الجمعة، 25 مارس 2022

عقوق الأبناء

 

خاطرة الجمعة /336


الجمعة 25 مارس 2022م

(عقوق الأبناء)

 

رسالةٌ مؤثرةٌ من أمٍ لابنها العاق:

يا بُني.. هذه رسالةٌ مكلومةٌ من أمك المسكينة، كتبتُها على استحياءٍ. بعد ترددٍ وطول انتظارٍ أمسكتُ بالقلم مراتٍ فحجزته الدمعة، وأوقفتُ الدمعة مراتٍ فجرى أنين القلب.

يا بُني.. بعد هذا العمر الطويل أراك رجلاً سوياً مكتمل العقل ومتزن العاطفة، من حقي عليك أن تقرأ هذه الرسالة، وإن شئتَ بعد فمزقها كما مزقتَ أطراف قلبي من قبل.

يا بُني.. منذ خمسةٍ وعشرين عاماً كان يوماً مشرقاً في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أنني حاملٌ، والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيداً؛ فهي مزيجٌ من الفرح والسرور وبداية معاناةٍ مع التغيرات النفسية والجسمية. وبعد هذه البشرى حملتُك تسعة أشهرٍ في بطني، فَرِحَةً جذلاً، أقوم بصعوبةٍ وأنام بصعوبةٍ وآكل بصعوبةٍ وأتنفس بصعوبةٍ، ولكن كل ذلك لم ينقص محبتي لك وفرحي بك، بل نمتْ محبتك مع الأيام، وترعرع الشوق إليك. حملتُك يا بُني وهناً على وهنٍ وألماً على ألمٍ، أفرح بحركتك وأُسَر بزيادة وزنك وهي حِملٌ عليّ ثقيل، إنها معاناةٌ طويلةٌ أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفنٌ ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه القلم ولا يتحدث عنه اللسان، ورأيتُ بأم عينيّ الموت مراتٍ عدةٍ حتى خرجتَ أنت إلى الدنيا فامتزجتْ دموع صراخك بدموع فرحي وأزالت كل آلامي وجراحي.

يا بُني.. مرت سنواتٌ من عمرك وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، جعلتُ حجري لك فراشاً، وصدري لك غذاءً، سهرتُ ليلي لتنام وتعبتُ نهاري لتسعد، أمنيتي كل يومٍ أن أرى ابتسامتك، وسروري في كل لحظةٍ أن تطلب مني شيئاً أصنعه لك؛ فتلك هي مُنتهى سعادتي.

ومرت الليالي والأيام وأنا على تلك الحال، خادمةً لم تُقصّر، مُرضعةً لم تتوقف، وعاملةً لم تفتر، حتى اشتد عودك واستقام شبابك وبدت عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يميناً وشِمالاً لأبحث لك عن المرأة التي طلبتَ، وأتى موعد زفافك فتقطّع قلبي وجرتْ مدامعي، فرْحةً بحياتك الجديدة، وحُزناً على فراقك، ومرت الساعات ثقيلةً فإذا بك لستَ ابني الذي أعرفه، لقد أنكرتني وتناسيتَ حقي. تمر الأيام لا أراك ولا أسمع صوتك، وتجاهلتَ من قامت بك خير قيام.

يا بُني.. لا أطلب إلا القليل؛ اجعلني في منزلة أبعد أصدقائك عنك وأقلهم حظوةً لديك، اجعلني يا بُني إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق.

يا بُني.. احدودب ظهري وارتعشت أطرافي وأنهكتني الأمراض وزارتني الأسقام، لا أقوم إلا بصعوبةٍ، ولا أجلس إلا بمشقةٍ، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك.

لو أكرمك شخصٌ يوماً لأثنيتَ على حُسن صنيعه وجميل إحسانه، وأمك أحسنتْ إليك إحساناً لا تراه، ومعروفاً لا تُجازيه، لقد خدمتْك وقامت بأمرك سنواتٍ وسنواتٍ، فأين الجزاء والوفاء؟ ألهذا الحد بلغتْ بك القسوة وأخذتك الأيام.

يا بُني.. كلما علمتُ أنك سعيدٌ في حياتك زاد فرحي وسروري، ولكني أتعجب وأنت صنيع يدي، أي ذنبٍ جنيتُه حتى أصبحتُ عدواً لك لا تطيق رؤيتي وتتثاقل زيارتي؟ هل أخطأتُ يوماً في معاملتك أو قصّرتُ لحظةً في خدمتك؟ اجعلني من سائر خدمك الذين تُعطيهم أجورهم، وامنحني جزءاً من رحمتك، ومُنَّ عليّ ببعض أجري، وأحسِن؛ فإن الله يحب المحسنين.

يا بُني.. أتمنى رؤيتك، لا أريد سوى ذلك، دعني أرى عبوس وجهك وتقاطيع غضبك.

يا بُني.. تفطّر قلبي وسالت مدامعي وأنت حيٌ تُرزق، ولا يزال الناس يتحدثون عن حُسن خلقك وجُودك وكرمك.

يا بُني.. أما آن لقلبك أن يرّق لامرأةٍ ضعيفةٍ أضناها الشوق وألجمها الحزن، جعلتَ الكمد شعارها والغم دثارها، وأجريتَ لها دمعاً وأحزنت قلباً وقطعت رحماً.

لن أرفع الشكوى ولن أبث الحزن؛ لأنها إن ارتفعت فوق الغمام واعتلت إلى باب السماء، أصابك شؤم العقوق ونزلت بك العقوبة وحلت بدارك المصيبة، لا لن أفعل. لا تزال يا بُني فلذة كبدي وريحانة حياتي وبهجة دنياي.

أفق يا بُني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر سنواتٌ ثم تصبح أباً شيخاً، والجزاء من جنس العمل. وستكتب رسائل لابنك بالدموع مثل ما كتبتُها إليك، وعند الله تجتمع الخصوم.

يا بُني.. اتقِ الله في أمك، كفكف دمعها وواسي حزنها، وإن شئتَ بعد ذلك فمزق رسالتها، واعلم أن من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها.

التوقيع

أمك

 

أحبتي في الله.. أعلم أن هناك من الأبناء من يعقون أمهاتهم، لكن لم أكن أتصور مدى الحزن الذي تشعر به الأمهات نتيجة (عقوق الأبناء) إلى أن اطلعتُ على هذه الرسالة التي تفيض حُزناً وألماً لعقوق ابنٍ لأمه، ورغم كل ما عانته فإن أمومتها أبت عليها أن تشكو ابنها لرب العباد حتى لا تحل به عقوبة عقوق الوالدين، ويا لها من عقوبةٍ لو كان العاقون يعلمون.

 

وعن (عقوق الأبناء) يروي أحد الكُتاب قصةً واقعيةً لابنٍ عاقٍ قاسي القلب، كان لا يهتم بوالدته الكبيرة في السن بعد أن تُوفي والده، وكان يؤذيها بأسوأ الكلمات الجارحة، وكانت هذه الكلمات كالطعنات في قلب والدته.. تطوّرت إساءته من كلماتٍ إلى طردٍ من المنزل.. ليس لها مأوىً ولا ملجأٌ يحميها من برودة الطقس أثناء الشتاء، ولا مظلةٌ تمنع أشعة شمس الصيف عنها.. كانت منكسرةً فعلاً، بكت كثيراً.. طلبتْ منه ألا يطردها؛ فاستقبل طلبها ولكن بطريقةٍ بشعةٍ وقاسيةٍ؛ فقد صنع قفصاً من الخشب، وجلب والدته ليريها ماذا فعل من إنجاز! فسألته: "هل ستشتري حيوانًا؟"، أتاها بردٍ صادمٍ؛ فقال: "لا! لن أشتري حيواناً، صنعتُ هذا القفص لكِ لكي تعيشين فيه؛ فليس لكِ مكانٌ داخل المنزل!". تقطعت أحشاء قلب الأم لما يحصل لها، وقضت الليل مع دموعها الحارقة. بعد مرور ليلتين من هذا الحدث المؤلم، وفي يومٍ كان المطر يهطل بقوةٍ وكأنه دموع الأم.. جلس الابن على المائدة بروحٍ باردةٍ.. فسمع طفله الصغير يناديه ليريه ماذا رسم بتلك الألوان الخشبية وقال: "هذا أنا يا أبي إذا كبرت"، ورسم بجانب المنزل الذي على تلك اللوحة قفصاً، سأله والده: "وما حاجتك إلى القفص يا بُني؟"، فأجاب الطفل: "إنها غرفتك عندما تكبر يا أبي؛ سوف أصنع لك قفصاً مثلما صنعته لجدتي".. هاجت مشاعر الأب وهُرع مُسرعاً لوالدته ليصلح ما كسره، لكن الوقت كان قد فات؛ إذ وجد والدته ملقيةً في زاوية القفص وروحها قد فاضت إلى بارئها.

 

يقول تعالى في وصف من لهم اللعنة ولهم سوء الدار: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾، ويقول في وصف الفاسقين: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾. أما أولو الألباب الذين جعل لهم جنات عدنٍ فيصفهم سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾. يقولون المفسرون إن معنى ﴿مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ هو كل ما أمر الله بوصله وفعله وعلى رأس ذلك صلة الأرحام والأقارب، وهل من رحمٍ أو صلة قُربى أولى من الوالدين؟!

 

يقول أهل العلم إن الشرع الحنيف حثّ على برّ الوالدين ورغّب فيه، وحرّم (عقوق الأبناء) لهما وعدّه من كبائر الذنوب، وجاءت النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسُنّة الشريفة حاثّةً على البرّ ومحذّرةً من العقوق في حقّ الوالدين في مواطن كثيرةٍ؛ يقول تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا﴾، فكيف بالتكبّر، والحرمان، والاعتداء، والإهانة، والهجران. ويُعد عقوق الوالدين ثاني أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى؛ حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للصحابة ذات يومٍ: [ألا أنبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ؟] (ثلاثًا)، قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: [الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالدين]، وجلَس وكان متكئاً، فقال: [ألا وقولُ الزُّورِ]. وقال -عليه الصلاة والسلام-: [لا يدخلُ الجنَّةَ عاقٌّ، ولا منَّانٌ، ولا مُدمنُ خمرٍ، ولا مُكذِّبٌ بقدرٍ]. بالإضافة إلى أنّ العاق لوالديه يعتبر قاطعاً للرّحم، بل قاطعاً لأعظم رحمٍ أمره الله تعالى بوصلها؛ حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: [إنَّ اللَّهَ خلقَ الخلقَ حتَّى إذا فرغَ من خلقِهِ قالتِ الرَّحِمُ: هذا مقامُ العائذِ بكَ منَ القطيعةِ، قالَ: نعَم، أما ترضِينَ أن أصلَ من وصلَكِ وأقطعَ من قطعَكِ، قالت: بلى يا ربِّ، قالَ: فهوَ لكِ]. وقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: [إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَيْكُم عُقُوقَ الأُمَّهاتِ] ويدلّ هذا على أنّ (عقوق الأبناء) غالباً ما يكون في حقّ الأمّهات؛ لذلك كان البِرّ في حَقّهنّ أوجب. كما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: [ملعونٌ مَنْ سبَّ أباهُ، ملعونٌ مَنْ سَبَّ أُمَّهُ]. وحذر نبينا الكريم من عقوق الوالدين فقال: [اثنانِ يُعجِّلُهما اللهُ في الدنيا: البغيُ، وعقوقُ الوالدَينِ]. وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: [رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ]، قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟، قالَ: [مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ]؛ فيجدر بمن عقّ والديه بأيّ شكلٍ من الأشكال، أن يُسارع إلى التّوبة إلى الله -عزّ وجلّ- بالإقلاع عن العقوق، والنّدم عليه، والعزم على عدم الرّجوع إليه، ثمّ إتباع ذلك بالأعمال الصالحة؛ لأنّ الأعمال الحسنة تُكفّر السيئات وتمحو الخطايا؛ يقول تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ﴾. وباب التوبة مفتوحٌ مهما اقترف الإنسان من ذنوب، بما فيها عقوق الوالدين.

