خاطرة الجمعة /450
الجمعة 7 يونيو 2024م
(خُطوات الشيطان)
يروي لنا هذه القصة شيخٌ فاضلٌ، أخبرنا أن مقصوده من نشر هذه القصة هو
الاتعاظ وأخذ العبرة، وقال إنه سيترك الفتاة صاحبة القصة الحقيقية تحكي لنا ما حدث
معها؛ تقول الفتاة عن نفسها: أنا من عائلةٍ معروفةٍ ومُحترمةٍ، تزوجتُ من أحسن
الشباب، وحسدني الناس على زواجي منه. دللني زوجي، وعشتُ معه أسعد حياةٍ، ومرت
الأيام، حياةٌ سعيدةٌ، سرورٌ وفرحٌ، نخرج ونتمتع، لم يمنعني يوماً من الأيام من
شيءٍ طلبته، حتى جاء اليوم الذي أهداني فيه زوجي جهاز كمبيوتر، وعلمني كيفية
الدخول على شبكة الإنترنت، وكانت لي صاحبةٌ تُعلمني كيفية استخدام الإنترنت. مرت
الأيام وكنتُ قد عرفتُ وتعلمتُ كيف أستخدم مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي وغُرف
المحادثة والدردشات وغيرها، وبدأتُ أتحدث مع أشخاصٍ لا أعرفهم، كان زوجي يذهب إلى
العمل في الصباح وأجلس أنا ساعات الصباح بطولها وعرضها أمام شاشة الكمبيوتر أدخل
-عن طريق الإنترنت- في حوارٍ ونقاشاتٍ ودردشاتٍ مع من أعرف ومن لا أعرف، ورغم أنني
امرأةٌ صالحةٌ، لم أفعل أبداً شيئاً من الحرام إلا أن الكثير من حديث الناس في تلك
الدردشات كان حديثاً ساقطاً، لا آبه به ولا أُشارك فيه، وكنتُ أقضي الساعات الطوال
مع تلك المواقع والمنتديات وغُرف الدردشات.
وفي إحدى تلك الغُرف تعرفتُ على شابٍ من أفضل الشباب خُلُقاً، كان يكتب لي
وأرد عليه كتابةً، ثم تطورت علاقتنا فصِرنا نتحدث بالصوت، ثم بدأنا نتواصل معاً
بالصوت والصورة، وبعد أن كان تواصلنا مُتباعداً أصبحتُ أتحدث معه كل يومٍ، حتى
تعلق قلبي به، لم أفكر بالحرام يوماً، لكني أحسستُ أنني لا أستطيع أن أُسيطر على
عاطفتي الجياشة نحوه، ورغم أني كنتُ أحب زوجي، إلا أنني أحببتُ ذلك الشاب أيضاً.
ومرت الأيام حتى بدأ ذلك الشاب يعدني بالزواج إن طلقني زوجي، وألحّ عليّ في ذلك،
كنتُ أرفض الفكرة في بداية الأمر لكن مع إلحاحه بدأتُ أقبلها، وأتعايش معها،
ويوماً بعد يومٍ، كانت علاقتي تقوى بذلك الشاب، وتضعف مع زوجي، ولاحظ زوجي تغيّري
من ناحيته؛ فبدأت المشاكل بيني وبينه؛ فأخذ الكمبيوتر وحرمني منه، فأخذتُ أُكلم
ذلك الشاب بالهاتف، وشك زوجي فيَّ فوضع جهاز تنصتٍ لتسجيل مُكالماتي دون أن أدري،
وبعد أيامٍ اكتشف الفضيحة، وعلم بالأمر، فجاء إليّ ووضع المُسجل وأسمعني المُحادثة
المُسجلة بيني وبين الشاب؛ فقلتُ له بعد أن بكيتُ: "الآن، ماذا تريد؟"،
كان زوجي من أطيب الناس وأنبلهم، لم يفضحني، ولم ينفعل عليّ، فقط قال لي بهدوءٍ مع
نظرة عتابٍ في عينيه: "اذهبي إلى بيت أهلك واطلبي الطلاق، وسوف آتي وأُطلقك،
وكأن الأمر لم يحدث". فعلاً ذهبتُ إلى بيت أهلي وطلبتُ منهم أن يُطلقوني من
زوجي، حاولوا أن يعرفوا مني سبب طلبي الطلاق، فلم أُجبهم إلا بدموعي، ولما رأوا
إصراري على الطلاق اتصلوا بزوجي فحضر، وحاولوا أن يُصلحوا بيني وبينه، دون جدوى،
فطلقني زوجي بناءً على رغبتي!
