الجمعة، 12 يناير 2024

تأثير القرآن الكريم

 

خاطرة الجمعة /429

الجمعة 12 يناير 2024م

(تأثير القرآن الكريم)

 

يصف لنا أحد الدعاة موقفاً حدث معه شخصياً فيقول: أذكر حادثاً وقع لي منذ عدة سنوات؛ كنّا ستة مسلمين على‏ ظهر سفينةٍ مصريةٍ تمخر عُباب المحيط الأطلسي إلى‏ نيويورك، من بين 120 راكباً وراكبةً أجانب، وخطر لنا يوم الجمعة أن‏ نُقيم صلاة الجماعة في المحيط على‏ ظهر السفينة، وقد يسَّر لنا قائد السفينة -وكان إنجليزياً- أن نُقيم صلاتنا، وسمح لبحارة السفينة وطُهاتها وخدمها -وكلهم نوبيون مسلمون- أن يُصلي معنا منهم مَن لا يكون في الخدمة وقت الصلاة، وقد فرحوا بهذا فرحاً شديداً، إذ كانت المرة الأولى‏ التي تُقام فيها صلاة جماعةٍ على‏ ظهر السفينة، فضلاً عن كونها صلاة جمعة. قمتُ بخطبة الجمعة وإمامة الصلاة، والركاب الأجانب معظمهم متحلقون يرقبون صلاتنا. بعد الصلاة جاءنا كثيرون منهم يهنئوننا على‏ نجاح "القُدّاس"! فقد كان هذا أقصى‏ ما يفهمونه من صلاتنا. لكن سيدةً من هذا الحشد -عرفنا فيما بعد أنّها يوغسلافيةٌ مسيحيةٌ- كانت شديدة التأثر والانفعال؛ تفيض عيناها بالدمع ولا تتمالك مشاعرها، جاءت تشد على‏ أيدينا بحرارةٍ، وتقول -في إنجليزيةٍ ضعيفةٍ- أنها لم تملك نفسها من التأثر العميق بصلاتنا هذه وما فيها من خشوعٍ ونظامٍ وروح؛ وسألتنا: "أية لغةٍ هذه التي كان يتحدث بها قسيسكم؟!" فالمسكينة لا تتصور أن يُقيم الصلاة إلّا قسيسٌ كما هو الحال عندهم، وقد صححنا لها هذا الفهم وأخبرناها أنه "الإمام" وأنه كان يخطب باللغة العربية؛ فقالت: "إنّ اللغة التي كان "الإمام" يتحدث بها ذات ايقاعٍ موسيقيٍ عجيبٍ، وإن كنتُ لم أفهم منها حرفاً واحداً، لكن الذي لفت انتباهي، هو أن "الإمام" كانت ترد في أثناء كلامه -بهذه اللغة الموسيقية- فقراتٌ من نوعٍ آخر غير بقية كلامه، نوعٍ أكثر موسيقيةً وأعمق ايقاعاً، هذه الفقرات الخاصة كانت تُحْدِث فيَّ رعشةً وقشعريرةً، إنّها شيءٌ آخر، كما لو كان الإمام مملوءاً من روح القدس!" -حسب تعبيرها المستمد من مسيحيتها- فأدركنا أنها تعني الآيات القرآنية التي وردت أثناء خطبة الجمعة وأثناء الصلاة، وكانت تلك مفاجأةً لنا تدعو إلى‏ الدهشة، من سيدةٍ لا تفهم مما نقول شيئاً ومع ذلك تأثرت بشدةٍ بما سمعته!

 

أحبتي في الله.. إنه (تأثير القرآن الكريم)؛ فللقرآن تأثيرٌ عظيمٌ في النفوس، وهل هناك تأثيرٌ أعظم من اطمئنان القلوب؟ يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، والاطمئنان ينتج من الإحساس بالأمان؛ يقول عزَّ وجلَّ مُحدداً قاعدةً لإجارة المشركين وضمان أمنهم: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وتُشير الآية الكريمة بوضوحٍ إلى (تأثير القرآن الكريم) حتى على المشركين عندما يسمعونه.

 

وفي محاولةٍ لمعرفة مدى هذا التأثير على الإنسان المسلم وغير المسلم؛ أجرت مجموعةٌ من الأطباء المسلمين تجربةً علميةً؛ فأخذوا بعض المسلمين ووضعوا مجساتٍ على أجسادهم لتسجيل نبض القلب، ثم إسماعهم بعض آياتٍ من القرآن ويُعيدون قياس النبض، فوجدوا أن النبض قد تأثر بعد الاستماع. افترضوا أن المسلم يتأثر لأنه يؤمن بأن ما يسمعه هو كلام الله؛ فقرروا تطبيق نفس التجربة على غير المسلمين، فجاءت النتيجة إيجابيةً أيضاً، ثم جاءوا بأشخاصٍ لا يعرفون اللغة العربية ولا يفهمون القرآن فلما استمعوا للقرآن جاءت النتيجة إيجابيةً كذلك؛ فافترضوا أن الإنسان قد يتأثر متى سمع الكلام مجودا؛ فأحضروا بعض الكُتب وراحوا يُلْقُونَها بطريقة التجويد؛ فلم تظهر أية أعراضٍ أو إشاراتٍ إيجابيةٍ، فخرجوا بنتيجةٍ أن الإنسان المسلم وغير المسلم متى سمع القرآن، فهمه أم لم يفهمه، يتأثر به.

