الجمعة، 23 أكتوبر 2015

تجارة مربحة


23 أكتوبر، 2015م
خاطرة الجمعة /٣

(تجارة مربحة)

قضيتُ أعواماً عديدة من عمري في دولة الإمارات، وعندما عُدت متقاعداً لم يكن في ذهني العمل مرة أخرى؛ فقد كنت أتطلع للاستمتاع بالتقاعد بعد كل تلك الأعوام من العمل الشاق والمضني.
سألني أحد أصدقائي المقربين: ماذا تعمل الآن بعد نزولك النهائي من الإمارات؟ وجدتني أرد من غير تفكير: أعمل بالتجارة. رفع حاجبيه مندهشاً وسألني ليتأكد من صحة ما سمعه: بالتجارة؟! قلت: نعم. وبلهجة خبير قال لي: لكن الكل يشكو من الركود. وأردف محذراً: هذه مخاطرة كبيرة. قلت ببساطة: نوع التجارة التي اخترتها لنفسي لا ركود فيها، أرباحها عالية ومضمونة، وكلما عملت بأكثر مما هو مطلوب منك تتضاعف تلك الأرباح. قال: لا تقل لي أنك تضارب في البورصة والأوراق المالية، احذر فالبورصة فخ لمن لا يعرف أسرارها.
أردت أن أدخل في الموضوع مباشرة فقلت له: يا عزيزي إنها تجارة لا تحتاج إلى رأس مال، ولا يشترط فيمن يمارسها أن تكون لديه خبرة فيها، ولا تحتاج إلى استخراج تراخيص، ولا سجل تجاري، ولا يتم دفع رسوم عنها، بل ولا تدفع ضرائب عن أرباحها. فقط على من يرغب في ممارسة هذه التجارة أن يمتلك الإرادة والعزم وينوي الإخلاص ويبدأ باسم الله. أحس صديقي وقتها أن حديثي لم يكن عن عمل من أعمال التجارة المعروفة. لم أترك له فرصة للتفكير؛ فقلت له: إنها التجارة مع الله سبحانه وتعالى. قال وقد فهم مقصدي: ونعم بالله، أعانك الله وثبتك.
أحبتي يقول المولى عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ فهل أسهل من ذلك تجارة: تلاوة القرآن، المحافظة على الصلاة، إنفاق المال بالزكاة والصدقات، الصوم، قيام الليل، وذكر الله والتسبيح، وكل أعمال الخير والبر من صلة رحم، وسعي في خدمة الناس، المهم إخلاص النية لله، والبعد عن الرياء.
يحثنا ويشجعنا رب العزة على ذلك فيقول في كتابه الكريم: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
هذه هي التجارة مع الله، ثوابها عند الله عظيم؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾. فهل من تجارة أكثر ربحاً من أن يكون ختامها المسك؟ وأن يكون الفوز العظيم هو مكسبها؟
أحبتي: هلموا قبل فوات الأوان، بادروا وشمروا عن سواعد الجد قبل أن يقول أحدنا: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة في خاطرة جديدة إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله مني ومنكم صالح الأعمال.

https://goo.gl/kGDwh4