وبدأتُ أخرج مع عشيقي الشاب الذي تعرفتُ عليه من خلال شبكة الإنترنت،
وازدادت مرات لقائنا، وفي كل مرةٍ نلتقي في مكانٍ جديدٍ، حتى كان اليوم الذي
اصطحبني فيه إلى شقته لأرى بنفسي بيت الزوجية، وكان كلامه المعسول يجعلني
كالمُخدرة، لم أدرِ كيف سلمتُ له نفسي، ثم تكرر الأمر مرةً أخرى، ثم تكرر مراتٍ
عديدةٍ، وكلما كنتُ أقول له: "متى الزواج؟"، كان يقول لي: "اصبري
قليلاً حتى أُرتب أُموري". ظللنا على هذه الحال شهوراً، حتى انقطع عني فترةً؛
فاتصلتُ به وسألته: "يا فلان! متى تأتي للزواج مني؟"، فوجئتُ برده؛ قال
لي: "أيتها الساقطة"، قاطعته مُتسائلةً وأنا لا أصدق أُذني: "ماذا
تقول؟"، قال: "أيتها الساقطة، أتظنين أن أحداً يُفكر بالزواج
منكِ؟"، قلتُ: "لِمَ؟"، قال: مَن خانت مرةً ربما تخون مرةً أخرى،
أنا شابٌ استمتع بكِ أياماً، لكن إذا فكرتُ في الزواج فلن أبحث عنه في الإنترنت،
الزواج أعرف طريقه، والفتيات الصالحات أعرف طريقهن، أما أنتِ فساقطةٌ أقضي معها
بعض الوقت فقط".
تقول الشابة: "أنا الآن قد تجاوزتُ الثلاثين من العُمر، ولم يأتِ أحدٌ
لخطبتي ولا للزواج مني، ضيعتُ حياتي، وأفكر في الانتحار! وأنا الآن أكتب هذه
الرسالة، التي ربما تصلكم وأنا مُنتحرةٌ، وربما تقرأون حكايتي وأنا تحت التراب،
فإن كنتُ قد مِتُ فادعوا لي بالمغفرة، وإن كنتُ لا زلتُ حيةً فادعوا الله لي
بالهداية، لعل الله عزَّ وجلَّ يستجيب دعوة الصالحين منكم فيقبل توبتي ويُكفر عني
خطيئتي، ويهديني سواء السبيل.
يقول راوي القصة: وعندي قصصٌ لو تكلمتُ إلى الفجر فلن أنتهي من سردها، كلها
حقيقيةٌ حدثت بالفعل؛ فتياتٌ بعضهن تكلمني بنفسها في الهاتف، والله إنهن يبكون
الدم بدلاً من الدمع، من المآسي التي وصلن إليها، أولها دردشةٌ واتصال، وربما
نظرةٌ، تقول إحداهن: "عندما خرجتُ من المدرسة إلى البيت، نهاية الدوام، نظر
إليّ فكلمني، أول مرةٍ ارتعدت فرائصي وارتجفتُ وخفتُ، ثم مرةً بعد مرةٍ ذهب الخوف،
وحل محله الشوق للقاء، والتقينا، وتكررت لقاءاتنا، وهو يعدني في كل مرةٍ بالزواج،
ولم يفِ بوعده أبداً، وها أنا الآن في وكر الرذيلة، أتعرفون ما هو السبب؟ إنها
(خُطوات الشيطان) خطوةٌ بعد أخرى، حتى يقع المحظور".
أحبتي في الله.. يقول تعالى بصيغة النهي عن تتبع (خُطوات الشيطان): ﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، ويقول
سُبحانه: ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، ويقول أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾. يقول
المفسرون إنّ تتبع (خُطوات الشيطان) يعني تتبع طرائقه ومسالكه وما يأمر به، وفي
هذه الآيات الكريمة تنفيرٌ وتحذيرٌ من ذلك، بأفصح عبارةٍ وأوجزها وأبلغها وأحسنها،
وفيها بيان أن كل معصيةٍ هي من الشيطان.