 

وفي التاريخ قصصٌ عديدةٌ لإسلام الناس فقط بسبب تأثرهم بالاستماع للقرآن الكريم؛ لعل أشهرها قصة تأثر «النجاشي» ملك «الحبشة» بالقرآن الكريم عندما استمع إلى «جعفر ابن أبي طالب» -رضي الله عنه- وهو يتلو الآيات الأولى من سورة «مريم»؛ فلم يتمالك «النجاشي» نفسه فبكى وبكت أساقفته، وقال: "إن هذا والذي جاء به موسى -وفي روايةٍ: عيسى- ليخرج من مشكاةٍ واحدة"، وكان هذا سبباً في إسلامه.

 

يقول أهل العلم إن سماع القرآن يؤثر في النفوس أكثر من قراءته؛ لأنه يشد الانتباه أكثر، وبالتالي ينفرد السامع بخاصية التدبر؛ وفيها قوةٌ على الفهم والاستيعاب تجعل القرآن علاجاً لقلوب المؤمنين، فهو شفاءٌ للروح من الغفلة والتشتت والضياع والقلق والاكتئاب.

 

ويقول العلماء إن صوت القرآن الكريم عبارةٌ عن أمواجٍ صوتيةٍ لها ترددٌ وطول موجةٍ مُحدد، وهذه الموجات تنشر حقولاً اهتزازيةً تؤثر على خلايا الدماغ؛ فتُحقق إعادة التوازن لها، مما يمنحها مناعةً كبيرةً في مقاومة الأمراض؛ فالتأثير بسماع القرآن على هذه الخلايا يُعيد برمجتها من جديد.

ولا يتوقف (تأثير القرآن الكريم) على الإنسان فقط؛ فهو يتعداه إلى غيره من مخلوقات الله؛ ففي تجربةٍ مثيرةٍ قام باحثٌ يابانيٌ بإسماع الماء شريطاً يُتلى فيه القرآن الكريم، فتكونت بلوراتٌ من الماء لها تصميمٌ رمزيٌ غايةً في الصفاء والنقاء. وفسّر ذلك بأن الأشكال الهندسية المختلفة التي تتشكل بها بلورات الماء الذي قرأ عليه القرآن كونت اهتزازاتٍ -ناتجةً عن سماع القرآن- على هيئة صورةٍ من صور الطاقة الكامنة، والتي تُمكن الماء من السمع والرؤية والشعور والانفعال واختزان المعلومات، ونقلها والتأثر بها، إلى جانب تأثيرها في تقوية مناعة الإنسان، وربما علاجه أيضاً من بعض الأمراض العضوية والنفسية.

ولفت إلى أن ذرات الماء تتسم بالقدرة على التأثر بأفكار الإنسان وكلامه، فالطاقة الاهتزازية للبشر والأفكار والنظرات والدعاء والعبادة تترك أثراً في البناء الذري للماء. ولنا أن نتخيل بعد هذا كله كيفية تأثر الإنسان الذي يتكون جسمه من 70% من المياه، وقد يُفسر ذلك لنا كيف أنه من رحمة الله بنا أن أمرنا بالاستماع والإنصات للقرآن الكريم؛ يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

 

أحبتي.. لا شك في أنّ للقرآن الكريم تأثيراً في كل مَن يسمعه، فلنكن أذكياء ولا نفوِّت هذه الفرصة التي تُمثل لنا هديةً ربانيةً لا تتطلب منا كثير جهدٍ؛ فالاستماع إلى القرآن عبادةٌ لا تُكلف مالاً كالزكاة، ولا تتطلب مجهوداً بدنياً كالحج، ولا يُشترط لها وضوءٌ ولا استقبال القبلة كالصلاة، فما أيسرها من عبادةٍ. علينا إذن أن نُعيد النظر في علاقتنا بالقرآن الكريم، وأن نُخصص وقتاً يومياً، ليس لقراءة القرآن فحسب، بل ولتلاوته بصوتٍ مسموعٍ، ليتحقق (تأثير القرآن الكريم) فينا، وليكن ذلك في صلوات النفل وعند قيام الليل وصلاة التهجد؛ يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ فننعم بالإحساس بالأمن والأمان والطمأنينة والسكينة وراحة النفس، فضلاً عن كسب الثواب وتحصيل عاجل الأجر في الدنيا، وآجله في الآخرة. ونصيحتي أن يكون ما نُخصصه لتلاوة القرآن من أفضل أوقاتنا، لا أن يكون فضلة وقتنا.

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

 

https://bit.ly/3vq8mcz