الجمعة، 23 أبريل 2021

عناية الله

 

خاطرة الجمعة /288


الجمعة 23 إبريل 2021م

(عناية الله)

 

ﺍﻣﺃﺓٌ ﺻﺎﻟﺤﺔٌ ﺗﻘﻴّﺔٌ ﺗﺤ ﺍﻟﺨﻴ ﻭﻻ يفتر لسانها ﻋ ﺫِﻛ ﺍﻟﻠﻪ، ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻜﻠﻤﺔٍ ﻧﺎﺑﻴﺔٍ ﺃﻥ ﺗﺨﺝ ﻣ ﻓﻤﻬﺎ. ﺇﺫﺍ ﺫُﻛﺕ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺧﺎﻓ ﻭﻓ ﻭﺭﻓﻌ ﺃﻛﻒ ﺍﻟﻀﺍﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺎﻟﺒﺔً ﺍﻟﻗﺎﻳﺔ منها، ﻭﺇﺫﺍ ﺫُﻛﺕ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺷﻬﻘ ﺭﻏﺒﺔً ﻓﻴﻬﺎ ﻭرفعت ﻳﻳﻬﺎ ﺑﺎﻟﻋﺎﺀ أن ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ الله ﻣ ﺃﻫﻠﻬﺎ. شعرت ﻓﺠﺄﺓً ﺑﺄﻟٍ ﻓﻲ ﺍلفخذ، ﻭﺑﻌ ﺭﺣﻠﺔٍ طويلةٍ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻴﺎﺕٍ ﻛﺜﻴﺓٍ، ﻭﻟﻯ ﻋدٍ ﻣ ﺍﻷﺒﺎﺀ دون جدوى، سافرت ﺇﻟﻰ «ﻟﻨﻥ» عسى أن تجد هناك الرعاية الصحية الأفضل، هناك اكتشف ﺍﻷﺒﺎﺀ وجود تعفنٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻡ، ظلوا ﻳﺒﺤﺜﻥ ﻋ ﻣﺼﺭه؛ ﻓﺈﺫﺍ ﻫ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺨ، فقرروا ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺃﺓ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﺮﻃﺎﻥٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺨ، وﻫ ﻣﺒﻌ ﺍﻷﻟ ﻭﻣﺼﺭ ﺍﻟﻌﻔ، ﻭانتهى ﺗﻘ ﺇﻟﻰ ﺿﻭﺭﺓ ﺍﻹﺳﺍﻉ ﺑﺒﺘ رجلها ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﺴﻊ ﺭﻗﻌﺔ ﺍﻟﻤﺽ. في يوم إجراء جراحة البتر أُدخلت المرأة غرفة ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ لإجراء العملية، ﻛﺎﻧ ﻣﻤﺩﺓً ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺔً ﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺭه. ظلَّ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ يلهج بذِكر ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺘﻀﻉ ﺇليه حتى بدأ تأثير المخدر على جسمها، وكان هذا هو التوقيت المناسب لبدء عملية البتر.

