الجمعة، 21 أكتوبر 2016

القدوة الحسنة

الجمعة 21 أكتوبر 2016م

خاطرة الجمعة /٥٤
(القدوة الحسنة)

شكى لنا من ابنه طالباً النصيحة: "لا يصلي، ماذا أفعل معه؟"، سأل أحدنا: "كم عمره؟"، أجاب: "١٣ سنة"، سأل آخر: "وهل كان يصلي من قبل؟"، رد: "ليس دائماً"، واستمرت الأسئلة وتوالت الإجابات، ثم بادر كل شخص من المشاركين في هذا اللقاء بتقديم ما يراه من نصائح ومقترحات تعين صديقنا على إقناع ابنه الصبي الذي تجاوز أو كاد عتبة مرحلة المراهقة بضرورة الانتظام في الصلاة، وركز معظمهم على أهمية (القدوة الحسنة).
أما أنا فلم أبدِ أي رأي منتظراً مناسبة أنفرد بها بهذا الصديق، حيث تربطني به علاقة خاصة، فلما واتتني الفرصة ابتدرته سائلاً عن ابنه وأخباره، قال لي: "ما زلت في حيرة من أمري معه في موضوع الصلاة"، باغتُّه بسؤال لم يتوقعه: "وهل أنت منتظم في أداء صلواتك؟"، تردد قليلاً لكنه أجاب: "تعرف طبيعة عملي واضطراري بعض المرات لعدم الصلاة"، واستدرك: "لكني أحب أن يكون ابني أحسن مني، أليس هذا ما يتمناه كل أب؟"، قلت: "بلى كلنا يتمنى هذا، لكن لا تنس أننا كآباء قدوة لأبنائنا، يتعلمون منا كل شيء، يتعلمون كثيراً مما نعمل، ويتعلمون أكثر مما لا نعمل"، قال مقاطعاً: "لم أفهم عبارتك الأخيرة، أقلت يتعلمون مما لا نعمل؟"، أجبت: "نعم، يتعلمون ألا يفعلوا ما لا نفعل كما يتعلمون أن يفعلوا ما نحرص على فعله. الأطفال ينظرون إلى الأب ليس كقدوة في الأمور الطيبة والصحيحة فقط وإنما في كل الأمور .. إننا بالنسبة لهم (القدوة الحسنة) .. لم تتشكل لديهم بعد منظومة قيم خاصة بهم يستطيعون أن يفرقوا بها بين ما هو طيب وما هو غير طيب .. ولا يمتلكون خبرات تمكنهم من التفرقة بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح .. هم فقط يستنسخون أفعال وأقوال آبائهم ويعتبرونها كلها طيبة وصحيحة .. وواضح أنك لم تكن يا صديقي (القدوة الحسنة) بالنسبة لابنك؛ لذلك دعني أقولها لك بصراحة: إنك أنت السبب في عدم تعود ابنك على الصلاة .. هل كنت تأمره بالصلاة وسنه سبع سنوات؟"، قال: "سبع سنوات؟ بالطبع لا، كان ما يزال صغيراً، ماذا يفهم عن الصلاة في هذه السن؟"، قلت له: "لقد أضعت أفضل فرصة للتعليم .. هذه السن التي تراها صغيرة هي السن الذهبية للتعلم واكتساب الخبرات والعادات السلوكية التي يواظب عليها الطفل بسهولة فيما بعد، واسمح لي بسؤال آخر"، قال: "تفضل"، قلت: "هل ضربته في سن العاشرة لعدم الصلاة؟"، رد مستهجناً: "ضربته؟! .. تعلم أني لا أمد يدي على أبنائي أبداً مهما فعلوا؛ فضلاً عن أنه كان ما يزال طفلاً .. يقول فرويد إن ضرب الأطفال في الصغر يكون سبباً في معاناتهم  طوال عمرهم من عقد نفسية .. ألم تقرأ له ما كتبه عن أن العواطف المغروسة منذ الطفولة هي دفة تسيير البشر؟ .. فإذا كنت ضربته في هذه السن لترك الصلاة  لكان كرهها"، قلت مازحاً: "أراك قد تأثرت بدراستك لعلم النفس وما يقوله فرويد"، رد بانفعال: "ألا تعتقد أن فرويد كان على صواب فيما قال؟ وهل ضربت أنت أحد أبنائك في هذه السن لعدم الصلاة؟"، قلت بهدوء: "أجيبك عن السؤال الأخير أولاً: لم أكن بحاجة لضرب أيٍ منهم لأني كنت أشجعهم على الصلاة من سن سبع سنوات، كما كنت لهم (القدوة الحسنة) بالفعل، فعندما وصلوا سن العاشرة كانوا قد اكتسبوا هذه العادة بسهولة، أما بالنسبة لسؤالك الأول، فلتعلم عزيزي أن كثيرين قد عارضوا ما ذهب إليه فرويد وأولهم تلميذه يانج، وسواءً هذا أو ذاك، فإن آراءهم تظل مجرد نظريات قابلة للدحض والتفنيد خاصة مع تطور الفكر البشري"، واستطردت قائلاً: "ولماذا نذهب بعيداً يا عزيزي؟ لماذا نستعين بنظرية فرويد في التحليل النفسي ولدينا من هو أفضل منه؟"، قال: "مَن تقصد بضمير المتكلم في كلمة لدينا؟ هل تقصد أن لدينا كمصريين أو كعرب عالم متميز في هذا المجال؟"، قلت وقد أوصلته لنقطة أردته أن يصل إليها: "كلمة لدينا لم أقصد بها نحن المصريين ولا نحن العرب، وإنما قصدت بها نحن المسلمين، فنحن لدينا كنز عظيم نغفل عنه، لدينا من هو أصدق مِن فرويد ومَن على شاكلته وأصدق ممن في الأرض جميعاً؛ لدينا كتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام". ثم فصلت ذلك بالقول: "يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، جاء التوجيه الرباني بأن نأمر ونصطبر على ذلك بالمتابعة الحثيثة وعدم إهمال الأمر، وجاءت لفظة اصطبر بدلاً من اصبر تأكيدٌ على معنى الصبر؛ فزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى كما يقول النحويون وعلماء اللغة، فإن لفظة اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم، والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير، لذا جاءت لفظة اصطبر للدلالة على الزيادة في الصبر"، قال مُعلقاً: "صياغةٌ دقيقةٌ ومعنىً عميق .. سبحان الله"، أكملت حديثي قائلاً: "وأما الرسول الكريم فقد وجهنا إلى ما يجب علينا أن نفعله خاصة في أمر تعويد أبنائنا على الصلاة؛ قال صلى الله عليه وسلم: [مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ]، هذا هو المنهج، وهذا هو السبيل .. وهذه هي المدرسة الربانية التي تخرج فيها رجال عظماء صنعوا أروع حضارة شهدتها البشرية، ونشروا الإسلام في جميع أنحاء الأرض دون عقد نفسية كتلك التي تكلم عنها فرويد!". سكت قليلاً ثم قال: "أصبت يا صديقي .. حينما قلتَ {قال الله وقال الرسول} فلا مجال أبداً لأن أقول {قال فرويد أو غير فرويد}"، وعقب قائلاً بندم: "أعترف لك بأني بالفعل قد قصَّرت في حق نفسي وقصرت في حق ابني .. أرجو ألا أكون ممن قال الله عز وجل في شأنهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾"، قلت مخففاً عنه ومودعاً: "لا تحمل هماً يا صديقي؛ فالله سبحانه وتعالى مُطَّلعٌ على القلوب ويعلم النوايا، فقط أخلص النية له سبحانه وتعالى تجد نفسك وقد اهتديت إلى أفضل طريقة لإقناع ابنك بالانتظام في الصلاة، وابدأ بنفسك أمامه؛ كن (القدوة الحسنة) له، لا تفوت فرضاً واحداً إلا وتصليه على وقته مع جماعة المسلمين في المسجد، اجعل ابنك يحس أن الصلاة لها أولوية مطلقة في حياتك عن أي شيء آخر مهما كان، واصبر عليه، وجادله بالتي هي أحسن؛ قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، وفقك الله".

