الجمعة، 22 سبتمبر 2017

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ

الجمعة 22 سبتمبر 2017م

خاطرة الجمعة /١٠١
(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ)

من أحب الأشياء إلى نفسي الحديث مع أحفادي؛ يفكرون بنقاء، يتحدثون بتلقائية، يجيبون بصدق، ويستجيبون بحماس.
الأسبوع الماضي، وكنا أنا وحفيدي عبد الله في طريقنا لصلاة العصر في مسجد رحمة الله المجاور لمنزلنا، سألته ما هي أحب صفةٍ يحبها في والده، فقال لي أنه يحب أشياء كثيرةً فيه، فطلبت منه تحديد شئٍ واحدٍ أو صفةٍ واحدةٍ هي أكثر ما يحبه فيه. قال دون تردد أن أكثر ما يحبه في أبيه أنه يسمح له بالذهاب للمحلات القريبة من البيت لشراء بعض الأغراض. قلت له: "حسناً" ثم سألته نفس السؤال عن والدته فكانت إجابته كما أخبرني عن والده، بأن هناك صفاتٍ كثيرةً، وأنه محتارٌ أيها يحبه أكثر من غيره، سألته عن أحبها إلى نفسه، ففكر ملياً ثم قال لي: "العدل"!
فوجئت برده، كيف لطفلٍ سنه ثماني سنواتٍ فقط أن يدرك مفهوماً مجرداً كمفهوم العدل؟ ثم ذهب تفكيري إلى اتجاه آخر: حمدت الله أن وفق والدته إلى تطبيق هذا المفهوم مع أبنائها مع وجود عاطفة الأمومة الجياشة لديها تجاههم، فقد تقود العاطفة صاحبها إلى التعامل بالهوى فهو أسهل من التعامل بالعدل الذي يتطلب تغليب العقل والمنطق أكثر من العاطفة والحب! إن الجمع بين عاطفة الأمومة وتعامل الأم بالعدل مع أبنائها للدرجة التي يحسونها ويلمسونها ويدركونها رغم صغر سنهم هي نعمةٌ من الله سبحانه وتعالى وتوفيقٌ منه، وهي دليل تقوى؛ حيث تقول الآية الكريمة: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ).

