الجمعة، 1 يوليو 2022

أفضل أيام الدنيا

 

خاطرة الجمعة /350


الجمعة 1 يوليو 2022م

(أفضل أيام الدنيا)

 

يقول أحد الأخوة: كلما اقتربت أيام العشر من ذي الحجة ويوم عرفة أتذكر «سباستيان»! فمن هو «سباستيان»؟ وما علاقته بالأيام العشر ويوم عرفة؟

يقول: في أكتوبر سنة 2012م أجرت سلسلة محلاتٍ ألمانيةٍ شهيرةٍ اسمها «ساتورن Saturn» مسابقةً كبيرةً جداً لجمهور صفحتها على «فيسبوك» احتفالاً بافتتاح فرعها رقم 150 في «ألمانيا»؛ الفائز بهذه المسابقة يُسمح له بدخول المحل لمدة 150 ثانيةً فقط يأخذ فيها كل ما يستطيع أن يحمله مجاناً بدون أن يدفع شيئاً! انتهت المسابقة وتم الإعلان عن الفائزين، وكان من بين الفائزين شابٌ عمره 27 سنةً اسمه «سباستيان»، وكانت هناك يوم المسابقة تغطيةٌ إعلاميةٌ رهيبةٌ، بدأ العد التنازلي للـ 150 ثانية، وبدأ الفائزون يدخلون واحداً تلو الآخر ليأخذوا ما يُريدون ويخرجوا؛ هناك من كان يركض ويقع، وهناك من يأخذ أشياءً لا يحتاجها ثم يرميها ويأخذ غيرها، وآخرون يأخذون أي شيءٍ يجدونه أمامهم، وأكثرهم خرج بأشياءٍ غير ذات قيمةٍ أو أشياءٍ ليس في حاجةٍ لها أصلاً، لكن العجيب أن «سباستيان» هذا دخل بمُنتهى السرعة والنظام والتركيز، وكأنه يعرف تماماً ماذا يفعل! أخذ شاشاتٍ كبيرةً وسحبها إلى الخارج، موبايلات، وتابلتس، ولاب توبس، وأجهزةً من كل الأشكال والألوان، ومن أفخم الماركات وأغلى الأسعار، يضعها فوق بعضٍ بترتيبٍ عجيبٍ ويخرج بها، يضعها على الأرض، ثم يدخل مرةً أخرى! استغرب الناس من أدائه واختياراته، حتى أنه استطاع في آخر الثواني أن يسحب ثلاجةً كبيرةً ويُخرجها من المحل! انتهت الـ 150 ثانية، وخرج «سباستيان» هذا وسط تهليلٍ فظيعٍ من الجمهور، وسقط على الأرض من شدة تعبه. قُدرت قيمة الأشياء التي أخذها في الـ 150 ثانية -أي في دقيقتين ونصف- بـ 29 ألف يورو!

أول ما قال «سباستيان» بعدما خرج: "لقد نجحت استراتيجيتي!"؛ فأجروا معه لقاءً تلفزيونياً وسألوه: ماذا يقصد بذلك، فرد قائلاً: "إني من اليوم الذي سمعتُ به عن المسابقة وأنا أذهب إلى هذا المحل يومياً، أُخطط وأحفظ أماكن الأشياء الغالية التي أُريد أن آخذها، وأرتب مساري وأولوياتي وطريقي داخل المحل الكبير لأعرف كيف أخرج بأكبر قدرٍ مُمكن من المكاسب خلال الـ 150 ثانية هذه، وبالتالي عندما وقع عليّ الاختيار كنتُ جاهزاً ومُستعداً؛ فكانت أول كلمةٍ لي بعد الانتصار لقد نجحت استراتيجيتي".

 

أحبتي في الله.. لم أكن لأكتب هذه القصة لولا أنها تُمثل طريقة تفكيرٍ ذكيٍ يُمكن لنا كمُسلمين أن نستفيد منها في التعامل مع ما يُنعم به الله سبحانه وتعالى به علينا من رحمة وفضل بتخصيص مواسم للعبادات والطاعات تتضاعف فيها الأجور وتزداد الحسنات، كهذه الأيام الطيبة المباركة، العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة؛ فهي (أفضل أيام الدنيا)؛ أقسم بها المولى عزَّ وجلَّ، -ولا يُقسم إلا بعظيمٍ- فقال: ﴿وَلَيَالٍ عَشْر﴾ يقول المفسرون "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أفضلُ أيامِ الدُنيا أيامُ العَشْر] يعنى عشر ذي الحجة. قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: [ولا مثلهن في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ عفَّر وجهَه في التراب].

وقال عليه الصلاة والسلام: [مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ] يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: [وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ].

