الجمعة، 1 سبتمبر 2017

يوم العيد

الجمعة 1 سبتمبر 2017م

خاطرة الجمعة /٩٩
(يوم العيد)

يُروى أنه قبل أيامٍ من العيد ذهب رب عائلةٍ متوسط الدخل إلى السوق لشراء أضحية العيد، وبعدما اختار كبشاً كبيراً ودفع ثمنه التقى أحد أصدقائه وطلب منه أن يأخذ الكبش إلى منزله لأنه كان مشغولاً، وكان صديقه متوجهاً ناحية بيته. لم يكن الصديق متأكداً من موقع المنزل بالضبط فأخطأ وأخذ الكبش إلى جيران صديقه وأعطاهم إياها قائلاً: "هذه الأضحية لكم" دون أن يذكر مِن مَن. كان الجيران فقراء لا يملكون المال لشراء الأضحية ففرحوا كثيراً ظناً منهم أنها من أحد المحسنين، ومن شدة فرحهم انتبهت لهم زوجة رب الأسرة وتساءلت في نفسها من أين لهم بالمال لشراء هذا الكبش؟ عندما عاد رب الأسرة إلى المنزل توقع أن يجد أولاده فرحين بالكبش لكنه وجد كل شيءٍ عادياً، دخل المنزل وسأل زوجته عن الكبش فردت عليه أن لا أحد أتى به، ثم تذكرت جيرانها فقالت له: "أعتقد أن صديقك أخطأ وأخذ الأضحية لجيراننا فاذهب واستردها منهم"، فرَّد عليها قائلاً: "الله قد كتبها لهم ولا يحق لنا أن نسلب الفرحة من نفوس الأولاد الفقراء في (يوم العيد)". وقرر أن يذهب لشراء أضحيةٍ أخرى، عندما عاد إلى السوق وجد أحد البائعين يحط رحله فذهب إليه، وقال في نفسه سأكون أول المشترين منه عسى أن يخفض لي في الثمن، وعندما وصل للبائع واختار كبشاً ليشتريه منه، قال له البائع أنه قد وقع له في طريقه إلى السوق حادثٌ نجا منه هو وماشيته بأعجوبةٍ فنذر نذراً أنه سيدَع أول زبونٍ يختار أفضل أضحيةٍ ثم يأخذها دون أن يدفع شيئاً! فسبحان الله؛ قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

أحبتي في الله .. يقول أهل العلم أن الله سبحانه وتعالى قد شرع الأعياد فرحاً وسروراً للمسلمين بعد مواسم الخيرات وفرائض العبادات؛ فعيد الفطر يأتي بعد أداء فريضة الصوم، وكذا عيد الأضحى يأتي بعد قضاء الركن الأعظم في فريضة الحج وهو الوقوف بعرفة. وقد جعلها الشرع أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ يرفه فيها المسلم عن نفسه وأهله ويوسع عليهم بما شرع الله وأحل من التوسعة الطيبة المباحة؛ فشُرعت التوسعة على الأهل بأنواع الطيبات من المآكل والمشارب في الأعياد، ففي عيد الفطر فرض الله زكاة الفطر ومن عللها أن يجد الفقير ما يوسع به على أهله من المأكل في يوم العيد، وكذا في عيد الأضحى شرع الله تعالى الأضحية ومن عللها أن يجد  الفقير ما يوسع به على أهله من طيب الطعام وليشارك إخوانه من المسلمين بفرحهم ويتشبه الجميع بالحجيج في نسك الذبح.
وها هي أيام عيد الأضحى هلت على الأمة الإسلامية مبشرةً بالفرحة والبهجة والسرور متزامنةً مع شعيرة الحج وزيارة البيت الحرام. وهلَّ (يوم العيد) الذي نضحي فيه اقتداءً بسيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله أن يذبح ابنه اسماعيل فأخذه إلى الصحراء حتى يذبحه ولكن الله فداه بكبشٍ من السماء فأصبحت الأضحية في عيد الأضحى سُنةً لجميع المسلمين؛ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾. هلت أيام العيد، أيام الفرح وهو مرتبطٌ في الإسلام بالعبادات وبالطاعة، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
يبدأ (يوم العيد) أولاً بتجمع المسلمين في الصباح الباكر مع شروق الشمس لأداء صلاة العيد، وهي من السنن النبوية الشريفة، وهي من أجمل الأمور في العيد، لا يكتمل جماله بدونها، بعدها يذهب المسلمون لذبح الأضاحي؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنَّتنا ...]. ويصف الشاعر نحر الأضحية (يوم العيد) في بيتين:
ويومَ العيدِ صلِّينا
وعُدنا للقرى صُبحا
وقمنا بعد أن عُدنا
ذبحنا كبشنا ذبحا
وسنة النحر لها فضلٌ كبيرٌ؛ قال ‏‏أصحاب رسول اللّهِ ‏صلى اللَّهُ عليه وسلم: ‏‏يا رسول اللَّه ما هذه الأضاحي؟ قال: ‏[سُنَّةُ أَبِيكُمْ ‏‏إِبْرَاهِيمَ]، ‏قالوا: فما لنا فيها يا رسول اللَّهِ؟ قال: [بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ]، قالوا: فالصوف يا رسول اللَّه؟ قال: [بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ].

