الجمعة، 13 أكتوبر 2023

أنا مسلم

 خاطرة الجمعة /416

الجمعة 13 أكتوبر 2023م

(أنا مسلم)

«ستيفان ليكا» أستاذٌ جامعيٌ رومانيٌ نصرانيٌ اعتنق الإسلام وتسمى باسم «محمد ليكا» يروي قصة إسلامه فيقول: اعتناقي للإسلام كان بسبب المعاملة اللطيفة من أحد الإخوة المسلمين؛ حيث سافرتُ أنا وزوجتي إلى «تركيا» للسياحة، وفي الليل، وبالخطأ، أضعتُ الطريق؛ فاستوقفتُ أحد المارة، وسألته: "هل تعرف هذا العنوان؟" وأريته عنوان الفندق. قال: "ليس هناك أي فندقٍ في هذه القرية، ولكني أرجو أن تكون ضيفي في هذه الليلة". لم يكن أمامنا في هذا الوقت المتأخر من الليل إلا أن نقبل عرضه؛ فذهبنا إلى بيته، وكان مظلماً لم أرَ شيئاً إلا الباب الأمامي الذي كان مفتوحاً، رأيتُ بالداخل خمسة أطفالٍ وسيدتين كبيرتين في السن؛ فقلتُ في نفسي: "هذا المكان آمن". دعاني وزوجتي أن ندخل، ثم دعانا لتناول العشاء البسيط جداً، وقد شعرنا براحةٍ كبيرةٍ بسبب الطريقة التي عاملنا بها. وقال لنا: "أنتما تنامان هنا، وأما نحن فلدينا مكانٌ آخر للنوم". في صباح اليوم التالي، بعد استيقاظي من النوم، بحثتُ عنه لأشكره قبل أن نواصل رحلتنا، عندما خرجتُ من الدار، كان الوقت نهاراً، وأستطيع أن أرى كل شيءٍ.

اكتشفتُ أنه لا يوجد في هذه الدار إلا غرفةٌ واحدةٌ هي كل بيته، وأن هذا الأخ وخمسة أبناءٍ له وزوجته وأمه كانوا نائمين في الخارج تحت شجرةٍ في العراء والبرد الشديد، كدتُ أن أُصعق من المفاجأة، ذهبتُ إليه، وقلتُ له: "أأنت مجنونٌ، لماذا فعلتَ هذا؟"، نظر إلى وجهي وهو يبتسم، وقال: "لا، أنا لستُ مجنوناً، أنتما مسافران ويجب عليَّ أن أساعدكما وأقدم لكما أي شيءٍ أقدر عليه، لأن ديني يأمرني بذلك فأنا مسلم". عندما قال: "(أنا مسلم)"، كان وجهه منيراً ومتوهجاً كالنار، وكنتُ مندهشاً جداً، وزوجتي بدأت تبكي؛ قلتُ لها: "انظري، ما الذي تعرفينه عن الإسلام، وقد رأيتِ كيف يعاملنا هذا الشخص؟". طلبتُ من الرجل أن يحدثنا عن الإسلام؛ فقال: "لا أعرف كثيراً عن الإسلام، لكن اقرأوا القرآن، كما يمكنك قراءة السنة، وعندها ستعرف عن الإسلام".

عُدنا إلى «رومانيا» وذهبتُ فوراً إلى أقرب مكتبةٍ واشتريتُ مصحفاً وبعض كتب الحديث، وبدأتُ بالقراءة. قرأتُ باستمرارٍ لمدة شهرين تقريباً، بعدها فتح الله قلبي للإسلام وقلتُ: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" وأصبحتُ مسلماً في 17 يناير 1993م والحمد لله.

عندما علم أبو «محمد ليكا» بإسلام ابنه طرده، وقاطعته أمه، ومع ذلك فقد نجح في إقناعهما بالإسلام. وتحدث مع إخوته عن حقيقة الإسلام؛ فأشهروا جميعاً إسلامهم. ثم قرر دعوة أهل منطقته وما حولها إلى الإسلام. ثم جهّز سيارةً بشعاراتٍ مكتوبةٍ بعدة لغاتٍ وسافر بها إلى العديد من الدول دعا الناس فيها إلى الإسلام. واعتنقت أعدادٌ كبيرةٌ من النصارى الإسلام على يديه. كما زار دولاً عربيةً وإسلاميةً أيضاً يدعو المسلمين فيها إلى أخلاق الإسلام. أصبح الإسلام شغله الشاغل. اجتهد في الدعوة بأسلوبه وطريقته الفريدة. أُصيب وتعرض إلى العديد من المخاطر والسرقة. أنفق كل ما يملكه في رحلة الدعوة إلى الإسلام؛ كان يعمل في الجامعة ثلاثة شهورٍ ثم يُنفق ما يتحصل عليه من أجرٍ على رحلة الدعوة إلى الإسلام، ثم يعود إلى عمله ثلاثة شهورٍ أخرى ثم يرجع إلى السفر واستكمال رحلة الدعوة إلى الإسلام.