الغريب أن الأجهزة الطبية الخاصة بالبتر تعطلت فجأةً مرةً واثنتين وثلاث مراتٍ، وسط دهشة الأطباء! وبعد مشاوراتٍ بينهم -وهم ما زالوا في غرفة العمليات- قرروا ﺇﺟﺍﺀ ﺟﺍﺣﺔٍ ﻟﻠﻔﺨ بدلاً من بتر الرجل؛ وﻣﺎ ﻛﺎﺩ مشرﻁ الجراح ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﻭﺳ الفخذ حتى رأى ﺍﻷﺒﺎﺀ بأﻋﻴﻨﻬﻨﺎً ﻣﺘﻌﻔﻨﺎً ﺑﺼﺭﺓٍ ﻛﻳﻬﺔٍ، ﻭﺑﻌ ﻋﻤﻠﻴﺔٍ ﻳﺴﻴﺓٍ ﻧﻒ ﺍﻷﺒﺎﺀ موضع الجراحة ﻭﻋﻘﻤه. أفاقت ﺍﻟﻤﺃﺓ بعد زوال تأثير المخدر، ﻭﻗ ﺯﺍﻟ ﺍﻵﻻﻡ عنها ﺑﺸﻜﻞٍ ﻧﻬﺎﺋﻲٍ ﺣﺘﻰ ﻟ ﻳﺒَ ﻟﻬﺎ ﺃﺛ، وﻧﻈﺮﺕ ﻓﺕ ﺭﺟﻠﻬﺎ ﻟ ﺗُﻤ بأذىً، ﻭﻭﺟﺕ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻳُﺤﺎﺩﺙ ﺍﻷﺒﺎﺀ ﺍﻟ ﺗﻐﺎﺩﺭ ﺍﻟﻫﺸﺔ ﻭﺟﻫﻬ؛ فسألوا ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻫﻞ ﺣﺙ ﻭﺃﻥ ﺃﺟﺕ زوجته ﻋﻤﻠﻴﺔً ﺟﺍﺣﻴﺔً ﻓﻲ ﻓﺨﻫﺎ؟ ﻋﻑ ﺍﻷﺒﺎﺀ أن ﺍﻟﻤﺃﺓ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ كانا قد تعرضا لحادثٍ ﻣﻭﺭيٍ ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺓٍ ﻃﻮﻳﻠﺔٍ، وﻛﺎﻧ ﺍﻟﻤﺃﺓ ﻗ ﺟُحاً ﺑﺎلغاً ﻓﻲ ﺫﻟ ﺍﻟﻤﺿﻊ من الفخذ وأُجريت لها عملية جراحية، وعلى ذلك يكون هذا القطن المتعفن هو من آثار تلك العملية. ﻗﺎﻝ ﺍﻷﺒﺎﺀ إنه لولا تعطل أجهزة البتر لكانت رجلها قد بُترت من غير أن يتعرفوا على السبب الحقيقي للألآم التي كانت تُعاني منها. نظر بعضهم إلى بعض وقالوا في صوتٍ واحدٍ: "ﺇﻧﻬﺎ (عناية الله)".

ﻛﺎﻧﺣﺔ ﺍﻟﻤﺃﺓ ﻭهي ترى بأن ﻛﺎﺑﺱ ﺍﻟﺨﻄﺮ قد انجلى، وآلامها المبرحة قد زالت، ومع ذلك فهي لن تصبح مضطرةً للمشي ﺑﺟﻞٍ ﻭﺍﺣﺓٍ، وهو أمرٌ كان ﻳﺭﻗﻬﺎ؛ ﻓﺍﺣ ﺗﻠﻬﺞ ﺑﺎﻟﺤﻤ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻱ ﻛﺎﻧ ﺗﺴﺘﺸﻌﺑﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻟﻔﻪ ﺑﻬﺎ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ، وشموله لها برعايته وعنايته.

أحبتي في الله .. ذكرتني هذه القصة بقصة ﺳﻴﺓٍ ﺟﺍﺋﻳﺔٍ جلست ﺗﺒﻜﻲ ﻭﺣﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺎﺭ ﺍﻟﺠﺍﺋ؛ لسببٍ أو لآخر ﺭﺣﻠ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻟﺎﺋﺓ التي تنقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة، ﻧﺴﻫﺎ وطاروا بدونها، ﻭﻟﻜ الله سبحانه وتعالى ﻣﻕ ﺍﻟﻌﺵ ﻻ ينسى؛ فقبل أن تُغادر الطائرة الأجواء الجزائرية، وبعد ربع ساعةٍ من طيرانها، وهي ﺑﻴ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺭﺽ، ﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﻴﺎﺭ ﺻﺕ ﻗﻗﻌﺔٍ. ﺗﺍﻫﺎ ﺗﺸﺒﻪ ﻗﻗﻌﺔ قلب تلك السيدة ﺍﻟﺨﺎﺋﻒ؟! ﺍُﺿﻄﺮ الطيار ﺇﻟﻰ العودة إلى مطار ﺍﻟﺠﺍﺋ، ﻓﻲ ﻫﺒﻁٍ ﺎﺭﺉٍ، ﻓﻲ ﺫﺍﺕ ﺍﻟ ﻳﺠﻮﻇ ﺍﻟﻤﺎﺭ ﺻﺎﻟﺔً ﻳﻀﻌﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻛﺎﺏ ﺣﺘﻰ ﻳُﺘ ﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﻴﺎﻧﺔ ﻋﻤﻠﻬ ﺇﻻ ﺗﻠ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧ ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺓ! ﺗُﻯ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧ ﺩﻫﺸﺘﻬﺎ ﺣﻴ ﺭﺃﺗﻬ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ؟! هل ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻠ؟! ﺃﻡ ﻳﻘﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎلله ﺃﻛﺒ؟! ﻋﻨﻣﺎ ﺣﻀ ﺍﻟﻤﻬﻨﻥ ﻟﻜﺸﻒ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﻗﺎﻟﺍ: "ﺇﻥ ﺍﻟﺎﺋﺓ ﺳﻠﻴﻤﺔٌ ﻭﻻ توجد ﺃية ﻣﺸﻜﻠﺔ"! ﻣ ﺃجل تلك السيدة ﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟﺎﺋﺓ بعد إقلاعها، وﺗﻗﻒ ﻛﻞ ﺷﻲﺀٍ في المطار، وﺃُﻋﻠﻨ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻄﻮﺍﺭيء، وﻷﺟﻠﻬﺎ ﺗﻌﻞ ﺃﻛﺜ 200 ﺭﺍﻛ، وﻷﺟﻠﻬﺎ ﺣﻀ ﺍﻟﻤﻬﻨﻥ ﻭﺍﺣﺘﺎﺭ ﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﻴﺎﻧﺔ؛ فأﻱ أكفٍ طاهرةٍ تلك التي اﻣﺘﺕ ﺇﻟﻰ ﺍلله؟! وأي دعوةٍ ﺗﻠ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﻓﻌﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ؟! ﺃﻱ ﻳﻘﻴٍ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻭﻫﺗﻌفاً من ضياع فريضة الحج؟!

