الجمعة، 15 مارس 2024

بركات رمضان

 خاطرة الجمعة /438

الجمعة 15 مارس 2024م

(بركات رمضان)

 

أسلم شخصٌ وكانت قصة إسلامه من (بركات رمضان) شهر الخير، إذ قال إنه تعجَّب من حال المسلمين في قريته، كيف كانت وجوهُهُم تتقلَّب في السماء عندما انصرم الشهر الذي قبل شهر الصوم، كأنهم ينتظرون إشارةً من خالق الكون من فوقهم ليقوموا بشيءٍ بعدها؛ فلما رأوْا هلال رمضان فرحوا فرحاً عظيماً، كأنهم بُشروا بأعظم البشرى. لم يتوقّع أن يكون فرح المسلمين بأنهم سيمتنعون عن الشهوات طيلة شهرٍ كاملٍ طوال النهار كلِّه! هذه الشهوات التي يتقاتل بنو البشر عليها، وتُخاض الحروب التي تفتك بالملايين من أجلها. ليس هذا فحسب، بل وكانت فرحة المسلمين في قريته أيضاً أنهم سيقضون معظم الليل واقفين على أقدامهم يُصلون مناجاةً لربهم!

استحوذ هذا التعلق وهذه التصرفات على قلبه، فصام مع المسلمين، وهو لا يعرف شيئاً عن الإسلام، ولم ينطق بالشهادتين؛ فاكتفى بالامتناع عن الأكل والشرب وإتيان زوجته، من وقت ذهاب المسلمين لصلاة الفجر، ولا يأكل أو يشرب إلا إذا سمع أذان المسجد لصلاة المغرب! الأغرب من ذلك أنه ذهب وصلى مع المسلمين في المسجد صلاة التراويح وفعل مثل ما يفعلون؛ قياماً وركوعاً وسجوداً، غير أنه لا يتكلم بشيءٍ، فكان يجد راحةً عجيبةً، وسكينةً لم تعرفها روحه من قبل! حتى إذا انتصف الشهر، لاحظ إمام المسجد أنّ هذا الرجل غريبٌ عن القوم، فسأله الإمام عن نفسه؛ فصدقه الرجل القول وحكى له حكايته؛ فدُهش الإمام منها اندهاشاً حمله على أن يجمع رواد المسجد ليسمعوا منه، فلما سمعوا قصة ذلك الرجل عرضوا عليه الإسلام؛ فنطق بالشهادتين، فكبّر كل من كان بالمسجد، وقال له أحدهم: "أنتَ أسلمتَ بسبب شهر رمضان، فليكن اسمك من اليوم «رمضان»"!

 

أحبتي في الله.. عن شهر رمضان، شهر الخير والبركات يقول تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تُفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ].

 

شهر رمضان بركاته كثيرةٌ؛ وأول (بركات رمضان) أن اختصه الله جلَّ جلاله وأعلى منزلته بين الشهور بأن فرض الله صيامه. ومن بركاته أنه شهرٌ تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار. وهو شهرٌ تُصفد فيه الشياطين. وأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. وهو شهر الجود والكرم والعطاء؛ بالتوسعة على الأهل والإنفاق على الفقراء والمحتاجين وإطعامهم وتفطير الصائمين. ومن (بركات رمضان) السحور؛ ففيه بركةٌ كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام. إن أيام هذا الشهر الفضيل ولياليه كلها بركة، وأفضل أيامه ولياليه العشر الأواخر منه، وأعظم تلك الليالي بركةً، الليلة التي أُنزل فيه القرآن، وهي الليلة التي هي خيرٌ من ألف شهر، إنها ليلة القدر.

 

وعن (بركات رمضان) وصف أحد التابعين شهر رمضان بقوله: "رمضان بين الشهور كيوسف عليه السلام بين إخوتِه؛ فكما أن يوسف كان أحبّ الأولاد إلى أبيه يعقوب، كذلك رمضان هو أحب الشهور إلى علَّام الغيوب".

