الجمعة، 27 أبريل 2018

الطريق إلى السلام العائلي


الجمعة 27 إبريل 2018م

خاطرة الجمعة /١٣٢
(الطريق إلى السلام العائلي)

بمناسبة زفاف إحدى بنات العائلة العزيزات، وقرب موعد زفاف أحد شباب العائلة الأعزاء، فكرت في هديةٍ غير تقليديةٍ يمكن أن أقدمها لكلٍ منهما.
هذه هي هديتي؛ كلماتٌ موجزةٌ طيبةٌ ومفيدةٌ، خلاصة حكمةٍ وخبرةٍ بالحياة، وجدتها في ثلاث وصايا؛ الأولى قَدَّمَتْها، منذ زمنٍ بعيدٍ لابنتها ليلة زفافها، امرأةٌ عربيةٌ واعيةٌ حكيمةٌ، هي في واقع الأمر خبرة حياةٍ مصاغةً في أجمل قالبٍ، حتى أن أجيالاً من العرب توارثتها جيلاً بعد جيلٍ. والوصية الثانية كتبتها لابنها ليلة زفافه أمٌ معاصرةٌ أستاذةٌ جامعيةٌ خبيرةٌ ومتخصصةٌ في اللغة العربية. أما الوصية الثالثة فصاغتها شعراً أمٌ مصريةٌ أنعم الله عليها بموهبةٍ في الشعر فَقَدَّمَت به وصيتها لكلٍ من ابنتها وابنها قبيل زفافهما.

أحبتي في الله .. أبدأ بعرض وصية بنت الحارث لابنتها أم إياس بنت عوف بن ملحم الشيباني ليلة زفافها إلى عمرو بن حجر ملك كِندة، أوصتها وصيةً تُبين لها فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة، وما يجب عليها لزوجها. نَقَلْتُ لكم الوصية عن كتاب (الطريق إلى السلام العائلي) لوالدي إبراهيم عبد الله الوليلي، رحمه الله وغفر له. قالت الأم في وصيتها:
أي بُنية: إن الوصية لو تُرِكَتْ لفضل أدبٍ لتَرَكْتُ ذلك لك، ولكنها تذكرةٌ للغافل، ومعونةٌ للعاقل، ولو أن امرأةً استغنت عن الزوج لغنىٰ أبويها، وشدة حاجتهما إليها لكنتِ أغنىٰ الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلقن، ولهن خُلق الرجال.
أي بُنية: إنك فارقتِ الجو الذي منه خرجتِ، وخلَّفتِ العُش الذي فيه درجتِ، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمَةً يكن لك عبداً وشيكاً، واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً:
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحُسن السمع والطاعة.
أما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على القبيح، ولا يشم منك إلا أطيب الريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن غرائز الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
أما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء {الرعاية} على حَشَمه {خدمه} وعياله، ومِلاك الأمر في المال: حُسن التقدير، وفي العيال: حُسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنكِ إن خالفتِ أمره أوغرتِ صدره، وإن أفشيتِ سره لم تأمني غدره.
ثم بعد ذلك اتقِ الفرح عنده إن كان تَرِحاً {حزيناً}، والحزن بين يديه إن كان فَرِحاً؛ فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير. وأشد ما تكونين له إعظاماً، أشد ما يكون لك إكراماً، وأشد ما تكونين له موافقةً، يكن أطول ما تكونين له مرافقةً. ولن تَصِلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاكِ، وهواه على هواكِ، فيما أحببتِ أو كرهتِ .. والله يصنع لك الخير، واستودعتك الله.

ووصية الأم لابنها ليلة زفافه تبين له (الطريق إلى السلام العائلي) كَتَبَتْها أميرة بنت علي الصاعدي الحربي، أنقلها إليكم بتصرفٍ اختصاراً وتعديلاً، قالت الأم:
أولاً: هنيئاً لك الزواج فهو سكنٌ وراحة بالٍ:
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
ثانياً: بالمودة والرحمة تدوم الحياة:
قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾، فالله هو الذي جعل بينكما المودة والرحمة، والمودة تنمو بالكلمة الطيبة والخُلُق الحسن والثناء الجميل، وإدخال السرور على الزوجة.
ثالثاً: كُنْ راعياً أميناً ومسؤولاً بحقٍ:
قال صلى الله عليه وسلم: [كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ...].
رابعاً: الأم حقٌ أعظم وخطٌ أحمر:
فعَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيّ النَّاس أَعْظَم حَقًّا عَلَى الْمَرْأَة؟" قَالَ: [زَوْجهَا]، قُلْت: "فَأَيّ النَّاس أَعْظَم حَقًّا عَلَى الرَّجُل؟" قَالَ: [أُمّه].
خامساً: أحسن عِشرة زوجتك:
قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: [أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ]. وتذكر يا بُني وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: [لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ].
سادساً: كُنْ حكيماً في القوامة، رفيقاً في الولاية:
قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ...﴾.
وقوامة الرجل على زوجته تكون بقيامه بحُسن التدبير لها وحفظها والنفقة عليها، وهذا يوجب عليه التعقّل والرَويّة والأَناة وعدم التسرع في القرار، وهي ليست تعسفاً واستبداداً، بل قيادةٌ ومسؤوليةٌ.
سابعاً: قَوِّم الخطأ، وعالج الأمور برويةٍ:
قال صلى الله عليه وسلم: [مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ]، وقال: [يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ].
ثامناً: احرص على الطاعة تسعد، واترك المعصية تُحمد:
أقم أمر الله في نفسك وأهلك، والتزم بطاعة الله والوقوف عند أوامره ونواهيه، واتقِ الله؛ يحفظ الله أهلك وولدك، فالمعصية شؤمٌ يرى المرء أثرها في زوجه وولده. واستكثر من الحسنات، وكن لأهلك قدوةً في المحافظة على مرضاة الله، واغتنام فضائل الأعمال، وتتبع السنن النبوية، والتزام الأخلاق الحميدة، واختيار أطيب الأقوال، وجميل الفعال.
تاسعاً: عليك بأمر أهلك بالمعروف ونهيهم عن المنكر:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. وقال مادحاً إسماعيل عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾.
عاشراً: التزم يا ولدي بالمحافظة على الصلاة، والصوم، والزكاة، وحفظ وتلاوة القرآن، والدعاء، والذِكر.