يقول أحد العلماء أن من عظمة التشريع الإلهي أنه جعل العبادات التي يتقرب بها الإنسان لله سبحانه تعالى ويكسب بها رضاه هي ذاتها في كثيرٍ منها مما يفيد منها الناس فيحصل التكافل وتنتشر المودة ويسود العطف بينهم؛ فتوزيع لحم الأضاحي يُدخل السرور والبهجة على قلوب الفقراء.
ومن مظاهر الاحتفال بالعيد الإكثار من التكبير والتهليل فأيامه مباركةٌ نظراً لأن مناسك الحج لا تنتهي إلا في ثالث أيام التشريق وهو رابع أيام عيد الأضحى. ولا شك أن صلة الرحم والإكثار من الزيارات للأهل والأقارب يدخل الفرح والسرور والمودة والرحمة في قلوب الناس، مما يعمل على تقريبهم وتقوية ما بينهم من علاقات وحل ما بينهم من نزاعات أو خلافات.

أحبتي ... هل فكرنا كيف نستثمر وقتنا (يوم العيد) أفضل استثمار ممكن من الناحية الشرعية، بحيث نجعل منه موسماً حقيقياً من مواسم الخيرات يعم فيه النور وتتنزل الرحمات؟ يعرض أحد المجتهدين بعض ما يمكن عمله احتفالاً بالعيد وسعياً لرضا الله سبحانه وتعالى، من ذلك:
بر الوالدين وإدخال السرور عليهما؛ فهما سبب وجودك ولهما عليك غاية الإحسان، وقد وصى الله تعالى بهما في غير موضع من القرآن؛ فقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾، وقال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ فأحرى بنا أن نسعدهما أيام العيد.
ثم الإحسان إلى الزوجة وإدخال السرور على نفسها، وغمرها بالعطف والمودة الزائدة في هذا اليوم، فكم من بيتٍ يقضي عيده في تعاسةٍ بسبب تفويت الزوج لأسبابٍ بسيطةٍ جداً تُدخل السرور على أهله. وكلنا يعلم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء وأن خيرنا خيرنا لأهله، وخير الأمة لأهله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلا تأسينا به. ويلحق العناية بالزوجة العناية بالأولاد وإدخال السرور على نفوسهم ولو بضحكةٍ أو قبلةٍ على جبين ولدك فمن لا يَرحم لا يُرحم.
وكذلك صلة الأرحام، وتكون بالتزاور والتواد والتعاطف، وما أجمل أن يزور الأثرياء الفقراء من عائلتهم؛ فكم يُدخل مثل هذا الصنيع الفرح والسرور على الأقارب وأولي الأرحام من الفقراء، حتى لو كانوا مقاطعين لك ولا يصلونك، امتثالاً لما جاء في الحديث الشريف: [ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من وصل من قطعه].
وأيضاً الإحسان إلى الجار في أيام العيد له فضلٌ كبيرٌ؛ فقد أوصانا الله تعالى بالجار فقال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: [ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه]، وقال صلى الله عليه وسلم: [خيرُ الأصحابِ عِندَ الله خيرُهُم لصاحِبه، وخيرُ الجيرانِ عِند الله خيرُهُم لجاره]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره]، فما أجمل زيارة الجيران؛ لما في مثل هذا التصرف من إشاعةٍ للمحبة والمودة والإخاء.
يأتي بعد ذلك ود وصلة من تحابوا في الله وتعارفوا فيه فاجتمعوا عليه وتفرقوا عليه. فعلينا الاهتمام بالأخوة في الله بزيارتهم في أيام العيد حتى تكتمل سعادتنا وسعادتهم.