وقال غيره: "رمضان بين أحد عشر شهراً، كيوسف بين أحد عشر من إخوته، فلا تقتلوه، ولا تلقوه في غيابة الجُب، ولا تبيعوه بثمنٍ بخسٍ، بل أكرموا مثواه؛ عسى أن ينفعنا أو نتخذه شفيعاً يوم الحساب".

واختصر أحد العارفين وصف شهر رمضان في عبارتين؛ فقال: "الشهر قصير لا يحتمل التقصير، وقدومه عبور لا يقبل الفتور" وأضاف: "الهمة يا رفاق الجنة، وكلما تكاسلت تذكر: ﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾".

ومن أطرف ما وصلني عن (بركات رمضان) منشورٌ بعنوان "طائرة رمضان"؛ إذ النداء فيها هو: "حضرات السادة الركاب برجاء الانتباه؛ طائرة رمضان تستعد الآن للإقلاع، من مطار شعبان الدولي رقم الرحلة 1445، الوجهة: باب الريان، قائد الرحلة: القرآن الكريم. نرجو منكم ربط أحزمة التقوى. ممنوعات الرحلة: الانشغال بالمسلسلات، الانشغال بالأكل والطعام، الغيبة والنميمة. علماً بأن الطائرة مزودةٌ بأجهزة مراقبة ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. كما ننصح طوال الرحلة بالحفاظ على: الصلوات المفروضة، صلاة التراويح، صلاة التهجد، ذِكر الله كثيراً، الصلاة على النبي، بِر الوالدين، صلة الرحم، المزيد من الصدقات، إطعام الفقراء والمساكين، وعيادة المرضى. نتمنى لكم رحلةً سعيدةً، وإلى اللقاء عند حوض النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم القائل عن الحوض: [مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا]".

 

وللحصول على (بركات رمضان) كتب أحد العلماء يُحذر من لصوص رمضان، فَعَدَّ من اللصوص ما يلي: التلفاز؛ لصٌ خطيرٌ لما فيه من إفساد صيام الناس وإنقاص أجرهم بمشاهدة مسلسلاتٍ وبرامج تافهة. الأسواق؛ لصٌ متخصصٌ في بذل المال والوقت بلا حساب. المطبخ؛ لصٌ يسرق الكثير من الوقت لعمل أنواع كثيرةٍ من الطعام والشراب. السهر؛ لصٌ يسرق أغلى الأوقات، التي يمكن أن يستفيد منها العبد في صلاة التهجد في الثلث الأخير من الليل ومن الاستغفار والتوبة. الهاتف؛ وهو لصٌ يجعل الذنوب -من غيبةٍ ونميمةٍ وكذبٍ ومدحٍ وذمٍ أو إفشاء سرٍ أو جدلٍ في الحق بدون علم- تنهال على العبد طوال المكالمة. البُخل؛ وهو لصٌ يمنع العبد من الإنفاق على وجوه الخير كالصدقات التي تقي من النار، ما كان منها سراً أو علانية. شبكة الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي -مثل الفيس بوك والواتس آب- وتطبيقات الهاتف المحمول؛ فهي -إذا لم تُستغل وتُستخدم على الوجه الصحيح

في الخير- يمكن اعتبارها من أكبر وأخطر لصوص الوقت. والمجالس الخالية من ذكر الله؛ فهي لصٌ آخر يدّخر للعبد الحسرة يوم القيامة والعياذ بالله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ما جَلَس قومٌ مجلسًا لم يذكروا اللهَ فيه ولم يُصلُّوا على نبيِّهم إلَّا كان عليهم تِرةٌ فإن شاءَ عذَّبَهم وإن شاءَ غفَر لهم]. والتِرة: هي الحسرة.

 

أحبتي.. الحمد لله الذي بلّغنا رمضان، اللهمّ بارك لنا فيه، وأعِنّا على صيام نهاره وقيام ليله، وحفظ الجوارح، وتلاوة القرآن، واجعلنا فيه من أهل الجود والإحسان. اللهمّ أعنّا على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك على الوجه الذي يُرضيك عنا. جعلنا الله وإياكم ممن وُفق لحسن اغتنام (بركات رمضان).

 

https://bit.ly/3TlTpkg