الجمعة، 13 مايو 2016

صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي

13 مايو، 2016م
خاطرة الجمعة /٣١

(صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)

شيخ وقور يغلب على صلواته الخشوع، يأتي مبكراً لمسجدنا، يطيل القراءة في صلاة النوافل، كما يطيل السجود فيها، يواظب على صلاة الجماعة يكاد لا يفوته فرض منها، بشوش الوجه، هادئ، ترتاح له حتى لو أنك لا تعرفه .. لم نُصَلِّ أنا وهو متجاورين إلا مرات قليلة، سمعته في إحداها يقول عند الرفع من الركوع (ربنا لك الحمد والشكر) .. فتعمدت مجاورته في مرة تالية لأتأكد من صحة ما سمعت .. ورغم صوته المنخفض إلا أني تأكدت من أنه يقول نفس الكلمات في كل مرة يرفع فيها من ركوع .. ولأن الدين النصيحة .. فقد انتظرته حتى فرغ من صلاته وخرج من المسجد .. استوقفته وحييته بتحية الإسلام، وبعد سؤاله عن صحته وأحواله، قلت له أن عندي ما أود أن أعرضه عليه، فقال مُرَحِّباً: "تفضل"، قلت: "عندما كنت أرفع من الركوع كنت أقول (ربنا لك الحمد والشكر) إلى أن نبهني أحد الأحبة إلى أن كلمة (الشكر) بدعة يجب ألا تُقال"، تساءل مستنكراً: "كلمة (الشكر) بدعة؟! أليست بنفس معنى كلمة (الحمد)؟"، قلت: "صحيح أنه يوجد تقارب في المعنى بين الكلمتين، لكن الأفضل ألا نبدل أو نزيد"، واستطردت: "لماذا لا نقول عند الركوع سبحان ربنا (العزيز) أو (الغفور)، بدلاً من (العظيم) وهي كلها من أسماء الله الحسنى؟ ولماذا لا نزيد فنقول (العظيم الجبار)؟ "، عقب قائلاً: "وما الضرر من زيادة كلمة (والشكر)؟ أليس فيها تأكيد لمعنى الحمد؟ لماذا لا نعتبرها زيادة في العبادة نُؤجر عليها؟"، رديت عليه بسؤال: "كم ركعة تصلي وقت الظهر؟"، أجاب متعجباً: "أربع بالطبع!"، سألته: "لمَ لا تصلي الظهر خمس ركعات أو ست؟ أليس في ذلك زيادة تبدو في ظاهرها أنها مقبولة يمكن أن يُثاب المرء عليها؟"، لم أعطه فرصة الرد واستكملت حديثي: "المسألة يا صديقي أن الصلاة - وغيرها من العبادات- لم ينزل وصفٌ مفصلٌ لها في القرآن الكريم، وأُمرنا أن نأخذ مناسكنا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أن نصلي كما كان يصلي"، قال مؤكداً: "لنص الحديث [صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي]"، قلت له: "بالضبط، هذا ما يجب أن نلتزم جميعاً به"، وعُدت به إلى نقطة البداية: "كنت دائماً أقول عند الرفع من الركوع (ربنا لك الحمد والشكر)، هكذا سمعتها من والدي رحمه الله وغفر له وتعلمتها منه، حتى سَخَّر الله سبحانه وتعالى من يسمعها مني ويصححها لي"، سكت لحظة ثم سأل: "وماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عند الرفع من الركوع؟"، قلت له: "هذا بالفعل ما شغلني بعد معرفتي بأن (والشكر) زيادة من المستحسن تركها، فبحثت حتى عثرت على كتيب صغير عن صفة صلاة النبي، وجدت فيه ضالتي، تعلمت منه الكثير"، ثم فتحت هاتفي المحمول وقرأت له من نصٍ عن هذا الموضوع ما زلت أحتفظ به في هاتفي: "أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول بعد الرفع من الركوع (سمع الله لمن حمده)، وتارةً يقول: (ربنا لك الحمد)، وتارةً يضيف إلى هذين اللفظين قوله: (اللهم). وتارةً يزيد على ذلك: (... ملء السموات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد .. أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، وتارةً تكون الزيادة: (... ملء السماء والأرض .. وملء ما شئت من شيء بعد .. اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد .. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس)، (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)". قلت له: "هذا ما وجدته من أدعية مأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، اللهم ثبتنا على سنة الحبيب المصطفى"، قال مؤَّمناً على دعائي: "اللهم آمين، جزاك الله خيراً، أستأذنك في أن ترسل لي هذه الأدعية على هاتفي"، وعدته بذلك، ثم قلت مودعاً: "للأمانة .. قال العلماء أن قول (والشكر) في دعاء الرفع من الركوع لا يُبطل الصلاة، لكن الأولى والأفضل تركه لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم".
أحبتي في الله .. قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ..﴾، وقال عز وجل: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾، يقول العلماء أن كلمة (الحكمة) في تلك الآيات يُراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها تدل على أن الله سبحانه وتعالى أنزل على رسوله الكريم شيئين هما: الكتاب والحكمة، فالكتاب هو القرآن الكريم، والحكمة هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أكد عليه الصلاة والسلام هذا المعنى فقال: [أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ].
أحبتي .. الأصل في العبادات أنها توقيفية، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله إما في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومتى شك الإنسان في شيء من الأعمال هل هو عبادة أو لا فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليلٌ على أنه عبادة، كما يجب أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام القدوة لنا والأسوة الحسنة قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾، وعلينا أن نأخذ بسنته ونعمل بها ونترك ما نهانا عنه أو لم يثبت عنه قولاً أو فعلاً أو إقراراً؛ قال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.