الجمعة، 28 أبريل 2023

إسلام عالِم

 خاطرة الجمعة /393

الجمعة 28 إبريل 2023م

(إسلام عالِم)

كثيرٌ من الناس يدخلون في الإسلام يومياً، وتختلف أسباب اعتناق كلٍ منهم الإسلام، لكن بعضهم له قصةٌ عجيبةٌ تقف وراء إسلامه؛ منهم العالِم الفرنسي «موريس بوكاي».

تبدأ القصة في عام 1881م حين أعلن مُدير الآثار المصرية الفرنسي آنذاك «جاستون ماسبيرو» عن العثور على مجموعةٍ من المومياوات، كان من بينها مومياء عجيبةٌ لم تتغير كثيراً على الرغم من بقائها لأكثر من 3500 عاماً، وكانت هذه الجُثة للملك «رمسيس الثاني»، هذا الملك هو نفسه فرعون «موسى»!

بعد ذلك بمائة عامٍ، وفي عام 1981م تسلم الرئيس الفرنسي الراحل «فرانسوا ميتران» زمام الحُكم في «فرنسا» ليطلب من الحكومة المصرية في نهاية الثمانينات استضافة مومياء «فرعون» لإجراء اختباراتٍ وفحوصاتٍ أثريةٍ عليها؛ وفعلًا تم نقل جُثمان أشهر طاغوتٍ عرفته الأرض «فرعون» إلى «باريس»، وهناك عند سلم الطائرة اصطف الرئيس الفرنسي مُنحنياً هو ووزراؤه وكبار المسؤولين الفرنسيين ليستقبلوا «فرعون» استقبالاً ملكياً وكأنه مازال حياً!