ويظل على المسلم واجب البر والإحسان إلى الوالدَين حتى بعد وفاتهما؛ فعليه أن يُكثرَ من الدعاء لهما؛ وخير الدعاء: ﴿رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، ودعاء الأبناء ينفع المتوفى من الوالدين؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: [إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له]. وعلى الابن أن يحرص على أداء الأعمال الصالحة التي ينالان الثواب والأجر بها؛ كالصدقة، وأداء العمرة أو الحجّ عنهما، وأن يسعى إلى إكرام أصدقائهما.

 

أحبتي.. أمرنا الله سبحانه وتعالى ببِر الوالدين والإحسان إليهما، وأوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- بحُسن صحبتهما، والإحسان إليهما، وخصَّ الأم في ذلك؛ وهذا يعني أن من يتخلف عن البِر والإحسان لوالديه -ولأمه بالذات- يكون آثماً مُرتكباً لكبيرةٍ، فما بالنا بمن لا يكتفي بعدم بِرهما أو بقلة الإحسان إليهما، بل زيّن له الشيطان اختيار طريق عقوقهما؟! لا شك أنه يكون مستحقاً لسخط وغضب رب العالمين؛ فيخسر حتماً دنياه وآخرته.

أحبتي.. على كلٍ منا أن يُراجع نفسه ويُعيد النظر في علاقته بوالديه -وخاصةً أمه- ليتدارك أمره إن كان عاقاً، وليزيد من رضا الله عنه كلما زاد في بِره وإحسانه إن كان من الأبناء البررة المحسنين. واعلموا أن الحياة سلفٌ وديْن؛ ما تُقدمه اليوم من بِرٍ وإحسانٍ لوالديك سيعود إليك بِراً وإحساناً من أبنائك. ودعوني أختم بسؤال: متى آخر مرةٍ قبّلتَ فيها رأس أمك أو لثمتَ يديها حباً وعرفاناً؟

اللهم اجعلنا أبناء بررةً محسنين لوالدينا، ويسّر لنا الزيادة في بِرهما والإحسان لهما، أحياءً كانا أو أمواتاً.

https://bit.ly/3D9EEby

الجمعة، 18 مارس 2022

الجزاء من جنس العمل

 

خاطرة الجمعة /335


الجمعة 18 مارس 2022م

(الجزاء من جنس العمل)

 

يقول كاتب القصة: حدثني أحد أصدقائي "ضابط برتبة نقيب في قسم التحقيق في الشرطة" بهذه القصة العجيبة التي حدثت معه شخصياً، آمل منك أن تقرأها بتمعنٍ وتنظر للعبر التي يمكن أن نستفيدها منها لعلها تحرك أفئدتنا وقلوبنا ونعتبر بما فيها. قال لي محدثي: في يومٍ من الأيام، وكان يوم خميسٍ، وقبل صلاة المغرب بقليلٍ، جاءت سيارةٌ مسرعةٌ سرعةً جنونيةً في طريقٍ سريعٍ وصدمت رجلاً كان يمشي في الطريق أمام باب إحدى وكالات السيارات بالرياض، وهرب السائق الذي صدم هذا الرجل، وقد تمكنت الشرطة في نفس اليوم من إلقاء القبض عليه، أما الرجل الذي صدمته السيارة فقد تُوفي في الحال، وعند البحث عن الأوراق التي كانت بحوزته، تبين أنه قادمٌ للبحث عن عملٍ في وكالة السيارات التي تُوفي أمامها، ونُقل هذا المتوفى إلى إحدى المستشفيات حتى يُحفظ في الثلاجة ويأتي أحد أقاربه للسؤال عنه واستلامه.

مضى أسبوعان ولم يسأل عنه أي أحدٍ، وفي نهاية الأسبوع الثاني بدأ الضابط يبحث عن هاتف منزله من خلال الأوراق التي كانت بحوزته؛ اتصل الضابط بالمنزل فردت عليه امرأةٌ فسألها: "أين فلان؟"، قالت: "غير موجود"، فقال لها: "وماذا تقربين أنت له"، قالت: "زوجته"، فسألها: "متى سيعود؟"، قالت: "لا أعلم، لقد خرج منذ أسبوعين للبحث عن عملٍ، ولا نعلم عنه شيئاً، وأنا وأطفالي الاثنان ننتظر عودته". أنهى الضابط المكالمة معها دون أن يُخبرها بما حدث، وبدأ يُفكر في أمرها، وكيف يُبلغها بأمر زوجها الذي دهسته السيارة ومات؟ ظل في حيرةٍ من الأمر لمدة يومين، ثم قرر بعدها إبلاغها بما حدث؛ اتصل عليها مرةً أخرى وأبلغها بالأمر، فحزنت حُزناً شديداً وبكت وهو يُحدّثها، ثم طلب منها أن تُرسل أحد الأقارب حتى يُتابع القضية ويُنهي الإجراءات النظامية، فأبلغته بأنه لا يوجد لهم أقارب إلا عمٌ لزوجها يسكن في منطقةٍ تبعد عنهم مئات الكيلومترات، والعلاقة بينهم مقطوعةٌ. تابع الضابط موضوع هذه المرأة بنفسه، حتى تم دفن زوجها. حكمت المحكمة على السائق المُتسبب في الحادث بدفع الدية للمرأة، أخذ هذا السائق يُماطل بالدفع ويقول: "إنني لا أملك شيئاً، ولا أستطيع الدفع لها"، وبعد مرور ثلاثة أشهرٍ من الحادث استطاع أن يُحضر صك إعسارٍ من احدى المحاكم بشهادة اثنين، وطُويت القضية على أنه معسرٌ، وسيتم سداده لهذه المرأة عندما تتحسن حالته المالية. تصور أخي الحالة المادية لهذه المرأة التي كان زوجها يبحث عن عملٍ. يقول الضابط كنتُ أجمع لها بعض النقود وأعطيها إياها، وكنتُ أدلها على بعض الجمعيات الخيرية في البلد. ومرت الأيام، وفي يومٍ من الأيام، وبعد مرور سنةٍ بالضبط من الحادث الأول، كنتُ مناوباً في المساء، وإذا بمكالمةٍ هاتفيةٍ تأتي إلى الشرطة، ويُقدّر الله أن أرد على هذه المكالمة وأنا بحضرة حوالي عشرين ضابط، وإذا بخبر حادث سيارةٍ أمام وكالة السيارات ذاتها، ذهبتُ إلى موقع الحادث للتحقيق فيه؛ فوجدتُ أن سيارةً صدمت رجلاً ومات في الحال، وكانت الجثة مشوهةً جداً لا أحد يستطيع التعرف على ملامح هذا الميت، وكان يوم خميسٍ والوقت قبل المغرب بقليلٍ، وبعد البحث عن الأوراق التي بحوزة القتيل كانت المفاجأة المُذهلة والصاعقة التي تيقنت من خلالها أنه لا شيء يضيع عند رب العالمين؛ تبين لي بأن القتيل هو نفس الشخص الذي تسبب في الحادث الأول وظلم المرأة! في نفس المكان ونفس الموعد بعد سنةٍ من الحادث الأول! ومما زاد من المفاجأة أن الذي تُوفي في الحادث الثاني جاء يمشي للدخول إلى وكالة السيارات ومعه شيكٌ ليدفعه للوكالة لشراء سيارةٍ جديدةٍ له!

يقول صاحب القصة: فأخبرتُ القاضي الذي سيتولى الحكم بموضوع هذا الرجل، وما كان منه، وقد قدّر الله أن سائق السيارة الذي صدم الرجل الثاني كان يعمل في شركةٍ كبيرةٍ وعندما طُلبتْ منه الدية أحضرها سريعاً، ولكن القاضي حكم بأن تكون هذه الدية من نصيب المرأة التي ظلمها هذا الميت.

 

أحبتي في الله.. إنها قاعدة (الجزاء من جنس العمل)، وهذه قصةٌ أخرى تثبت صحة هذه القاعدة؛ حدثت القصة في سجن إحدى الدول العربية، يرويها أحد الثقاة فيقول: مسجونٌ قبل إعدامه يُقسم بالله لجنديٍ أنه سيُعدَم لقتل رجلٍ لم يره ولا يعرفه، ولكنه كان يعرف بأنه سيُعدم هكذا، بل كان طوال حياته ينتظر هذه اللحظة. استغرب الجندي وسأله: "وكيف ذلك؟!"، أجاب المسجون: "لقد كنتُ قديماً مسؤولاً عن تنفيذ حكم الإعدام في أحد السجون، وفي يومٍ من الأيام هرب من السجن المسجون الذي كان عليّ تنفيذ الحكم فيه، فخفتُ أن أُطرد من وظيفتي بسبب هذا الأمر، فما كان مني إلا أن ألبست ثوب الإعدام لشخصٍ آخر بريءٍ ونفذتُ الحكم فيه، وكنتُ أعرف أنني سألقى الجزاء نفسه، وكنتُ أنتظر هذه اللحظة!".

 

وهذا ابن الزيّات، كان وزيرًا للمعتصم والواثق، وكان يقول: "ما رحمتُ أحداً قط، الرحمة خَوَرٌ في الطبع"، ثم نُكب فسجنه الواثق في تنورٍ من حديدٍ أطرافه مسامير، كان قد أعدّه ابن الزيات نفسه لسجنائه، فكان يصيح: "ارحموني"، فيقولون: "الرحمة خَوَرٌ في الطبع"، حتى مات بالسجن!

 

ومن الأدلة الشرعية على ثبوت هذه القاعدة؛ يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾. ويقول: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ﴾. ويقول سبحانه: ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا﴾، كما يقول: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾، ويقول أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾. ويقول كذلك: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، وغير ذلك من آيات.

 

ومن السُنة الشريفة؛ قال عليه الصلاة والسلام: [من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة]، وقال صلى الله عليه وسلم: [من يسرَّ على معسرٍ يسَّر الله له في الدنيا والآخرة]، وغير ذلك من أحاديث.

 

يقول أهل العلم إن (الجزاء من جنس العمل) هي سُنةٌ إلهيةٌ وقاعدةٌ عدليةٌ شريفةٌ مُستقاةٌ من النصوص الشرعية، ومعناها أن جزاء العمل من جنسه؛ إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شراً فشرٌ، جزاءً وفاقاً.

ولو وضع المسلم هذه القاعدة نُصب عينيه، لزَجَرتهُ عن كثيرٍ من الذنوب والمعاصي، ولتخيل دائماً ما ينتظره من عاقبة أعمالهِ. فقاعدة (الجزاء من جنس العمل) قاعدةٌ شرعيةٌ مهمةٌ لها آثارٌ عظيمةُ النفع في إصلاح الدين والدنيا لأولي الألباب الذين يعلمون أنّ للأفعال عواقبها، وهي دافعةٌ للأعمال الصالحة، ناهيةٌ عن الظُلم، مواسيةٌ للمظلومين؛ فلو استحضر الظالم عاقبة ظلمه، وأن الله سيسقيه من نفس الكأس عاجلاً أو آجلاً، لكَفَّ عن ظلمه وتاب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم، علم أن عدل الله قد يقضي بأن يُنتهك عِرضه، لتاب وترك أعراض الناس.

 

(الجزاء من جنس العمل) كتب أحدهم تحت هذا العنوان يقول: هذه سُنة الله في الكون؛ كل إنسانٍ سيشرب من الكأس التي سقى الناس بها، الظالم سيُبتلى بمن هو أظلم منه، والقاسي سيُبتلى بمن هو أقسى منه، والضد صحيح، والعكس مُشاهَدٌ عياناً! من لانَ للناس ألانَ الله له قلوب الناس، ومن جبرَ جُبِر، ومن مشيَّ في حاجة الناس قيَّض اللهُ له من يمشي في حاجته! أنتَ في يومك هذا إنما تختار شكل أيامك القادمة! وما تجاوز الله عن عبده الغني يوم القيامة الذي يأتيه وليست له حسنةٌ إلا لتجاوزه عن الناس وإنظاره المُعسر منهم.

