خاطرة الجمعة /517
الجمعة 19 سبتمبر 2025م
(قَدَر
الله)
كتبت قصتها وحكت
عن نفسها فقالت: اسمي «علياء» لكنني في الحقيقة مُتواضعةٌ في كل شيءٍ؛ فكما يقول
الناس: "لا مال ولا جمال ولا حسب ولا نسب"، نسكن في قريةٍ صغيرةٍ
هادئةٍ، أبي رجلٌ بسيطٌ كان يعمل سائقاً على إحدى سيارات الأُجرة التي لم يكن
يملكها، لكنه كان يقتسم العائد المادي مع صاحب السيارة في نهاية كل يومٍ. كان أبي
رجلاً طيباً، وأُمي امرأةٌ ريفيةٌ مُكافحةٌ وشريفةٌ كانت تقف مع زوجها جنباً إلى
جنب، تجمع اللبن والجُبن والبيض من نساء القرية كل مساءٍ، وفي الصباح الباكر تذهب
إلى سوق المدينة كي تبيعه، منهم من يمنحها جنيهاً زائداً عن حقها، ومنهم قليل
الذوق شحيح الكرم يقطع أنفاسها في محاولةٍ منه لتقليل الثمن جُنيهاً أو جُنيهين،
غير مُقدِّرٍ لما تُعانيه هذه المسكينة من شظف العيش وتدني الدخل. كنتُ أحمل معها
حاجياتها كل صباحٍ لأُوصلها إلى مكانها المُعتاد بالسوق، ثُم أتجه إلى جامعتي بثيابي
البسيطة، وهيئتي العادية جدّاً. كنتُ مُطمئنةً بخصوص مسألة زواجي حيث أن «عادل»
جارنا يُحبني، ولطالما أخبر أُمي بأنه ينوي أن يتقدم لخطبتي بمجرد أن يجمع مبلغاً
معقولاً من المال يُمَكِنَّه من الزواج بي. يوماً ما تعرض أبي لحادثٍ فظيعٍ تُوفي
على إثره، تركنا أبي من دون مُقدماتٍ، من غير وداعٍ أو استعدادٍ للحياة من دونه،
لم تحتمل أُمي الصدمة فأُصيبت بالشلل التام، وفجأةً وجدتُ نفسي أمام المدفع؛ فقد
أصبحتُ العائل الوحيد لأُسرتي؛ لأُمي المريضة ولأخي الصغير ولنفسي.
قررتُ أن
أترك الجامعة على الأقل هذا العام، لكن حُلماً بعيداً بالتخرج كان دائماً يُراود
أبي جعلني أتراجع عن قراري رغبةً مني في تحقيق أُمنيته بأقرب وقتٍ، وبعد تفكيرٍ
طويلٍ، قررتُ إكمال المشوار والبدء من حيث انتهت أُمي: من الغد سأجمع أنا البيض
والجُبن واللبن من نساء القرية، وسأذهب به إلى سوق المدينة، وسأحاول جاهدةً بيعه
ثم الذهاب سريعاً إلى الجامعة لألحق ما يُمكن اللحاق به!
بعد يومين
كنتُ أفترش أرض السوق، وأمامي حقائب بها بعض زُجاجات اللبن وقطعٌ من الجُبن وقليلٌ
من البيض، وبحجري كتابٌ عنوانه "الإحصاء التطبيقي" يشرد بصري بين سطوره،
أقرأ الكلمات وأكاد لا أعي منها شيئاً! بعد دقائق كان «عادل» بقامته الطويلة يقف
مُتلعثماً أمامي، وجهه مُحمَّرٌ وأعصابه مشدودةٌ، أدركتُ أنه يُريد أن يقول شيئاً
هاماً، بالفعل استجمع شجاعته وقال لي: "«علياء»، أنا آسف؛ أُمي رفضت أمر
زواجي منكِ رفضاً تاماً، قالت إنها لن تقبل أبداً أن تُزوجني من بائعة لبن"!
قلتُ له في صدمةٍ وبصوتٍ مبحوحٍ: "وما الذي يعيب بائعة اللبن؟ إنها تُكافح من
أجل والدتها المريضة وأخيها اليتيم"! لم يرد، أعطاني ظهره وانصرف. بكيتُ في
هذا اليوم كما لم أبكِ من قبل، لعنتُ الظروف والفقر والمرض، في الحقيقة كنتُ أتحمل
رحيل أبي، أما رحيل «عادل» كنتُ أضعف من أن أتحمله!