يقول «محمد ليكا»: "إن مفتاح الكلام مع الكاثوليك عن الإسلام يكمن في سورة «مريم»؛ فمعظمهم لا يعلمون أن السيدة «مريم» مذكورةٌ في القرآن، وعندما أقرأ لهم آياتٍ من القرآن تتحدث عنها يبكون من شدة احترامهم لها". يقول أيضاً: "كنتُ أطوف مشياً على الأقدام للتعريف بالإسلام، سرتُ على قدميّ قرابة ثلاثين ألف كيلو متر، زرتُ أربعين دولةً، استهلكتُ خلالها خمساً وخمسين زوجاً من الأحذية، وبعدها -وإلى الآن- استخدمتُ السيارة في سبيل الدعوة إلى الإسلام". ويضيف قائلاً: "إن الله أعطاني هديةً رائعةً هي الإسلام الذي يجب عليّ نشره بين بني البشر في هذه الرحلة التي أقوم بها. عندما رأيتُ أكثر من ألف شخصٍ أصبحوا مسلمين، ورأيتُ الثمرة الطيبة لهذا النشاط قررتُ أن أفعل شيئاً للإسلام في بلدي «رومانيا»، والآن في منطقتنا لدينا أكثر من ثمانين ألف مسلمٍ. كما قررتُ أن أبني المركز الإسلامي ليصبح داراً لتعليم الناس القرآن وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأنا هذا المشروع، وقد قاربنا على إنهائه، وبقي علينا القليل للانتهاء منه. حلمي أن نجعل نشاط الدعوة منتشراً في جميع أنحاء العالم، وهدفي هو هداية الناس بتعريفهم على الإسلام؛ فالشخص إذا قرأ القرآن بقلبٍ مفتوحٍ بالتأكيد سيُغيّر رأيه عن الإسلام وسيتبع هَدي النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، هذا هو حلمي وأنا أعمل من أجل تحقيقه، وأتمنى أنني عندما أنتهي من بناء المركز الإسلامي للدعوة في «رومانيا» أن يستمر نشاطنا؛ لأن علينا مسئوليةً كبيرةً؛ فالله أعطانا نعمة الهداية ونعمة الإسلام فيجب علينا نشر هذه النعمة".

 

أحبتي في الله.. عن الرجل التركي الذي استضاف «محمد ليكا» وزوجته، كتب ناشر القصة يقول: هذا كان موقف رجلٍ مسلمٍ بسيطٍ، ولكنه صاحب فهمٍ وخُلقٍُ إسلاميٍ رفيع، كان تصرفه سبباً في إسلام رجلٍ أنجاه الله به من النار، ليس هذا فحسب ولكنه شهد مولد داعيةٍ إسلاميٍ كبيرٍ، يحمل هَمّ دينه، ويجوب دول العالم يدعو إلى ربه حتى أسلم على يديه قرابة ألف شخصٍ، لا يعلم إلا الله ما فعله كل واحدٍ منهم لخدمة دينه الجديد، كل ذلك وكل هؤلاء الرجال وكل ما فعلوه للإسلام في ميزان حسنات رجلٍ تركيٍ مجهولٍ لدينا، لكنه معلومٌ عند الله، نال ذلك بفهم حقيقة الإسلام ودعوته له بالخُلُق وفعل الخير قبل أن تكون دعوته باللسان والكلام. وقصة إسلام «محمد ليكا» مع بساطتها تُعبِّر عن الوجه الواقعي الذي ربى الإسلام عليه أتباعه، والأخلاق الرائعة التي دعا إليها أنصاره، ولو أنهم تمسكوا به وحققوه في حياتهم لأسلم أكثر من في الأرض من غير أن ينطق المسلمون بكلمةٍ واحدة.