أحبتي في الله .. الإسلام ليس فقط علاقة خاصة بين الإنسان وربه، وإنما هو شريعة شاملة تنظم لنا حياتنا كلها، أكملها الله سبحانه وتعالى لنا، أتم بها نعمته علينا، وارتضاها لنا ديناً؛ قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾، وعندما يصف المولى عز وجل نفسه بالقول: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ هل يبقى لنا نحن البشر قولٌ بعد ذلك؟

أحبتي .. من ينظرون بعيون ضيقة إلى أمر الرسول الكريم بضرب الأبناء إذا لم يلتزموا بالصلاة في سن العاشرة يتناسون أن هذا الأمر تسبقه سنواتٌ ثلاثٌ للتربية الإيجابية القائمة على جذب الأبناء للصلاة وتحبيبهم فيها وتعويدهم عليها، ثلاثُ سنواتٍ كاملة علينا أن نكون فيها (القدوة الحسنة) لهم بانتظامنا في الصلاة، كما يتناسون أن التهديد بالضرب رادعٌ يحول دون فعل ما يستوجب الضرب، ثم إن للضرب في حالة الضرورة ضوابط شرعية معلومة. والله سبحانه وتعالى وهو ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾  وهو القائل: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ﴾ قد أمر بالضرب في مواقف أخرى، كما في حالة نشوز الزوجة مثلاً ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ جاء الضرب بعد مرحلتي الوعظ، والهجر في المضاجع، كما أمر عبده ونبيه أيوب ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ ضرباً خفيفاً حانياً وفاءً بالعهد والنذر، فهل نحن أرحم بأنفسنا وأزواجنا وأولادنا من الله اللطيف الخبير، ومن رسوله الذي وصفه مولاه بالرأفة والرحمة حين قال: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾؟
عباد الله أقيموا شرع الله .. واتبعوا أحكام دينه، واتبعوا سنة نبيه تهتدوا وتسعدوا.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.

https://goo.gl/4ZUis5