أحبتي في الله .. العَدلُ لُغةً هو: التَّوسُّطُ بَين الِإفراطِ والتَّفريط، من غير إجحافٍ ولا تَفضيل. هو الاعتدالِ في الأمور، وهو الإنصاف وإعطاء كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. وهو استِعمال الأُمور في مَواضِعها، وأوقاتِها، ووجوهِها، ومَقاديرها، من غير سَرَفٍ، ولا تقصيرٍ، ولا تقديمٍ، ولا تأخيرٍ. نَقيضُهُ الظُّلم والجوْر.
ولأهمية العدل وأثره في حياة الناس فقد بَيَّنَ الله لنا في كتابه الكريم أن نبينا الكريم مأمورٌ بالعدل؛ قال سبحانه على لسان النبي عليه الصلاة والسلام: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾، وأمرنا المولى عز وجل بما أمر به رسوله عليه الصلاة والسلام؛ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ﴾، كما أمرنا أن نحكم بين الناس بالعدل؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، ووصف سبحانه من يأمر بالعدل بأنه على صراطٍ مستقيم؛ قال: ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وعند اقتتال طائفتين من المسلمين يكون العدل هو عماد المصالحة بينهما؛ يقول تعالى: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، وعلى المسلمُ أن يقوم بتطبيق العدل على نفسه أو الوالدين أو الأقربين فيقرَّ بالخطأ ويعتذرَ لمن أساء إليه ويسارع بالإحسان؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾. وأوجب الله سبحانه وتعالى علينا أن إذا حكمنا بين الناس أن نلتزم بقول الحق ونعدل وننصف ولا نجور، ولو كان الذي يتوجب الحق عليه ذا قرابة، ولا تحملنا قرابة قريبٍ أو صداقة صديقٍ أن نقول غير الحق؛ قال سبحانه: ﴿إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ﴾. وفي المعاملات الخاصة فإن العدل مطلوبٌ، ففي حالة تداين الأفراد يكون العدل هو أساس كتابة الديْن؛ قال عز وجل: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾، وهو شَرْطٌ عند تعدد الزوجات إن خفنا ألا نقدر عليه ونلتزم به فزوجةٌ واحدةٌ فقط؛ فقال تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾. والبعد عن العدل هو اتباعٌ للهوى وقد نهانا سبحانه عن اتباع الهوى؛ قال عز وجل: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا﴾. ومن صور العدل العظيمة أن يقوم المسلمُ بتبنِّي قيم العدل مع الأعداء، فلا يجورَ عليهم، ولا يبخسَهم حقوقَهم، فهذا الأمر من أسس التقوى في دين الإسلام العظيم؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
ومِن سِمات العَدل في الإسلام أنّهُ لا عاطفةٌ فيه؛ فلا يتأثَّر بمالٍ أو عرقٍ أو نَسَب، ومِن ذلكَ حادِثةُ المرأةِ المخزوميَّةِ التي سَرقَت في عَهدِ رَسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام في غَزوةِ الفتحِ، فَفَزِع قومُها إلى أسامَةَ بن زيدٍ يَستشفِعونَه، فلمَّا كَلَّمَ أسامةُ رسول الله فيها تَلوَّن وَجهُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقال: [أتكلِّمُني في حدٍّ من حدودِ اللهِ؟]. قال أسامة: "استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ"، فلمَّا كان العَشيُّ قامَ رسولُ اللهِ خطيباً، فأَثنى على اللهِ بِما هو أهله، ثم قال: [أمَّا بَعدُ، فإنَّما أهلَكَ النَّاس قبلَكم أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهِم الشَّريفُ تركوهُ، وإذا سَرَق فيهم الضَّعيفُ أقاموا عليهِ الحدَّ، والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو أنَّ فاطِمةَُ بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدَها]. ثم أمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بتلك المرأةِ فقُطعت يدُها، فَحَسُنت توبتُها بعد ذلك.
وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين حريصين على إقامة العدل بين الناس؛ فهذا ابنٌ لعَمرو بن العاص قد اشترك مع غلامٍ من أقباط مصر في سباقٍ للخيول، فضرب ابن الأمير الغلام القبطي اعتماداً على سلطان أبيه، وكان عَمرو بن العاص رضي الله عنه واليًّاً على مصر في خلافة أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسافر والد الغلام القبطي المضروب صحبة ابنه إلى المدينة المنورة، وأتى أمير المؤمنين عُمر رضي الله عنه، وبَيَّن له ما وقع، فكتب أمير المؤمنين إلى عَمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة صحبة ابنه، فلما حضر الجميع عند أمير المؤمنين، ناول عُمر الغلام القبطي سوطاً وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عَمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه. ثم قال له أمير المؤمنين: "لو ضربت عَمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسلطان أبيه"، ثم التفت إلى عَمرو بن العاص قائلاً: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟".
ولله در شاعر النيل وهو يقول عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه:
وراعَ صاحبُ كسرى أن رأى عُمَراً
بين الرعيةِ عُطلاً وهو راعـيها
وعهده بملوكِ الفرسِ أن لـــها
سوراً من الجندِ والأحراسِ يحميها
رآه مستغرقاً في نومِه فــــرأى
فيــه الجلالةَ في أسمى معانيها
فوقَ الثرى تحت ظلِ الدوحِ مشتملاً
بــبردةٍ كاد طولُ العهدِ يبليها
فهان في عينِه ما كان يُكـــبره
مــن الأكاسرِ والدنيا بأيديها
وقال قولةَ حقٍ أصبحت مثلاً
وأصـبح الجيلُ بعد الجيلِ يرويها
أَمِنْتَ لما أقمـــتَ العدلَ بينهمُ
فنمــتَ نومَ قريرِ العينِ هانيها

وفي خلافة أمير المؤمنين عُمر بن عبد العزيز كان قتيبة بن مسلم الباهلي يفتح المدن والقرى ينشر دين الله في الأرض. بدأ قتيبة القتال وافتتح مدينة سمرقند دون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية ودون أن يمهلهم ثلاثة أيام قبل أن يبدأ القتال كعادة المسلمين. فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالفٌ للإسلام كتب كهنتها رسالةً وأرسلوها إلى عُمر بن عبد العزيز فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها "من عبد الله عُمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا"، فذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند فنصّب لهم القاضي جُمَيْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم، قالوا للقاضي: "اجتاحنا قتيبة ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا لننظر في أمرنا". فقال القاضي لخليفة قتيبة وقد مات قتيبة: "أنت ما تقول؟"، قال: "لقد كانت أرضهم خصبةً وواسعةً فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه". قال القاضي: "لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً". ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين من سمرقند على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية؛ فما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا وقد رحل الجيش الإسلامي كله عن أرض سمرقند، ثم دعا قائد الجيش أهل سمرقند إلى الإسلام أو الجزية أو القتال. فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالةٍ تنفذها الدولة على جيشها وقائدها، قالوا: "هذه أمةٌ حُكمُها رحمةٌ ونعمة"، فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين.
يقول العلماء أنه لا شك أن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها؛ ولهذا يُروى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرةً، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنةً". والمقصود أن الأمم الكافرة إن توفرت على معالم قيام الدول ونهضتها أقامها الله وجازاها بجنس عملها، ولا يظلم ربك أحداً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً، يُعطى بها في الدنيا، ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناتِ ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنةٌ يجزى بها]، فالله تعالى يعطيهم في الدنيا، أفراداً ودولاً، ما يستحقونه باعتبار ما عندهم من خيرٍ وما يبذلونه من حق. وهناك جانبٌ آخر لا يصح إغفاله، وهو أن الله تعالى قد ينصر أمةً كافرةً على أمةٍ مسلمةٍ عقوبةً لها على معاصيها، وهذا ما حصل في غزوة أُحد؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾.

