قصص المُسلمين الجُدد، أن نُضيف إلى شُعورنا بالغبطة ورغبتنا في الشُكر والحمد على نعمة الإسلام، مرحلة التطبيق العملي، سواءً من خلال الأمر بالمعروف قولاً، أو تطبيق الفرائض فعلاً؛ حتى لا ينتهي الأمر بمعظمنا ليكونوا مُجرد مُسلمين بالاسم فحسب!

 

أحبتي.. على كلٍ منا أن يكون مثالاً إيجابياً للمُسلم صحيح الإسلام صحيح الإيمان بأن نلتزم في مظهرنا ومخبرنا، في أقوالنا وأفعالنا، في علاقاتنا ومُعاملاتنا، بمبادئ الإسلام الحنيف؛ فنكون سفراء لديننا -خاصةً في بلاد المهجر- فواجبٌ علينا أن نُغيِّر النظرة الغربية المُشوهة للإسلام، والصورة النمطية السلبية عنه التي يتعمد الإعلام المُعادي للإسلام تضخيمها. ليس المطلوب أن يعرف الناس كم نقرأ وكم نحفظ من القرآن، لكن المطلوب أن يظهر لهم أثر القرآن على سلوكنا وأخلاقنا ومُعاملاتنا، وقتها يُمكنا أن نقوم بواجب الدعوة إلى دين الله؛ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [...فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ]، وعلينا -عند الدعوة إلى الإسلام وعند الحديث عنه- أن نلتزم بالحكمة والقول الحسن؛ يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. وكما نتذكر دائماً أن (الله غالبٌ على أمره)، فلنتذكر أيضاً أن كلاً منا على ثغرٍ، فليحذر من أن يؤتى الإسلام منه.

وفقنا الله لما يُحب ويرضى، ويُعيننا على أن نكون خير سفراء لديننا القويم، وخير دعاةٍ له.

 

https://bit.ly/3yjPIC4