بعد هذه
الحادثة بأسبوعٍ، تم طردي من المُحاضرة، المُعيد الغبي لم يحتمل فكرة أنني لم
أقتنِ الكتاب حتى الآن ونعتني بـالمُستهترة، لم أستطع إخباره أن الفقر هو السبب،
خرجتُ من المُحاضرة باكيةً، وقرَّرتُ أن أترك الجامعة بلا عودة! في اليوم التالي
كنتُ أفترش أرضية السوق، وأمامي حقائب بها بعض زُجاجات اللبن وقطعٌ من الجُبن
وقليلٌ من البيض، وبعد وقتٍ قصيرٍ فوجئت بذلك المُعيد القاسي يقف أمامي ويداه خلف
ظهره، يبدو أن بهما شيئاً يُحاول إخفاءه، تلقائيّاً غطيتُ وجهي بوشاحي ظنّاً مني
أنه بالتأكيد سيتذكرني إن رأى وجهي فآثرتُ إخفاءه، لكنه ضحك ضحكةً طويلةً ثم قال:
"أيُعقل أن يخجل المُكافح من كفاحه؟!"، ثم أخرج شيئاً من وراء ظهره وهو
يقول: "هذا هو الكتاب الذي قمتُ بطردك بالأمس لأجله، ومعه كل الكُتب التي
تحتاجينها، لم أقصد إهانتك، ظننتكِ فتاةً لعوباً مُستهترةً، وأنا أكره هذا الصنف
من الفتيات، أيُمكنكِ أن تقبلي اعتذاري؟!"، فبكيتُ، يبدو أن ضميره أنَّبه بعد
طردي؛ فسأل عني وعرف ظُروفي ومكاني في السوق فجاءني مُعتذراً. في اليوم التالي
ذهبتُ إلى الجامعة، كنتُ وقتها راضيةً عن الفقر والظروف والمرض، كنتُ مُعجبةً
بكفاحي، ومؤمنةً بأن هذه هي معركتي التي خلقني الله لأجلها. جاء المُعيد وبدأ
مُحاضرته قائلاً: "لم أكن مُرفهاً يوماً، ولم أُولد وبفمي ملعقةٌ من ذهبٍ، في
وقتٍ مضى اشتغلتُ باليومية، وعملتُ سائق سيارة أُجرة، وسباكاً، وكثيراً كثيراً ما
نمتُ وأنا جائعٌ!"، ثم تابع: "أحببتُ أن أُشارككم جُزءاً من قصتي".
في قرارة نفسي كنتُ أعلم أنه يخصني أنا بهذا الجُزء، أنه يقصدني أنا من بين ألف
طالبٍ؛ فأحببتُ الحياة ورضيتُ عنها، ما زال في هذه الدنيا أُناسٌ طيبون لا يبخلون
بالكلمة الطيبة ولا يحبسون الاعتذار في صدورهم! وفي اليوم التالي وبينما أنا
جالسةٌ بالسوق أُمارس عملي -لأنه مصدر رزقنا الوحيد- إذا به يقف أمامي ببذلته
الأنيقة ورباط عُنقه الجميل مُتسائلًا: "كيف حال بائعة اللبن؟!"، قلتُ:
"بخيرٍ، أظن أنها لم تعد تخجل من عملها، بل وتُحبه، إنه (قَدَر الله)، كيف
للمرء أن يكرهه؟!"، ومن دون مُقدماتٍ جلس ببذلته الأنيقة إلى جانبي على
الأرض، وتعالى صوته: "البيض والجُبن واللبن.. من يريد؟ الزُجاجة بثلاثين
جُنيهاً!"، ضحكتُ من أعماقي، وآمنتُ أن الخير يكمن فيما نحسبه شراً، وأن الله
ما انتزع منا شيئاً إلا ليُعوضنا بشيءٍ أفضل منه، إن الله كريم! في ذلك اليوم
أنهيتُ عملي باكراً بفضل تصرفه الجميل الذي لفت أنظار المُشترين؛ فكيف لأنيقٍ مثل
هذا الشاب أن يبيع اللبن بسوقٍ شعبيٍ كهذا؟! في نفس اليوم بدأ المُحاضرة بقوله:
"بالمُناسبة نسيتُ أن أُخبركم أنه يوماً ما، إلى جانب عملي كسائقٍ وعاملٍ
باليومية وسباكٍ عملتُ بائعاً للبن"!
بعد أيامٍ
قليلةٍ كنتُ أُزَف لأُستاذي بالجامعة، إنه يُحبني بفقري، بعبء أُمي وأخي، بملامحي
البسيطة والتي أشعر أنها لم تعد كذلك؛ في الحقيقة أصبحتُ أُحس أنني جميلةٌ جداً،
أشعر أنني توهجتُ منذ أن أحبني هذا الرجل الصادق، صرتُ «علياء» بحق!