ﺇﺫﺍ ﺭﺣﻞ ﻛﻞ ﺷﻲﺀٍ ﻋﻨ، ﻭأُغلقت ﺍﻷﺑﺍﺏ ﻓﺈﻥ (عناية الله) موجودةٌ ودائمةٌ وباقيةٌ ﻻ ترﺣﻞ؛ فهو سبحانه وتعالى لا يغفل ولا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، إنه الله الحافظ، وإنها عنايته بالمؤمنين؛ يقول تعالى عن نفسه: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، ويقول تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾، ويقول تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.

وإذ يأتي قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ في صورة سؤالٍ، تكون إجابة أهل العلم: "بلى"؛ إن الله عزَّ وجلَّ كافٍ عبده، فهو لا يُسلم أولياءه للأعداء، ولا يخذل الصالحين من عباده، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاط المشركون ببيته، وفي يد كل رجلٍ منهم سيفٌ، يريدون أن يضربوه ضربة رجلٍ واحدٍ ليتفرق دمه في القبائل، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم وأخذ حفنةً من ترابٍ فجعل يذره على رؤوسهم، وقد أخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو صدر سورة ياسين، إلى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾، والقوم وقوفٌ على بابه، ومعهم أبو جهل، لم يبقَ منهم رجلٌ إلا وُضع على رأسه التراب، ويخرج الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، من بينهم تصحبه (عناية الله). ثم وهو في طريق الهجرة مع صاحبه أبي بكرٍ الصديق لحق به سراقة بن مالك؛ الفارس المغوار، يريد قتله، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فساخت قوائم فرسه في الأرض، قال سراقة: "فعلمتُ أنه ممنوعٌ"، أي: أنني لن أصل إليه بأذىً، ولن أستطيع أن أمد إليه يداً بسوء؛ فطلب سراقة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقيل عثرته، فدعا صلى الله عليه وسلم ربه عزَّ وجلَّ فنهض فرس سراقة، وبشَّر النبي سراقة بأنه سيلبس سواري كسرى بن هرمز، وحقق الله سبحانه وتعالى تلك النبوءة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وحين هاجر رسول الله صلى الله عليه ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه دخلا الغار، يختبئان فيه، والمشركون واقفون على باب الغار، حتى أشفق أبو بكر، رضي الله عنه، منهم، فقال له رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، إنها (عناية الله) أعمت أبصار المشركين عن النبي وصاحبه.

وفي مَعركَة أُحد، أتى أحد فرسان قريش فجعل يصول ويجول وهو يقول: "دلوني على مُحمَّدٍ، فلا نجوتُ إن نجا"! ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانبه، ما معه أحد، ومع ذلك فقد جاوزه هذا الفارس ولم يره! وحين عاتبه أصحابه قال: "واللهِ ما رأيته، أحلف باللهِ إنه منا ممنوعٌ، خرجنا أربعةٌ فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك".

