الجمعة، 10 فبراير 2023

تقوى الله

 

خاطرة الجمعة /382


الجمعة 10 فبراير 2023م

(تقوى الله)

كتب يقول: ذهب الزملاء للسهر وبقيتُ في الفندق مع زميلي، قلتُ له: "ما رأيك في التجول في شوارع جنيف؟"، قال: "أنا رجلٌ كبيرٌ في السن ومريضٌ؛ أخشى من التعب"، قلتُ له: "عندما تُحس بالتعب نأخذ سيارة أجرة ونعود إلى الفندق". بعد تجوال ساعةٍ، والاستمتاع ببحيرة جنيف وليلها الناعش، أحسّ صاحبي بالتعب، أخذنا سيارة أجرةٍ لنعود إلى الفندق، وأعطينا السائق عنوانه. وفيما كنا نتحدث، التفت إلينا السائق، وكان وجهه يلمع من شدة سواده، وتكلم بكلمتين لم نفهمهما. "أقول لكما: السلام عليكم"، رددنا السلام، ثم سألناه عن حاله، فقال: "أنا مثلكم، مسلمٌ، من السنغال. هل تتكلمون الفرنسية أو الإنكليزية؟"، قلتُ: "نعم؛ نتكلم الفرنسية".

انطلق لسانه يتحدث بالفرنسية في طلاقةٍ. وكان مما قال: "جيء بي إلى هنا من بلدي في السنغال وأنا صبيٌ صغيرٌ، وكنتُ أعرف شيئاً من اللغة العربية، لأنني مسلمٌ ولا تجوز الصلاة إلا باللغة العربية، وإلا فكيف نقرأ الفاتحة؟ كيف نقرأ القرآن؟ سألته: "هل تحفظ شيئاً من القرآن؟"، أجاب: أحفظ بعض السور، مثل: سورة الكهف، وسورة يوسف، وسورة الدخان، وسورة ياسين، وسورة الرحمن، وسورة الواقعة، وجزء تبارك، وجزء عم، وسورة السجدة، وسورة الإنسان". قلتُ: "ما شاء الله ما شاء الله". قال: "وأحفظ أربعين حديثاً نبوياً". كان يتحدث وهو مُلتفتٌ نحونا، وكأنه أحس أننا قلقان من التفاته؛ أوقف السيارة ثم قال: "ما رأيكما في الذهاب معي إلى البيت؟"، سألته: "هل تعيش وحدك؟"، أجاب: "بل أنا متزوجٌ من امرأةٍ سويسريةٍ، بيضاء، ولي منها أربعة أبناءٍ: محمد، وأبو بكر، وعمر، وعلي"، سألته: "لماذا لم تُسمِّ عثمان؟"، رد بسرعةٍ: "لأن اسمي عثمان"، قلتُ: "وامرأتك مسلمة؟"، قال: "طبعاً مسلمةٌ؛ لم أتزوجها إلا بعد أن أسلمت، وهي تُصلي، وتحفظ بعض السور، وتُعلم أبناءنا الصلاة، والقرآن، واللغة العربية، وهي مُحجبةٌ، وتتقيد بتعاليم الإسلام". سألته: "والآن تعمل سائقاً؟!"، أجاب: "أعمل كل عملٍ يدرُّ عليَّ رزقاً حلالاً"، ثم برقت عيناه، ورقصت السعادة في مُحياه، وهو يقول: "مهنة السياقة جرَّت عليَّ كلَّ الخير الذي أنا فيه"، سألته: "كيف؟"، ردّ قائلاً: "ذات مرةٍ صعدت فتاةٌ وأمها معي في السيارة، أوصلتهما إلى بيتهما، كانت آخر توصيلة لي في تلك الليلة؛ فعدتُ إلى بيتي. عندما نزلتُ من السيارة، لمحتُ شيئاً يلمع في المقعد الخلفي، كانت محفظةً نسائيةً، فتحتها لأعرف صاحبتها، وإذا فيها أسورةٌ ذهبيةٌ، وعقدٌ من اللؤلؤ، وبعض النقود، ولم يكن فيها ما يدل على صاحبتها"، سألته: "فماذا فعلتَ؟"