خاطرة الجمعة /287
الجمعة 16 إبريل 2021م
(جبر الخواطر)
صاحبة هذه القصة امرأةٌ كتبت تقول: ﺃﻧﺎ ﻓﺘﺎﺓٌ ﻣﻠﺘﺰﻣﺔٌ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ
ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻋﺎلٍ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ،
ﻣﻀﺖ ﺑﻲ ﺍلسنون ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﺃﺣﺪٌ ﻟﺨﻄﺒﺘﻲ، ﻭﺃﻧﺎ أﺭﻯ
ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﺍلأﺻﻐﺮ ﻣﻨﻲ سناً تتزوجن وتنجبن ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ، إﻟﻰ أﻥ ﺑﻠﻐﺖُ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ 34 ﻋﺎﻣﺎً. ﻭﻓﻲ ﻳﻮﻡٍ ﺗﻘﺪﻡ ﻟﺨﻄﺒﺘﻲ ﺷﺎﺏٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻨﻲ ﺑﻌﺎﻣﻴﻦ، ﻭأﺧﻼﻗﻪ ﻻ ﻏﺒﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻃﺮﺕُ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺑﺪﺃﻧﺎ ﻧُﻌﺪ لعقد ﺍﻟﻘﺮﺍﻥ، ﻭﻃﻠﺐ خطيبي ﻣﻨﻲ ﺻﻮﺭﺓ بطاقتي ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ
ﺣﺘﻰ يجهز الأوراق المطلوبة للعقد، ﻓﺄﻋﻄﻴﺘﻬﺎ ﻟﻪ. ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﻴﻮﻣﻴﻦ ﻭﺟﺪﺕُ ﻭﺍﻟﺪة خطيبي ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻲ ﻭﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺳﺮﻉ ﻭﻗﺖٍ.
ذﻫﺒﺖُ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻬﺎ ﺗُﺨﺮﺝ ﺻﻮﺭﺓ ﺑﻄﺎﻗﺘﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ
ﻭﺗﺴﺄﻟﻨﻲ: "ﻫﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﻴﻼﺩك ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻄﺎﻗﺔ ﺻﺤﻴﺢ"؟
ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻬﺎ: "ﻧﻌﻢ"، قاﻟﺖ: "ﺇﺫﺍً ﺃنتِ قاربتِ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻙ"، ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻬﺎ: "ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﺜﻼثين"،
ﻗﺎﻟﺖ: "ﺍﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ؛ ﻓﺄنتِ
ﻗﺪ تجاوزتِ ﺍﻟﺜﻼثين، ﻭﻗﻠﺖْ ﻓﺮﺹ ﺇﻧﺠﺎﺑﻚ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺭﻯ ﺃﺣﻔﺎﺩﻱ"! ﻭﻟﻢ ﺗﻬﺪﺃ ﺇﻻ ﻭﻗﺪ ﻓﺴﺨﺖ ﺍﻟﺨﻄﺒﺔ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ اﺑﻨﻬﺎ، وربما لم تحس أو تشعر بأنها قد كسرت خاطري!
ﻣﺮﺕ عليّ ﺳﺘﺔ ﺃﺷﻬﺮٍ ﻋﺼﻴﺒﺔٌ؛ ﻛﺄﻧﻲ ﻛﻨﺖُ أحلق ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء
ثم ﻭﻗﻌﺖُ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ! ﻗﺮﺭ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﺃﻥ ﻳﺮﺳﻠﻨﻲ لأداء ﻋُﻤﺮﺓٍ ﻷﻏﺴﻞ ﺣﺰﻧﻲ ﻭﻫﻤﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ؛ ﻓﺴﺎﻓﺮﺕُ ﻭﺟﻠﺴﺖُ ﺑﺎﻟﺤﺮﻡ وصليتُ وﺩﻋﻮتُ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳُﻬﻲﺀ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻱ ﺭﺷﺪﺍً، ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﻧﺘﻬﻴﺖُ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺟﺪﺕُ بالقرب مني ﺇﻣﺮﺃﺓً ﺗﻘﺮﺃ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﺼﻮﺕٍ ﺟﻤﻴﻞٍ ﻭﺳﻤﻌﺘﻬﺎ
ﺗﺮﺩﺩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ
﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾، فإذا بدﻣﻮﻋﻲ ﺗﺴﻴﻞ ﺭﻏﻤﺎً ﻋﻨﻲ ﺑﻐﺰﺍﺭﺓٍ، ﻓﺠﺬﺑﺘﻨﻲ ﻫﺬه ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺿﻤﺘﻨﻲ
ﻭﺃﺧﺬﺕْ ﺗﺮﺩﺩ ﻋﻠﻲّ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، ﻭﺍﻟﻠﻪِ ﻛﺄﻧﻲ ﺃسمع
هذه الآية ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓٍ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻓﻬﺪأت ﻧﻔﺴﻲ. ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻣﺮﺍﺳﻢ ﺍﻟﻌﻤﺮﺓ، ﻭعدتُ إﻟﻰ ﺑﻠﺪﻱ، ﻭﺻﻠﺖْ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﻭﻧﺰﻟﺖُ ﻣﻨﻬﺎ ﻷﺟﺪ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ
ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﺭ، ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﺍﻥ ﺻﺪﻳﻖ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻭﻟﻢ ﺗﻤﺾِ ﻟﺤﻈﺎﺕٌ ﺇﻻ ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻓﺴﻠﻤﺖُ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺛﻢ ﻏﺎﺩﺭﺕُ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺼﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﺪﻱ. ﻣﺎ إﻥ ﻭﺻﻠﺖُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﺑﺪﻟﺖُ ﻣﻼﺑﺴﻲ ﻭﺍﺳﺘﺮﺣﺖُ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺣﺘﻰ ﻭﺟﺪﺕُ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻲ
ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺻﺪﻳﻖ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻣﻌﺠﺐٌ ﺑﻲ ﺑﺸﺪﺓٍ، ﻭﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﻲ، ﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻬﺬه ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺄﺓ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ. ؤﻟﻢ ﺗﻤﺾِ عدة ﺃﻳﺎﻡٍ
ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺗﻘﺪﻡ ﻟﻲ، وبعد ﺷﻬﺮٍ ﻭﻧﺼﻒ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﻛﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﺰﻭﺟﻨﺎ، ﻭﻗﻠﺒﻲ ﻳﺨﻔﻖ ﺑﺎﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ.