 

لم يفت هذا المعنى راوي القصة فعقّب عليها بقوله: العبرة التي أخذتُها من هذه القصة، أنه كلما اقتربت أيام العشر ويوم عرفة، تذكرتُ «سباستيان» هذا، وقلتُ لنفسي: "أنا أولى في الفوز من هذا الرجل في التخطيط ليومٍ عظيمٍ كيوم عرفة! «سباستیان» خرج بأشياءٍ قيمتها 29 ألف يورو في دقیقتین ونصف، یا تُرى بماذا سأخرج أنا من هذه الأيام ويوم عرفة وهي (أفضل أيام الدنيا)؟". قال الأوزاعي رحمه الله: "أدركتُ أقواماً كانوا يُخبئون الحاجات ليوم عرفة ليسألوا الله بها"، فكيف تعلم قيمة وفضل تلك الأيام العظيمة ويوم عرفة ولا يكون لديك خطةٌ لاستثمار تلك الأيام؟! كيف تعلم أن هذا اليوم -يوم عرفة- هو الذي يعتق الله فيه الناس النار، وهو اليوم الذي يُباهي الله بعباده ملائكته، وأن صيامه يُكفِّر السنة الماضية والسنة القادمة، وأن العمل الصالح فيه أفضل مما دونه من الأيام، وأن خير الدعاء وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، كيف تعلم كل ذلك ولا تُجهِّز نفسك لعباداتك ودعواتك؟! هناك أناسٌ كثيرون حصلت لهم مُعجزاتٌ بسبب دعاء يوم عرفة! جهز قائمةً لكل ما تتمناه في دُنياك وآخرتك من الآن، وانزل يوم عرفة إلى أي مسجدٍ، أو حتى في غرفةٍ في بيتك، من العصر إلى المغرب، وادعُ ربك واطلب منه كل حاجاتك من خيريّ الدنيا والآخرة. إن كنتَ فقيراً، أو ليس لديك عمل، أو تائهاً، أو ذنوبك كثيرةٌ، ماذا تنتظر؟ جهِّز قائمة دعواتك من اليوم، أمامك عشرة أيامٍ من (أفضل أيام الدنيا) ويوم عرفة.

قال عبد الله بن المبارك: "جئتُ إلى سُفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إليّ، فقلتُ له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له".

انتبه إنه يوم عرفة القادم إن شاء الله، إنّه يومٌ شرّفه الله، إنّه يومٌ عظّمه الله، إنَه يومٌ يُباهي الله بأهل عرفة أهل السماء، إنّه يوم العتق من النيران، إنّه يوم الطاعة والاجتهاد في العبادة، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة.

واجتهد ألا يخلو نَفَسٌ من أنفاسِكَ إلا في عمل طاعةٍ أو قُربةٍ تتقرب بها، فإنها لو كانت معك جوهرةٌ من جواهر الدنيا لساءك ذهابها، فكيف تُضيِّع (أفضل أيام الدنيا)؟! إذا كانت ليلة القدر مجهولةً فإن يوم عرفة معلومٌ، وإذا كانت ليلة القدر تتنزل فيها الملائكة، فإن الله ينزل يوم عرفة؛ فاغتنموا الفرصة، واجتهدوا ما استطعتم في يوم عرفة، وهو يومٌ واحدٌ في السنة: نم ليلة عرفة مُبكراً لتتقوى لطاعة الله، قُم قبل الفجر لتتسحر بنية صوم هذا اليوم ثم صلِّ ركعتين أو أربع على الأقل، وادعُ ربك وأنت ساجدٌ بخيري الدنيا والآخرة واحمده أنه بلّغك يوم تنزل فيه الرحمات والمغفرة، قبل الفجر اقضِ وقتاً في الاستغفار حتى تُكتب عند الله من المستغفرين في الأسحار، استعد لصلاة الفجر قبل الآذان بخمس دقائق واستشعر أن ذنوبك تخرج مع آخر قطرةٍ أثناء الوضوء، ثم قُل دعاء ما بعد الوضوء، صلِّ الفجر، واجلس في مُصلاك إلى ما بعد الشروق ب 15 دقيقة، ابدأ التكبير بعد السلام مباشرةً، أنت الآن في مُصلاك حتى الشروق تقرأ القرآن وتُسبح وتُهلل وتحمد الله ولا تنسَ أذكار الصباح، صلِّ ركعتي الشروق ليُكتب لك أجر حجةٍ وعُمرةٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك أن تضيعها، أنت الآن مُخيرٌ إن استطعتَ ألا تنام اليوم كاملاً فلا تُضيّع ثانيةً واحدةً إلا وأنت في ذِكرٍ ودعاءٍ وكُن على يقينٍ بالإجابة، أو تنام ساعةً تنوي بها أن تتقوى على طاعة الله، ثم تقوم من النوم تتوضأ وتُصلي أربع ركعاتٍ على الأقل صلاة الضُحى وتُنوِع في الطاعات حتى لا تمل: تكبيرٌ ذِكرٌ تلاوةٌ وأكثِر من "لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير"، صلِّ الظهر وكبِّر وسبِّح واقرأ شيئاً من القرآن، استمع إلى خُطبة عرفاتٍ بكل جوارحك، صلِّ العصر وكبِّر وقُل أذكار المساء، اقرأ القرآن إلى قبل المغرب بساعةٍ تقريباً، ادعُ الله ألا تغرب شمس عرفة إلا وأنت من عُتقائه من النار، ابدأ الدعاء بالحمد والثناء على الله ثم الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم الدعاء لنفسك ووالديك وزوجك وأولادك وإخوانك وأهلك ولا تنسَ الدعاء لإخوانك المسلمين في كل مكان.