عندما انتهت مراسم الاستقبال حُملت مومياء الطاغوت بموكبٍ لا يقل حفاوةً عن استقباله، وتم نقله إلى جناحٍ خاصٍ في مركز الآثار الفرنسي، ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في «فرنسا» وأطباء الجراحة والتشريح دراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها، وكان رئيس الجراحين والمسؤول الأول عن دراسة هذه المومياء هو البُروفيسور «موريس بوكاي». وبينما كان المُعالجون مُهتمين بترميم المومياء، كان اهتمام «موريس» مُنصباً على مُحاولة اكتشاف كيفية موت هذا الفرعون؛ فجُثة «رمسيس الثاني» لم تكن كباقي جُثث الفراعين التي تم تحنيطها من قبل، فوضعية الموت عنده غريبةٌ جداً، إذ فوجئ المُكتشفون عندما قاموا بفك أربطة التحنيط بيده اليُسرى تقفز فجأة للأمام! أي أن من قاموا بتحنيطه أجبروا يديه على الانضمام لصدره كباقي الفراعين الذين ماتوا من قبل! فأخذ البُروفسور «بوكاي» يُحلل الجُثة لعله يجد حلاً لذلك اللغز، وفي ساعةٍ متأخرةٍ من الليل ظهرت النتائج النهائية للبروفيسور «موريس»؛ لقد كانت هناك بقايا للملح عالقةً في جسد الفرعون، وتبين أيضاً مع صورةٍ بأشعة إكس أن عظام «فرعون» قد انكسرت من دون أن يتمزق الجلد المُحيط بها! فاستنتج البُروفسور الفرنسي من ذلك أن الفرعون قد مات غرقاً، وأن سبب انكسار عظامه دون تمزق اللحم كان بسبب الضغط الرهيب الذي سببته المياه في أعماق البحر الساحقة، ولكن الغريب أن جُثة «فرعون» رغم سُقوطها في قاع البحر العميق يبدو عليها أنها طفت بشكلٍ غريبٍ على سطح البحر بسُرعةٍ ليتم تحنيطها فوراً قبل تحلل الجُثة! واستطاع «بوكاي» أيضاً تفسير الوضعية الغريبة ليد «رمسيس» اليُسرى، فلقد أوضح «بوكاي» أن «فرعون» كان يُمسك لجام فرسه أو السيف بيده اليُمنى، ودرعه باليد اليُسرى، وأنه في وقت الغرق رأى شيئاً غريباً أدى لتجنش أعصابه بشكلٍ فظيعٍ ساعة الموت، ونتيجةً لشدة المفاجأة وبلوغ حالته العصبية ذروتها ودفعه الماء بدرعه فقد تشنجت يده اليُسرى وتيبست على هذا الوضع، فاستحالت عودتها بعد ذلك لمكانها! وهذه الحالة تُشبه تماماً حالة تيبس يد الضحية وإمساكها بشيءٍ من القاتل كملابسه مثلاً، ولكن سؤالاً أخيراً بقي يُحير البروفسور «موريس بوكاي»، وهو كيف بقيت هذه الجُثة أكثر سلامةً من غيرها رغم أنها استُخرجت من البحر الذي من المفروض أن يعمل أكثر على سرعة تحلل الجُثة؟!! فأعد البُروفيسور الفرنسي «موريس بوكاي» تقريراً نهائياً لكي يُعلن للعالم عن اكتشافه الجديد، أو ما كان يعتقد أنه اكتشافٌ جديدٌ، فقرر أن يعقد مؤتمراً صحفياً لكي يُعلن ذلك، قبل أن يهمس أحد مُعاونيه في أُذنه: "لا تتعجل يا سيد «بوكاي» فإن المُسلمين يعرفون هذا الشيء بالفعل!"؛ فتعجب البُروفيسور من هذا الكلام، واستنكر بشدةٍ هذا الخبر واستغربه، فمثل هذا الاكتشاف لا يُمكن معرفته إلا من خلال أجهزةٍ حاسوبيةٍ حديثةٍ بالغة الدقة، ثم -وهو الأهم- أن مومياء «رمسيس» تم اكتشافها أصلاً عام 1898م، فازداد البُروفيسور ذهولاً وأخذ يتساءل: "كيف يستقيم في العقل هذا الكلام، والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئاً عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جُثث الفراعنة أصلاً إلا قبل عقودٍ قليلةٍ؟!". فجلس «موريس بوكاي» ليلته بالمُختبر مُحدِّقاً بجثمان «فرعون»، وهو يسترجع في ذهنه ما قاله له زميله أن قرآن المُسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق! في الوقت الذي لا يوجد أي ذكرٍ في الكتاب المقدس عندهم لمصير الجثة بعد غرقها، وانهالت التساؤلات على ذهن «موريس»، ثم قرر أن يطلب نُسخةً من الكتاب المُقدس، فأخذ يقرأ: "فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش «فرعون» الذي دخل وراءهم في البحر، ولم يبقَ منهم أحدٌ!". وبقي «موريس بوكاي» حائراً، فحتى الكتاب المُقدس، الذي يزعم علماء النصارى أن مُحمداً قد سرق منه قصص الأنبياء السابقين، لم يتحدث من قريبٍ أو بعيدٍ عن نجاة هذه الجُثة وبقائها سليمةً! فمن أين أتى هذا البدوي بهذه الحقيقة العلمية وهو في أعماق الصحراء؟!

بعد أن تمت مُعالجة جُثمان «فرعون» وترميمه أعادت «فرنسا» لمصر المومياء، ولكن «موريس» لم يهدأ له بالٌ منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المُسلمون عن سلامة هذه الجُثة، فحزم أمتعته وقرر السفر إلى «السُعودية» لحضور مؤتمرٍ طبيٍ فيه جمعٌ من علماء التشريح المُسلمين، وهناك كان أول حديثٍ معهم عما اكتشفه من نجاة جُثة «فرعون» بعد الغرق؛ فقام أحدهم وفتح المصحف وأخذ يقرأ قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾، يقول «بوكاي»: "لقد كان وقع هذه الآية عليّ شديداً؛ فوقفتُ أمام الحضور وصرختُ بأعلى صوتي: "لقد آمنتُ برب هذا الكتاب، لقد آمنتُ بالرسول الذي جاء به! لقد دخلتُ الإسلام وآمنتُ بهذا القرآن". كانت هذه بداية قصة (إسلام عالِم)، لكن القصة لم تنتهِ بعد!