، قال: "عدتُ إلى المكان الذي نزلتا فيه، ونمتُ في سيارتي أمام باب العمارة، وفي الساعة السابعة والنصف صباحاً خرجتْ الأم وابنتها من باب العمارة، وهما ملهوفتان، فأسرعتُ إليهما، وأعطيتهما المحفظة، واعتذرتُ عن تأخري في إعادتها، لأنني لم أجد في المحفظة شيئاً يدل على صاحبتها، وعمارتكم فيها عدة شُقق، ولم أُرد إزعاج أصحابها في ذلك الوقت المتأخر من الليل، وقد يُسببون لي أذىً، فأمثالي من السود مُتهمون دائماً بالقتل والاغتصاب والسرقة، فنمتُ في سيارتي أمام العمارة في انتظار خروجكما. قلتُ لهما ذلك، والأم تُفتش في المحفظة مخافة أن أكون سرقتُ شيئاً منها، ولمّا وجدتْ كل شيءٍ فيها، هجمتْ عليّ وقبّلتني، وأنا مُندهشٌ من تصرفها. شكرتني كثيراً، ثم دعتني لشرب شيءٍ عندهما، فاعتذرتُ، أخذتْ الأم اسمي ورقم هاتفي، وتركتُهما وانطلقتُ أسعى لكسب رزقي الحلال". سألته عن زواجه، وكيف تم؛ أخذ نفساً عميقاً، والسعادة ملء قسمات وجهه، قال: "بعد أيامٍ اتصلتْ بي تلك الفتاة، ودعتني باسمها واسم أمها إلى العشاء عندهما، ورجتني أن أُلبي الدعوة، فلبيتُ الدعوة. ونحن على العشاء، قالت الأم: "سألنا عنك، وعرفنا أن سيرتك سليمةٌ، ولستَ من أصحاب السوابق، ولم ترتكب أية مخالفةٍ تُخلّ بالقانون أو بالآداب العامة، وعرفنا أنك أعزبٌ لم تتزوج، وأنك عفيفٌ، وليس لك صلاتٌ بالنساء الساقطات". كانت الأم تتحدث وأنا مُستغربٌ من حديثها؛ فما لي ولهذا الكلام؟ ماذا تريدان مني حتى تسألا عني؟ ويبدو أنهما أدركتا ما يجول في نفسي؛ قالت الأم: "زوجي مات وتركني أنا وبنتي هذه، علمتها، وسوف تتخرج طبيبةً هذا العام، وأُريد أن أزوجها من شابٍ عفيفٍ شريفٍ أمينٍ، ونحن سألنا عنك، وأرغب أن أزوجك بُنيّتي هذه". أفقتُ من ذهولي، وقلتُ لها: "ماذا تقولين؟"، قالت: "تشاورنا أنا وجانيت –وأشارت إلى بنتها– وقلَّبنا الأمر على وجوهه، وقررنا أن نعرض عليك الزواج منها؛ عندنا بيتٌ، ولا تحتاج إلى شيءٍ، أنت تعمل بسيارتك، وأنا أصرف على بنتي حتى تُنهي دراستها"، سألته: "وماذا كان ردك؟"، أجاب: "قلتُ لهما: أنا مسلمٌ، وأريد أن تكون أم أولادي مسلمةً"، قالت الأم: "هناك مسلمون مُتزوجون من مسيحياتٍ؛ دينكم يسمح بذلك"، قلتُ: "هذا صحيحٌ، ولكني أريد أن تكون أم أولادي مسلمةً"، نظرتْ الأم إلى ابنتها جانيت وفهمتْ منها شيئاً ثم قالت: "لا بأس.. نحن متدينتان ولنا جيرانٌ مسلمون، وهم ناسٌ طيبون جداً، ومستقيمون، وعلمنا منهم أن دينكم يعترف بالسيد المسيح نبياً، ويعترف بأمه السيدة مريم، ويعترف بالدين المسيحي، وأن دينكم يأمركم بالاستقامة، وكانوا يُسمعوننا القرآن من مُسجلٍ لديهم، كان اسم القارئ عبد الباسط، وقد أحببناه وعندنا شريطٌ نسمعه دائماً أنا وبنتي، سوف نفكر في الأمر"، وتواعدنا أن نلتقي في يومٍ آخر.