يقول الشاعر:
هــل الـعـيدُ إلا أن تـعـود عـلى الـذي
هـجـرتَ فـتُـبدي الـبِـشرَ بـعـد تـجـهمِ
وعــنـد ذوي الأرحـــامِ تـُظـهـرُ رحـمـةً
وتـبــدو بـوجــهٍ بالـبـشـاشـةِ مــفـعـمِ
هـــل الـعـيـدُ إلا أنْ تــواسـيَ فــاقـداً
وتــرفـعَ ضـيـقـاً عــن فـقـيـرٍ ومـعـدمِ
هــــل الـعـيـد إلا أن تـــزور مــجـاوراً
فـلـلـجـار حــقٌ عــنـد أهــل الـتـقـدمِ

أحبتي ... يختصر أحد العلماء آداب الاحتفال بالعيد بقوله إن العيد عند المسلم الحق الذي يحب الله تعالى ورسوله، ويخشى الله تعالى ويتقيه، هو شكر المولى عز وجل من خلال ملازمة إقامة العبادات والحفاظ عليها في أوقاتها، فالقدم تسير إلى المساجد، واللسان لا يفتر عن الذكر، والمصحف لا يُهجر، والأعمال الصالحات لا تنقطع، وخصوصاً في ذلك اليوم الذي يغفل فيه الكثيرون عن التزام التعبد. والعيد صلة الرحم وزيارة الأقارب لا المقابر وبذل الصدقات لا الإنفاق على المعاصي والمنكرات والمحرمات. العيد أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة في كل محلٍ حللت به. العيد سترٌ لا تبرجٌ وسفور. العيد إحياءٌ للسنن والشعائر وبذلٌ للقربات. والعيد ابتسامةٌ في وجه أخيك، العيد اتصالٌ هاتفيٌ برجلٍ بَعُدَ عهدك به ويرجو وِدَّك ومودتك وهو من المحبين لك ولكنك عن ذلك من الغافلين أو المتغافلين.

أحبتي ... في (يوم العيد) انشروا الفرحة والسرور، فذلك من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى؛ قال عليه الصلاة والسلام: [...وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تدخله على مسلم ...]. وعن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى – في عيد الأضحى – تغنيان وتضربان، والنبي متغشٍ بثوبه فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي عن وجهه وقال: [دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد]. ومع الفرح والسرور لا ننسى من لهم حالات خاصة؛ اصطحبوا أبناءكم لزيارة الأطفال اليتامى في دورهم، وزيارة المرضى في المستشفيات، وتقديم الهدايا البسيطة لهم، علموا أولادكم أن سعادة الإنسان لا تكتمل إلا بإسعاده الآخرين. علموهم أن الإسلام دين الرحمة والتكافل والمودة، دين المحبة والتسامح والصفح والغفران، دينٌ ينظم لنا كل صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياتنا، إنه منهج حياةٍ متكامل، يحرص على أن يكون المسلم فرحاً سعيداً مسروراً بشوشاً مبتهجاً ودوداً رؤوفا رحيماً حريصاً على سعادة الآخرين، على عكس ما يروج له البعض من أعداء الدين الذين يصورون المسلم الملتزم متجهماً عبوساً كارهاً لغيره.
ختاماً أقول لكم كما قال الشاعر:
تَقَبَّلَ رَبُّنَاْ الطَّاْعَاْتِ مِنْكُمْ
وَجَاْءَ الْعَفْوُ مِنْ رَبٍّ وَدُوْدِ
وَقَاْكُمْ رَبُّنَاْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ
حَبَاْكُمْ مِنْ رِضَاْهُ بِالْمَزِيْدِ
وَفَرَّجَ عَنْكُمُ الْكُرُبَاْتِ رَبِّيْ
وَثَبَّتَكُمْ عَلَى النَّهْجِ الرَّشِيْدِ
وَقَاْنَاْ اللَّهُ مِنْ نَاْرٍ تَلَظَّىْ
وَصَيَّرَنَاْ لِجَنَّاْتِ الْخُلُوْدِ

اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين، الحامدين لك، الشاكرين نعمك، المحافظين على دينك، المقيمين لشعائرك وعباداتك، المتبعين سُـنة رسولك. اللهم تقبل منا واجعلنا من القوم الذين قلت فيهم: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾.
نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدة، إنْ أَذِنَ الله وأمَّد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.

http://goo.gl/AtNSEJ