 

يقول أحد العارفين: نحن مُقبلون على أعظم المواسم أجراً، وأكثرها عطاءً؛ مُقبلون على (أفضل أيام الدنيا) فادخلوا على الله فيها من أبواب مُتفرقةٍ؛ فلا تدرون أي الأبواب يُفتح لكم؟ ادخلوها بأزواد مُتعددةٍ؛ فرُبَّ زادٍ تستقله وفيه الخير كله. ادخلوها باستعطاف والديكم، أو من بقي من بعض ريحهم. ادخلوها بالتماس الدُعاء بظهر الغيب ممن تظنون بهم الخير. ادخلوها بأعمال خفيةٍ. ادخلوها بمعصيةٍ تهجرونها وكأنكم تقولون معها: "وعزتك وجلالك ما تركناها إلا ابتغاء وجهك فحرِّم على النار وجوهنا". ادخلوها بشفقةٍ على المسلمين يعلمها الله من قلوبكم. ادخلوها بانكسارةٍ يسمعها الله من أصواتكم ويراها من لمعان دموع أعينكم. ادخلوها بالصدقات، ادخلوها بالتوبات والاستغفارات. ادخلوها بالمصاحف لا تتركونها حتى تسقط من أياديكم، وبالقيام لا تتركونه حتى تتورم أرجلكم، ولسان حالكم قول القائل: "وعزتك وجلالك لا أعرف للراحة طعماً حتى أذوق للقبول طعماً". ادخلوها بمُعتكَفٍ صغيرٍ في بيوتكم، أو كبيرٍ في مساجدكم؛ فالاعتكاف لزومٌ والتصاقٌ بباب المَلِك، وحيثما شعر القلب بمعناه فليعتكف. ادخلوها بقلوبٍ غافرةٍ عفوَّةٍ، تُرسل العفو للمخلوق لتستقبل عفو الخالق. ادخلوها بهذا كله، وغيره من جميل الأعمال والنيات؛ فالمواسم الجليلة تحتاج لقرباتٍ جليلةٍ، وموسمنا هذا ليس ككل المواسم. رضي الله عن أنس بن مالك عندما قال: "تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ".

ورضي الله عن بعض أحبتنا الذين إذا دخلت المواسم غابوا عنا وحضروا عند ربهم، فلما كنا نسأل عنهم كانوا يقولون:

"لا ينبغي لعاقلٍ أن يغيب وقت توزيع الرحمات، وغيابنا عنكم يُستَدرك، لكن غيابنا عن باب المَلِك قد لا يُدرَك".

احملوا أزوادكم، وأنيخوا مطاياكم، وتخففوا من ضوضاء الدُنيا حولكم؛ فأنتم مُقبلون على أيامٍ وليالٍ لو كشف الله لكم حفلات توزيع جوائزه فيها لمُتُّم طرباً للقبول أو حُزناً للفوات. فَرِّغ قَلبكَ لأيام العشر! لُمَّ شعثَ نفسِكَ، وقلْ لها: "ما أدراكِ؟ فقد تكونُ هذه هي آخر عشرٍ تدركينها!". مزِّق شريطاً كان يُلهيك، أغلق جهازاً كان يسرقُ وقتك، ابتعد عن صحبك قليلاً وكُن مع الله؛ فأنت مُقبلٌ -إن شاء اللهُ- على رحلةٍ إيمانيةٍ لن يركبَ سفينتها إلا أنت وأقوامٌ صالحون ولكنهم أخفياءُ أتقياء!