ولأن (الجزاء من جنس العمل) فأنتَ اليوم زارعٌ وغداً حاصدٌ، فأحسِنْ غِراسكَ لتسعدَ بحصادك. ومِن عدل الله أن أغلب الغِراس يُحصد في الدنيا،

ولكنه سبحانه قد يؤجل لحكمته بعض الحصاد للآخرة؛ فإن فاتكَ هنا حصاد كل خيرٍ زرعته، فثق أنه لن يفوتك في الآخرة.

إنه (الجزاء من جنس العمل)، فمن أحسن أحسن الله إليه، ومن جاد جاد الله عليه، ومن نصر أمر الله ودينه وشرعه نصره الله وثبته، ومن تواضع لله رفعه الله، والراحمون يرحمهم الرحمن، ومن عامل الناس بما يُحب عامله الله بما يُحب، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن ذَكَرَ الله في ملأٍ ذكره الله في ملأٍ أفضل منهم، ومن تصدّق تصدّق الله عليه وعوّضه خيراً، ومن فسّح لإخوانه في المجالس فسّح الله له، ومن تجاوز عن المُعسر تجاوز الله عنه.

 

وصدق الشاعر إذ قال:

المَرءُ يُجزى بِمَا يُسديهِ مِنْ عملٍ

للنَّاسِ مَهما تَولَّى عنهُ وامتنعا

يومًا سيلقاهُ لو طالَ الزَّمانُ بِهِ

خيرًا وشرًّا سَيَجنِي كُلَّ ما زَرعا

فاصنَعْ لِنَفسِكَ بعدَ الموتِ منزِلَةً

إنْ مَرَّ ذكرُكَ قَالُوا ذَاكَ مَن صَنَعا

واستَنهَضِ النَّفسَ واشغِلها بفَائِدَةٍ

لَا يَبلغُ المَرءُ إلَّا ما إلَيهِ سَعَى

 

أحبتي.. لنتيقن تماماً أن المكيال الذي نكيل به لغيرنا سوف يُكال لنا به، إنْ عاجلاً أو آجلاً؛ فغِراس الإحسان الذي نزرعه على هذه الأرض سنتفيّأ من وارفِ ظلاله يوماً، وألوان السعادة التي ننشرها على القلوب سنجدها في انتظارنا بين محطّات الحياة؛ والعكس بالعكس. فلنتذكر جميعاً أنّ (الجزاء من جنس العمل) سُنةٌ إلهيةٌ يتجلى فيها عدل المولى عزَّ وجلَّ لذوي البصائر، وصدق الله العظيم إذ يصف نفسه بقوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.

اللهم اجعلنا ممن يزرعون الخير فيحصدونه أضعافاً مضاعفةً بإذنك وعدلك وكرمك وإحسانك.

https://bit.ly/3ud6UpX

الجمعة، 11 مارس 2022

فضل الصلاة على النبي

 

خاطرة الجمعة /334


الجمعة 11 مارس 2022م

(فضل الصلاة على النبي)

 

قصةٌ واقعيةٌ عن فضل الصلاة على النبي كتبها أحد الشباب يقول فيها: صديقٌ لي قابلته في المدينة المنورة منذ فترةٍ فسألته عن حاله وعن عمله، فقال لي:

"قصة عملي هنا ووجودي في مدينة رسول الله عجيبةٌ؛ فكما تعلم أنني كنت أعمل بوظيفة فني تكييفات في إحدى مستشفيات القاهرة، وكانوا في العمل يُضايقونني كثيراً من أجل اللحية، وقد ضقتُ ذرعاً من كثرة مضايقاتهم لي بسبب التزامي، وتصادف أني حضرتُ محاضرةً بعنوان: {الصلاة على خير الأنبياء عوضاً عن الدعاء}، وسمعتُ القصص الواقعية التي قيلت فيها، كما استمعتُ فيها إلى حديث أُبي بن كعب الذي قال فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أجعل صلاتي كلها عليك؟ فقال له النبي: [إذن تُكفى همك، ويُغفر لك ذنبك]، فعلمتُ أن الصلاة على النبي سببٌ في تفريج الكربات، وأن أفضل طريقةٍ للصلاة عليه هي الصلاة الإبراهيمية كما في آخر التشهد: {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. وكان عندي في العمل وقت فراغٍ كبيرٍ؛ إذ أظل جالساً في المكتب حتى يتعطل أحد المكيفات في المستشفى فيتم استدعائي لإصلاحه، فأقوم بذلك ثم أعود فأجلس كما كنتُ في المكتب. فلما أكثروا من مضايقتي أخذتُ أُصلي على النبي كل يومٍ بكثرةٍ. ظللتُ فترةً على هذه الحال؛ أُصلي على النبي كل يومٍ في حدود ثلاث ساعاتٍ حتى يُفرّج الله كربي ويجعل لي من عملي هذا مخرجاً.

وفي أحد الأيام فوجئتُ برقمٍ غريبٍ يتصل بي من السعودية فاستغربتُ لأنني لا أعرف أحداً هناك، فأجبتُ على الهاتف فإذ برجلٍ يقول لي: هل حضرتك مهندس تكييفات؟، فقلتُ له: لا، أنا أعمل فني تكييفات ولستُ مهندساً، فقال لي: أريدك أن تعمل عندي في السعودية. اتفقنا على المرتب، وقمتُ بإنهاء أوراق السفر. كان هذا الرجل السعودي قد تعاقد مع بعض الأشخاص في مصر حتى يعملوا معه في السعودية بشركته التي لها فروعٌ في جميع أنحاء المملكة، وقبل السفر عقد اجتماعاً في أحد الفنادق بالقاهرة مع جميع الأشخاص الذين تعاقد معهم، وأخذ كل واحدٍ منهم يحكي قصته أمام الآخرين وأمام هذا السعودي؛ وكيف تعرف على هذا العمل؟ ثم التفت هذا السعودي إليّ وقال للجميع: كل هؤلاء أعرف قصصهم وكيفية مجيئهم للعمل عندي إلا أنت فلا أعرف كيف جئتَ لتعمل عندي؟، فحكيتُ قصتي له؛ وأنني كنتُ أتعرض لمضايقاتٍ في العمل بسبب لحيتي، وكيف كنتُ أُصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرةٍ حتى يُفرّج الله عني هذا الكرب. وبعدما حكيتُ قصتي أمام الجميع نظرتُ إلى صاحب الشركة السعودي وقلتُ له: وأنا أريد أن أسألك سؤالاً واحداً: كيف تعرفتَ على رقم هاتفي ومن أين جئتَ به؛ لأنني إلى الآن لا أعرف كيف توصلتَ إلىّ؟، فقال السعودي: إنني أنزل كل فترةٍ إلى مصر لبعض الأعمال، وكثيراً ما أُؤجر شقةً لأسكن فيها، ومعظم الشقق التي كنتُ أنزل فيها كان جهاز التكييف فيها يتعطل، وذات مرةٍ نزلتُ في شقةٍ ومكثتُ فيها فترةً ولم يتعطل فيها جهاز التكييف فأُعجبتُ بذلك، ووجدتُ رقم هاتفٍ للصيانة مكتوباً على جهاز التكييف؛ فكتبته واحتفظتُ به منذ ثلاث سنواتٍ، ولما احتجنا إلى متخصصٍ لتصليح التكييفات في شركتي اتصلتُ بالرقم المكتوب فرددتَ أنت عليّ، وأنا لا أعرفك!، ثم التفت الرجل إلىّ وقال: كل هؤلاء الذين أمامك الآن سيتم توزيعهم في مناطق مختلفةٍ من المملكة، ولن يجلسوا في مكة ولا المدينة، وأنت من المفروض أن تكون معهم، ولكن لكثرة حبك وصلاتك على النبي فسأعينك في شركتي في فرع المدينة المنورة بجانب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى تنعم بالصلاة في مسجده".

بعد أن ذكر قصته العجيبة هذه قال لي: "وها أنا الآن يا أخي أعمل هنا في مدينة رسول الله، وآتي للصلاة في مسجده دوماً، وأتشرف بالسلام عليه عندما أدخل مسجده، وهذا كله ببركة و(فضل الصلاة على النبي)؛ فهي التي جعلها الله سبباً في الإتيان بي إلى هنا!".

 

أحبتي في الله .. يقول المولى عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وعن هذه الآية يقول العلماء إنّ فيها شرفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وبياناً لمنزلته عند الله؛ فالصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وذِكره بأوصافه الجميلة عند الملائكة؛ فصلاتهم على النبي دعاؤهم له، عليه الصلاة والسلام.

 

ومما ورد من أحاديث نبوية شريفة عن (فضل الصلاة على النبي)؛ قوله عليه الصلاة والسلام: [أولى الناسِ بي يومَ القيامةِ أكثرُهم عليّ صلاةً]. وقوله: [البخيلُ مَن ذُكرتُ عندَه ثم لم يصلِّ عليّ]. وقوله: [إنَّ من أفضلِ أيَّامكم يوم الجمعةِ، فيه خُلق آدمُ وفيه قُبض وفيه النَّفخة وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاة فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ]، قالوا: يا رسول الله وكيف تُعرض صلاتُنا عليك وقد أرمت؟ فقال: [إن الله عزَّ وجلَّ حرَّمَ على الأرضِ أجسادَ الأنبياء]. وقوله: [من ذُكرتُ عِندَه فليُصلِّ عليَّ، فإنَّهُ من صلَّى عليَّ مرةً صلَّى اللهِ عزَّ وجلَّ عليْهِ عشرًا]. وقوله: [من صلَّى عليَّ صلاةً لم تزلِ الملائكةُ تصلِّي عليه ما صلَّى عليَّ، فليُقِلَّ عبدٌ منكم أو ليُكثِرْ]. وقوله: [من صلى عليَّ حين يُصبح عشرًا، وحين يُمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة]. وقوله: [ما جَلَس قومٌ مجلسًا لم يذكروا اللهَ فيه ولم يُصلُّوا على نبيِّهم إلَّا كان عليهم تِرةٌ فإن شاءَ عذَّبَهم وإن شاءَ غفَر لهم]. وقوله: [إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ]. وقوله: [مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ]. وقوله: [أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين].

 

وعن (فضل الصلاة على النبي) قال أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: [مَا شِئْتَ]. قَالَ قُلْتُ: الرُبُعَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قَالَ قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: [مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ]. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: [إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ].

 

وقد ذكر أحد العلماء أربعين فائدة في (فضل الصلاة على النبي) صلى الله عليه وسلم منها: أنها امتثالٌ لأمر الله سبحانه وتعالى، وموافقةٌ لله سبحانه وتعالى وملائكته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سببٌ لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه، وهي متضمنةٌ لذِكر الله تعالى وشكره ومعرفة إنعامه على عباده بإرساله صلى الله عليه وسلم، وهي دعاءٌ يسأل فيه العبد ربه تبارك وتعالى أن يُثني على خليله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثار ذِكره ورفعه.

 

إن الصلاة على النبي كنزٌ لا يعرف قدرها إلا من ذاق حلاوتها، وصدق الشاعر إذ قال:

إذا كنتَ في ضيقٍ وهمٍ وفاقةٍ

وأمسيتَ مكروباً وأصبحتَ في حرجْ

فصّلِ على المختارِ من آل هاشمٍ

كثيراً فإن اللهَ يأتيكَ بالفرجْ

وقال آخر:

أتيتَ إلى الحياةِ بخيرِ ذكرٍ

كشمسِ النورِ من بعدِ الظلامْ

رسولَ الله يا خيرَ البَرايا

عليكَ صلاةُ رَبّي والسّلامْ

سُبْحانَ مَنْ بَعَثَ الرَسولَ مُحَمّدا

وهَدى لِدَرْبِ الحَقِ بالقُرْآنِ

صلّوا على الهادي البشيرِ

فَإنّهُ نورٌ يُضيء بِسائرِ الأزْمانِ

أهْداكَ رَبي للأنامِ رَحيما

ونَشَرتَ دِيناً كالجِبالِ قويما

يا مَنْ قَرَأتُمْ أحْرُفي

صَلوّا عَلَيهِ وسَلّموا تَسْليما

وقال ثالث:

يا بائعاً في أرض طيبة عنبرا

بجوار أحمد لا تبيع العنبرا

إن الصلاة على النبي وآله

يشدو بها من شاء أن يتعطرا

صلوا على خير البرية تغنموا

عشرًا يُصلّيها المليك الأعظمُ

مَن زادها ربي يُفرّج همهُ

والذنب يُعفى والنفوس تُنَعمُ

 

أحبتي .. ينبغي على كل مُسلمٍ الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله؛ في الليل والنهار، في الحضر والسفر، في الصحة والمرض، وفي كل حال. وأن يُكثر من ذلك يوم الجمعة وليلتها، وكلما سمع ذِكره عليه الصلاة والسلام في أذانٍ وفي إقامةٍ وفي غيرهما، فإن في ذلك استزادةً من (فضل الصلاة على النبي) جعلنا الله من أهل هذا الفضل.

 

https://bit.ly/3w2WYSf

الجمعة، 4 مارس 2022

رسالة إلى الله

 

خاطرة الجمعة /333


الجمعة 4 مارس 2022م

(رسالة إلى الله)

كتبت إحدى الأمهات تقول: استيقظتُ مبكراً كعادتي، رغم أن اليوم هو يوم إجازتي، صغيرتي «ريم» كذلك اعتادت على الاستيقاظ مبكراً، كنتُ أجلس في مكتبي مشغولةً بكتبي وأوراقي. "ماما ماذا تكتبين؟"، "أكتب (رسالة إلى الله)"، "هل تسمحين لي بقراءتها ماما؟"، "لا يا حبيبتي، هذه رسائلي الخاصة، ولا أحب أن يقرأها أحد". خرجت ريم من مكتبي وهي حزينةٌ، لكنها اعتادت على ذلك؛ فرفضي لها كان باستمرار. مَرّ على هذا الموضوع عدة أسابيع، ثم ذهبتُ إلى غرفة «ريم»، ولأول مرةٍ ترتبك «ريم» لدخولي، يا تُرى لماذا هي مرتبكة؟ "«ريم»؛ ماذا تكتبين؟"، زاد ارتباكها وردت: "لا شيء يا ماما، إنها أوراقي الخاصة". تُرى ما الذي تكتبه ابنة التاسعة وتخشى أن أراه؟، "أكتب (رسالة إلى الله) كما تفعلين"، قطعتْ كلامها فجأةً وسألتْ: "هل يتحقق كل ما نكتبه يا ماما؟"، "طبعاً يا ابنتي فإن الله يعلم كل شيء". لم تسمح لي بقراءة ما كتبتْ، فخرجتُ من غرفتها واتجهتُ إلى «راشد» كي أقرأ له الجرائد كالعادة، كنتُ اقرأ الجريدة وذهني شاردٌ مع صغيرتي؛ فلاحظ «راشد» شرودي، ظن أنه بسبب تعبي معه، فحاول إقناعي بأن أجلب له ممرضةً كي تُخفف عني هذا العبء، يا إلهي، لم أكن أريده أن يُفكر هكذا؛ فحضنتُ رأسه، وقبّلتُ جبينه الذي طالما تعب وعرق من أجلي أنا وابنته «ريم»، واليوم يحسبني أتعب من أجله؛ فأوضحتُ له سبب حُزني وشرودي. ذهبتْ «ريم» إلى المدرسة، وعندما عادت كان الطبيب في البيت فهُرعتْ لترى والدها المُقعد، وجلستْ بقربه تواسيه بمداعباتها وهمساتها الحنونة، وضّح لي الطبيب سوء حالة «راشد» وانصرف، تناسيتُ أن «ريم» ما زالت طفلةً، ودون رحمةٍ صارحتها بأن الطبيب أكد لي أن قلب والدها الكبير الذي يحمل لها كل هذا الحب بدأ يضعف كثيراً، وأنه لن يعيش لأكثر من ثلاثة أسابيع، انهارت «ريم» وظلت تبكي وتردد: "لماذا يحصل كل هذا لبابا؟ لماذا؟"، "ادعي له بالشفاء يا «ريم»، يجب أن تتحلي بالشجاعة، ولا تنسيْ رحمة الله، إنه القادر على كل شيءٍ، فأنتِ ابنته الوحيدة". أنصتتْ «ريم» إليّ ونست حزنها وداست على ألمها وتشجعتْ وقالت: "لن يموت أبي". في كل صباحٍ تُقبّل «ريم» خد والدها الدافئ، لكنها اليوم عندما قبّلته نظرتْ إليه بحنانٍ وتوسلٍ وقالت: "ليتكَ توصلني يوماً إلى المدرسة مثل صديقاتي"، غمره حزنٌ شديدٌ حاول إخفاءه وقال: "إن شاء الله سيأتي يومٌ وأوصلك فيه يا «ريم»"، وهو واثقٌ أن إعاقته لن تُكمّل فرحة ابنته الصغيرة. أوصلتُ «ريم» إلى المدرسة، وعندما عدتُ إلى البيت تملكني فضولٌ لرؤية الرسائل التي تكتبها ريم إلى الله، بحثتُ في مكتبها، وبعد بحثٍ طويلٍ لم أجد أي شيءٍ، تُرى أين هي تلك الرسائل؟! تُرى هل تُمزقها بعد كتابتها؟، ربما تكون الرسائل هنا؛ لطالما أحبت «ريم» هذا الصندوق، طلبتْه مني مراراً، فأفرغتُ ما فيه وأعطيتها إياه، يا إلهي إنه يحوي رسائل كثيرةً، وكلها إلى الله: يا رب يموت كلب جارنا سعيد لأنه يخيفني. يا رب قطتنا تلد قططاً كثيرةً لتعوضها عن قططها التي ماتت. يا رب ينجح ابن خالتي لأني أحبه. يا رب تكبر أزهار بيتنا بسرعة لأقطف كل يومٍ زهرةً وأُعطيها معلمتي. والكثير من الرسائل الأخرى، كان أطرفها التي تقول فيها: "يا رب يا رب كبّر عقل خادمتنا لأنها أرهقت أمي". يا إلهي كل الرسائل مستجابةٌ؛ لقد مات كلب جارنا منذ أكثر من أسبوع، قطتنا أصبح لديها صغارٌ، ونجح «أحمد» بتفوق، وكبرت الأزهار و«ريم» تأخذ كل يومٍ زهرةً إلى معلمتها. يا إلهي لماذا لم تدعُ «ريم» ليشفى والدها ويرتاح من عاهته؟!! شردتُ كثيراً وقلتُ في نفسي: "ليتها تدعو له". لم يقطع هذا الشرود إلا رنين الهاتف المزعج، ردت الخادمة ونادتني: "سيدتي؛ المدرسة، المدرسة!!"، "ما بها «ريم»؟ هل فعلتْ شيئاً؟"، أخبرتني المتصلة أن «ريم» قد وقعتْ من الطابق الرابع وهي في طريقها إلى منزل معلمتها الغائبة لتُعطيها الزهرة، وهي تُطل من الشرفة وقعت الزهرة ووقعت «ريم». كانت الصدمة قويةً جداً لم أتحملها أنا ولا «راشد»، ومن شدة صدمته أصابه شللٌ في لسانه؛ فمن يومها لا يستطيع الكلام. "لماذا ماتت «ريم»؟"، لا أستطيع استيعاب فكرة وفاة ابنتي الحبيبة. كنتُ أخدع نفسي كل يومٍ بالذهاب إلى مدرستها كأني أوصلها، كنتُ أفعل كل شيءٍ كانت صغيرتي تُحبه، كل زاويةٍ في البيت تُذكرني بها، أتذكر رنين ضحكاتها التي كانت تملأ علينا البيت بالحياة.

مرت سنواتٌ على وفاتها، كنا نتوقع موت أبيها المقعد المريض فإذا هي التي تموت! تمر ذكراها كأنها ماتت اليوم. في صباح يوم الجمعة أتت الخادمة وهي فزعةً وتقول إنها سمعت صوتاً صادراً من غرفة «ريم»، "يا إلهي هل يُعقل؟ «ريم» عادت؟! هذا جنونٌ. أنت تتخيلين. لم تطأ قدمٌ هذه الغرفة مُنذ أن ماتت «ريم»". أصر «راشد» على أن أذهب وأرى ماذا هناك. وضعتُ المفتاح في الباب، وانقبض قلبي، فتحتُ الباب فلم أتمالك نفسي، جلستُ أبكي وأبكي. ورميتُ بنفسي على سريرها، إنه يهتز. نعم تذكرتُ؛ قالت لي مِراراً أنه يهتز ويُصدر صوتاً عندما يتحرك، ونسيتُ أن أجلب النجار كي يُصلحه لها، لا فائدة الآن. لكن ما الذي أصدر الصوت؟ نعم؛ إنه صوت وقوع اللوحة التي زُينت بآية الكرسي، وكانت تحرص «ريم» على قراءتها كل يومٍ حتى حفظتها، وحين رفعتُها كي أعلقها وجدتُ ورقةً بحجم البرواز وُضعت خلفه، يا إلهي؛ إنها إحدى الرسائل التي كتبتها «ريم». يا تُرى ما الذي كان مكتوباً في هذه الرسالة بالذات؟ ولماذا وضعتها «ريم» خلف الآية الكريمة؟ إنها إحدى الرسائل التي كانت تكتبها «ريم» إلى الله كان مكتوباً فيها: "يا رب خُذ من عمري واعطِ بابا، يا رب أموتُ أنا، ويعيش بابا".

 

أحبتي في الله .. ذكرتني هذه القصة بأخرى مشابهةٍ لها، الفرق بين القصتين أنّ الأولى حقيقيةٌ حدثت بالفعل، أما الثانية فقد كانت قصة فيلمٍ سينمائيٍ عن طفلين صغيرين يعيشان مع أبيهما وأمهما في بيتٍ ريفيٍ بسيطٍ. مرضت الأم واحتاجت لإجراء عمليةٍ جراحيةٍ، ولكن أنّى لها ذلك والأب فقيرٌ لا يملك المال اللازم لإجرائها، ما دفعه للذهاب إلى المدينة علّه يجد من أصدقائه من يُقرضه المال. في غياب الأب وقعت مسؤولية تلبية حاجات المنزل على عاتق الابن ذي السنوات السبع؛ فكان يذهب يومياً هو وأخته إلى المدرسة، وحين يعودان إلى البيت يضع حقيبته المدرسية، ويحمل الحطب من غرفة المؤونة للداخل كي يعمّ الدفء في جو البيت الشتوي البارد، وبعدها يذهب كباقي أهل القرية لصيد البط لطهيه للطعام، وما يزيد من الصيد يبيعه ليكسب قليلاً من المال. شاهد في أحد الأيام -وهو في المدرسة- عامل البريد يُسلم للمعلم خطاباً؛ فخطرت له فكرة أن يرسل (رسالة إلى الله)! ما إن انتهى الدوام حتى ذهب إلى الحانوت واشترى ظرفاً وطوابع بريدٍ وعاد مُسرعاً إلى البيت، ودخل غرفة المؤونة وجلس هو وأخته ذات السنوات الست يخطان (رسالة إلى الله)، كتبا فيها: “سلامٌ يا الله، أمنا مريضةٌ وحالتها سيئةٌ للغاية، لابدّ لأمي من الذهاب للمشفى للعلاج، والمشفى يطلب مالاً كثيراً؛ لذا قصد أبي المدينة منذ عدة أيامٍ بحثاً عن شخصٍ يُقرضه مالاً، وإذا لم يتمكن أبي من أن يأتي بالمال الكثير فلن تتعافى أمنا، قالت جدتي: إنّ الله يستطيع أن يفعل كل شيءٍ، وأن الله يُشفي المرضى، لذلك أنا وأختي نكتب لك هذه الرسالة حتى  تقرأها وترسل لنا من يأخذ أمي إلى المشفى، أنت حنونٌ جداً، وأنت تُحبّ الأطفال كثيراً، ونحن نحبك كثيراً، وإذا أرسلتَ من يأخذ أمي إلى المشفى فسنحبك أكثر، وإذا لم يحدث ذلك فسنكون أنا وأختي حزينين جداً.  أنا وأختي لا نعرف أحداً غيرك أنت لنطلب منه أن يُساعدنا، سنأتي كلّ يومٍ ونقف عند مدخل قريتنا ننتظر حتى تبعث إلينا أحداً معه سيارةٌ ليأخذ أمنا إلى المستشفى". انتهى الطفلان من كتابة الرسالة، وكتبا على الظرف (رسالة إلى الله)، وذهب الابن فوضعها في صندوق البريد. في مكتب البريد لاحظت الموظفة أن الظرف كان مفتوحاً مما أثار فضولها لمعرفة العنوان المُراد إيصال الرسالة إليه، وفوجئت أنها (رسالة إلى الله) فأخرجت الرسالة وبدأت في قراءتها فانهمرت دموعها واجتمع زملاؤها، وأتى مديرها وأخذ الرسالة من يدها وقرأها بصوتٍ عالٍ أمام الجميع؛ فكان الحسّ الإنساني لديهم كبيراً، فقرروا أن يرسلوا سيارة إسعافٍ إلى القرية ويأتوا بأم الطفلين للمشفى ليتم علاجها. وهكذا استجاب الله لرسالة الطفلين بأن أوحى لموظفي البريد بتقديم المساعدة للأم المريضة، وبذلك تحققت أحلام الطفلين البريئين في إجراء العملية الجراحية لأمهما.

 

أحبتي .. رغم اختلاف البيئة والثقافة والتقاليد والعادات واللغة بين مجتمع وآخر تبقى سمات البراءة والعفوية والصفاء واحدةً لدى جميع الأطفال.

فماذا عنا نحن الكبار؟ هذا السؤال سأله أحد الكُتّاب فقال: "لو أُتيح لكل واحدٍ منا أن يكتب (رسالة إلى الله)، ماذا سيقول فيها؟ ما الحوائج التي سيطلبها؟ وما الرغائب التي سيتمناها؟ وما المصائب التي سيطلب دفعها؟"، أما أنا فأقول: قبل أن يُرسل أحدنا (رسالة إلى الله) ليسأل نفسه أولاً: ماذا عن رسالة الله التي أرسلها إليّ؛ إلى أي مدى استجبتُ لها؟ هذا هو السؤال؛ يقول تعالى على لسان سيدنا صالح عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾. اللهم اجعلنا ممن يُحبون الناصحين، ورُدنا إليك رداً جميلاً، ويسّر لنا ربنا أن نكون أوفياء لرسالتك إلينا، التي أوصلها إلينا رسلك وأنبياؤك، رسالة الإسلام، التي كملت وتمت على يد نبينا الكريم، آخر الأنبياء وخاتم المرسلين، صلواتك اللهم وسلامك عليه؛ إذ تقول -وقولك الحق-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. اللهم أعنّا على أن نحيا ونموت ونحن مسلمون حقاً، قولاً وفعلاً، على الوجه الذي يُرضيك عنا، إنك سبحانك على كل شيءٍ قدير.

 

https://bit.ly/3Mrw0K2

الجمعة، 25 فبراير 2022

أفيقوا يرحمكم الله

 

خاطرة الجمعة /332


الجمعة 25 فبراير 2022م

(أفيقوا يرحمكم الله)

 

تحت عنوان "توبة فتاةٍ استمعتْ إلى كلام الله"، كتبتْ تقول عن تجربتها الشخصية:

كنتُ متماديةً في المُنكرات والعصيان، ولَكَمْ حاوَلَتْ والدتي نُصحي وتذكيري لدرجة أنها كانت تبكي أمامي؛ ولكن بدون فائدة! ظللتُ أسير في طريقٍ مظلمٍ كالحٍ، أتخبط فيه بين الأوهام والخيالات، وعندما يُسدِلُ الليلُ ستاره الأسود أفكر فيما سأعمله غداً، وعندما يُشرق النهار أبلجَ واضحًا أحمِلُ هَمَّ الليل وكيف سأقضيه، وليس لي همٌّ إلا الدنيا، وإضاعة الأوقات بدون فائدة، وتمر الساعات وأنا ما بين أغنيةٍ ومجلةٍ وفيلمٍ؛ وهكذا ألبستني الغفلةُ من ثيابِها ألواناً شتى.

وذات يومٍ مللتُ من ذلك الروتين اليومي، ومن نُصح والدتي وتذكيرها لي بوالدي المتوفَى -رحمه الله- وحرصه عليّ، ودخلتُ غرفتي التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور، وفتحتُ نافذة غرفتي فإذا بصوت إمام المسجد يهز مسامعي وهو يقرأ من سورة ق، فما أشد وقع تلك الكلمات على نفسي الغافلة، وما أعظمها وهي تصف حال الإنسان عند الموت: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ إلى قوله تعالي: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ . لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾.

إنها الحياة الحقيقية، فما أقسى الموت! وما أشد غفلتي عنه! وهذا القبر الذي طوته الغفلة وغيّبه النسيان في حياتي! وهذه الصلاة التي كانت مُجرّد عادةٍ؛ إن كنتُ متفرغةً أديتها وإلا تركتها كغيرها من الفرائض! أما كتاب الله فلا تمسه يداي إلا في المدرسة إن حضرتُ حصته. دق جرس الإنذار في نفسي مُدوياً، وانهالت الأسئلة أطرحها على نفسي: "ماذا أعددتِ لسؤالك؟"، "ماذا أعددتِ للقبر وضمته؟"، "هل أنتِ مُستعدةٌ للموت وسكرته؟". اكتشفتُ فجأةً أني لستُ مستعدةً لأي شيءٍ من هذا أبداً؛ لا رصيد لديّ أنجو به، ولا زاد أتزود به سوي عشرات الأغاني الماجنة التي أحفظها! يا إلهي؛ ماذا سأفعل؟ راح من عُمري الكثير: ذنوبٌ بالليل وآثامٌ بالنهار! لا بد من الرجوع إلى الله، والاستعداد ليومٍ تشيب فيه الولدان، وتضع كل ذات حملٍ حملها، لا بد من الاستيقاظ والعمل بجدٍ وإخلاصٍ، لعل الله أن يعفو عن الكثير، ويقبل القليل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أحبتي في الله.. كانت هذه لحظة صدقٍ عاشتها تلك الفتاة، لا نعلم ربما ماتت بعدها وهي على نية التوبة والرجوع إلى الله، فتكون قد فازت الفوز العظيم. وربما ما زالت على قيد الحياة. المؤكد أنّ الله سبحانه وتعالى قد منّ عليها فهداها إلى سواء السبيل، وألهمها أن تكتب قصتها وتنشرها ولسان حالها يقول: (أفيقوا يرحمكم الله)، لعل كلماتها توقظ في نفوس غيرها تقوى الله، فتكون سبباً في هدايتهم ونجاتهم.

 

ذكرتني هذه القصة بأخرى مشابهةٍ لها حدثت مع شابٍ جامعي، يروي القصة أحد زملائه من الشباب فيقول:

نحن مجموعةٌ من الشباب ندرس في إحدى الجامعات، وكان من بيننا صديقٌ عزيزٌ اسمه مُحمد، كان يُحيي لنا السهرات، ويُجيد العزف على النّاي حتى يُطرب أسماعنا. والمتفق عليه عندنا أن سهرةً بدون مُحمدٍ سهرةٌ ميتةٌ لا أُنس فيها. مضت الأيام على هذه الحال، وفي يومٍ من الأيام جاء مُحمد إلى الجامعة وقد تغيّرت ملامحه وظهرت عليه آثار السكينة والخشوع؛ فجئتُ إليه أحدّثه فقلت: "ما بك يا مُحمد؟ كأن الوجه غير الوجه"، فرّد عليّ بلهجةٍ عزيزةٍ وقال: "طلّقتُ الضياع والخراب، وإني تائبٌ إلى الله"، فقلتُ له: "عندنا الليلة سهرةٌ لا تُفوّت؛ فسيكون عندنا ضيفٌ تُحبه، إنه المُطرب الفلاني"، فرد ّ مُحمد عليّ وقال: "أرجو أن تعذرني؛ فقد قررتُ أن أقاطع هذه الجلسات الضائعة"، ثم أردف قائلاً: "اسمع يا فلان؛ كم بقي من عمرك؟ ها أنت تعيش في قوةٍ بدنيةٍ وعقليةٍ، وتعيش حيوية الشباب، فإلى متى تبقى مُذنباً غارقاً في المعاصي؟ لما لا تغتنم هذا العمر في أعمال الخير والطّاعات؟"، وواصل وعظه بنصائح طيبةٍ من قلبٍ صادقٍ: "يا فلان؛ إلى متى تُسوّف؟ لا صلاة لربك ولا عبادة، أما تدري أنك قد تموت اليوم أو غداً؟ كم من مُغترٍ بشبابه وملَكُ الموت عند بابه؟ كم من غافلٍ عن أمره وقد آن أوان انصرام عمره؟ كم من غارقٍ في لهوه وأُنسه وما شعر أنه قد دنا غروب شمسه؟". كلماتٌ قالها وكأنه يقول لنا: (أفيقوا يرحمكم الله).

يقول الشاب: "وتفرقنا على ذلك، وكان من الغد دخول شهر رمضان، وفي ثاني أيام رمضان ذهبتُ إلى الجامعة لحضور محاضرات السبت فوجدتُ الشباب وقد تغيّرت وجوههم، سألتُ: "ما بكم؟"، قال أحدهم: "خرج محمدٌ بالأمس من صلاة الجُمعة فصدمته سيارةٌ مسرعةٌ، فتوفاه الله وهو صائمٌ مُصلٍّ، الله أكبر ما أجملها من خاتمة". قلتُ: "لم يكن صائماً مُصلياً فحسب، بل وكان أيضاً تائباً إلى الله توبةً نصوحا". صلينا على مُحمد عصر ذلك اليوم، وأهلنا عليه التراب، وكان منظراً مؤثراً، يا رب ارزقنا حسن الخاتمة".

 

يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾. والمعنى كما يقول المفسرون: لَا يقنَطَنّ عبدٌ من رحمة الله، وإن عظُمت ذنوبه وكثرت، فإنّ باب التوبة والرحمة واسع.

 

وعن أكثر الناس احتياجاً للتوبة يقول أحد الناس -ونحسبه من الصالحين بإذن الله-: إذا تأملتَ في الناس تجدهم أربعة أصنافٍ لا خامس لهم: طائعٌ لله وسعيدٌ في الحياة، طائعٌ لله وتعيسٌ في الحياة، عاصٍ لله وسعيدٌ في الحياة، أو عاصٍ لله وتعيسٌ في الحياة. إذا كنتَ من الصنف الأول: طائعاً لله وسعيداً في الحياة، فهذا أمرٌ طبيعيٌ؛ يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فاحمد الله واستمر في طاعته. وإذا كنتَ من الصنف الرابع: عاصياً لله وتعيساً في الحياة، فهذا أيضاً أمرٌ طبيعيٌ؛ يقول تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾، وتكون أشد الناس احتياجاً للتوبة. أما إذا كنتَ من الصنف الثاني: طائعاً لله وتعيساً في الحياة، فهذا يحتمل أمرين: إما أن الله يُحبك ويُريد اختبار صبرك ورفع درجاتك؛ يقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، وإما أن في طاعتك خللاً وذنوباً غفلتَ عنها ومازلتَ تُسوّف في التوبة منها؛ ولذا يبتليك الله لتعود إليه؛ يقول تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. ولكن إذا كنتَ من الصنف الثالث: عاصياً لله وسعيداً في الحياة، فالحذر الحذر؛ لأن هذا قد يكون هو الاستدراج، وهذا أسوأ وضعٍ يكون فيه الإنسان، والعاقبة وخيمةٌ جداً، والعقوبة من الله آتيةٌ لا محالة، إن لم تعتبر قبل فوات الأوان؛ يقول تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾ فبادر إلى توبةٍ نصوح.

 

وهل التائب هو كل من يترك الذنب؟ يُجيب أحد العلماء فيقول: قد يظن الظانّ أنه تائب، لكنه قد لا يكون تائباً؛ بل يكون تاركاً، والتارك غير التائب؛ فالتارك قد يُعرِض عن الذنب لعدم خُطورِهِ بِبالِه، أو لعجزه عنه، أو لأن إرادته تنتفي له بسبب غيرِ دينيّ، وهذه ليست بتوبةٍ، بل لابد في التوبة من أن: يعتقدَ أن عمله يُعد سيئةً، ويكره فعله لنهي الله عنهُ، ويدعه للهِ تعالى لا لرغبة مخلوقٍ ولا لِرهبة مخلوقٍ، فإنّ التوبة من أعظم الحسنات، والحسنات كلها، يُشترط فيها الإخلاص لله وموافقة سُنة نبيه. ومن تاب ثم عاد فعليه أن يتوب ثانيةً، ثم إن عاد فعليه أن يتوب، وكذلك كلما أذنب، ولا ييأس من روح الله؛ فلعله إذا عاد إلى التوبة مرةً بعد مرةٍ مَنَّ الله عليه في آخر الأمر بتوبةٍ نصوح.

 

يقول أحد التائبين ناصحاً صديقاً له:

"أفكلما اشتهيتَ اشتريت؟ فمتى تتعلم الصبر؟ أفكلما خلوتَ عصيت؟ فمتى تتعلم التقوى؟ أفكلما تعبتَ استرحت؟ فمتى تتعلم الجَلَد؟ أفكلما يُسر لك تماديت؟ فمتى تبدأ التوبة؟ يا صديقي: تأتي المعصية فيرحل معها القرآن الكريم والصلاة وقيام الليل والخوف من الله، ثم يلحق بهما الذِكر ثم تذهب الطمأنينة ويأتي عُسر الحال وقلة البركة في الوقت والمال. تذكّر يا صديقي أن أصعب الحرام أوَّله، ثم يسهل، ثم يُستساغ، ثم يُؤْلف، ثم يحلو، ثم يُطبع على القلب، ثم يبحث القلب عن حرامٍ آخر، سبحان الله إنها خطوات الشيطان.

قال أحد الصالحين: إذا دعتك نفسك إلى معصيةٍ فحاورها حواراً لطيفاً بهذه الآية: ﴿قل أذلك خيرٌ أم جنّة الخُلد التي وُعِد المتقون﴾. إن الاستمرار في ارتكاب الذنوب والمعاصي وتسويف التوبة هو من أهم أسباب كدر العيش والفقر والغم وضيقة النفس. فهلّا بادرتَ صديقي إلى توبةٍ نصوحٍ تكون سبباً في سعادتك في الدارين: الدنيا والآخرة؟".

 

قال الشاعر:

أينَ العقولُ إذِ الإلهُ منادياً

كلَ العبادِ بأَن إليّ أنيبوا

للَه مَرجِعُكُم جميعاً فاعلموا

أنْ لا مفرَ من الإلِه فتوبوا

وقال آخر:

يا ربِ إنّ الصفحَ منكَ مؤملُ

فاصفحْ وأكْرِم إنكَ المُتفضلُ

هذا عبدُك جاءَ يدعو تائباً

والتوبُ عندكَ يا إلهي يُقبلُ

وقال ثالث:

على بابِ جودِكَ أنختُ ربي راحلتي

ورجوتُ عفوَكَ عن ذَنبي وعن زَللي

وذرفتُ بالبابِ دموعَ التوبةِ من مُقلٍ

سهرتْ تُناجيكَ في خوفٍ وفي أملِ

 

أحبتي.. (أفيقوا يرحمكم الله) وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وتوبوا إلى الله واعملوا ليومٍ آتٍ لا ريب فيه؛ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. فلنتب إلى الله فوراً، بغير تأجيلٍ ولا تسويف، قبل أن يوافي أحدنا أجله المحتوم فيقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ فيأتي الرد سريعاً وحاسماً: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. ولنواظب على الدعاء لأنفسنا بالمغفرة والرحمة ونقول: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. أحبتي.. لا تيأسوا مهما بلغت أوزاركم، ولا تقنطوا مهما بلغت خطاياكم؛ فما جُعلت المغفرة إلا للمذنبين، والله رؤوفٌ رحيم، وهو القائل في كتابه الكريم: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾؛ فاشكروا وآمنوا وعودوا إلى صراط العزيز الحكيم.

هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل.

https://bit.ly/3t10IAE


الجمعة، 18 فبراير 2022

تسريحٌ بإحسان

 

خاطرة الجمعة /331


الجمعة 18 فبراير 2022م

(تسريحٌ بإحسان)

 

من مذكرات أحد الأئمة:

لقيته مرةً جالساً في المسجد حزيناً كئيباً؛ فوقفتُ على رأسه وقلتُ له مداعباً: "قال رجلٌ لآخر: هل زوجتك من النوع النكد؟! فرد عليه صاحبه: وهل هناك نوعٌ آخرٌ؟!"، فنظر إليّ نظرةً ملؤها الحزن، ثم أشاح بوجهه، وأشار إليّ بيده أن اجلس؛ فجلستُ بجواره مستغرباً وقلتُ: "ما بك؟!"، فاستدار، وزفر زفرةً مُخيفةً، ظننتُ أنها خرجت معها بنار!، ثم قال: "أنا منذ سنواتٍ أُعاني من عدم التفاهم بيني وبين زوجتي، وهي كذلك!"، سألتُه: "هل تمزح؟!"، قال: "لا والله، لا أقول إلا الحق" ثم أكمل قائلاً: "طلقتُها البارحة!"، فاندهشتُ وقلتُ: "هكذا بكل بساطة؟! أنسيتَ العِشرة؟! ألا تتذكر لها أية حسنة؟ وبناتك؟ ألم تفكر فيهن؟"، رد عليّ قائلاً: "يا أخي لا تعجل، امرأتي واللهِ إنسانةٌ فاضلةٌ نبيلةٌ، وهي …"، قاطعتُه بسؤالي: "وتُطلقها رغم فضلها ونبلها؟ ما هذا الكلام؟!"، رد بقوله: "أنت الذي بدأتَ الكلام معي، فإمّا أن تستمع لي، أو تُغيّر الموضوع"، اعتذرتُ منه وقلتُ: "آسف، أكمل!"، قال: "ولأنها نبيلةٌ وفاضلةٌ فقد جلستُ معها البارحة جلسة مصارحةٍ، بناءً على رغبتها، ودار بيننا حوارٌ طويلٌ، ثم قالت لي بالحرف الواحد: أنا أحترمك جداً، لكني لا أشعر تجاهك بحبٍّ، ولا أستطيع الاستمرار معك في هذه المعاناة، وأنت رجلٌ طيبٌ، ولا أريدُ أن أظلمك أو أظلم نفسي، فقلتُ لها: فما الحل؟! قالت: أن تُطلقني وأنت عني راضٍ، ونتفق على كيفية زيارتك للبنات، هذا إن سمحتَ لي أن أقوم برعايتهن، والأمر لك. فدمعت عيناي، وأكبرتُها جداً، وقد كنتُ أدعو الله تعالى أن يُنير لنا الطريق الصحيح، ثم قلتُ لها: أسأل الله تعالى أن يُعوضك خيراً مني، فقالت: وأنا أشهد لله أنك طيبٌ، وأسأل الله أن يُعوضك خيراً مني. ثم طلقتُها وخرجتُ من البيت باكياً، أهيم في الشوارع كالمجنون، فما هانت عليّ الذكريات الجميلة، وما هانت عليّ هي، ولا بناتي، لكني كنتُ أمام أمرين أحلاهما مرٌّ. وبعد قُرابة ساعتين، رجعتُ إلى البيت وإذا بها قد حزمت حقائبها وجلست تنتظرني؛ فأعطيتُها مبلغاً من المال ثم أوصلتُها إلى بيت أهلها ومعها بناتي الصغار؛ فودعتني وهي تبكي. والآن أشعر بفراغٍ كبيرٍ جداً في حياتي، ولستُ أثق في أحدٍ أشكو له حالي إلاّ الله". فحزنتُ لكلامه جداً، وقلتُ له: "أُقسم بالله سيعوضك الله خيراً؛ فأنت رجلٌ شهمٌ وعظيم الأخلاق". وفي الحقيقة فقد ذرفت عيناي ولم أستطع أن أُكمل جلوسي معه فاستأذنتُه وقمتُ، وأنا أدعو له كثيراً. كنتُ أراه في المسجد منهمكاً في الدعاء، ولم أكن –حينها– معروفاً كثيراً بين المصلين، ولم أكن إماماً، بل كنتُ طالب علمٍ صغيرٍ – ولم أزل والله– فكنتُ أمكث في المسجد بعد الصلوات أحياناً، كنتُ أشاهده دائماً على هذا الحال منفرداً بنفسه. ثم فرقت الأيام بيننا، وبعد سنواتٍ رأيتُه صدفةً يركب سيارته فما كدتُ أصدق عينيّ؛ فصحتُ به من بعيدٍ فالتفت فلما رآني أشرق وجهه وابتسم ابتسامةً حبيبةً وأوقف سيارته ثم أقبل نحوي مُسرعاً؛ فلما وصل صافحني بحرارةٍ وضمّني ضمةً أحسستُ بأضلاعي تطقطق منها! وكان طويلاً جسيماً وأنا .. لن أقول لكم! سألتُه: "ماذا صنع الله بك بعدي؟!" قال: "هل عندك وقتٌ؟"، قلتُ: "نعم"؛ فركبتُ معه وانطلق بالسيارة ثم انطلق في الحديث! قال: "أتذكر تلك القصة؟!"، قلتُ: "لقد حُفِرت في قلبي وعقلي!"، قال: "فإني كنتُ يوماً في المسجد، وإذ برجلٍ كبير السن، وقورٍ، ذي لحيةٍ بيضاء، يرمقني من بعيدٍ، ثم اقترب مني فإذا هو أبو فلان، قمتُ إليه، وصافحته، فقال لي: "اجلس!" فجلس وجلستُ معه، قال: "يا بُني؛ منذ فترةٍ طويلةٍ وأنا أراقبك، وأراك تُطيل الجلوس بعد الصلاة في المسجد لوحدك، هل تُعاني من ديون؟!"، فضحكتُ وقلت: "لا يا عم، لكني أمرُّ بظروفٍ عائليةٍ، وإن شاء الله تعالى يُفرّجها"، قال: "أهي سرٌّ؟!"، قلتُ: "عنك أنت؟ لا". ثم أخبرتُه بالقصة كلها فتأثر جداً، ثم سألني: "فلماذا لم تتزوج حتى الآن؟!"، قلتُ: "على يدك!"، فنظر إليّ وقال: "هل أنت جادٌ؟!"، قلتُ: "نعم!"؛ فأخذ بيدي وأقامني بقوةٍ وقال: "قُم معي!"، فقمتُ معه كالمسحور! فمشينا حتى أدخلني بيته، وتركني في المجلس، ودخل على أهله، وغاب عني قرابة ربع ساعةٍ مرت كأنها أربع ساعات! ثم عاد إليّ وأنا غارقٌ في العرق!، قال لي: "يا ولدي .. بعد قليلٍ تدخل علينا بنتي بالقهوة؛ إن أعجبتك فهي زوجتك، وإلاّ فالحمد لله ما صار شيء!"، فغصصتُ بريقي، ونظرتُ إلى ثوبي، وعدّلتُ من عقالي، وتسمّرتُ مكاني، فإذا بقطعة قمرٍ تدخل علينا من الباب، لها ابتسامةٌ خجولةٌ، نظرها إلى الأرض، لم أرَ بدراً ضاحكاً قبل وجهها، ولم ترَ هي قبلي ميّتاً يتكلمُ! دخلتْ تحملُ شيئاً بين يديها، فوضعتْه بيني وبيني أبيها، ثم انصرفتْ! اكتشفتُ بعد أن أفقتُ من ذهولي أنّ هذا الشيء هو القهوة! مسحتُ جبيني والتفتُّ لأبيها وقلتُ مُداعباً: "الله يهديك يا عمّ أحرجتَ البنت؟!"، فضحك وقال: "البنت أم أنت؟!"، ثم سألني: "ما رأيك في العروسة؟!"، قلتُ: "موافق!"؛ فضحك وقال: "أحضر لي غداً 5000 ريال مهرها، ومأذوناً شرعياً، وحياك الله تأخذ زوجتك والله يبارك لكما!"، قلتُ: "يا عمي 5000 آلاف قليلة، وأنا أيضاً أحتاج إلى أن أُجهز نفسي، وأشتري للبنت حاجاتها، و..."، قاطعني وقال: "لا حاجة لذلك؛ أنت عندك بيت، وكل شيءٍ ستجده جاهزاً غداً عندي إن شاء الله. أنت تستحق كل خير". قال: "فتزوجتُها .. والآن عندي منها ولدان، وبناتي يعشن معنا، ولا أزال على ذكرى طيبةٍ بزوجتي الأولى، وأدعو لها دائماً"، قلتُ: "هل تذكر أني قلتُ لك إن الله سيعوضك خيراً لأنك شهمٌ؟ لم تخن العشرة، ولم تجرجر زوجتك وأهلها في المحاكم وأقسام الشرطة، ولم تفترِ عليها وعليهم الكذب، بل تتحدث عنهم بخيرٍ في كل مجلس، لم تبتزها حتى تحصل على مالٍ مقابل طلاقها منك. أنت والله شهمٌ ورجلٌ بمعنى الكلمة"، قال: "أتوقع أنك ستفضحني في دروسك، ومقالاتك"، قلتُ: "اطمئن!".

 

أحبتي في الله .. هذا نموذجٌ رائعٌ لمسلمٍ تقيٍ ألزم نفسه بالتوجيه الإلهي (تسريحٌ بإحسان) والذي ورد ذِكره في قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

قال المفسرون لهذه الآية إن المُراد بها التعريف بسُنة الطلاق، أي من طلّق اثنتين فليتقِ الله في الثالثة، فإما تركها غير مظلومةٍ شيئاً من حقها، وإما أمسكها مُحسناً عشرتها، والآية تتضمن هذين المعنيين. والطلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظٍ مخصوصة. وهو مباحٌ بهذه الآية وبغيرها، وبقوله عليه الصلاة والسلام: [فإن شاء أمسك وإن شاء طلق]، وقد طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها. وأجمع العلماء على أن من طلّق امرأته طاهراً في طُهر لم يمسها فيه أنه مطلّقٌ للسُنة، وللعدة التي أمر الله تعالى بها، وأن له الرجعة إذا كانت مدخولاً بها قبل أن تنقضي عدتها، فإذا انقضت فهو خاطبٌ من الخطاب.

 

وكتبت إحداهن مقالاً جميلاً حول هذا الموضوع عنوانه (تسريحٌ بإحسان) قالت فيه إنّ من أبلغ الآيات التي تحدثت عن العلاقة الزوجية وعن حق المرأة في حال الانفصال، قوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، حفظتْ هذه الآية حق الزوج في الاختيار، وحفظتْ وجوباً كرامة المرأة وحقوقها كزوجةٍ أو طليقة. الحياة الزوجية عمادها المودة والرحمة، وأحد أهدافها الإعفاف وسد الاحتياجات الطبيعية، لكن يحدث اليوم استمرار الحياة الزوجية على الرغم من الانفصال العاطفي بين الزوجين، وتمضي أيامهما في غربةٍ وصمتٍ أو في شتاتٍ بين بيت الزوجية وبيت الأهل، فقط للاستمرار في ذات الشكل الاجتماعي أو خوفاً من تبعات الطلاق، وقد ينتهي المطاف بالزوجة إلى القضاء كطريقٍ لا تتمناه للبت في حالها. نعم، الأصل في عقد الزواج التأبيد، لكن مع استحالة العشرة يكون الانفصال هو المُقدَم على الاستمرار، ولا يوجد ما يُبيح للرجل تعليق زوجته وتركها متذبذبةً؛ فلا هي أخذت حق الزوجية كاملاً، ولا هي خرجت من ذمته فتسعى لحياةٍ أخرى كريمة. ولأن العصمة في الزواج بيد الرجل، كان حل تلك العصمة المنعقدة بيده، وكان العبء الأكبر عليه في رسم مسار تلك الحياة بالاستمرار أو الفراق، وكلا الأمرين شرطهما إكرام المرأة وإعزازها، وعدم إيذائها بالمن عليها وظلمها بمساس شيءٍ من حقوقها المالية والنفسية والعاطفية والاجتماعية. استضعاف المرأة والضغط عليها من خلال أي جانبٍ من تلك الجوانب يعتبر إضراراً بها ومنافياً للإحسان وللمعروف الذي أُمِر الرجل بمراعاته معها والالتزام به، الكيد للمرأة في نفسها أو في أبنائها والانتقام منها بطول مقاطعتها أو تعطيل مصالحها أو تأخير طلاقها أو المبالغة في التعويضات المتفق عليها للانفصال أو إخراجها من بيتها قبل انقضاء عدتها أو الحديث بما يُشير إليها أو إلى خصوصيتها ولو تلميحاً، كلها تُعتبر من التعدي عليها، وتُعد مخالفةً صريحةً للأمر الوارد في هذه الآية الكريمة، والمدعوم بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا﴾. يجب أن نجعل من قرآننا وأخلاقنا أفعالاً تُرى، وليس شعاراتٍ تُرفع.

 

وعند وقوع الطلاق يكون الأبناء هُم أول ضحاياه؛ الأمر الذي دفع إحدى الصحافيات للتساؤل: لماذا لا يُفكر الزوج والزوجة في مصير أطفالهما بعد الطلاق؟ هل يضمنان الحالة النفسية التي سيكون الأطفال عليها بعد الانفصال؟ هل فكرا في مستقبل أبنائهما والحالة التي سيكونون عليها بعد أن تتأزم نفسياتهم وتنعكس المشكلات على شخصياتهم وتوجهاتهم وطرق تفكيرهم؟ وما هو حال الصغار مع زوجة الأب أو مع زوج الأم؟ ومن يضمن ألا يكره الصغار آباءهم أو أمهاتهم؟ خاصةً ونحن نرى كيف يتبارى بعض الآباء والأمهات في تشويه صور بعضهم بعضاً لدى أطفالهم؛ مما يؤدي إلى مشكلاتٍ نفسيةٍ يُعانون منها، لا يعلم مداها إلا الله عزَّ وجل.

 

لا شك في أن الطلاق هو آخر ما يجب التفكير فيه إذا استحالت العشرة بين الزوجين، لكن هناك مرحلتين مهمتين تسبقانه، يجب ألا يحرم الزوجين المتخاصمين نفسيهما منهما، الأولى هي مرحلة الصلح؛ وتكون بالتفاهم ومحاولة حل المشكلات وإعادة النظر في السلوكيات التي كانت سبباً في سوء الفهم والخصام بين الزوجين، مع التسليم بأنه في هذه المرحلة لابد أن يُقدم كل طرفٍ بعض التنازلات كي تعود المياه إلى مجاريها؛ يقول تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾. أما المرحلة الثانية فهي التحكيم؛ وتكون بتدخل الحكماء من أهل الزوج وأهل الزوجة بهدف الإصلاح ببنهما؛ يقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾.

 

أحبتي .. أختم بفقرةٍ منشورةٍ في إحدى الصحف استوقفتني، يقول كاتبها: "أنتم أيها المندفعون نحو المجهول، أعيدوا التفكير في الأمر، فتشوا في أعماقكم فقد يجد كلٌ منكم شيئاً من التقصير في داخله لم يتنبه إليه سابقاً، صحيحٌ أنّ هناك مشكلةً ما تدفع إلى الفراق، لكن من يدري، فربما يكون هناك شيءٌ آخر جديرٌ بإعادة التفكير والتأني".

أحبتي إذا وصل الزوجان إلى ما لا نتمناه -وهو الطلاق- فليتذكر كلٌ منهما قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ وليكن حرصهما وقتها على أن يتم إنهاء الحياة الزوجية مع الالتزام الكامل بالتوجيه الرباني (تسريحٌ بإحسان).

وفقنا الله لما يُحب ويرضى، وأبعد الفُرقة والخصام عن بيوتنا، ومتعنا بالوئام والانسجام والمودة والرحمة.

https://bit.ly/3LLTLMv

الجمعة، 11 فبراير 2022

مودةٌ ورحمةٌ

 

خاطرة الجمعة /330


الجمعة 11 فبراير 2022م

(مودةٌ ورحمةٌ)

 

في أحد الأيام دخل طبيبٌ إلى عيادته في الساعة العاشرة صباحاً، ودخل رجلٌ عجوزٌ تجاوز السبعين من عمره، جاء لإزالة بعض الغرز من إصبع قدمه المُصاب، كان العجوز متعجلاً من أمره فقال للطبيب: "أرجوك أيها الطبيب فك الغرز سريعاً؛ فلديّ موعدٌ هامٌ في العاشرة والنصف"، تساءل الطبيب في نفسه متعجباً، ماذا يمكن أن يكون موعد العجوز المسن؟ وأين سيذهب؟ فسأل الطبيب الرجل بفضولٍ شديدٍ: "أين ستذهب يا أبي في هذا الوقت؟"، ابتسم العجوز قائلاً: "سوف أذهب لأتناول طعام الإفطار مع زوجتي العزيزة في دار المسنين يا بُني". اندهش الطبيب وسأل الرجل: "كيف تضع زوجتك في دار مسنين؟"، فرد العجوز: "هي مصابةٌ بمرض الزهايمر؛ ولا تستطيع تذكر أي شيءٍ"، فقال الطبيب: "وهل تغضب زوجتك إذا تأخرتَ عنها يا أبي؟"، رد العجوز من بين دموعه: "هي لم تعد تتذكرني يا ولدي منذ سنواتٍ كثيرةٍ، ولا تعرف من أكون"، تعجب الطبيب بشدةٍ وقال: "وإن كانت زوجتك لا تتذكرك ولن تغضب منك إذا تأخرتَ؛ فلماذا تُتعب نفسك وتذهب إليها كل يومٍ بدار المسنين؟"، قال العجوز وهو يبتسم: "يا ولدي هي لم تعد تتذكرني، لكنني لا زلتُ أتذكرها وأحبها؛ فلن أنسى سنوات عمرنا التي قضيناها معاً وذكرياتنا الكثيرة وأيامنا الجميلة التي مضت". بكى العجوز بحُرقةٍ، ثم رحل ليلحق موعده مع زوجته.