أما الوصية الثالثة؛ فهي التي عَبَّرَت بها الشاعرة لورا الأسيوطي في قصيدة "أخلاقيات الزواج" عن بعض هذه المعاني شعراً؛ ومما قالت لابنتها "أحلام":
كوني لزوجِك مثلما هو يَشتهي
ولْيبقَ بينكُما رضاً ووئامُ
أنتِ الرعيةُ كلُّها في مُلكِهِ
والطاعةُ العمياءُ منكِ لزامُ
وله القيادةُ كلُّها وبكفِّه
لكِ يا رعيَّةُ في الحياةِ زمامُ
كوني له زوجاً تُريه حَنانَها
إنَّ الحنانَ بغيرِها أوهامُ
ومما قالته الشاعرة لابنها "أشرف" في ذات القصيدة:
كنْ زوجَها وصديقَها وشقيقَها
وأباً حنوناً كله إكرامُ
كنْ راعياً للبيتِ يُصلحُ أمرَه
باللِّينِ لا عنَتٌ ولا إرغامُ
كنْ حامياً ومربِّياً ومواسياً
وبه يتمُّ لما تريدُ تَمامُ
ونضيف إلى ذلك تفصيل الوصية العاشرة من وصية الأم لابنها ليلة زفافه، وبتصرفٍ لتكون الوصية موجهةً لكلا الطرفين؛ الزوج والزوجة على سواءٍ:
التزما بأداء الصلاة على وقتها، ففيها نجاتكما، وحافظا على صلاة الفجر؛ جاء في الحديث: [مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ...] ومن كان في ذمة الله كفاه الله همه ويَسَّر له جميع أمره. واستكثرا من السنن والنوافل خاصةً قيام الليل ما استطعتما.
صوما شهركما، واجبُرا ما يشوب صومكما من تقصيرٍ بصيام التطوع كلما كان ذلك ممكناً.
أخرجا زكاة مالكما في وقتها، واجعلا جزءاً من دخلكما للصدقات وأعمال الخير والبر.
ادخرا ما يكفي لأن تؤديا فريضة الحج، ما استطعتما إلى ذلك سبيلاً، وأديا العمرة إن تيسرت لكما.
قرآنكما ربيع قلبكما، وسعادة روحكما، فاحفظا منه ما تيسر، ولا يخلو يومكما من وردٍ تتلواه؛ حتى لا تكونا من هاجري القرآن الكريم.
دعاؤكما هو التجارة الرابحة والغنيمة الباردة، والحبل الممدود إلى السماء لا ينقطع؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
ذِكْرُكما هو حصنكما، لا تنسَيا أذكار الصباح والمساء، وغيرها من أذكارٍ، فهي درعٌ واقيةٌ وحصنٌ حصينٌ؛ من فوائدها انشراح الصدر وطمأنينة القلب بمعية الله تعالى، وذكره للعبد في الملأ الأعلى، قال صلى الله عليه وسلم: [مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ].
بالتزامكما هذه الوصية، وتنشئة أبنائكما عليها تكونوا بإذن الله من أسعد الناس، وتعيشوا حياةً هنيئةً طيبةً؛ يقول عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

أحبتي في الله .. الأسرة أساس المجتمع واللبنة الأولى في بنيانه، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا سعدت سعد كل المجتمع. وإن كان الزواج شركةً بين الزوج وزوجته، فإن قائدها والمسؤول الأول عنها هو الزوج، فليكن له في الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة؛ قال عليه الصلاة والسلام: [خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي].

أحبتي .. المتأمل في هذه الوصايا الثلاث يجد أنها نبراسٌ يضيء (الطريق إلى السلام العائلي)، وهي تصلح لجميع النساء والرجال؛ سواءً منهم المقبلين على الزواج أو المتزوجين بالفعل؛ فكل عبارةٍ وردت فيها تحمل الكثير من الحكمة وبُعد النظر والفطنة والكياسة يمكن أن نستفيد كلنا منها.
بادروا أحبتي إلى إهدائها لمن تحبون من المقبلين على الزواج، ومن المتزوجين حديثاً، وأرسلوها إلى كل زوجٍ وزوجةٍ حتى لو مرت على زواجهما سنواتٌ طوال. وليقرأها كلٌ منا لنفسه بتدبرٍ عسى أن يتدارك بعضنا ما قد يكون فاته من خيرٍ!

اللهم أصلحنا، وأصلح لنا أزواجنا، واجعلنا وأبناءنا وأحباءنا من الصالحين والسعداء.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.

هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.

http://goo.gl/7sC1PR