 

تحمل القصة دلالاتٍ كثيرةٍ أقف عند إحداها؛ وهي قول الرجل التركي البسيط (أنا مسلم)، قالها بصدقٍ وتلقائيةٍ وفخرٍ واعتزاز، فخرجت من قلبه مباشرةً إلى قلب ضيفه وزوجته فكان لها وقع السحر عليهما، فحركت فيهما مشاعر قادتهما إلى اعتناق الإسلام مصداقاً لقول المولى عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾؛ فعندما سُئل ذلك الرجل القروي البسيط لماذا فعل ذلك؟ لم يقل: "لأنني تركيٌ"، أو "لأن هذا واجبٌ إنسانيٌ"، أو "لأن هذه أخلاقنا وعاداتنا"، وإنما قال: "(أنا مسلم)"، قالها بغير تردد. قدَّم الرجل ما استطاع تقديمه لضيفيه ببساطةٍ وبغير تكلفٍ؛ حُسنَ استقبالٍ وطعاماً ومأوىً، وكأنه يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ]. يقول شُراح الحديث: يُبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم لا يجب عليه أن يُحقِّر أي: يُقلِّل من المعروف أي: من فعل الخير؛ شيئاً ولو أن يلقى أخاه بوجهٍ طلقٍ أي: ضاحكٍ مُستبشرٍ. وفي الحديث أن من هديه صلى الله عليه وسلم فعل المعروف وإن قلّ.

وعن أهمية العمل الصالح حتى ولو كان قليلاً قال النبي عليه الصلاة والسلام: [خُذُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا، وإنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللَّهِ ما دَامَ وإنْ قَلَّ]، كما قال صلى الله عليه وسلم في نفس المعنى: [مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ].

 

أحبتي.. أكاد أُجزم أن ذلك الرجل التركي المسلم البسيط لا يعلم شيئاً عن الآثار الهائلة التي ترتبت على ما قام به من عملٍ اعتبره هو عادياً، وكان في قرارة نفسه يعلم أن ما يدفعه إلى ذلك هو دينه؛ فكان رده عندما سُئل عن سبب ما فعل: (أنا مسلم)، قالها بتلقائيةٍ وعفويةٍ ومضى إلى حال سبيله دون أن يُدرك الزلزال الذي أحدثته هذه العبارة القصيرة المقتضبة في شخصين، ثم توابع ذلك الزلزال في نفوس كثيرين أسلموا، وفي جهودٍ طيبةٍ ما يزال أثرها يتزايد يوماً بعد يومٍ إلى ما شاء الله، يظل ثوابها في ميزان حسناته حياً وميتاً.

فلنتواصَ أحبتي بفعل الخير مهما قلّ، وبالأعمال الصالحة مهما بدت لنا صغيرةً، مع استحضار نيةٍ خالصةٍ نقصد بها وجه الله تعالى؛ فيكون لهذا الفعل أو العمل البسيط أثرٌ عظيمٌ ننتفع به في دنيانا وآخرتنا؛ يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

لكن لابد من أن يقول كلٌ منا إذا سُئل لماذا فعلتَ ذلك؟: "(أنا مسلم)"، بل والأفضل أن يقول: “إنني من المسلمين"؛ حتى يوافق ما ورد بالآية الكريمة بالنص، المهم ألا يقلها بانكسارٍ ولا بضعفٍ وخجل، بل بقوةٍ من غير غرور، وبفخرٍ من غير تعالٍ، وبثقةٍ من غير تكبرٍ.

هيا إذن نُسارع ونتسابق في التزود بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات؛ وصدق الشاعر حين قال:

تزوَّدْ للذي لا بدَّ مِنهُ

فإن المَوتَ مِيقاتُ العِبادِ

وتُبْ مما جنَيتَ وأنتَ حيٌّ

وكُن مُتَنبِّهًا قبلَ الرُّقادِ

ستَندمُ إن رحَلتَ بغيرِ زادٍ

وتَشقى إذ يُناديكَ المُنادِي

أتَرضى أنْ تَكونَ رفيقَ قومٍ

لهم زادٌ وأنتَ بغيرِ زادِ؟

تقبل الله منا ومنكم ومن جميع المسلمين أعمالنا الصالحة وإن قَلَّت أو صَغُرَت في أعيننا.

https://bit.ly/46r3Gkh