ﻭﺑﺪﺃﺕُ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻣﺘﻔﺎﺋﻠﺔً
ﻭﺳﻌﻴﺪﺓً، وﻭﺟﺪﺕُ ﻓﻲ ﺯﻭﺟﻲ ﻛﻞ
ﻣﺎﺗﻤﻨﻴﺘﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻜﻦ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺐٍ ﻭﺣﻨﺎﻥٍ ﻭﻛﺮﻡٍ ﻭﺑِﺮٍ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻭﺃﻫﻠﻲ. ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﻣﻀﺖ ﻭﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﻋﻠﻲّ ﺃﻳﺔ
علامةٍ من ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﻞ، ﻭﺷﻌﺮﺕُ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﺧﺎﺻﺔً ﺃﻧﻲ ﻛﻨﺖُ ﻗﺪ ﺗﺠﺎﻭﺯﺕُ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ
ﻭﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ، ﻭﻃﻠﺒﺖُ ﻣﻦ ﺯﻭﺟﻲ ﺃﻥ ﺃُﺟﺮﻱ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﻭﺍﻟﻔﺤﻮﺹ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺃﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻧﺠﺎﺏ؛ ﻭﺫﻫﺒﻨﺎ
ﺇلى ﻃﺒﻴﺒﺔٍ مشهورةٍ ﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻲ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ، ﻭﺟﺎﺀ ﻣﻮﻋﺪ ﺗﺴﻠﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺃﻭﻝ ﺗﺤﻠﻴﻞٍ
ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻮﺟﺌﺖُ ﺑﻬﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻟﻲ ﺇﻧﻪ ﻻ ﺩﺍﻋﻲ ﻹﺟﺮﺍﺀ بقية
التحاليل؛ "ﻣﺒﺮﻭﻙ ﻳﺎﻣﺪﺍﻡ، ﺃنتِ ﺣﺎﻣﻞ"!
ﻣﻀﺖ ﺑﻘﻴﺔ ﺷﻬﻮﺭ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﻼﻡٍ،
ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖُ ﻗﺪ ﻋﺎﻧﻴﺖ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓً ﺯﺍﺋﺪﺓً ﺑﺴﺐ ﻛﺒﺮ ﺳﻨﻲ، ﻭﺣﺮﺻﺖُ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺤﻤﻞ
ﻋﻠﻰ ﺃﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﺠﻨﻴﻦ ﻷﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﻪ ﺭﺑﻲ ﺧﻴﺮٌ ﻭﻓﻀﻞٌ ﻣﻨﻪ.
ﻭﻛﻨﺖُ أﺣﺲ ﺑﻜﺒﺮ ﺣﺠﻢ ﺑﻄﻨﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ، وﻓﺴﺮتُ ذلك ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﺧﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺇﻟﻰ ﺳﻦ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ. ﻭﺗﻤﺖ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ، ﻭﻟﻤﺎ ﺃﻓﻘﺖُ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﺟﺪﺕُ ﺃﻫﻠﻲ ﻭﺃﻫﻞ
ﺯﻭﺟﻲ ﺣﻮﻟﻲ ﺟﺎﻟﺴﻴﻦ ﻳﻀﺤﻜﻮﻥ
ﻓﺴﺄﻟﺘﻬﻢ: "ﻣﺎﺫﺍ ﺃﻧﺠﺒﺖ"؟ ﺭﺩﻭا ﺑﺼﻮﺕٍ ﻭﺍﺣﺪٍ: "ﺑﻨﺖٌ ﻭﺻﺒﻲ"، ﻫﻤﺴﺖُ في نفسي: "ﺗﻮﺃﻡ؟! جبرتَ
بخاطري يا رب، ما أكرمك"، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺩﻣﻮﻉ ﺍﻟﻔﺮﺡ ﺗﻐﺴﻞ ﻭﺟﻬﻲ، ﻭﺗﺬﻛﺮﺕُ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻡ الشريف بمكة وهي تتلو الآية الكريمة: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى﴾، وتذكرتُ قول ﺍﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ:
﴿ﻭَﺍﺻْﺒِﺮْ ﻟِﺤُﻜْﻢِ ﺭَﺑِّﻚَ ﻓَﺈِﻧَّﻚَ ﺑِﺄَﻋْﻴُﻨِﻨَﺎ﴾.
أحبتي في الله .. تقول صاحبة القصة: عندما يُشيع الميت إلى مثواه الأخير
يُسأل أهله عما إذا كان عليه دَيْنٌ حتى يسددوه عنه، لكن هناك ديوناً معنويةً من
يا تُرى سوف يسددها عنه؟ فمن سوف يسدد ديون من يكسر خاطر أحدٍ في هذه الدنيا؟ لكن
الله لطيفٌ بعباده، رؤوفٌ بهم، وهو سبحانه وتعالى الذي يهيئ لهم الخير ويجبر
خاطرهم.
والجبر كلمةٌ مأخوذةٌ من «الجبار» وهو من أسماء الله الحسني، معناه:
"الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ
والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ،
فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ".
يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى
مَعَادٍ﴾، عن هذه الآية يقول المفسرون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب
مكة التي وُلد فيها ونشأ أُخرج منها ظلماً، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا
الفراق الأليم إلى شيءٍ من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآناً مؤكداً
بقسمٍ؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولاً، وأمرك بتبليغ شرعه، سيردك إلى
موطنك مكة عزيزاً منتصراً، وهذا ما حصل، والآية بهذا المعنى فيها جبرٌ لخاطر النبي
عليه الصلاة والسلام.
وفي موضع آخر يقول تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، فسر
العلماء هذه الآية بقولهم إنها رسالةٌ إلى كل مهمومٍ ومغمومٍ، وتسليةٌ لصاحب
الحاجة، وفرجٌ لكل من وقع ببلاءٍ وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلبٍ لجأ إليه بصدق. ومثلها
في ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ
فَلَا تَنْهَرْ﴾، ففيه كما يقول العلماء أجمل تطييبٍ للخاطر، وأرقى صورةٍ للتعامل؛
فكما كنتَ يتيماً يا محمد -عليك أفضل الصلاة وأزكى السلام-، فآواك الله، فلا تقهر
اليتيم، ولا تُذله، بل: طيِّب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به.
وكان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم بين السجدتين: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي، وَاجْبُرْنِي،
وَارْفَعْنِي].
يقول أهل العلم إن (جبر الخواطر) من العبادات الخفية، ربما لزهد الناس بها
وغفلتهم عنها، ومع ذلك فأجرها يفوق الكثير من العبادات والطاعات، حتى أن أحد
العلماء قال عنها: “ما رأيت عبادةً يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه
المسلم”.
و(جبر الخواطر) لا يحتاج إلى كثير جهدٍ ولا كبير طاقةٍ؛ ربما يحتاج البعض
لمساعدةٍ ماليةٍ، وربما ينتظر البعض قضاء حاجةٍ، لكنهم جميعاً في حاجةٍ إلى
المعاملة الحسنة والبشاشة والكلمة الطيبة والابتسامة؛ قال النبي عليه الصلاة
والسلام: [لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ
طليقٍ]، وقال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ
بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ
الْخُلُقِ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ]،
فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا، ونجبر خواطرهم،
ولا نبخل على أنفسنا بأعمال بسيطةٍ لها أجرٌ كبيرٌ بإذن الله.
أحبتي .. إياكم وكسر الخواطر؛ فإنها ليست عظاماً تُجبر، بل أرواحٌ تُقهر.
يقول أحدهم عن (جبر الخواطر): ما أجمل أن نتقصد الشراء من بائعٍ متجولٍ في حر
الشمس يُضطر للسير على قدميه باحثاً عن رزقه مساعدةً له وجبراً لخاطره. وما أروع
أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصاً عندما نعلم أن خطأه غير مقصودٍ وأن تاريخ
صحبتنا معه طيبٌ نقيٌ، فالصفح عنه ومسامحته تُطَيِّبُ نَفسه وتَجبرُ خاطره. وتبادل
الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والأحباب من أجمل ما يُدخل الفرحة للقلب والهناء
للنفس وهي سبيل الحب، وبساط الود، وطريق الألفة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:
[تَهادَوْا تَحابُّوا]. كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه وذلت
نفسه وضاق صدره، ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيباً، ولو كان قليلاً، بذلك نجبر
كسره ونُطيِّب قلبه ولا نُشعره بالنقص.
اللهم اجبرنا يا جبار، واجعلنا ممن يجبرون بخواطر الناس، واجعل ذلك في
موازين حسناتنا، وضاعفه لنا وأنت أكرم الأكرمين.
https://bit.ly/3e9q1sF