في اليوم المُحدد جئتُ حسب الموعد، فقرأتُ الفرح في عيونهما، وأخبرتاني أنهما مُستعدتان للإسلام، قلتُ: "بقي شرطٌ أخير"، سألاني مندهشتين: "ما هو؟"، قلتُ: "أنا الذي يُنفق على فاطمة حتى تُنهي دراستها"، سألتْ جانيت في شيءٍ من الخوف: "مَن هي فاطمة؟"، قلتُ: "أنتِ منذ الآن فاطمة". نهضتْ فاطمة، وهجمتْ عليَّ تريد أن تفعل شيئاً.. أستغفر الله.. لا أدري ماذا كانت تريد.. فأوقفتها وأبعدتها عني. فقالت والدموع ملء عينيها الخضراوين: "أنا منذ الآن مسلمةٌ، واسمي فاطمةٌ، وأنت زوجي وأخي، وأبي، وكل شيءٍ في حياتي". كان عثمان يتحدث بانفعالٍ، وعندما رفع رأسه كانت دموعه تغسل خديه، ثم قال: "عندما تزوجتها كانت في السنة الأخيرة من كلية الطب، وتابعت دراستها وهي الآن طبيبةٌ. هذه هي حكاية زواجي.. أفلا تذهبان معي لتباركا لي هذا الزواج الذي عمره الآن اثنا عشر عاماً؟"، قلتُ: "بلى، ولكننا نريد أن نعود إلى الفندق لأن زميلي تعبانٌ ويُريد أن يستريح".

 

أحبتي في الله.. إنها (تقوى الله)، تجعل المسلم حريصاً دائماً على أن يكون أميناً صادقاً يُحسن معاملة الناس، يعتز بدينه ويفخر بانتمائه إليه، ويدعو له بسلوكه ومعاملاته وأخلاقه.

ومن اتقى الله بإخلاصٍ وأحسن العمل يفي الله سبحانه بوعده له بأن يجعل له من كل ضيقٍ مخرجاً ويوسع رزقه ويفتح عليه أبواب رزقٍ لم يكن يتوقعها؛ فهذا أحد الشباب من الذين ذهبوا للدراسة في أوروبا يحكي لنا عن رجلٍ من الأوروبيين أسلم وحسُن إسلامه وصار حريصاً على تطبيق شعائر الإسلام كلها، حريصاً على أن يُظهر إسلامه ويعتز به أمام الجميع دون خجلٍ أو حياءٍ أو ترددٍ، حتى ولو لم تكن هناك مناسبةٌ. يقول: أُعلن في إحدى المؤسسات عن فرصةٍ وظيفيةٍ فتقدم لها هذا المسلم الفخور بإسلامه، وكان لابد من المقابلة الشخصية، والتنافس قائمٌ على هذه الوظيفة، فلما بدأت المقابلة سألته اللجنة الخاصة بالمؤسسة عدة أسئلة كان منها: "هل تشرب الخمر؟" فأجاب قائلاً: "لا أشرب الخمر؛ لأني أسلمتُ وديني يمنعني من مُعاقرة الخمر وشُربها". ثم سُئل: "هل لك خليلاتٌ وصديقات؟" قال صاحبنا: "لا؛ لأن ديني الإسلام الذي انتسب إليه يُحرِّم عليّ ذلك، ويقصر علاقتي على زوجتي التي نكحتها بمقتضى شريعة الله عزَّ وجلَّ". خرج من المقابلة وهو يائسٍ من أن ينجح في هذه المسابقة، ولكن النتيجة أن جميع المتسابقين -وكان عددهم كبيراً- فشلوا ونجح هو وحده في هذه المسابقة؛ فذهب إلى مسئول اللجنة وسأله قائلاً: "كنتُ أنتظر أن تحرموني من هذه الوظيفة عقاباً لي على مُخالفتي لكم في دينكم وعلى اعتناق الإسلام، ولكني فوجئتُ بقبولي، فما سر ذلك؟"، قال المسئول: "إن المرشح لهذه الوظيفة يُشترط فيه أن يكون شخصاً مُنتبهاً في جميع الحالات، حاضر الذهن، والشخص الذي يتعاطى الخمر، وتشغله الخليلات لا يُمكن أن يكون كذلك؛ فكنا نترقب شخصاً من الذين لا يشربون الخمر ولا يشغلهم عن التركيز في العمل شاغلٌ، ونظراً لتوفر هذا فيك فقد وقع الاختيار عليك لهذه الوظيفة.

لم يمنع هذا المسلم من أن يكذب أو يُخفي أمره أو يتلاعب بالألفاظ إلا (تقوى الله)؛ فما كان من بركة الله للمُتقين أمثاله إلا التيسير والرزق من حيث لا يحتسبون؛ يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.

قال المفسرون لهذه الآية الكريمة: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ أي أن كل من اتقى الله تعالى، ولازم مرضاته في جميع أحواله، واتقاه في كل ما يأتي وما يذر، يجعل له الله مخرجاً من هموم الدنيا والآخرة، ومن المضايق والغموم، ويُفرِّج عنه ما يعتريه من الكروب، ويُثيبه في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجاً ومخرجاً من كل شدةٍ ومشقةٍ، ومن كل شيءٍ يضيق على الناس، ويجعل له من أمره يُسراً. أما ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ فمعناها أنه عزَّ وجلَّ يرزقه فرجاً ويُخلف عليه، ويُخرجه من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، يرزقه الثواب، ويسوق له الرزق من وجهٍ لا يحتسبه، ولا يشعر به، ولم يخطر بباله، ويُبارك له فيه.

