الجمعة، 14 أكتوبر 2016

إنها سُنة!

الجمعة 14 أكتوبر 2016م

خاطرة الجمعة /٥٣
(إنها سُنة!)

قبل حوالي أربعين يوماً، وفي صلاة عيد الأضحى، ما إن التفت الإمام إلى يساره وقال: "السلام عليكم ورحمة الله" مُنهياً بذلك صلاة العيد حتى بادر عدد كبير من المصلين إلى مغادرة المصلى من غير أن يستمعوا إلى خطبة العيد. لفت انتباهي أن أحد هؤلاء ظل واقفاً طوال فترة الخطبة بالقرب من المصلى يتبادل التهاني مع أهله وجيرانه، فتوجهت إليه بعد انتهاء الخطبة، هنأته بالعيد، فرد التهنئة بأحسن منها، ولا أدري كيف تجرأت وسألته عن سبب عدم متابعته للخطبة بعد الصلاة، فكان جوابه ببساطة (إنها سُنة!).
تذكرت هذه الواقعة بعد صلاة الجمعة الماضية في المسجد الكبير القريب من بيتنا، حين لاحظت أن الكثير من المصلين يغادرون المسجد بعد الاستماع لخطبة الجمعة وأداء الصلاة قبل أن يصلوا ركعتي السنة. لم أسأل هذه المرة أحداً ممن سارعوا إلى مغادرة المسجد، لكن الأمر كان محل نقاش بيننا ونحن عائدون من المسجد، فنحن مجموعة من الجيران نذهب إلى صلاة الجمعة فرادى ونعود منها عادةً معاً، حيث اتفق ثلاثتنا على أنه ومع التسليم بأن بعض من لا يصلون السنة في المسجد يصلونها في البيت "وهذا أفضل لتوافقه مع سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام"، إلا أنه ما تزال توجد مشكلة تكمن في أن البعض لا يهتمون بالمحافظة على السنن بصفة عامة، ربما يلتزمون بأداء الفروض أما حين تسأل أحدهم عن سبب عدم أداء سنة الظهر أو المغرب أو العشاء مثلاً تجد الرد جاهزاً؛ (إنها سُنة!)، فإذا أردت أن تبين أهمية السُنة وضرورة الاهتمام بها والمحافظة عليها، قد تجد من يقول لك: "لا تقل لي قال الرسول، قل لي فقط قال الله"!

أحبتي في الله .. السُنة الشريفة هي كل ما أُثر عن النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية. وكلنا يعلم أن السُنن ليست فروضاً، وأن حكمها الشرعي أن يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: "هل يمكن لأي مسلم ترك سُنة النبي عليه الصلاة والسلام بالكلية؟"؛ الإجابة بالتأكيد: لا، لا يمكن لأي مسلم ترك السنة النبوية الشريفة كلها؛ وإلا فليدلنا أحدٌ على الآية من القرآن الكريم التي تحدد لنا عدد ركعات كل صلاة من صلواتنا اليومية الخمس، أو كيفية أدائها. وأين هي الآيات الكريمة التي تحدد أنصبة الزكاة، أو تلك التي تبين لنا مناسك الحج؟
إن في السُنة النبوية الشريفة توضيح وشرح وبيان لكثيرٍ مما ورد في القرآن الكريم مجملاً .. السُنة النبوية هي تطبيق وبيان عملي لآيات القرآن الكريم. يصف المولى عز وجل في كتابه الكريم ما ينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه وحيٌ منه؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾، ويقول تعالى آمراً المسلمين أمراً صريحاً واضحاً لا لبس فيه بطاعته وطاعة الرسول: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، ويُفَصِّل المولى عز وجل طاعة الرسول بأخذ ما أتانا به والانتهاء عما نهانا عنه؛ يقول تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾، ويتوعد العزيز الحكيم مَن لا يأخذ بما آتانا به الرسول وينتهي عما نهانا عنه بالعقاب الشديد فيقول في نفس الآية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

أحبتي .. لم تُنقل وتُوصف حياة أحدٍ من البشر على مر التاريخ كما نُقلت ووُصفت حياة وسيرة الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي بُعث هادياً للبشرية جمعاء، ليكون بالنسبة لنا قدوةً حسنة؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾، فلا يجوز لمسلم أن يتحدث عن سنة نبينا الكريم باستخفافٍ أو استهانة أو تقليل شأنٍ بقوله: (إنها سُنة!)، يقولها ولسان حاله يكاد يقول: "إنها *مجرد* سُنة"!
أخشى ما أخشاه أن نجد من بيننا من يدعو إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم وترك ما سواه بحجة أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ القرآن ولم يتكفل بحفظ السنة، فهذا كلامٌ ظاهره حقٌ لكن يُراد به الباطل؛ فمثل هذه الدعوة هي معول هدمٍ للقضاء على شريعة الإسلام، لقد حذرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم من هؤلاء حين قال: [يُوشِكُ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ عَنِّي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ].
لا شك أن الأمر بالتمسُّك بالكتاب والسُّنَّة والاعتصام بهما من أساسيات الدِّين؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾، وقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
وقال النبي المختار صلَّى الله عليه وسلَّمَ: [عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاء المهديِّين الراشِدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ]، وقال: [خَيْر الحَديثِ كِتابُ الله، وخَير الهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ]، وقال: [ألَا إنِّي أوتيتُ الكِتابَ ومثلَهُ معهُ]، كما قال: [فمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي، فلَيسَ منِّي].
فليحذر أن يخرج من الملة من يقول: (إنها سُنة!) إذا كان يقصد أنها شيء ثانويٌ أو أمرٌ لا يُعتد به!
هدانا الله وإياكم .. وهدى جميع المسلمين، إلى ما فيه الصواب والسداد.

نلتقي على خيرٍ الجمعة القادمة، في خاطرة جديدة، إن أذن الله وأمد في أعمارنا.
تقبل الله منا ومنكم.


https://goo.gl/HIxSrW