يقول أهل العلم إنّ التعبير القرآني بلفظة خُطوات هو من مُعجزات ألفاظ
القرآن؛ ففيه دلالاتٌ أولها: أن الخُطوة مسافةٌ قصيرةٌ، وهكذا الشيطان يبدأ بالشيء
اليسير. ثانياً: كلمة خُطوات فيها دلالةٌ على أنه لن يقف عند أول خطوةٍ في
المعصية، بل هي خُطوةٌ ستتبعها خُطواتٌ، وسيئةٌ ستتبعها حتماً سيئات. ثالثاً: فيها
رسمٌ واضحُ المعالمِ لتدرج الشيطان في غوايته: بِدءاً ببواعث المعصية في النفس حتى
السقوط فيها ثم الاستمرار عليها ثم المداومة إلى الموت إلا أن يعصم الله، فهو يبدأ
غوايته بخطرةٍ، ثم فكرةٍ، ثم هَمٍّ، ثم عَزمٍ، ثم فِعلٍ، ثم عادةٍ، ثم سلوكٍ، ثم
مُجاهَرةٍ، والخاتمة يعلمها الله وحده، وفي ذلك يُقال: "احذروا أول خُطوةٍ من
(خُطوات الشيطان)؛ فإن أصعب الحرام أوله، ثم يَسهل ثم يُستساغ، ثم يُؤْلَف، ثم
يحلو، ثم يُطبع على القلب، ثم يَبحث الشخص عنه، أو عن حرامٍ غيره، ثم ينشره ثم
يدعو إليه".
لسنا ضد التطور، ولسنا نُعادي الحداثة، وإنما ندعو إلى استخدام الأدوات
والأجهزة والطُرق والأساليب التي يوفرها العلم الحديث وفق ضوابط الشرع الحنيف؛
فهذا كتاب الله جلّ جلاله لم يترك لنا شيئاً إلا ضبطه لنا:
ضَبط صوتنا: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾، وضبط مشيتنا: ﴿وَاقْصِدْ فِي
مَشْيِكَ﴾، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾، وضبط نظراتنا: ﴿وَلَا
تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وضبط سمعنا: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، وضبط طعامنا: ﴿وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾، وضبط ألفاظنا: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾؛
فالقرآن كفيلٌ أنْ يضبط لنا حياتنا كلها، ويُحقق لنا الفوز والفلاح في الدنيا
والآخرة.
أحبتي.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إنَّ الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ
آدمَ مَجرى الدَّمِ]؛ فليس منا أحدٌ معصومٌ من وسوسة الشيطان ونزغه، والواجب علينا
أنْ نحذر اتباع خُطواته، ولنحذر أول خُطوةٍ لأنها تبدأ بأصغر وأهون وأيسر الأمور،
وتنتهي بأعظم الكبائر؛ فكم أوصلت الخُطوة بعد الخُطوة أُناساً إلى مهاوي الضلالة،
وقد كانت البداية من الصغائر على حين غفلةٍ وتفريطٍ وبُعدٍ عن الله عزَّ وجلَّ؛
فإن المعصية بابٌ مُغلقٌ، إنْ تجرأ أحدنا على فتحه مرةً سيسهل عليه فتحه مراتٍ
ومراتٍ، فلنحرص على ألا نفتحه. إن طريق الوقاية من نزغ الشيطان تكون بالاستعاذة
بالله؛ يقول تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ
بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، ويقول سبحانه مُعلماً لنا الدعاء
النافع: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ
بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
. مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ .
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾، وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعَوَّذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ مِن
هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه.
كما أن على كلٍ منا أن يتقي الله فيمن يرعاهم؛ يقول رسولنا الكريم صلى الله
عليه وسلم: [كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ] وذكر منهم
[والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في
بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولةٌ عَنْ رعِيَّتِهَا]، فلنغرس الوازع الديني في نفوس
أبنائنا، ونُتابعهم، ونمد جسور الحوار معهم، وننصحهم ونُوعيهم بحيل الشيطان الذي
يأتيهم ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ
شَمَائِلِهِمْ﴾، ونُحذرهم من خُطواته، ونُعَلّمهم كيف يتقونه، حتى لا يكونوا صيداً
سهلاً له، ونكون دائماً بالقُرب منهم، والأهم هو أن نكون قدوةً صالحةً لهم.
اللهم احفظنا وأهلنا ومَن نُحب مِن الشيطان الرجيم، وألهمنا لزوم الاستعاذة
بك سُبحانك في كل وقتٍ وحين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق