الجمعة، 12 فبراير 2016

الصلاة خير من النوم

12 فبراير، 2016م
خاطرة الجمعة /١٨

(الصلاة خير من النوم)

جارٌ لنا في الحي يصلي معنا في مسجدنا أراه في أغلب الصلوات مبادراً إلى الحضور للمسجد مواظباً على ألا تفوته صلاة الجماعة وفي الصف الأول .. إلا في صلاة الفجر! فيومٌ يأتي وأيامٌ لا نراه .. قلت في نفسي: "ربما لديه عذر" .. إلى أن كان يوماً وجدته يسألني: "كيف تستيقظ لصلاة الفجر؟ هل تضبط المنبه أم تطلب من أحدٍ أن يوقظك؟"، قلت له وقد أحسست بما يعاني منه: "البداية بالنسبة لي كانت صعبة، لكني قطعت الشوط متدرجاً في خطوات: الخطوة الأولى كانت اتخاذ القرار بيني وبين نفسي ألا أتخلف عن صلاة الفجر في المسجد، والخطوة الثانية كانت طلب العون من الله سبحانه وتعالى فصليت ركعتين بنية التوفيق، أما الخطوة الثالثة، وقد كنت متعوداً على السهر إلى وقت متأخر من الليل، فهي ضبط منبه لإيقاظي وقت أذان الفجر، وهنا بدأت المصاعب: فلا أكاد أنام إلا والمنبه قد بدأ في الصياح، فأمد يدي إليه لأوقف صوته وفي نيتي الاستمتاع بدقائق قليلة من النوم أقوم بعدها للصلاة، لكنها لم تكن أبداً قليلة كما ظننت، فكنت إما أصل إلى المسجد متأخراً تفوتني ركعة أو تفوتني الصلاة كلها، أو أستيقظ بعد انتهاء موعد الصلاة"، قال معقباً: "هذا ما يحدث معي بالضبط، فماذا فعلت؟"، قلت له: "هنا كانت الخطوة الرابعة، ألزمت نفسي بالنوم مبكراً، ولم يكن هذا سهلاً لمن تعود السهر، حتى أنني في الأيام الأولى كنت أدخل إلى الفراش مبكراً فلا يأتيني النوم إلا متأخراً، فانتقلت إلى الخطوة الخامسة وكانت إبعاد المنبه عن السرير حتى لا تطوله يدي، فإذا أردت إسكاته لابد من أن أنزل من السرير، وكنت مع ذلك عندما أسمع صوته أتركه مستمراً في تنبيهه، أو أقوم لإسكاته وأعود للنوم مرة أخرى!"، سألني متعجباً: "ماذا فعلت إذن؟"، أجبته: "فكرت في الأمر، وقلت أبحث في (جوجل) عن خطوة سادسة، ربما أجدها في تجارب الآخرين، بالفعل وجدت فكرة أعجبتني بدأت في تنفيذها فجعلتني في غنىً عن منبه يوقظني!"، سألني متعجباً: "وكيف ذلك؟!"، قلت له: "اشرب كمية من الماء قبل النوم تجعلك تستيقظ مضطراً للذهاب إلى الحمام، حدد موعد نومك وكمية الماء الذي تتناوله حتى تضبط هذا المنبه الطبيعي!"، سألني متشوقاً لمعرفة نتيجة هذه التجربة: "وهل نجحت في ذلك؟"، قلت: "استغرق الأمر عدة ليالٍ للتوفيق بين ثلاثة عناصر: موعد النوم، ومدته، وكمية الماء"، قال: "تتحدث كما لو كنت تجري تجربة في مختبر الكيمياء، ذكرتني بأيام المدرسة الثانوية، المهم ماذا بعد ذلك؟"، أكملت دون أن أعقب على ما قال: "هنا أدرك الشيطان أني مُصِّرٌ وأني اقتربت من النجاح، فبدأ لعبته، فكان يوسوس لي خاصة في ليالي الشتاء الباردة: البرد قارص، وفراشك وثير ودافئ، وماء الوضوء في الصنبور كأنه الثلج، ماذا لو صليت في البيت؟ لو صليت في المسجد لتأخرت عن موعد بداية عملك ومازال أمامك مواصلات تستنفد الكثير من وقتك، قم فخذ قسطاً من الراحة يعينك على يوم عمل طويل وشاق، إن الله غفور رحيم"، قلت لشيطاني: "خسئت، والله لأغيظنك ولأذهبن إلى المسجد ليس بعد أذان الفجر كما كنت أعتزم بل قبل الأذان. وكانت هذه هي الخطوة السابعة والأخيرة، أخذت عهداً على نفسي بذلك، وكنت قاسياً مع نفسي فألزمتها بتنفيذ هذه الخطوة فوراً دون إبطاء وبغير تهاون أبداً، إنه جهاد النفس أملاً في هداية الله سبحانه وتعالى كما ورد في الآية: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، من يومها وأنا أستيقظ نشيطاً طيب النفس مع أول تنبيه أسمعه حامداً الله أن أحياني بعد ما أماتني، وعافاني في جسدي ورَدَّ علي روحي وأَذِن لي بذكره، سعيداً بأن مَدَّ الله في عمري يوماً جديداً عسى أعمل فيه صالحاً يرضاه، آملاً في رحمة ربي وفضله وقد أقسم في كتابه الكريم قائلاً: ﴿وَالْفَجْرِ﴾ ولا يقسم إلا بعظيم، وهو القائل: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مٓشْهُودًا﴾ تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، واثقاً في وعد النبي عليه الصلاة والسلام: [من صلى الصبح فهو في ذمة الله]، وفيما بشر به: [من صلى البُردين دخل الجنة]، وفي قوله: [ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها]، وقوله: [لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر لأتوهما ولو حبواً]". كان يتابع ما أقول وتعبيرات وجهه تشي باهتمامه، قال منهياً حديثنا: "شكراً لك"، قلت: "بل قل "جزاك الله خيراً"؛ كما أرشدنا إلى ذلك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال: [مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ]". قال: "تُدهشني دقتك!"، قلت: "ضبط الإسلام لنا كلامنا، فمتى نضبط به أفعالنا وحياتنا كلها فنسعد بعد شقاء؟"، أجابني بسرعة: "الصبر يا عزيزي، أولم تقرأ قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا. وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾؟"، قلت: "بلى، ونِعمَ بالله".
أحبائي في الله .. لا أعرض هذا الموقف عُجباً أو افتخاراً أو مباهاة، بل -وأنا المقصر- أردت أن أوضح لكم كيف أن ﴿كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ مع إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، والإصرار والعزم، وأخذ النفْس بالشدة حتى ﴿لا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فالشيطان يقول: ﴿لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ لكن يأتي الاستدراك ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾، فهو ليس له سلطان على عباد الله مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾. اللهم اجعلنا من عبادك المخلِصين المخلَصين، المواظبين على صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد؛ فهي (خير من النوم).
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.