قال الشاعر في ذلك:

كَأنه وهو فَردٌ في جَلالَتِه

في مَوكِبٍ حين تلقَاه وفي حَشَمِ

عِنَايةُ اللهِ أغنَت عن مُضَاعَفَةٍ

مِنَ الدرُوْعِ وعَن عَالٍ من الأُطُم

وقال آخر:

وإذا العِنَايةُ لاحَظَتك عُيونُها

نَمْ فَالحوَادثُ كُلهُن أمَانُ

وقال ثالث:

ومَنْ يكُن الإلَهُ لَه حَفيْظَاً

فَحَاشَا أن يُضَيِّعهُ الإلَهُ

 

أحبتي .. المؤمن المقيم على طاعة الله، العامل بأوامر الله، المجانب لمحارمه، المبتعد بنفسه عن السيئات والآثام والخطايا، يطمئن إلى أن الله ناصره، وهو سبحانه لا يُخلف وعده؛ يقول تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾، فلنقترب من الله أكثر وأكثر، حتى ننعم برعاية و(عناية الله). وليكن عزمنا على ألا يمر علينا يومٌ واحدٌ بغير أن نتقرب منه سبحانه وتعالى حتى يُحبنا، فما أروع نتيجة ذلك؛ يقول تعالى في الحديث القدسي: {... وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ...} وهذا يبين أنَّ أحبَّ الأعمالِ فِعلُ الفرائض، وأفضلُ القُرُبات بَعدَها فِعلُ النَّوافل.

اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واكلأنا برعايتك وعنايتك.

 

https://bit.ly/2QRmdV4

 

الجمعة، 16 أبريل 2021

جبر الخواطر

 

خاطرة الجمعة /287


الجمعة 16 إبريل 2021م

(جبر الخواطر)

 

صاحبة هذه القصة امرأةٌ كتبت تقول: ﺃﻧﺎ ﻓﺘﺎﺓٌ ﻣﻠﺘﻣﺔٌ ﻣﺘﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻯ ﻋﺎلٍ ﻣ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﻟ،

ﻣﻀ ﺑﻲ ﺍلسنون ﻭﻟ ﻳﺘﻘﻡ ﺃﺣٌ ﻟﺨﺒﺘﻲ، ﻭﺃﻧﺎ أﺭﻯ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﺍلأﺻﻐ ﻣﻨﻲ سناً تتزوجن وتنجبن ﺍﻷﻔﺎﻝ، إﻟﻰ أﻥ ﺑﻠﻐُ ﻣ ﺍﻟﻌﻤ 34 ﻋﺎﻣﺎً. ﻭﻓﻲ ﻳﻡٍ ﺗﻘﻡ ﻟﺨﺒﺘﻲ ﺷﺎﺏٌ ﻣ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻛﺒ ﻣﻨﻲ ﺑﻌﺎﻣﻴ، ﻭأﺧﻼﻗﻪ ﻻ ﻏﺒﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻃﺮﺕُ ﻣ ﺍﻟﻔﺡ ﻭﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺑﺃﻧﺎ ﻧُﻌ لعقد ﺍﻟﻘﺍﻥ، ﻭ خطيبي ﻣﻨﻲ ﺻﺭﺓ بطاقتي ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺣﺘﻰ يجهز الأوراق المطلوبة للعقد، ﻓﺄﻋﻴﺘﻬﺎ ﻟﻪ. ﺑﻌﻫﺎ ﺑﻴﻣﻴ ﻭﺟﺕُ ﻭﺍﻟة خطيبي ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻲ ﻭﺗ ﻣﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺑﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺳﻉ ﻭﻗٍ.

ذﻫﺒُ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﻬﺎ ﺗُﺨﺝ ﺻﺭﺓ ﺑﺎﻗﺘﻲ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭﺗﺴﺄﻟﻨﻲ: "ﻫﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﻴﻼﺩك ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﻗﺔ ﺻﺤﻴﺢ"؟ ﻓﻘﻠُ ﻟﻬﺎ: "ﻧﻌ"، قاﻟ: "ﺇﺫﺍً ﺃنتِ قاربتِ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴ ﻋﻤﻙ"، ﻓﻘﻠُ ﻟﻬﺎ: "ﺃﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﺜﻼثين"، ﻗﺎﻟ: "ﺍﻷﻣ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ؛ ﻓﺄنتِ ﻗ تجاوزتِ ﺍﻟﺜﻼثين، ﻭﻗﻠْ ﻓﺹ ﺇﻧﺠﺎﺑ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺭﻳ ﺃﻥ ﺃﺭﻯ ﺃﺣﻔﺎﺩﻱ"! ﻭﻟ ﺗﻬﺃ ﺇﻻ ﻭﻗ ﻓﺴﺨ ﺍﻟﺨﺒﺔ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴ اﺑﻨﻬﺎ، وربما لم تحس أو تشعر بأنها قد كسرت خاطري!

ﺕ عليّ ﺳﺘﺔ ﺃﺷﻬٍ ﻋﺼﻴﺒﺔٌ؛ ﻛﺄﻧﻲ ﻛﻨُ أحلق ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء ثم ﻭﻗﻌُ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ! ﻗﺭ ﻭﺍﻟﻱ ﺃﻥ ﻳﺳﻠﻨﻲ لأداء ﻋُﻤﺓٍ ﻷﻏﺴﻞ ﺣﻧﻲ ﻭﻫﻤﻲ ﻓﻲ ﺑﻴ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺍﻡ؛ ﻓﺴﺎﻓﺕُ ﻭﺟﻠﺴُ ﺑﺎﻟﺤﻡ وصليتُ وﺩﻋتُ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳُﻬﻲﺀ ﻟﻲ ﻣ ﺃﻣﻱ ﺭﺷﺍً، ﻭﺑﻌ ﺃﻥ ﺍﻧﺘﻬﻴُ ﻣ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺟﺕُ بالقرب مني ﺇﻣﺃﺓً ﺗﻘﺃ ﺍﻟﻘﺁﻥ ﺑﺼﺕٍ ﺟﻤﻴﻞٍ ﻭﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺗﺩﺩ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﻜﻳﻤﺔ ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾، فإذا بدﻣﻋﻲ ﺗﺴﻴﻞ ﺭﻏﻤﺎً ﻋﻨﻲ ﺑﻐﺍﺭﺓٍ، ﻓﺠﺑﺘﻨﻲ ﻫه ﺍﻟﺴﻴﺓ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺿﻤﺘﻨﻲ ﻭﺃﺧﺕْ ﺗﺩﺩ ﻋﻠﻲّ ﻗﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، ﻭﺍﻟﻠﻪِ ﻛﺄﻧﻲ ﺃسمع هذه الآية ﻷﻭﻝ ﻣﺓٍ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻓﻬأت ﻧﻔﺴﻲ. ﺍﻧﺘﻬﺍﺳ ﺍﻟﻌﻤﺓ، ﻭعدتُ إﻟﻰ ﺑﻠﻱ، ﻭﺻﻠْ ﺍﻟﺎﺋﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺭ ﻭﻧُ ﻣﻨﻬﺎ ﻷﺟﻳﻘﺘﻲ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺔ ﺍلاﻧﺘﺎﺭ، ﻛﺎﻧﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﺍﻥ ﺻ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻭﻟ ﺗﻤِ ﻟﺤﺎﺕٌ ﺇﻻ ﻭﺟﺎﺀ ﺍﻟﺼ ﻓﺴﻠﻤُ ﻋﻠﻴﻬ ﻏﺎﺩﺭﺕُ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺼﺤﺒﺔ ﻭﺍﻟﻱ. ﻣﺎ إﻥ ﻭﺻﻠُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴ ﻭﺑُ ﻣﻼﺑﺴﻲ ﻭﺍﺳﺘُ ﺑﻌ ﺍﻟ ﺣﺘﻰ ﻭﺟﺕُ ﺻﻳﻘﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻲ ﻭﺗﻘﻝ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺻ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻣﻌﺠٌ ﺑﻲ ﺑﺸﺓٍ، ﻭﻳ ﻓﻲ ﺧﺒﺘﻲ، ﺧﻔ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻬه ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺄﺓ ﻏﻴ ﺍﻟﻤﺘﻗﻌﺔ. ؤﻟ ﺗﻤِ عدة ﺃﻳﺎﻡٍ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻗ ﺗﻘﻡ ﻟﻲ، وبعد ﺷﻬٍ ﻭﻧﺼﻒ ﺍﻟﺸﻬ ﻛﻨﺎ ﻗﻭﺟﻨﺎ، ﻭﻗﻠﺒﻲ ﻳﺨﻔ ﺑﺎﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ. ﻭﺑﺃﺕُ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﺍﻟﻭﺟﻴﺔ ﻣﺘﻔﺎﺋﻠﺔً ﻭﺳﻌﻴﺓً، وﻭﺟﺕُ ﻓﻲ ﺯﻭﺟﻲ ﻛﻞ ﻣﺎﺗﻤﻨﻴﺘﻪ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺟﻞ ﺍﻟﻱ ﺃﺳﻜ ﺇﻟﻴﻪ ﻣٍ ﻭﺣﻨﺎﻥٍ ﻭﻛﻡٍ ﻭﺑٍِ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻭﺃﻫﻠﻲ. ﻏﻴ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻬﺭ ﻣﻀ ﻭﻟ ﻋﻠﻲّ ﺃﻳﺔ علامةٍ من ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﻞ، ﻭﺷﻌﺕُ ﺑﺎﻟﻘﻠ ﺧﺎﺻﺔً ﺃﻧﻲ ﻛﻨُ ﻗ ﺗﺠﺎﻭﺯﺕُ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻼﺛﻴ، ﻭﻠﺒُ ﻣ ﺯﻭﺟﻲ ﺃﻥ ﺃُﺟﻱ ﺑﻌ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﻭﺍﻟﻔﺤﺹ ﺧﻓﺎً ﻣ ﺃﻻ ﺃﺳﺘﻴﻊ ﺍﻹﻧﺠﺎﺏ؛ ﻭﺫﻫﺒﻨﺎ ﺇلى ﺒﻴﺒﺔٍ مشهورةٍ ﻷﻣﺍﺽ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻠﺒ ﻣﻨﻲ ﺇﺟﺍﺀ ﺑﻌ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ، ﻭﺟﺎﺀ ﻣ ﺗﺴﻠ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺃﻭﻝ ﺗﺤﻠﻴﻞٍ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺟﺌُ ﺑﻬﺎ ﺗﻘﻝ ﻟﻲ ﺇﻧﻪ ﻻ ﺩﺍﻋﻲ ﻹﺟﺍﺀ بقية التحاليل؛ "ﻣﺒﻭﻙ ﻳﺎﻣﺍﻡ، ﺃنتِ ﺣﺎﻣﻞ"!