لا يعلم عن أحوالِهم إلا الله، لقد أخفوا عن الخلقِ أعمالَهم الصالحة، فأخفى الله لهم الثوابَ الجزيل: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، فكُن مثلَهم خفياً نقياً تقياً، لا تعلم يمينُك ما أنفقت شِمالك، تدمع عيناك خشيةً من الله؛ فتصدَّ بالدمعِ عن كل مَن حولك، انسحبْ منهم خِلسةً إلى حُجرتِك، وتبتلْ هناك في محرابك بعيداً عنهم. صحيحٌ أن ذلك ليس يسيراً على أنفسنا، فقد أغرقتنا الدنيا بلهوِها وزينتها، ولكن لا يخفى علينا أجرُ منْ جاهدَ نفسَه، فإنه مأجورٌ على ما يُلاقيه من نَصَبٍ ومشقةٍ في تفريغِ قلبه لاستقبال العشر؛ فكلما فترت همتُك، ووهَن عزمُك؛ تذكرْ وعدَ الله لك: ﴿وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلنَا﴾؛ فجاهِد نفسَك ليهديَك الله سُبلَه؛ فقد جاهَدَ أحدُ السلفِ نفسَه على قيامِ الليلِ عشرين عاماً، ثم تلذَّذ به عشرين عاماً! أما علمتَ أن رسولَنا الكريمَ صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها -وصحابته- بالأعمال الصالحة؛ لأنها (أفضل أيام الدنيا)، والعمل فيها أحب إلى الله من غيرها؟ كيف لا؟ وفيها يومٌ عظيمٌ يعتق فيه الله عبيده من النار أكثر منْ غيره! بل إن صيامه يُكَفَّرُ به ذنوب سنتين! ويدنو فيه الله إلى خلقه يباهي بهم ملائكته ويُشْهِدُهُمْ أنه غفر لهم. فهلَّا اتخذتَ لك صاحباً يُعينُك على طاعةِ اللَّهِ وتُعينُه فيهَا؟ كم اشتاقت أرواحُنا إليك يا عشر؟ كم اشتقنا إلى أيامك؟ وإلى ظمأِ هواجرِك لتقربَنا إلى الله زُلفى؛ فتقوى العلائقُ بين العبدِ والربِّ حتى لكأنَّ أرواحَنا تطوفُ وتُحلِّقُ في نعيمٍ تلو نعيم، وعبادةٍ تلو عبادة! ارسم اليومَ خطتَك، بنية أن تعملَ صالحاً، واسألِ الله القبول. قم هذه الليلةَ في السَّحَرِ وانطرحْ بين يديّ ربك؛ ناجِه، نادِه، وقُل: يا رب، أنا مقبلٌ عليك، وأنت قد وعدتَ -ووعدُك الحق- أنني إن تقربَتُ إليك شبراً؛ تقربَتَ إلَيَّ ذراعاً، وإن تقربَتُ إليك ذراعاً؛ تقربَتَ إليّ باعاً، وإن أتيتك أمشي، أتيتني هرولةً. وإني -يا الله- لطامعٌ في الركضِ إليك، فأعني على نفسي، واخسأ شيطاني، واصرفْ قلبي عن زينة الدنيا! انطرحْ بين يديّ ربك، تذلل له، أرسلْ على وجنتيك دموعاً حبسَتْها مُلهياتُ الدنيا عن البكاء من خشيةِ الله، ونادِ: يا رب، إن عشرك الفضيلَة قد أقبلت، وإني إليك راغبٌ، وقد عجلتُ إليك ربي لترضى!

 

أحبتي.. ورد في الأثر "الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ"، وورد أيضاً: "الحكمةُ ضالةُ المؤمنِ فحيث وجدها فهو أحقُ بها". فالكياسة والفطنة والحكمة تجعلنا نستفيد من تجارب غيرنا ولو كانوا كُفاراً، وكما قيل: فليس بغضُ المؤمنِ شخصاً ما بحامله على ردِ ما جاء به من الحكمة والخير، بل هو يأخذ الحكمةَ من أي وعاءٍ خرجت، وعلى أي لسانٍ ظهرت، على حد قول القائل:

لا تحقرنَ الرأيَ وهو مُوافقٌ

حُكمَ الصوابِ إذا أتى مِنْ ناقصِ

فالدرُ وهو أعزُ شيءٍ يُقتنى

ما حَطَ قيمتَه هوانُ الغائصِ

فلتكن استراتيجية «سباستيان» منهجاً لنا للتعامل مع (أفضل أيام الدنيا)، وغيرها من مواسم العبادات والطاعات، بل وفي جميع أيامنا وأوقاتنا؛ لنُزيد رصيد ثوابنا ونُضاعف أجورنا ونُثقِّل موازين أعمالنا.

أعاننا الله على ذِكره وشُكره وحُسن عبادته، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

https://bit.ly/3R22BIv