رجع «موريس بوكاي» إلى «فرنسا» بغير الوجه الذي ذهب به، وهناك مكث عشر سنواتٍ ليس لديه شغلٌ يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمُكتشفة حديثاً مع القرآن الكريم، فكانت ثمرة هذه السنوات أن خرج بتأليف كتابٍ من أعظم كُتب القرن العشرين، وقع هذا الكتاب كالزلزال في أوساط الكنيسة في «روما»، فلقد كان عنوان الكتاب «القرآن والتوراة والإنجيل والعِلم.. دراسة الكُتب المُقدسة في ضوء المعارف الحديثة»، ومن أول طبعةٍ له نفد من جميع المكتبات في «أوروبا»! ثم أُعيدت طباعته بمئات الآلاف من النسخ بعد أن تُرجم من لغته الأصلية الفرنسية إلى سبع عشرة لغةً منها العربية والإنكليزية والإندونيسية والتركية والألمانية، لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب، وليدخل من خلاله آلاف الناس في الإسلام. ومما كتبه في هذا الكتاب: "لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القُرآن دهشتي العميقة في البداية، فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عددٍ كبيرٍ إلى هذا الحد من الدقة بموضوعاتٍ شديدة التنوع، ومُطابقتها تماماً للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصٍ قد كُتب منذ أكثر من أربعة عشر قرناً". "لقد قمتُ أولاً بدراسة القُرآن الكريم، وذلك دون أي فكرٍ مُسبقٍ وبموضوعيةٍ تامةٍ، باحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومُعطيات العلم الحديث، وكنتُ أعرف أن القُرآن يذكر أنواعاً كثيرةً من الظواهر الطبيعية، ولكن معرفتي كانت وجيزةً، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعتُ أن أُحقق قائمةً، أدركتُ بعد الانتهاء منها أن القُرآن لا يحتوي على أية مقولةٍ قابلةٍ للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث". ويقول «موريس بوكاي»: "لو كان قائل القُرآن إنساناً، فكيف يستطيع في القرن السابع أن يكتب حقائق لا تنتمي إلى عصره؟". ويقول: "كيف يُمكن لإنسانٍ أنْ يُصرِّح بحقائق ذات طابعٍ علميٍ لم يكن في مقدور أيِّ إنسانٍ في ذلك العصر أنْ يُكِّونَهَا، وذلك دون أنْ يكشف تصريحه عن أقلِّ خطأٍ من هذه الوجهة؟". ويقول: "القُرآن فوق المستوى العلمي للعرب، وفوق المستوى العلمي للعالَم، وفوق المستوى العلمي للعُلماء في العصور اللاحقة، وفوق مستوانا العلمي المُتقدم في عصر العلم والمعرفة، ولا يمكن أن يصدر هذا عن أميٍ؛ وهذا يدل على ثبوت نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنه نبيٌ يُوحى إليه".

 

أحبتي في الله.. انتهت قصة (إسلام عالِم) بوفاة «موريس بوكاي» في «باريس» بتاريخ 18 فبراير 1998م، لكن قصص إسلام العُلماء ما تزال مستمرةً يوماً بعد يوم، رغم تشكيك البعض في إسلامهم؛ وسُبحان القائل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.

وما يزال الناس -عُلماء وغير عُلماء-يدخلون في دين الله أفواجاً مصداقاً لحديث النبي؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: [لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأمرُ مَا بَلَغَ الليلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَر وَلَا وَبَر إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ، بعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ].

 

أحبتي.. أعتذر لكم عن الإطالة، لكن يكفينا من عرض هذه القصة أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قادرٌ على كل شيءٍ، بما في ذلك أن يجعل من قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ ومات كافراً، يجعله سبباً في (إسلام عالِم) بعد أكثر من 3500 عاماً، ليكون هذا العالِم سبباً لاعتناق الآلاف للإسلام، تحولوا بعدها ليكونوا دعاةً للإسلام بأخلاقهم وسلوكهم ومعاملاتهم المُعبرة بصدقٍ عن الإسلام وشريعته أفضل تعبير. فسبحان الله العظيم، مُقلب القلوب ومُسبب الأسباب، والهادي إلى كل خيرٍ.

يقول تعالى: ﴿یُرِیدُونَ أَن یُطۡفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَیَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّاۤ أَن یُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ . هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾.

اللهم اهدنا، واهدِ بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.

https://bit.ly/3LiIHac