أحبتي .. الصغار يتعلمون منا، هذا صحيحٌ، لكن صحيحٌ أيضاً أننا نحن الكبار نتعلم منهم؛ فقبل حديثي مع حفيدي عبد الله كنت أظن أن جميع القيم المجردة سواء، وأنها جميعها صعبةٌ عصيةٌ على إدراك الطفل، لكني تعلمت من عبد الله أن ليست جميع القيم المجردة كذلك؛ فقيمٌ مثل العدل والكرم والأمانة يمكن أن يعايشها الطفل في مواقف عمليةٍ في حياته اليومية هي بلا شك أسهل في إدراكها من قيمٍ مثل الشرف والنبل والكرامة قد لا تتوافر لها مواقف عمليةٌ في حياة الطفل اليومية ليستوعبها.
أحبتي .. عودة إلى موضوع العدل .. الأمر جد خطير .. فالعدل ليس أساساً للملك فقط وإنما هو أساسٌ لمجمل حياة البشر، هو ميزانٌ لو اختل ضاع من حياتنا كل معنىً للحق والخير والجمال .. أحبتي (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) .. فليعدل الوالدان مع أبنائهما، ويعدل المعلمون مع طلابهم، ويعدل الرؤساء مع مرؤوسيهم. ليعدل كلٌ منا في مجاله وفي محيطه وفي جميع معاملاته. ولنبادر إلى رد الحقوق إلى أصحابها ورفع المظالم وإشاعة العدل بين الناس في جميع مجالات الحياة لتستقيم أمورنا ونكون بحق أمةً وصفها المولى عز وجل بقوله: ﴿يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾.

ليكن لنا في الغامديَّة أسوةٌ حسنةٌ، وهي امرأةٌ من جهينة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، إني قد زنيتُ فطهِّرني"، وكانت متزوِّجةً محصنةً، وتعلم أن عقابها هو الرجم حتى الموت، فردَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُقِم عليها الحدَّ، ثم جاءت إليه فيما بعد وقالت: "إني لحُبْلَى من الزنا"، فطلب منها الرسول عليه الصلاة والسلام أن تذهب حتى تلد، فرجعت وبقيت شهوراً، فلما ولدت أتته بالصبي وقالت: "يا رسول الله، هذا ولدي قد ولدتُه"، فطلب منها أن تذهب فتُرضِع الطفل حتى تفطمه، فبقيت تُرضِعه حتى أصبح قادراً على أكل الطعام، فلمَّا فطمته أتته بالصبي في يده كسرةُ خبز، فقالت: "يا نبي الله، هذا ولدي بالزنا فطمتُه، وقد أكل الطعام"، حينذاك لم يبقَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقيم عليها حدَّ الرجم، فأمر فحُفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد رضي الله عنه بحجرٍ فرمى رأسها فنضح الدم على وجهه فسبَّها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبَّه إيَّاها، فقال: [مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبةً لو تابها صاحبُ مكسٍ {المرتكب أشنع المعاصي} لغُفِر له]، ثم أمر بها فصلَّى عليها ودُفِنت، فقال له عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟! فقال: [لقد تابت توبةً لو قُسِّمت بين سبعين من أهل المدينة لوَسِعَتْهم، وهل وجدتَ توبةً أفضلَ من أن جادت بنفسها لله تعالى؟].

هلَّا أقمنا العدل على أنفسنا فتطهرنا كالغامدية؟ هلَّا تطهر من أراق دم مسلم بغير حقٍ، أو سرق أو نهب أو عاث في الأرض فساداً؟ هلَّا تطهر من افترى وقال الزور وأغرق نفسه في مستنقعات الغيبة والنميمة؟ هلَّا تطهر كلٌ منا من ذنوبه صغيرةً كانت أو كبيرةً؟ هلَّا تُبنا من معاصينا قبل أن يوافينا الأجل؟
اللهم أَعِنَّا على أن نقيم العدل، وأَعِنَّا على أن نكون من التوابين ونكون من المتطهرين لنكون ممن تحبهم مصداقاً لقولك سبحانك: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرةٍ جديدة، إنْ أَذِنَ الله وأمَّد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.


http://goo.gl/AeGPir