ﻣﻀ ﺑﻘﻴﺔ ﺷﻬﺭ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺳﻼﻡٍ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨُ ﻗ ﻋﺎﻧﻴ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓً ﺯﺍﺋﺓً ﺑﺴ ﻛﺒ ﺳﻨﻲ، ﻭﺣُ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻻ ﺃﻋﻑ ﻧﻉ ﺍﻟﺠﻨﻴ ﻷﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﻪ ﺭﺑﻲ ﺧﻴٌ ﻭﻓﻀﻞٌ ﻣﻨﻪ. ﻭﻛﻨُ أﺣ ﺑﻜﺒ ﺣﺠﻨﻲ ﻋ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ، وﻓﺴتُ ذلك ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﺧﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﺇﻟﻰ ﺳ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﻭﺍﻟﺜﻼﺛﻴ. ﻭﺗﻤ ﺍﻟﻻﺩﺓ، ﻭﻟﻤﺎ ﺃﻓﻘُ ﻣ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻭﺟﺕُ ﺃﻫﻠﻲ ﻭﺃﻫﻞ ﺯﻭﺟﻲ ﺣﻟﻲ ﺟﺎﻟﺴﻴ ﻳﻀﺤﻜ

ﻓﺴﺄﻟﺘﻬ: "ﻣﺎﺫﺍ ﺃﻧﺠﺒ"؟ ﺭﺩﻭا ﺑﺼﺕٍ ﻭﺍﺣٍ: "ﺑﻨٌ ﻭﺻﺒﻲ"، ﻫﻤﺴُ في نفسي: "ﺗﺃﻡ؟! جبرتَ بخاطري يا رب، ما أكرمك"، ﻭﺑﺃﺕ ﺩﻣﻉ ﺍﻟﻔﺡ ﺗﻐﺴﻞ ﻭﺟﻬﻲ، ﻭﺗﺕُ ﺍﻟﻤﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻡ الشريف بمكة وهي تتلو الآية الكريمة: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، وتذكرتُ قول ﺍﻟﺤ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ﻭَﺍﺻْﺒِْ ﻟِﺤُﻜِْ ﺭَﺑَِّ ﻓَﺈِﻧََّ ﺑِﺄَﻋْﻴُﻨِﻨَﺎ﴾.

