الجمعة، 29 ديسمبر 2017

خُلُق الحياء

الجمعة 29 ديسمبر 2017م

خاطرة الجمعة /١١٥
(خُلُق الحياء)

أرسل لي أحدهم على الواتس آب الرسالة التالية:
"‏لازلت أحاول أن أفهم! ماذا رأى موسى عليه السلام من ابنة شعيب عليه السلام لينفق عشر سنواتٍ من عمره مهراً لها؟ تستحق أن نقف عندها! الجواب في قوله تعالى: ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾؛ فما أجمل الحياء". كتبت له رداً سريعاً قلت له فيه: "أولاً؛ يا سيدي لم يثبت أن الرجل الصالح الذي تزوج سيدنا موسى ابنته هو نبي الله شعيب، ثانياً؛ من أدراك أن الذي تزوجها موسى عليه السلام هي التي كانت ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾؟ ألا يُحتمل أن يكون قد تزوج أختها؟ فالرجل الصالح بمدين قال لسيدنا موسى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾، ولم يحدد السياق القرآني هل هي من كانت ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾، أم التي قالت ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾، كما لم توضح الآيات الكريمة إن كانت من قالت هذه العبارة هي التي مشت على استحياء أم أختها." وأنهيت ردي بالقول: "من حكمة المولى عز وجل أنه يبين لنا التفاصيل بكل دقةٍ عندما تكون لنا مصلحةٌ في ذلك، ويتجاوز عن التفاصيل التي ليس لها نفعٌ، فلا يترتب عليها حكمٌ شرعيٌ ولا يمكن الإفادة منها بالاعتبار والعظة، كما في عدد أهل الكهف؛ حيث لا فرق بين إن كان الفتية ﴿ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ أو ﴿خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ أو ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾".

أحبتي في الله .. من أهم ما ينبغي أن نقف عنده في تلك الآيات هو (خُلُق الحياء)؛ قيل في وصفه أنه خلقٌ يبعث على فعل كل مليحٍ وترك كل قبيحٍ، فهو من صفات النفس المحمودة. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: [إن لكل دينٍ خُلقاً، وخُلُقُ الإسلام الحياء]. فالحياء دليلٌ على الخير. وقيل هو خصلةٌ من خصال الإيمان، وخلقٌ من أخلاق الإسلام، من اتصف به حسُن إسلامه، وعلت أخلاقه، وهجر المعصية خجلاً من ربه، وأقبل على طاعته بوازع الحب والتعظيم، إنه خصلةٌ تُبعِد عن فضائح السيئات وقبيح المنكرات، تكسو المسلم وقاراً واحتراماً. وهو أمارةٌ على كرم السجية وطيب النفس، بل هو صفةٌ من صفات الأنبياء والصالحين. إنه صفةٌ جميلةٌ في الرجال، وفي النساء أجمل، كَسْبُها يجعل القبيح جميلاً، وفقدها يجعل الجميل قبيحاً.

ونظراً لما للحياء من فضائل؛ فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان.
والله سبحانه وتعالى حييٌ يحب الحياء؛ وصف نفسه فقال: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾. ويقول النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً خَائِبَتَيْنِ]. ويقول عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ].
قال الشاعر عن المولى سبحانه وتعالى:
وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ
عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ
فَهُوَ السَّتِيرُ وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ

و(خُلُق الحياء) شريعة جميع الأنبياء؛ يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: [إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبُّوَّة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت]، والمعنى: أنّ الرَادع عن القبيح إنَّما هو الحياء، وبغياب الحياء: تتدمَّر الأخلاق، وتُرتكب الفواحش والموبقات، فمن لم يستحِ فإنَّه يصنع ما شاء.
وفي هذا المعنى قال الشاعر:
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي
وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلا وَاللَّهِ مَا فِي العَيْشِ خَيْرٌ
وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ
وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

وعن (خُلُق الحياء) يقول النبي عليه الصلاة والسلام: [الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ].
ويقول صلى الله عليه وسلم: [الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النَّار].
ويقول عليه الصلاة والسلام: [الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعاً، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ]. ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: [ما كان الفُحش في شيءٍ إلا شانه، وما كان الحياء في شيءٍ إلا زانه].
ويقول عَلَيْهِ الصلاة وَالسَلام: [الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ]. وفي روايةٍ: [الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ]. وفي أخرى: [الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ].
وعن أشج عبد القيس رضي الله عنه قال: قال لي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: [إنَّ فيكَ لخُلُقَيْن يحبهما الله] قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: [الحِلمُ والحياء]. 
ومَرَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ].
وعن قُرَّة بن إياس رضِي الله عنْه: قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ]؛ لذلك يقول أحد العلماء: لا بد من تصحيح العبارة التي تروج على الألسن "لا حياء في الدين" بعبارةٍ أدق وأصح "لا حياء في تعلم الدين".