تساءلتُ:
أين ذهب «عادل»، وأين ذهبت والدته؟! الحمد لله أنه قد تخلى عني من البداية، والحمد
لله أنني طُردتُ من الجامعة، والحمد لله على فقري، وممتنةٌ جدّاً جدّاً لعملي
بائعةً للبن؛ فكُل هذه الصعاب جذبتني رغماً عني لتضعني في طريق الرجل الصحيح. أكتب
قصتي هذه موقنةً بأن (قَدَر الله) سُبحانه وتعالى رتَّب لي ما لم أكن أتوقعه يوماً
أو أحلم به، وعوضني عما كنتُ أحسب أنه خيرٌ لي بما هو أفضل وأحسن؛ أنعم عليّ بزوجٍ
صالحٍ طيبٍ وعطوفٍ، يُحبني، يرعاني ويرعى أُمي المريضة وأخي الصغير، ويُدللني،
ويُحب أن ينعتني دائماً بقوله: "يا ابنة بائعة اللبن"!
أحبتي في
الله.. أحداثٌ ومواقف نمر بها في حياتنا تُثبت لنا -يوماً بعد آخر- كم هو لُطف
الله بعباده، وكم هو جهل الإنسان بأن الله سُبحانه وتعالى أرحم به من رحمته هو
بنفسه، مهما بدا الأمر على العكس من ذلك.
وهذا موقفٌ
حدث لأحد الطلاب يؤكد هذه الحقيقة؛ ففي لمحة عينٍ، تحوَّل يومٌ عاديٌ لطالب طبٍ
واعدٍ إلى كابوسٍ مُروِّعٍ؛ إذ كان يقف أمام كليته، يتبادل الضحكات مع زملائه، حين
انطلقت سيارةٌ طائشةٌ مُسرعةٌ كأنها قذيفةٌ اختارته هو بالذات من بين الجميع، صوت
اصطدامٍ عنيفٍ، صرخاتٌ، ثم ظلام. استيقظ على الأضواء الساطعة بالمُستشفى، وعلى
أصوات الأجهزة الطبية المُركبة بجسده، والتي لا تهدأ. نظر حوله فإذا بالأطباء
يُحيطون به وقد ارتسمت على وجوههم علامات القلق، اقترب منه أحدهم وقال له: “كليتك
تنزف بشدةٍ، ويجب أن نستأصلها فوراً، وإلا فإن حياتك في خطر”، في تلك اللحظة، وجد
الطالب نفسه أمام خيارٍ صعبٍ: إما أن يتخلى عن جُزءٍ من جسده ليعيش، أو يتمسك به
ويموت، اختار الحياة، لكنه شعر بأن جُزءاً من روحه قد مات بالفعل. بعد أيامٍ،
بينما كان غارقاً في بحرٍ من الاكتئاب واليأس في غُرفته المُعتمة بالمُستشفى، فُتح
باب الغُرفة فجأةً، وإذ بالجرّاح الذي أجرى له عملية استئصال الكلية يسأله، وعلى
وجهه ابتسامةٌ غامضةٌ لم يفهم الطالب معناها: “هل تؤمن بالقضاء والقدر؟”، أجاب
الطالب بصوتٍ خافتٍ يملأه الحزن: “أجل يا دكتور، لكني خسرتُ الكثير"، اقترب
الجراح منه ثم قال بنبرةٍ تحمل الكثير من التأثر: “كنتُ أسمع عن (قَدَر الله)
مثلك، حتى رأيته بعينيّ معك؛ فأثناء العملية، لاحظنا شيئاً غريباً في كليتك التي
استأصلناها، فأخذنا عينةً أرسلناها للمختبر، ووصلتني النتيجة اليوم، كانت النتيجة
مُذهلةً؛ كانت كليتك المُصابة تحتوي على خلايا سرطانيةٍ في مراحلها الأولى، ورمٌ
خبيثٌ كان سينمو بصمتٍ ويُنهي حياتك دون أن تُتاح لك فرصة اكتشافه إلا بعد فوات
الأوان”، اتسعت عينا الطالب في ذهولٍ، وبدأ يربط الخيوط ببطءٍ، همس بصوتٍ مُتقطعٍ:
“هل تقصد أن الحادثة لم تكن عشوائيةً؟ وأن السيارة اختارتني أنا بالذات من بين
جميع أصدقائي، وحدَّدت مكان الإصابة بدقةٍ متناهيةٍ لتمنحني فرصةً ثانيةً
للحياة؟”، ابتسم الجراح ابتسامةً واسعةً وقال: “تخيّل هذا! وهل تعتقد بعد ذلك أنها
كانت مُجرد صدفةٍ؟!، لا إنه (قَدَر الله) يُجريه على عباده بحكمته ورحمته".