 

أحبتي في الله .. تقول صاحبة القصة: عندما يُشيع الميت إلى مثواه الأخير يُسأل أهله عما إذا كان عليه دَيْنٌ حتى يسددوه عنه، لكن هناك ديوناً معنويةً من يا تُرى سوف يسددها عنه؟ فمن سوف يسدد ديون من يكسر خاطر أحدٍ في هذه الدنيا؟ لكن الله لطيفٌ بعباده، رؤوفٌ بهم، وهو سبحانه وتعالى الذي يهيئ لهم الخير ويجبر خاطرهم.

 

والجبر كلمةٌ مأخوذةٌ من «الجبار» وهو من أسماء الله الحسني، معناه: "الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ".

يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾، عن هذه الآية يقول المفسرون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي وُلد فيها ونشأ أُخرج منها ظلماً، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيءٍ من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآناً مؤكداً بقسمٍ؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولاً، وأمرك بتبليغ شرعه، سيردك إلى موطنك مكة عزيزاً منتصراً، وهذا ما حصل، والآية بهذا المعنى فيها جبرٌ لخاطر النبي عليه الصلاة والسلام.

وفي موضع آخر يقول تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾، فسر العلماء هذه الآية بقولهم إنها رسالةٌ إلى كل مهمومٍ ومغمومٍ، وتسليةٌ لصاحب الحاجة، وفرجٌ لكل من وقع ببلاءٍ وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلبٍ لجأ إليه بصدق. ومثلها في ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ . وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾، ففيه كما يقول العلماء أجمل تطييبٍ للخاطر، وأرقى صورةٍ للتعامل؛ فكما كنتَ يتيماً يا محمد -عليك أفضل الصلاة وأزكى السلام-، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تُذله، بل: طيِّب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به.

 

وكان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم بين السجدتين: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَعَافِنِي، وَارْزُقْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْفَعْنِي].

 

يقول أهل العلم إن (جبر الخواطر) من العبادات الخفية، ربما لزهد الناس بها وغفلتهم عنها، ومع ذلك فأجرها يفوق الكثير من العبادات والطاعات، حتى أن أحد العلماء قال عنها: “ما رأيت عبادةً يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”.

و(جبر الخواطر) لا يحتاج إلى كثير جهدٍ ولا كبير طاقةٍ؛ ربما يحتاج البعض لمساعدةٍ ماليةٍ، وربما ينتظر البعض قضاء حاجةٍ، لكنهم جميعاً في حاجةٍ إلى المعاملة الحسنة والبشاشة والكلمة الطيبة والابتسامة؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: [لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ]، وقال صلى الله عليه وسلم: [إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ]، وقال عليه الصلاة والسلام: [تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ]،

فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا، ونجبر خواطرهم، ولا نبخل على أنفسنا بأعمال بسيطةٍ لها أجرٌ كبيرٌ بإذن الله.

 

أحبتي .. إياكم وكسر الخواطر؛ فإنها ليست عظاماً تُجبر، بل أرواحٌ تُقهر. يقول أحدهم عن (جبر الخواطر): ما أجمل أن نتقصد الشراء من بائعٍ متجولٍ في حر الشمس يُضطر للسير على قدميه باحثاً عن رزقه مساعدةً له وجبراً لخاطره. وما أروع أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصاً عندما نعلم أن خطأه غير مقصودٍ وأن تاريخ صحبتنا معه طيبٌ نقيٌ، فالصفح عنه ومسامحته تُطَيِّبُ نَفسه وتَجبرُ خاطره. وتبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والأحباب من أجمل ما يُدخل الفرحة للقلب والهناء للنفس وهي سبيل الحب، وبساط الود، وطريق الألفة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: [تَهادَوْا تَحابُّوا]. كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه وذلت نفسه وضاق صدره، ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيباً، ولو كان قليلاً، بذلك نجبر كسره ونُطيِّب قلبه ولا نُشعره بالنقص.

اللهم اجبرنا يا جبار، واجعلنا ممن يجبرون بخواطر الناس، واجعل ذلك في موازين حسناتنا، وضاعفه لنا وأنت أكرم الأكرمين.

 

https://bit.ly/3e9q1sF