 

أحبتي في الله .. إنها (مودةٌ ورحمةٌ) بين زوجين عاشا معاً الحياة بحُلوها ومُرّها، جعلها المولى عزَّ وجلَّ بين الأزواج لتكون مفتاحاً لكل خيرٍ، وسبباً لكل سعادةٍ، وباباً يُفضي إلى السكينة؛ يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. ومن أفضل ما قيل عن هذه الآية الكريمة إنها تتضمّن آيةً من آيات الله الكونيّة، وهي أنّ الله تعالى قد جعل الزَّواج سكناً، وجعل بين الزَّوجين -مهما تباعدا في النَّسب- مودةً ورحمةً؛ وبالتالي فإنّ الشِّقاق بين الزَّوجين -إن حدث- هو خلافُ الأصل، لابد أن يُعالج؛ إذ أن كلَّ واحدٍ من الزوجين يعلم وقتها أنه قد خرج عن الأصل الَّذي تُبنى عليه العلاقة الزوجية؛ فإنّ فقدان المودَّة والرَّحمة، أو ضعفهما وعدم السَّكن والاستقرار، داءٌ ينبغي معرفة سببه؛ ليتيسَّر علاجه، فليقف الزوجان وقفةً متأمّلةً، عند هذه الآية الكريمة، ويجتهدان في النظر إلى مسار حياتهما ليعرفا سبب العلّة والداء، ومن ثمّ يتطلّعان إلى معرفة الشفاء والدواء، والعودة إلى حال الصِّحَّة والعافية.

 

إنّ أعظم صور المودة والرحمة تتجلى في الوفاء من الزوج لزوجته ومن الزوجة لزوجها. وعن هذا الوفاء اطلعتُ على قصةٍ قصيرةٍ يقول صاحبها: مرت عدة أشهرٍ على زواجي، وزوجتي الآن نائمةٌ بجانبي، وأنا أتابع التلفاز، فجأة اهتز هاتفي، نظرتُ إلى شاشته فإذا بي أجد هذه الرسالة "أنا فلانة، سمعتُ أنك تزوجتَ لكني ما زلتُ مشتاقةً لك"، إنها صديقةٌ قديمةٌ؛ فتاةٌ جميلةٌ وأنيقةٌ. أغلقتُ الرسالة ونظرتُ إلى زوجتي فإذا هي في سُباتٍ عميقٍ من تعب النهار وأعراض الحمل، تأملتها كثيراً، وفي رأسي أكثر من سؤال: مَن أعطاها هذا الأمان لتنام بهذا النوم العميق في بيتٍ جديدٍ عنها بعيدةً عن بيتها الذي قضت فيه ستاً وعشرين سنةً، وأهلها الذين نشأت بينهم؟ ما الذي جعلها تترك كل شيء وتأتي معي لبيتٍ جديدٍ عنها لتهتم بي؛ تطبخ وتغسل وتسهر على راحتي؟ بل وفوق هذا هي الآن نائمةٌ مطمئنةٌ وواثقةٌ أنها بجانب رجلٍ يتكفل بحراستها؛ فأمسكتُ هاتفي وقمتُ بحظر صاحبة الرسالة، والتفتُ إلى زوجتي، ونمتُ بجانبها؛ فأنا رجلٌ لا أخون زوجتي التي وثقت بي، وتركتْ أهلها وبيتها وإخوتها من أجلي، لن أُدمر عائلتي، ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.

 

وهذا رجلٌ نبيلٌ لم يتفق مع زوجته فذهب ليطلقها؛ فسألوه عن سبب طلاقها فقال: "لا أتحدث عن زوجتي بما يسوؤها ولا أفشي سراً لها". وبعد أن طلقها قالوا له: "الآن طلقتها، فأخبرنا عن سبب طلاقك لها"؛ فقال: "لا يحل لي أن أتكلم عن امرأةٍ صارت أجنبيةً عني". إنها أخلاق الرجال عندما تتأصل في نفوسهم قيم النبل والوفاء، كأني به وقد امتثل لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

 

الوفاء -يقول أحدهم- ليس محصوراً في الأساطير، ولا في القصص النادرة التي تُحكى، إنه سلوكٌ يحملنا على الامتنان للناس الذين قضوا معنا جُزءاً طيباً من حياتنا، فنذكرهم بالخير، ونُثني عليهم بما هُم أهله، وننسى ما نُظنه إساءةً أو خطأً في حقنا، ونتذكر معهم قول الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾. الحياة الزوجية ليست شراكةً اقتصاديةً تقوم على الكسب، ولا رفقةَ سفرٍ عابرٍ، إنها امتزاجُ روحٍ بروح، ودمٍ بدم، هي مستقبلٌ واحدٌ، وأسرةٌ واحدةٌ، ويا لجمال التعبير القرآني حين يصف عقد الزواج بـ "الميثاق الغليظ"، والسياق يجعل الميثاق هنا لصالح المرأة، وأنها أخذته من الرجل ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾. وحين يُعبر عن الزوجية بأنها سكنٌ و(مودةٌ ورحمةٌ) هنا لم يذكر الجانب المادي البتة. الوفاء خُلُقٌ إنسانيٌ رفيعٌ، ومعنىً شريفٌ، وعلاقةٌ جميلةٌ، لن تأتي حينما نقتصر على انتظارها من الآخرين، أو حين نلومهم على التفريط فيها، إنما تأتي حينما نرمي بسهمنا فيها، ونبدأ بصياغة حروفها الأولى؛ ليجد الشريك الآخر نفسه منساقاً طوعاً إلى مجازاة الجميل بالجميل، ومقابلة الحُسنى بالحُسنى، وكلما عرض عارضٌ بقطع حبل الود استدعى الوفاء ساعات الصفاء وتناسى الجفاء. وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحدٍ؛ جاءت محاسنه بألف شفيع. صحبة الزوجين تعني رصيداً عاطفياً يكبر مع الزمن، تعني شجرةً تمتد أغصانها وتبسق، وتضرب جذورها في أعماق التربة، وليست صلةً مصلحيةً آنيةً تزول بمرور الزمن، ولا شجرةً سريعةَ الذبول يجتثها صاحبها ليغرس بدلاً منها غيرها دون تردد. أليس لنا في رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- أسوةٌ حسنةٌ؟ لقد ظل وفياً للسيدة خديجة -رضي الله عنها- حتى غارت منها السيدة عائشة -رضي الله عنها- وقالت: "أبدلك الله خيراً منها"، فقال عليه الصلاة والسلام: [ما أبدَلَني اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ]. الحياة الزوجية أخذٌ وعطاءٌ، فهي تصالحٌ وتسامحٌ، وإعراضٌ وإغماضٌ، وتراحمٌ وتلاحمٌ. والحب والوفاء والمروءة والمودة والرحمة والإيثار هي الأُسس التي تطيب معها النفوس، وتحلو بها الحياة.

 

وفي وصفةٍ سحريةٍ للسعادة الزوجية التي قوامها (مودةٌ ورحمةٌ) بين الزوجين كتب أحدهم: خلق الله تعالى آدم عليه السلام من التراب، ثم خلق حواء من ضلعه، فحواء بهذا المفهوم هي جزءٌ من آدم، والجزء مفطورٌ على أن يتبع الكُل، والكُل مفطورٌ على أن يقود الجزء؛ فالرجل قائد المرأة لا سيدها، والمرأة تعيش في كنفه وليست أمَته، لم تكن القضية يوماً من يُسيطر على من؟ ولا من يُلغي من؟ القضية كانت دوماً في أن يحنو الكُلّ على جزئه، وأن يحتمي البعض بكُلّه. وحين فطر الله الرجل ليكون قوّاماً، هذا يعني أنه جعل المرأة إحدى مسؤولياته، لا إحدى ممتلكاته! وحين فطر المرأة لتعيش في كنف الرجل، فلأنه فطره أولاً أن يُحب رقتها، ويستعذب لجوءها إليه، لجوءٌ أنثويٌ تُمارس فيه المرأة فطرتها دون أن تشعر أن إنسانيتها تُمتهن، إنها الطريقة المتقنة التي أبدعها الله لتستمر الخليقة؛ فالرجل حين يتصرف على أساس أنه يحمي امرأته ويعطف عليها، لا يشعر أنه يتصدق عليها بقدر ما يشعر أنه يحقق رجولته. والمرأة حين تعيش رقيقةً في كنف رجُلها، لا تشعر أنها تابعةٌ له، بقدر ما تشعر أنها تحقق أنوثتها. هناك بيوتٌ كثيرةٌ تقود فيها النساء الرجال، اسألوهن هل هنّ سعيدات؟ سيخبركن أنهن يشتهين رجلاً يُمسك زمام الأمور مكانهن، لأنهن يمارسن وظيفة غير التي خُلقن لها، ويلعبن دوراً خارج السيناريو المكتوب بإتقان. أحياناً تُضطر المرأة أن تسد مكان الرجل، ولكنها تفعل ذلك من باب الاضطرار لا من باب الرغبة، لو كان الأمر إليها ما اختارت أن تلعب دوراً غير ذلك الذي خُلقت له. اسألوا النساء اللواتي يظهرن على أنهن يتصرفن كيف شئن وكيف يشعرن، ستخبركن كل واحدةٍ منهن أنها تشتهي رجلاً يغار عليها. ستحدثكم أنها تبيع الدنيا لأجل رجلٍ قد يرتكب جريمةً إذا حاول أحدٌ أن يمسّ شعرةً من رأسها. ستحدثكم كم تتمنى أن يهديها رجلٌ يحبها هديةً رغم أن بإمكانها أن تشتري ما تريد. الأشياء البسيطة التي لا تأبهون بها ثروةٌ في عيون النساء، لأنهن خُلقن أن يسعدن بالقليل. اسألوا النساء عن رجلٍ يضع يده في يدها ليعبر بها الطريق، رغم أنها تستطيع أن تعبره وحدها. اسألوا النساء عن رجلٍ يضع يده على جبينها يتحسس حرارتها حين تمرض، رغم أن عندها ميزان حرارة. اسألوا النساء عن رجلٍ يهديها وردةً، رغم أن لديها حديقة. اسألوا النساء عن رجلٍ يخلع معطفه ويلبسها إياه في يومٍ ماطرٍ، رغم أنها لا تشعر بالبرد. اسألوا امرأةً عن رجلٍ يكتب لها أحبك دون مناسبة، رغم أن لديها مئة ديوان شعر. اسألوا امرأةً عن رجلٍ يُعدّ لها كوب عصيرٍ، رغم أن عندها خادمة. هؤلاء الرجال لا يُسعدون النساء فقط، هؤلاء يُحلقون بهن إلى السماء، لأن الجزء فيه جوعٌ لاهتمام كُلّه به. أخيراً، ليتذكر كل زوجٍ أمر الله له، والذي تدوم به السعادة الزوجية؛ يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

 

أحبتي .. أختم بآيةٍ كريمةٍ وحديثين من الأحاديث الشريفة؛ أما الآية فأوجهها إلى كلا الطرفين، الزوج والزوجة؛ يقول تعالى: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. والحديث الأول أوجهه لكل زوجٍ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: [اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا]، وأما الثاني فأوجهه إلى كل زوجةٍ؛ قال عليه الصلاة والسلام: [لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا].

اللهم أصلح ذات بيننا، واجعل اللهم في كل بيتٍ من بيوتنا سكناً وسَكينةً، ومحبةً ووفاءً، واكتب لأسرنا أن تسودها (مودةٌ ورحمةٌ) لتتحقق السعادة الزوجية ويعم الوئام والانسجام؛ فينشأ أبناؤنا في بيئةٍ إسلاميةٍ صحيحةٍ يتعودون فيها من صغرهم على الحب والتعاطف والإيثار والوفاء.

https://bit.ly/3Bf0lGk