 

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: [إِنِّي لأَعْلَمُ آيَةً لَوْ أَخَذَ النَّاسُ بِهَا لَكَفَتْهُمْ] وقرأ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ﴾ وظل يقرؤها ويُعيدها. وعنه صلّى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال: [مَخرجاً مِن شُبُهاتِ الدُّنْيا ومن غمراتِ الْموْتِ ومِن شدائدِ يوْمِ الْقِيامة]. وسُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن أكثرِ ما يُدْخِلُ الناسَ الجنةَ؟ فقال: [تَقْوَى اللهِ وحُسْنُ الخُلُقِ].

 

يقول العلماء إنّ للتقوى في الإسلام منزلةً عظيمةً، فهي أساس الدين، ولا تقوم الحياة إلاّ بها، ولا صلاح للإنسان إلاّ بها، فهي كنزٌ عظيمٌ إن ظفر به الإنسان وجد فيه الخير الكثير، والفوز الكبير؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾، وبها وصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه رضي الله عنهم، والأمّة الإسلامية جميعها في حجّة الوداع فقال: [أُوصيكم بتقوى اللهِ]. و(تقوى الله) خشيته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وعبادته عن خوفٍ من عقابه، ورغبةٍ في ثوابه، وعن محبةٍ صادقةٍ له ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم.

 

قيل عن (تقوى الله) إنها "رأس كل شيء"، وهي "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل". وهي "أن يُطاع الله فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُذكر فلا ينسى"، وهي "أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وتترك المعاصي على نورٍ من الله، مخافة عقاب الله"، وهي "ما وقر في القلب، وصدقه القول والفعل"، وهي "اتخاذ وقايةٍ من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه"، و"ما زالت التقوى بالمتقين، حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام"، و"إن أتقيتَ الله كفاك الناس, وإن اتقيتَ الناس لم يُغنوا عنك من الله شيئاً"، و"لا زاد أفضل من التقوى"، و"المعونة من الله تنزل بحسب التقوى، فالزموا (تقوى الله) يُعنكُم وينصركم على عدوكم".

 

وعن (تقوى الله) قال الشاعر:

‏ تَزَوَّد مِنَ التَّقوَى فَإِنَّكَ لَا تَدرِي

إِذَا جَنَّ لَيلٌ هَل تَعِيشُ إِلَى الفَجرِ

فَكَمْ مِن فَتَىً أَمسَى وَأَصبَحَ ضَاحِكَاً

وَقَد نُسِجَت أَكفَانُهُ وَهُوَ لَا يَدرِي

وقال آخر:

وَلاَ يَصدُّ عن التقوى بصيرتَهُ

لأنها للمعالي أوضحُ السُّبُلِ

فمنْ تكنْ حُللُ التقوى ملابسَهُ

لمْ يخشَ في دهرهِ يوماً مِن العَطَلِ

وقال ثالثٌ:

إذا أنتَ لَمْ تَلبِسْ لِباساً مِن التُقى

تَقلبتَ عُرياناً وإنْ كنتَ كاسياً

 

وكما أن من يتقي الله، يجعل له فرجاً ومخرجاً، فمن لا يتقيه يقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعاتها؛ فمن لا يلزم التقوى يتخلى عنه الله سبحانه وتعالى فيكله إلى نفسه، فيصير هلاكه أقرب إليه من حبل الوريد.

 

أحبتي.. يقول تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ﴾ فلنتخذ التقوى لباساً لنا؛ ففيها كل خيرٍ لنا في الدنيا والآخرة، يكفينا من هذا الخير أوفره وأعمّه وأشمله وأفضله وهو معية الله عزَّ وجلَّ؛ يقول تعالى في ثلاثة مواضع مُختلفة للتأكيد: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾؛ معهم بالعون والنصر والتأييد والتوفيق، ومَن كان الله معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوءٍ، ومن كان مع الله قضى الله سبحانه له حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرّغ قلبه لمحبته. إن معية الله موجبةٌ للسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة. فلنتقي الله ونكون له كما يُريد يكن لنا فوق ما نُريد، وليكن هذا الوعد الرباني حاضراً في حِسّنا وأذهاننا دائماً: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُ مَخۡرَجٗا، وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِب، وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُه﴾.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكّها وأنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

https://bit.ly/3If07UM