لأول مرةٍ
مُنذ وقع الحادث، ارتسمت ابتسامة رضا وحمدٍ وامتنانٍ على وجه الطالب، ونظر إلى
السماء وقال والدموع تترقرق في عينيه: “الحمد لله؛ على تدبيرك ورحمتك بي يا إلهي”.
يقول تعالى:
﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا
شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾،
ويقول سُبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ﴾، ويقول أيضاً: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ
إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن
يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، ويقول كذلك: ﴿قُل لَّن
يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
ويقول النبي
صلى الله عليه وسلم: [لَو أنَّ الخلقَ كُلَّهُم جميعًا أَرادوا أن ينفَعوكَ بشَيءٍ
لم يقضِهِ اللَّهُ لَكَ، لَم يَقدِروا عليهِ، أو أرادوا أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم
يقضِهِ اللَّهُ علَيكَ، لَم يقدِروا علَيهِ … واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن
ليُخطِئَك، وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ] يقول شُرّاح الحديث إنَّه لنْ تَحصُلَ
مَنفعةٌ لك إلَّا ما قد كتَبَه اللهُ لك، ولو اجتمَعَ على مَنفعتِك أهلُ الأرضِ
جميعاً، وأنه لنْ يَبلُغَك ضُرٌّ إلَّا ما قدَّرَه اللهُ عليك، ولو اجتمَعَ على
ضَرِّك أهلُ الأرضِ جميعاً. أي ما حصل لك من الخير والنِعم، أو الشر والنِقم، وما
قدَّره الله تعالى لك أو عليك، لم يكن ليجاوزك إلى غيرك، وما قدَّر أنه لا يُصيبك
فإنه لن يُصيبك أبداً. وأن ما يُصيبك من ابتلاءاتٍ ومصائب أو نِعمٍ وخيرٍ فهي من
(قَدَر الله) عليك، ولم يكن من المُمكن أن يفوتك أو يُصرَف عنك. إنَّ ما قضاه الله
سُبحانه على العبد فهو نافذٌ وواقعٌ به لا محالة، لا يستطيع أحدٌ رده ولا دفعه،
وأي شيءٍ في الكون فإنما يقع بقضاء الله وقدره، وإذا عرف الإنسان هذا المعنى فإنه
لا يتحسر بسبب ما ينزل به من الكُروب والمصائب، ولا يفتح للشيطان باباً بأن يقول لو
كان كذا لكان كذا؛ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: [إنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا
تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما
شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ]، بل عليه الصبر، وأن
يحتسب عند الله تعالى الأجر، ولو أن الإنسان استحضر هذا المعنى استحضاراً كاملاً
فإنه يحصل له كمال اليقين، وكمال التوكل، وكمال الرضا بما يُقدِّره الله سُبحانه
له أو عليه، مع التسليم الكامل بأن الله عزَّ وجلَّ يختار للمؤمن ما فيه خيره
وصلاحه، حتى ولو بدا غير ذلك.
أعجبني قول
أحد العارفين في وصفه (قَدَر الله) كتب يقول: وتظن أنها النهاية، وفجأةً يُصلح
الله كل شيء! تظن أن القصة انتهت، ثم يُغيِّر الله كل شيءٍ، ويُعيد ترتيب
المَشاهد! في اللحظة التي تشعر فيها أن كل شيءٍ يُعاكس رغباتك تذكر قوله تعالى:
﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾.
أحبتي.. قال
أحد العُلماء: “لو عَلِم العبد كيف يُدبِّر الله له أموره، لعلم يقيناً أن الله
أرحم به من أُمه وأبيه، ولذاب قلبه محبةً لله”. فلنقترب من الله أكثر وأكثر،
بالمُحافظة على أداء الفروض والإكثار من النوافل حتى نصل إلى حُب الله ورضاه؛ يقول
عزَّ وجلَّ في الحديث القُدسي: {وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ
إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ
بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ
به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي
يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي
لَأُعِيذَنَّهُ}. ولنُحسن الظن بالله ونُداوم على ذِكره، ونتقرب إليه لننعم
بمعيته؛ يقول تعالى في حديثٍ قُدسيٍ آخر: {أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ
إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي
في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ
تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ
باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً}.
حفظنا الله
من كل مكروهٍ، وكتب لنا جميعاً الخير، من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، ﴿إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
https://bit.ly/4nE29Qa