ومع الأقوال تأتي الأفعال؛ فها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يُمثل لنا النموذج والقدوة والأسوة الحسنة، لقد كان المثل الأعلى في الحياء؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ".
وها هي السيدة عائشة رضي الله عنها تضرب لنا هي الأخرى مثالاً عملياً للحياء؛ فعنها أنها قَالَتْ: "كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِى دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي، فَأَضَعُ ثَوْبِي فَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلاَّ وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَىَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ". وهي رضي الله عنها التي قالت: "رأس مكارم الأخلاق الحياء"، كما قالت: "نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ".
وها هو الصحابي الجليل ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول عنه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ عُثْمَانَ حَيِيٌّ سَتِيرٌ، تَسْتَحْييِ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ]. وقيل: "كان يستحي حتى من حلائله، وفي خلوته، ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن".
والحياء في أسمى منازله وأكرمها يكون من الله سبحانه وتعالى؛ يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ]. وعن سعيدِ بنِ يَزيدَ الأزديِّ أنَّه قال للنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أوْصني، قال: [أُوصيك أن تستحْييَ من الله عزَّ وجلَّ كما تستحيي منَ الرَّجل الصَّالح من قومك].
إن من أعظم بواعث الحياء من الله حب العبد له؛ فهل هناك أحب إلى المؤمن من الله؟ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾، فإذا كان يحب الله حقاً فهل من المحبة أن يعصيه؟ هل من المحبة أن يُقصر في حقه؟
تعصي الإلهَ وأنت تزعمُ حبَه
هذا لعمري في القياسِ شَنيعُ
لو كان حبُك صادقاً لأطعتَه
إن المحبَ لمن يُحبُ مُطيعُ

ومن بواعث الحياء من الله كذلك عِلْمُ العبد بنظر الله سبحانه وتعالى إليه، فيدفعه ذلك إلى مجاهدة النفس، وتَحَّمُل أعباء الطاعة واستقباح الإثم والمعصية، والعبد إذا علم أن الله ناظرٌ إليه أورثه هذا حياءً منه. كيف لا يستحي العبد من ربه وهو يعلم أنه يسمع ويرى؟ قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. وقال تعالى: ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾. وهو سبحانه يعلم سرنا وعلانيتنا؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾. وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. وقال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً﴾. يقول أحد الصالحين: "فأين الحياء من الله؛ الحاضر الذي لا يغيب، الحي الذي لا يموت، الشهيد الذي لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، السميع الذي يسمع جميع الأصوات على اختلاف اللغات وتعدد الحاجات، البصير الذي يُبصر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء؟".

ومما يبعث على الْحَيَاءِ مِن الله تَعَالَى أن يتذكر العبد تقَلُّبَه فِي نِعَمِ الله وآلائه، فَيَسْتَحِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَعْصِيَة خالقه المتفضل عليه بهذه النعم، وما أكثرها؛ قال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾.

فكيف يكون الحياءُ من الله؟ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ: [اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ]. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: [لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ؛ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ].
يقول علماؤنا الأجلاء: "الحياء من الله عز وجل، يكون بمقابلة نِعَمِه بالشُّكْر، وأوامره بالامتِثال، ونواهيه بالاجتناب. الحياء من الله ألا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك؛ فالمسلم يستحي من ربه أن يراه على معصيةٍ، وإذا فعل ذنباً، فإنه يخجل من الله ويستحي منه؛ فيعود سريعاً إلى ربه طالباً منه العفو والغفران".

وبعد الحياء من الله سبحانه وتعالى يكون الحياءُ من الملائكة؛ قال بعض الصحابة: "إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم". قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، قال ابن القيم: "أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".

ثم يكون الحياء من الناس؛ فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "لا خير فيمن لا يستحي من الناس". ويبين رسولنا الكريم ما ينبغي أن نستحي منه من الناس؛ فيقول: [ما كرهتَ أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت].

ويكون الحياءُ من النفس من باب أولى؛ يقول أحد الصالحين: "من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره".

أحبتي .. أُحَدِثُ نفسي فأقول لها كما قال أحد الصالحين: "إذا كنتِ تعتقدين أن الله لا يراكِ؛ فما أعظمَ كفرُكِ بالله. وإذا كنتِ تعتقدين أن الله يراكِ وأنتِ مصرةٌ على معصيته؛ فما أعظمَ جُرأتُكِ على الله، وما أقلَ حَياؤكِ منه". وأتذكر قول الشاعر:
وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظُلمةٍ
والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ
فاستحي من نظرِ الإلهِ وقُلْ لها
إن الذي خلقَ الظلامَ يراني

ومِنَ الناس مَنْ يمتنع عن بعض الخير، وعن قول الحق، وعن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بزعم الحياء، وهذا فهمٌ خاطئٌ لمعنى الحياء؛ فخير البشر محمدٌ صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، ولم يمنعه حياؤه عن قول الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بل والغضب لله إذا اُنتهكت محارمه. فلنتأسى أحبتي برسولنا الكريم، ولنَعُد إلى (خُلُق الحياء)، ونُرَبي أنفسنا وأبناءنا وأهلنا عليه. فما أجمل التخلق به، إنه السبيل إلى السعادة في الدارين: الدنيا والآخرة.

رزقنا الله وإياكم كمال الحياء، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدةٍ، إنْ أَذِنَ الله وأمَّدَ في أعمارنا.
هدانا الله وإياكم إلى صالح الأعمال وتقبلها منا.


http://goo.gl/S1vtuj